تجربة مفيدة مع مجندين الكترونيين كلفتني اعصابي ووقتي
    الأربعاء 16 يناير / كانون الثاني 2019 - 02:14
    صائب خليل
    لا بأس ان نقدم اعترافات بحماقاتنا لأن ذلك يجنبنا السقوط فيها ثانية ويجنب الآخرين أيضا نفس الخطأ. 
    نشرت قبل بضعة أيام على صفحتي المسماة صورة الطفل الإيراني "أريان غلامي” الذي تخلى عن جائزة الشطرنج الذهبية في مسابقة دولية، لرفضه اللعب أمام رسيله الإسرائيلي، وقد ترجمت النص المرفق للصورة ونشرتها تحت عنوان: "عندما لا ينسى الأهل تربية أولادهم على الكرامة!"
    على صفحتي "التطبيع إقرار بالدونية" نشرت الصورة والنص وفكرت انها مناسبة لتصل الى كل العرب، خاصة المغرب العربي المتميز بالفوبيا من ايران بشكل عام، فقمت بترويجها بمبلغ بسيط على البلدان العربية. 
    في البداية كانت ردود الفعل إيجابية ثم دخل مجموعة من الشباب من الجزائر وليبيا والمغرب العربي عموما.. وكذلك شخص كردي، او هكذا تفهم منهم. وبدأ الهجوم الغريب على الطفل الإيراني وعلى الشيعة وقمت بالرد أحيانا بعنف واحياناً بهدوء، لكن الإصرار على خطاب تكفيري شرس كان غريباً ومدهشاً.. 
    المدهش ايضاً أن جماعة المغرب العربي اتفقوا مع الكردي في الهجوم، فصار يدافع عن السعودية وعن فلسطين! التي يتهمنا بالتفريط بها، بل صار يتهمني بالتخلي عن "قوميتي" و "عروبتي" والدفاع عن ايران! وهذه اول مرة يحث فيها كردي عربي على الإخلاص لقوميته حسب علمي! 
    كتب احدهم يسألني: هل ترضى ان يشتم الشيعة الصحابة؟ فاستبشرت خيراً ان تفاهما قادماً كما يبدو، واجبت بأني لا أرضى لكن ليس كل الشيعة يشتمون الصحابة بل ان اهم سادتهم وشخصياتهم يرفض ذلك، فلم اسمع السيستاني يفعل ذلك ويرفضها نصر الله والوائلي ومحمد حسين فضل الله وكثير اخرين ...وانا لا ادعوكم الى احترام كل الشيعة ففيهم مثل السنة من هو جيد ومن هو سيء.. الخ. 
    لكن الرد جاء وكأنه لم يقرأ جوابي ولم يسعده شيء.. 
    لم يكن الجدال كله معركة، فحينما كان الرد يسمح، كنت استعين بكل ما استطيع من الهدوء والصبر لشرح الأمر، لكني كنت اتحدث مع طرشان. وبعد اليأس كتبت: "... هذا منشور يدين اسرائيل.. المفروض انتم اول من يفرح به... تجون مثل المجانين تحولون المنشور الى صراع طائفي داخل الإسلام وتسعدون اسرائيل؟ هل هذا ما تريد؟ هل هذا يعجبك؟ هل هذا ما ينتظره الاسلام منك؟"
    كذلك حاولت احدى الصديقات التي تجيد اللهجة الجزائرية التدخل بكل ما تستطيع، دون جدوى ودون أي تغير.. 
    وأخيراً في ختام السهرة الضائعة والمتوترة وجدت نفسي اكتب: 
    "اخواننا في المغرب العربي.. اريد ان تعرفوا وجهة نظرنا عنكم لأننا يبدو اننا لن نتفق ابدا... (أنا سني بالمناسبة ، قبل ما تتهموني بالطائفية).. انتو الواحد لما يلاقيكم في اي مجال: القومية والوطنية والدين والتضحية .. على الراس تكونوا.. لكن لما يوصل الموضوع الى الشيعة او ايران.. او صدام، يشعر الواحد انه دخل في مصحة عقلية... أنتم اساءة لبلدكم و للعرب وللإسلام.. لو كان ربع العرب مثلكم فسوف اتبرأ من كوني عربيا.. ولو كان ربع المسلمون مثلكم فسوف اخجل من كوني مسلما.. لقد حولتم بغبائكم التام منشورا مضادا لإسرائيل، إلى عيدا لها."

    شكوت لأحد الأصدقاء ما حدث فسألني ان كنت متأكد انهم لم يكونوا مجندين الكترونيين؟ 
    وهنا صدمت كمن صحا من النوم فجأة. ذهبت بسرعة لأفحص صفحاتهم فاكتشفت ان خمسة منهم كانوا مجندين بدون أي شك، وكذلك الشخص الذي ادعى انه كردي! وكان هناك اثنان اخران احدهما يبدو انه طفل، والثاني شخص تافه. 

    الغريب اني اشك دائما بكل من يعلق، لكن لم يخطر ببالي ان يكون هؤلاء أيضا مجندين، ربما لأني كنت متوقع ان يكون اهل المغرب العربي مشحونين بشكل جنوني ضد الشيعة وضد ايران. 
    كان هذا الاكتشاف مخجلا بعض الشيء، لكنه كان مطمئنا ومريحا الى حد بعيد، وقررت ان اكتب الحادثة لأنبه الآخرين من اننا مهما تحذرنا فهم مدربون على اسقاطنا في الفخ بأساليبهم المختلفة وباللعب على الأوتار الحساسة والتنقل بين العنف اللفظي والمرونة. لم يكن هؤلاء اذن من الحاقدين فعلا على الشيعة وايران، وقد لا يكونون من المغرب العربي، ومن المحتمل انهم شخص واحد، لعب جميع الأدوار، حتى دور الكردي. ومثل هؤلاء قادرين على ان يعطونا انطباعاً غير صحيح عن المقابل مثلما يعطي المقابل فكرة مشوهة عنا. ولا شك ان الإيرانيين يتعرضون لمثل هذا القصف الإعلامي الشامل للعقول لزيادة الشق من الجانبين. 
    أنا لا ادعي ان المشاعر ممتازة كما نأملها، لكنها بلا شك ليست بالسوء الذي يحاول مثل هؤلاء اعطاءنا الانطباع عنه. ولا شك ان مثل هذا الإعلام في النت وفي التلفزيون وكل الوسائل قد اتى أكله بدرجة ما، لكن لحسن الحظ، مازال الأمر افضل مما نتصور، ومما يحاول مجندوهم الالكترونيين اقناعنا به، لذلك علينا الانتباه وعدم الانسياق وراء الغضب. 

    بقي ان احدد اهم مواصفات المواقع المزيفة للمجندين الالكترونيين، من اجل التعرف عليهم وحظرهم: 
    1- يتميز كلامه عادة بالعنف اللفظي المستفز وبشكل غير منطقي وبدون تدرج او مقدمات.. انك تشعر ان الكلمات كتبت من اجل الاستفزاز
    2- حين يسأل سؤالاً فهو لا يقصد السؤال. والدليل على ذلك انك حين تجيبه إجابة جيدة يتوقع ان ترضيه او تحوز تفهمه، فإنه لا يغير أسلوبه كثيرا، ويبقى يهاجم.
    3- ينتقل من هجوم الى هجوم اخر، ما ان يبدو ان الهجوم الأول قد استنفذ طاقته على الاستفزاز، ولا يبدو انه مهتم بأي موضوع بشكل محدد. 
    4- حين تجيبه بشكل خشن، فهو لا يبادلك الخشونة بشكل يجعلك تفكر بضرورة حظره، بل يبدو يتحمل ويحاول الرد لإبقاء "المعركة" وإدامتها والتمكن من نفث اكبر قدر ممكن من السموم من خلالها. 
    5- لا يضع صورة شخصية له في بروفايله. قد يضع صورة لممثل ما أو صورة غير واضحة .. الخ
    6- إذا زرت صفحته تجدها على الأغلب فارغة من المواضيع التي يفترض ان يكون قد كتبها، وغالبا ما تكون جديدة (لأنه مضطر الى استعمال صفحات كثيرة يتم تغييرها باستمرار بسبب الحظر. تكثر في صفحته الصور عادة وربما بعض الفيديوات والمواضيع العامة التي تصلح لكل شيء. 
    7- تجده غير متواجد على صفحته، ومعظم المنشورات وضعها "أصدقاء" له من الذين ينشرون عند جميع اصدقاءهم من اجل الانتشار. وحتى حين ينشر شيئا بنفسه، لا تجده عادة يجيب على التعليقات. 

    انني اكتب هذه المقالة لكي ينتبه الجميع الى هؤلاء، لكني اكتبها أيضا من اجل نفسي، لكي لا انسى اني خدعت يوما بهؤلاء، لكي اجبر نفسي على مراجعة صفحة كل من يستفزني كلامه قبل ان اغضب وانزعج منه، واهم من كل شيء أن لا اسمح له ان يشكل صورة العالم عندي، حتى ولا بذرّة واحدة. أن لا اسمح له بدفعي الى اليأس، فهو احد أهدافه بلا شك.

    هناك نقطة أخيرة أريد ان اختتم بها هذه المقالة، وهي التذكير بحقيقة اننا حين فقدنا السلطة على الإعلام، فقدنا القدرة على رؤية حقيقة عالمنا، وهذا أمر خطير. فنحن مثلا في هذا الأمر، لا نعرف ما هي نسبة وشدة الإحساس الطائفي في اية مجموعة عندما: السنة، الشيعة، المغرب العربي.. الخ. ويمكننا ان نفهم أن خصومنا المسيطرين على اعلامنا، يهمهم ان يوحوا لنا بأن الحال أسوأ من حقيقته، لدفعنا الى اليأس. وبالنسبة لي، لا اجد طريقة لمعرفة حقيقة الوضع، ولو بشكل تقريبي، الا من خلال بعض المؤشرات الجانبية في تصرفات هذا العدو. ومن تلك المؤشرات وجود هؤلاء المجندين. إنه يعني ان الحال في المغرب العربي، افضل مما نتخيل، (وقد اكدت لي هذا الأمر بعض الاتصالات بالأصدقاء). فوجودهم يعني ان الفتن لم تصل إلى المستوى الذي يريده أعداء هذه الأمة، وإلا لما كان لهم داع، ولا كان اعداؤنا مضطرين لدفع اجورهم! المنطق يقول أن علينا ان لا نكتئب وننزعج حين نكتشف هؤلاء المجندين، بل ان نرتاح لوجودهم. 
    إنهم مثل حرارة الجسم المريض (السخونة)، فهي مزعجة، لكنها رد فعل نظام المناعة لدينا على هجوم الجراثيم وتدلنا على أن نظامنا يقاتل. وبالمثل كلما اضطر الخصم الى المزيد من المجندين، دل ذلك على أن وعي الأمة لم يستسلم، ومازال يصارع. وكلما كانوا اكثر، كلما كان أفضل!

    اترككم مع المنشور وادعوكم للتعرف على المجندين وصفحاتهم، فقد تركت تعليقاتهم لأجل ذلك الغرض. 
    https://www.facebook.com/263032180911725/photos/362369354311340/
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media