تطور النظام الديمقراطى.. عقم الديمقراطية فى العراق
    الخميس 17 يناير / كانون الثاني 2019 - 22:08
    د. حامد السهيل
    بعد نظام ديكتاتورى صارم استمر 35 سنه (1968-2003) احتل الائتلاف الدولى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية العراق وسقوط النظام, واقاموا بأسم الديمقراطية والحريات,  بعد سقوط الدولة ومؤسساتها, نظاما صوريا للديمقراطية, دستور ملغم بالتناقضات وانتخابات تم غالبا تزويرها وسلطات تنفيذية ورقابية على رأسها شخصيات فاسدة وغير مؤهلة ونظام القضاء الذى ابعد ما يكون عن النزاهة والاستقلالية. وتكاد جميع محضورات وممنوعات النظام السابق قد انتهت وبان عقمها الا ان سنين القهر والتعسف وانعكاسها على وعى وسلوك المواطنين ما زال مؤثرا.
         ان الستلايت وسائل الاتصال الجماهيريةالتى توسعت ومع الزمن تم  دخول التليفون النقال والانترنت ومستحدثاتها, الفيس بوك وانستغرام...الخ. هذه التجديدات قد اصبحت اليوم من مقومات حياتنا اليومية, ولكنها جاءت دون ان يكون لنا دورا فيها, انها دخلت علينا بدون ممهدات وسابق معرفة وممارسة, بالاضافة الى ان نخبة نظام المحاصصه السياسى الذى اتى به الامريكان لم يكن ملائما لهيكلية المجتمع العراقى الذى لم يدخل "عملية  تعليم وتعلم" وممارسة فى التفاعل الايجابى مع الاخر  فى احترام متبادل وتعاون مستمر فى بناء الوطن على صيغة جماعية جديدة. . ان الاشكالية الكبيرة التى فرضت نفسها على العراق : كيف يمكن ان تنجح الديمقراطية بدون ديمقراطيين, خاصة مع "مسؤلين" لايؤمنوا بها اصلا , ان لم يكونوا فى حرب دائمة معها.
         ان "توطين" النظام الديمقراطى فى العراق, وبدون مقدمات وارادة فاعلة صادقة تعتبر عملية فاشلة ونتائجها مقرونة بها, انها لاتتعدى قضية تبديل الملابس الخارجية بملابس جديدة من مناشىء عالمية معروفة, وقد اثبت السنين المنصرمه ان هذه الملابس والازياء الجديدة كانت كبيرة, وكبيرة جداعلى النخبة بحيث يظهر عليهم البؤس وعدم اللياقة واضحا, انهم يتبخترون فى البرلمان كالطواويس ويتراكضون للمقابلات التلفزيونية وفى بدلات وحلة جديدة دائما يستجدون الاحترام والاهلية والاعتراف.                        ان تطورالديمقراطية فى "العالم الديمقراطى" الغربى الصناعى بشكل خاص لم يأتى اعتباطا وانما نتيجة عملية لتطور المجتمعات وبدايات عملية التغييرات المجتمعية التى افرزت ضرورات ايجاد تحولات نوعية فى نظام الحكم. ان التحول من حكم الاقطاع والارستقراطية جاء ايضا نتيجة لتغيرات قد حصلت فى عملية الانتاح والتحول من الانتاج اليدوى وبعض المكائن والعدد فى" المانفكتورا" وبداية العمل فى المعمل  ودخول المكائن والانظمة فى عملية الانتاج. من ناحية اخرى ظهرت جماعات جديدة  تملك وسائل الانتاج( البرجوازية)  وتحسن استخدامها مهنيا ومجتمعيا والتى اخذت تنتج للسوق واستطاعت تدريجيا تقويض السلطة الفعلية للاقطاع والارستقراطية حيث اثقلتهم  بالديون. ان قوة البرجوازية اخذ تتصاعد خاصة مع ظهور الاحزاب الليبرالية والاحزاب الاشتركية الديمقراطية وحتى احزاب الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية, كل هذه الاحزاب اخذت تجتهد فى ايجاد حلول للحد من الفقر والبؤس الذى رافق عملية التصنيع الاولية. انعكس نشاط الاحزاب فى تحسين ظروف العمل وتحديد ساعات العمل ومنع عمل الاطفال, هذا بالاضافة الى اصلاح نظام الانتخابات وفتح حق الانتخابات لشرائح اخرى فى المجتمع, هذا يعنى الى استقطاب قوى جديدة تعمل فى اطار النظام الديمقراطى القائم على "التمثيل" كما ان  تنظيمات العمال( النقابات) التى تمثل احد مقومات العملية الديمقراطية اخذت تنشط فى التاكيد على حقوق العمال والمستخدمين وحصلت فى نضالها  على التامين الصحى, وحوادث العمل والتقاعد. 
        يتمتع العمال والمستخدمين براتب كامل بمناسبة عيد الكرسماس وعطلة سنوية 3-4 اسابيع سنويا, ان هذه الامتيازات فرضتها , هى الاخرى التطورات النوعية فى عملية الانتاج التى تفرض على العاملين جهدا كبيراوانتاجية عالية وذلك فان تشريعات العمل, وتقليص العمل الاسبوعى لساعات العمل (36-42 ) اسبوعيا  يرمى فى حقيقة الامر الى تجديد قوة العمل والانتاج لدى العاملين. وليس هذا فحسب وانما يشترك ممثلى العمال فى اللجان العليا للمؤسسه ولهم رأى وحق التصويت فى سياسة المؤسسة التى يعملون فيها.
        ان ترسيم الديمقراطية فى العراق منذ 2003 لم تنبع من ضرورة مجتمعية تتفاعل مع تغيرات نوعية فى العلاقات الانتاجية والهيكل الاجتماعى الاقتصادى للسكان, فهم ليست انعكاس للضرورات  المستجدة وانما عن تصميم ورغبة سياسية وايديولوجية للقوى التى انهت نظام الديكتاتورية ومشاريعها الكبيرة فى الشرق الاوسط. ان الديمقراطية العراقية بصيغة حكم "المحاصصه" افرزت حالة من الفساد المالى والادارىى قد ادت الى استقلالية وزرارات ومؤسسات الدولة ان تخضع فى عملها وكوادرها الفنية والادارية  الى تلك الكتلة التى حازت عليها وتتمتع بأستقلالية وحصانه لا تسمح بالتدخل فى شؤنها وصلاحياتها وتشكل خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها, حتى ان المجلس النيابى ورئيس الوزراء وهيئة النزاهة تقف عاجزه على التأثير بها, انها عملية خوف وارهاب متبادل من انطلاق فضائح حينما يجرؤ احد  "المنفلتين" فى التقرب منها.  ان هذه الديمقراطية الكسيحه قد فتحت الابواب على مصراعيها امام بيع وشراء مقاعد فى البرلمان ووزارات ومدراء عامون وحتى الحصول على وظيفة قد تم تسعيرها بما يتناسب مع امكانية الاثراء المرتبط بها. ان الانتخابات النيابية الاخيرة التى لم يشارك بها اكثر من 28% من الناخبين وبذلك تعتبر غير قانونية وقد وصلت درجة من الغش والاحتيال والمراوغة وشراء الناخبين فاقت نوعيا وكميا سابقاتها بشكل ملفت للنظر. ان كل الوعود والتأكيد من قبل رؤساء الكتل  والمرجعية الدينية ان تكون الكابينه الوزاريه والمجلس النيابى بعيدا عن نظام المحاصصة اصبحت بعد الانتخابات مجرد اجتهادات لفظية لا يحسب لها حساب, وكما نرى فان تشكيل الكابينة الوزاريه اصبح نوعا من من قصص الف ليلة وليله وكليلة ودمنه دون نتائج مفرحة, ورئيس وزراء لا حول له ولا قوة, خاصة وهو لايحاسب من قبل البرلمان"الديمقراطى وانما امام رؤساء الكتل ونيل رضاهم وموافقتهم.ان المهمات الملحة التى تحتاج الى قرارات سريعة وموضوعية: اوضاع السكان الصعبة, العطالة المتفشية, المشاريع المتوقفة, الصناعة والزراعة المهدمة والخدمات المعطلة, وكما يقرا من موقف نخبة المحاصصه فأن هذه القضايا ليس لها موقع فى جدول اعمالهم. ان هذه الديمقراطية ليست للشعب وانما للنخبة التى جاءت الى العراق منذ 2003 والتى ليس لها علاقة وطنية او عاطفية مع العراق كوطن  وشعب, سرقوا الثروات المودعة فى بنوك الاردن او الامارات او اوربا, وعوائلهم يعيشون فى قصور فى مختلف دول العالم ينعمون بفقر ومأساة الشعب , انها ديمقراطية المرضى والفاسدين الذين يبثون الخرافات وتغيب العقل والمنطق  ولذلك فان هذه الديمقراطية مصيرها الزوال وانها فى طريقها نحو النهاية بالرغم من الصحف ومحطات التلفزيون وجيش من الكتبة  والمرتزقة ووعاظ السلاطين. ان الشعب سوف ينتصر بدون اى شك وسوف يلوذ هؤلاء المرتزقة الى الفرار اذا سنحت لهم الفرصه: اننا نامل بأن يجدوا نهاية عنيفة  توازى الظلم والمأسى الفقر الاحتيال الذى مارسه ضد الشعب.

    د. حامد السهيل فى 17/ 1/ 2018                               
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media