انحسار التعددية والتنوع والتعايش في الوطن
    الخميس 17 يناير / كانون الثاني 2019 - 22:12
    علي آل غراش
    كاتب واعلامي
    التعدد والتنوع الفكري والديني والثقافي والعرقي في أي بلد حالة طبيعية، والوطن العربي الكبير الذي يشكل العالم القديم، يتكون من مجموعات هي فسيفساء ثرية وغنية لمراحل تاريخية لآلاف السنين قبل الميلاد لحضارات وثقافات مختلفة لهويات متعددة تشابكت وتداخلت على مر العصور، فكل حقبة تمثل هوية (العرق واللغة والدين والثقافة) ساهمت بجعل الوطن العربي منطقة كنز للحياة. ولكن بعد تقسيم العالم العربي إلى دويلات ذات حدود جغرافية جديدة بعد الحرب العالمية الأولى (اتفاقيات سايكس بيكو سنة 1916) لخدمة نفوذ ومصالح سياسية لدول الاستعمار الغربي، مما أدى إلى تقسيم الأراضي والشعوب والعوائل حسب الحدود السياسية الجديدة. لقد حاولت الأنظمة الحاكمة أن تفرض هوية واحدة جديدة لكل بلد بالاسم والحدود الجديدة على حساب تعدد الهوية المتجذرة. ومن المؤسف أن الأنظمة الحاكمة قامت بفرض الفكر والثقافة والسياسة التي تؤمن بها بالنار والحديد والإكراه باسم ترسيخ الهوية الوطنية، فتعرض الكثير للظلم والانتهاك والقضاء على التنوع والتعدد مما يعد جريمة إنسانية وتاريخية وخسارة كبيرة، ووصلت الأمور سوءا إلى درجة اندلاع حروب بين أخوة الأمس بمبررات الحفاظ على الحدود الجغرافية الجديدة وعلى الهوية لاسم الوطن الجديد، فيما جمرة الغضب من النظام الحاكم تتصاعد، والتمسك بالهوية الأصيلة تترسخ عند كل طرف متمسك بالحياة وهويته الخاصة. إن تعدد الهوية مصدر قوة للوطن لا ضعف.

    الاسم جزء من الهوية

    الاسم له دلالة وهو جزء مهم من الهوية التاريخية لأي مجتمع، وتأصيل حالة الانتماء، ومن المستحيل مسح وطمس أي هوية لأي مجتمع أو أمة عبر سياسة نظام حاكم من خلال تغيير الاسم أو التغيير الديمغرافي لفرض واقع لأسماء وأفكار جديدة باستخدام النار والحديد والاعتقالات التعسفية والتنكيل والترهيب، على حساب تاريخ الهوية واحترام الحرية والتعددية وروح التسامح والتعايش السلمي.

     التعايش السلمي والتعددية والتنوع الفكري والثقافي والديني والفولكلوري واللغة واللهجة تمثل جزءا من الهوية وقوة للوطن وإثراء للحضارات. والتعايش الحقيقي يقوم على احترام هوية الآخر (فكرا وعقيدة) والتحلي بروح التسامح، والسماح للآخر بممارسة حريته بضمانة قوانين دستور دولة حضارية تحترم التعددية والتعايش، ومن المهم جدا احترام التنوع لخصوصية كل إقليم فهذا التنوع له قيمة وإثراء وغنى فهو هوية المجتمع، كما أن لأسماء الأقاليم التاريخية قيمة عند أهل كل إقليم فهو يمثل هوية تاريخية تمتد لآلاف السنين وله آثار وتراث وعادات وتقاليد مترابطة مع بعض فينبغي المحافظة على تلك الاسماء لا طمسها، كما تقوم به السلطات الاستبدادية والإجرامية والتكفيرية بفرض أسماء جديدة للأقاليم باسم الجهات الأربع أو بأسماء حديثة وكأن هذه الأقاليم لا وجود لها قبل سيطرة السلطة الحاكمة الحالية عليها، وفرض آثار وتراث وعادات ولون معين على جميع الأقاليم، وفرض فكر وعقيدة أحادية تكرس الكراهية والإساءة والتجييش ضد الآخر من خلال مؤسساتها كالتعليم والإعلام، والتضييق والمنع والملاحقة لكل من يمارس حقه الطبيعي بحجة أنه يخالف فكر السلطة الحاكمة وبمبرر المحافظة على الهوية الوطنية التي تكرس ثقافة النظام الحاكم.

     لقد تمكنت السلطات الحاكمة وبأسلوب القوة البوليسية والاستبدادية من ترسيخ العداء لقيم الحرية والتعايش والتعددية من فرض واقع جديد حسب مزاجها قائم على إجبار المكونات الوطنية على التنازل عما يؤمنون به لأنهم الحلقة الأضعف بينما – السلطة الحاكمة – هي الجهة الأقوى لاستخدامها جميع الأساليب القمعية والقوة لفرض فكرها وإرادتها، والقضاء على التعدد والتنوع الذي هو قوة للوطن.

    مقومات التعددية والتنوع

    التعايش يتحقق وينمو من خلال سن قوانين في دستور يمثل الإرادة الشعبية لاحترام هوية المجتمع والمحافظة عليها، ولتأكيد قيم العدالة والتعددية والحرية والمساواة في الحقوق والمواطنة، والسماح لكل مواطن أن يمارس حريته بالتعبير والتعبد حسب ما يؤمن به في جميع أرجاء الوطن، والظهور على وسائل الإعلام الرسمية فهو حق للجميع، والسماح بطباعة الكتب ونشرها وفتح مؤسسات المجتمع المدني: السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية المختلفة، وكذلك مراكز ومقرات علنية واضحة تمثل الفئات والمؤسسات والمدارس التعددية داخل الوطن، وأن تقوم السلطة بمحاسبة ومعاقبة كل من يعتدي على التعددية وحرية الآخر حسب قوانين الدستور.

    تساؤلات مثيرة

    من الذي يحارب التعددية ويمنع المواطنين لغاية اليوم من الحصول على حقوقهم الوطنية بشكل كامل، ويصر على التعامل مع المواطنين حسب المحسوبية والقبلية والمناطقية والمذهبية (سياسة فرق تسد)، ومن هو المسؤول عن انتشار الفساد الإداري في كل المجالات والمناطق، وتعريض الوطن للخطر بسبب ذلك؟

    من المسؤول عن عدم السماح لأي فئة وطنية من التعبير عن آرائها والحصول على المناصب لخدمة الوطن والمواطنين، من الذي يقوم بالإساءة والتجييش ووصف مكونات وطنية بالمشركين والخونة في الكتب المدرسية ووسائل الإعلام الرسمية، ويطبع وينشر الكتب المليئة بالإساءة لهم في الدوائر الحكومية، وتشويه سمعة الإصلاحيين والحقوقيين ووصفهم بالخونة، واعتقال وتعذيب وتحرش بالنساء؟.

    علي آل غراش
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media