الحروب السخيفة
    الخميس 10 أكتوبر / تشرين الأول 2019 - 05:18
    راغب الركابي
    يبدو إن من بين كل الرؤساء الأمريكان الأكثر وضوحاً وواقعية  ، هو الرئيس ترامب الذي تبنى منذ البدء مفهوم -  أمريكا العظيمة -   ، وهذه لها تبعات وملاحق  تتجسد في رؤيته  لمن حوله  في العالم ،  ولكن البعض لا يريد هذه الواقعية وهذه  الصراحة لأنها  تعني فيما تعني المكاشفة  مع الجميع  والإعلان عن النوايا  من غير مواربة  .
    وبما إن جيلاً  من السياسيين  يخشى ذلك ويخافه  على نفسه وعلى مستقبله  ، لأنه ببساطة  عاش على النفاق وتربى على  المخاتلة ، ولذلك ذهب فيما تبناه  ترامب  مذاهب  شتى  ليس منها السياسة التي يعرفونها  .
    لكن التاريخ يحفظ لنا  جيداً  مواقفاً  ودروساً  ، عن أمريكا  التي هي في الغالب تمارس هكذا نوع من السياسة والفعل من قديم الأيام  ، ولا أحد منا  ينسى موقفها من  - شاه إيران  - ذاك التابع الذليل ،  كيف تركته  وحيداً و حرمت عليه  التداوي  ،  ودفعته ليعيش أخر أيامه من غير مأوى ولا ناصر ؟  ولولا ما تبرع به الرئيس أنور السادات لألقي بجسده في البحر !!  ،  وهكذا فعلت  - بصدام حسين – حين أغرته بالدخول في مغامرات حربية عبثية سخيفة تارة مع إيران وأخرى مع الكويت ، حتى أُنهكته  فقلت  حيلته ثم عدت عليه فدمرته ، والحال نفسه جرى مع القذافي بعدما أخذت منه كل شيء وجردته من كل شيء ، ثم تركته وحيدا تتخطفه الرجال من كل جانب ، ولن أنسى موقفها من – حسني مبارك – الذي بايعها بالروح وبالدم ثم فعلت به الأفاعيل ، هي أمريكا دائما مع القوي وأما الضعيف فتدوس عليه بحذائها ، لها في كل واحد مصلحة ثم تتركه يعاني بعد أن تضع فيه وتحمله كل العبر والمساوي .
    وهاهي اليوم تفعل فعلتها مع الأكراد الذين أمنوها على أرواحهم ودمائهم واعراضهم ، تتركهم  لمصيرهم ثم تعلن – إني براء منكم ومما  تفعلون  ، براء  من  حروبكم السخيفة العبثية القبيلية الهجينة  - ، والمؤسف إن بعض البعض منا يلاحقها في كل حال ، وكأنه أدمن الذل والخنوع وعدم الثقة بالنفس ، لقد تعرض الأكراد بعدما قدموا التضحيات في حربهم ضد داعش وطردوها من أرضهم ،  هاهم  يتعرضون إلى خديعة كبرى عندما سمحت أمريكا  للجيش التركي بإجتياح مناطقهم وتأسيس حزام أمني يمنع الأكراد من التنفس .
    من هنا ادعوا شعوب المنطقة إلى أخذ الدروس والعبر ، والتصالح مع بعضهم البعض وعلى الحكام  إعطائهم المزيد  من الحريات والكرامة والعدل ، وأدعوا دول المنطقة  للتصالح  مع بعضها البعض  وترك الأحقاد  والكراهية جانباً والتوجه نحو الإعمار والبناء  ،  فثمة مصلحة في ذلك  كبيرة  للحاضر والمستقبل   ،  وأظن إن هناك خطوات في هذا الإتجاه  قادمة لتصحيح المسار ورتق  الفتق   ، فليس هناك ثمة شيء أبقى من تصالح الشعوب والدول في المنطقة  وعيشها  بسلام  مع بعضها  ، ولتذهب إلى الجحيم لغة التهديد والكراهية  والحروب  والتغطي بالغير ، ذلك الغير المخادع المحتال الذي لا يفكر إلاّ  بمصالحه ونفسه  .
    نعم هي حروب سخيفة لا معنى لها ولا طائل تلك التي حدثت بين العراق وإيران ،  فدمرت  أجيال  ودمرت تاريخ وحضارة  وذهب ضحيتها أناس أبرياء  ،  لازال  يعاني الشعبين من نكبتها  ،  وهكذا الحال  ماحدث  بين العراق والكويت  من تدمير وترسيخ للعنف والكراهية والإرهاب والأفكار الغريبة  الوافدة   .
    نعم سخيفة هي الحروب التي  تحدث  كل هذا الدمار بين أبناء الوطن الواحد  ،   وشاهدنا  ماجرى  في سوريا  من حرب وقتال مرير بين أبناء الوطن الواحد ، سخيفة هي كذلك  حرب ليبيا بكل عناصرها ، وسخيفة هي كذلك  حرب اليمن  وبكل ماجرته  من ويلات ودمار  وخدوش في الجسد الواحد   ،  وإني على يقين إن نهايتها  قد  بدت واضحة اليوم ، بعد الإشارات المتكررة من السعودية والحوثيين على العودة للحوار وبدء الكلام عن المستقبل  الذي يحتضن الجميع   ، وهذا هو القدر الذي  ليس  منه بُد   ، إذ  لا غالب ولا مغلوب  في القتال  بين الأخوة .
    هي إذن  في مجملها  حروب سخيفة وتافهة  في الوقت نفسه   ،  تلك التي قامت على أسس طائفية  ومذهبية  بغيضة  أو على أحقيات  ومزاعم  من هذا الطرف أو ذاك   ، وسخيفة هي خطابات الحرب الأهلية من الجميع  دون إستثناء   ، وفي هذا الشأن لا يجب  الإعتماد على الأغيار في ترسيم معالم الحياة لنا  في التعايش والعيش  المشترك ،  كما لا يجب الإصغاء إليهم  وهم يودون إشعال الحروب  وإثارة الفتن  فتلك جرائم  يجب ملاحقتها  والقصاص  منها   .
    إن الغرباء  أو الأغراب  لايهمهم من الأمر سوى ما يدر عليهم  من منافع وأموال يكتسبونها  ولو على حساب دمائنا وحريتنا وكرامتنا  ، هم تجار حروب وسلاح وفتنة والإصغاء إليهم حتما  سيؤدي إلى التهلكة لا محال .
    وأما  من  جانبنا  فنحن  نعتبر الخطوة التي أتخذها الرئيس الأمريكي في سحب قواته من المنطقة ، خطوة في الإتجاه الصحيح على أمل أن تتبعها خطوات لسحب كل القوات المتمركزة هنا أو هناك ، فلم تعد لها حاجة ولا يمكن التلحف بها لأنها لا تسمن ولا تغني من جوع ، وأملنا بشعوب المنطقة وحكامها أن يعوا الدرس جيداً ولا يدعوا الفرصة تمر من غير نشر السلام والمحبة ، فهما  الباقيات الصالحات التي يمكن الإعتداد بهما في الدارين ..

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media