أنماط تكرار قوامها النكث بالعهود
    الأثنين 14 أكتوبر / تشرين الأول 2019 - 05:00
    أ. د. محمد الدعمي
    كاتب ومؤلف وباحث أكاديمي/أريزونا
    لا يفلت متابع تاريخ الكرد الحديث من ملاحظة أنماط تكرار حطمت أحلام الكرد بالاستقلال في الأقاليم الشاسعة التي يقطنونها، ما بين روسيا (شمالا) وأواسط العراق (جنوبا)؛ وما بين شمال إيران (شرقا) والبحر المتوسط (غربا). قوام هذه الأنماط المتكررة هو تشبث القيادات الكردية بالتعاون مع دول كبرى على أمل أن تعاون الأخيرة الكرد فتفي بهم بوعودها في تأسيس وطن قومي (أو نواة لوطن كردي على أقل تقدير) في واحد من الأقاليم الكردية أعلاه.
    هذا بالضبط ما حدث للكرد في العراق على عهد اعتماد بريطانيا الشيخ محمود البرزنجي حاكما عاما على كردستان (العراق) من قبل بريطانيا، الدولة التي سرعان ما بترت حكمه ونفيه إلى بلدة الناصرية على الفرات جنوبا حالما أحست بطموحاته بالاستقلال. كما أن هذا هو ما حدث حينما نكثت إيران الشاهنشاه آريامهر عندما نفضت أيديها من مساعدة الكرد، ممكنة حكومة العراق بالقضاء على "التمرد الكردي” بأقسى الأدوات في سبعينيات القرن الماضي (راجع كتابي: وطن بلا وطنيين).
    بل إن هذا هو بالضبط ما يحدث اليوم من خذلان على أيدي إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي، كما يبدو، قد توصل إلى "ترتيب” سري مع الحكومة التركية لسحب الدعم العسكري الأميركي من القوات الكردية عبر إقليم الشمال الشرقي لسوريا لمنح تركيا ممرا حرا لضرب القوات الكردية على نحو لا يسمح قط باعتماد هذه الزاوية من سوريا لتغدو نواة لإقليم كردي مستقل. وإذا كانت القيادات الكردية تدرك جيدا أن ألد أعدائها هي الحكومة التركية، ذلك أن الحكومة تعد أي شكل من أشكال الإدارة الذاتية للكرد في أقاليمهم إنما يصب في محاولة تفتيت تركيا "دولة الأناضول” الواحدة بالكامل.
    إن الرئيس أردوغان مبرر في حرصه على وحدة أراضي بلاده، بينما لا يغادر الكرد أنفسهم "حلم الاستقلال”. لذا، يصعب الجمع بين النقيضين. أما الولايات المتحدة، فلم تنأَ بنفسها عن نمط نكث العهود والمواثيق مع حلفائها، ومنها مع القيادات الكردية السورية، بل والعراقية كذلك، متتبعة خطى الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الإيرانية في خذل الكرد، خصوصا وأن الوثوق الكردي بنيات الإدارات الأميركية إنما كان ينطوي على شكل من أشكال السذاجة وعلى ضعف استخلاص الدروس عبر التاريخ المعتصرة، تكرارا، من حركته الدورانية التي لا تتوقف.
    إن الشعب الكردي شعب حي وفاعل ويستحق أن يحيا في وطن خاص به، إلا أن قياداته (كما يبدو) لا تعتبر دورية التاريخ ولا تأبه بدروس، وبغض النظر عما قدمه الشعب الكردي المكافح المسلم الطيب من تضحيات كبيرة على طريق الاستقلال.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media