الشَّعائِر.. رُؤيَةٌ فِي الجَدَليَّةِ (10)
    الأربعاء 23 أكتوبر / تشرين الأول 2019 - 05:11
    نزار حيدر
       تنقسمُ الشَّعائر الحُسينيَّة بمجملِها إِلى قسمَين؛
       القِسمُ الأَوَّل هو الذي يمارسهُ العاشورائيُّون ساعاتٍ محدُودةٍ في العام الواحد قد لا تتجاوز نصفَ نهارٍ فقط، فيما يُمارَسُ بعضها يوماً أَو عدَّة أَيَّام بالعامِ الواحد، وهي عادةً تلك التي تنحصِر في العشَرة الأُولى من المُحرَّم الحرام من كلِّ عامٍ ويُضافُ لها اللَّيالي القليلة المعدُودة التي تعقِب يومَ عاشوراء.
       القِسمُ الثَّاني؛ وهي الشَّعائر الإِستراتيجيَّة الأَساسيَّة التي تمتد على طولِ العامِ من دونِ توقُّف، وهي ثلاث؛
       *المِنبر، والذي يشمِل الخطيب والرَّادود والشَّاعر.
       *الدَّمعة [البُكاء].
       *الزِّيارة، سَواء كانت زيارة المَرقد الطَّاهر والشَّريف للحُسين السِّبط (ع) في كربلاء المُقدَّسة، أَو زيارتهُ (ع) عن بُعد.
       هذهِ الشَّعائر الحُسينيَّة تمتدّ طوالَ العامِ بِلا انقِطاع، فالعاشورائيُّون يُمارسونَها أَينما حلُّوا وارتحلُوا وعلى أَيَّةِ حالٍ.
       بل إِنَّهم يدفعُون الثَّمن غالياً في بعضِ المناطِق والبُلدان لإِحيائِها، خاصَّةً في البُلدان التي يحكمَها النَّواصب الذين يمنعُون ذكرَ الحُسين السِّبط (ع) بأَيِّ شكلٍ من الأَشكال.
       وبحمدِ الله تعالى فبسببِ الهِجرات التي حصلت من بُلدانِنا لأَسبابٍ عدَّةٍ إِلى مُختلفِ دُول العالَم وخاصَّةً الدُّول الأُوربيَّة والأَميركيَّتَين وإِستراليا، فلقد إِنتشرت هذهِ الشَّعائر على طولِ أَيَّام السَّنة وبشَكلٍ مُلفت للنَّظر، لدرجةٍ أَنَّها اليَوم أَحد أَهم أَسباب إِنتشار مذهب أَهلُ البيت (ع) على المُستوى العالمي، فباتت تقضُّ مضاجع النَّواصب هناك، كما حصلَ العام الماضي عندما اشتكت سفارة [آل سَعود] في لندن لدى الخارجيَّة البريطانيَّة لِما تسبَّبتهُ المسيرة العاشورائيَّة المليونيَّة مِن أَذىً نفسي للعاملينَ فيها!.
       والحمدُ لله تعالى فلقد إِنتشر اليَوم المِنبر الحُسيني في العالَم وبمُختلفِ اللُّغات، سواء على مُستوى الخِطابة أَو الردَّات والقَصائد الأَمرُ الذي ساهَم بشكلٍ واضحٍ في انتشارِ قضيَّة عاشوراء ورسالتها وقِيَمها ومبادئَها وأَهدافها بشكلٍ واسعٍ.
       أ/ فأَمَّا الدَّمعةُ فهي بحدِّ ذاتِها رسالة، شرَّعها وخلَّد مفاهيمها القُرآن الكريم.
       فعندما ظلَّ نبيَّ الله يعقُوب (ع) يبكي إِبنهُ [٤٠] عاماً {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} مع علمهِ بأَنَّهُ حيٌّ يُرزَق لم يُصبهُ مكروهٌ فإِنَّما أَراد؛
       *أَن يظلَّ يُنبِّه أَولاده الـ [١١] بِعِظَم الخطأ الذي ارتكبوهُ بحقِّ أَخيهِم الأَصغر يوسُف (ع).
       *ولتبقى قضيَّة يوسُف (ع) حيَّة في ضمائرهِم ووجدانهِم ليفعلُوا المُستحيل من أَجلِ تصحيحِ الخطأ أَو على الأَقلِّ من أَجل أَن لا يتكرَّر الخطأ مرَّةً أُخرى.
       *وليظلّ يبلِّغ التَّاريخ وينبِّههُ إِلى أَنَّ هُناك قصَّةَ ظُلمٍ وقعَ في يومٍ من الأَيَّام في مكانٍ ما من هذا العالَم لا ينبغي نسيانها وتجاوزها والتَّغافُل عنها، لأَنَّ الإِنسان الذي ينسى يُكرِّر الخطأ، ولذلك ينبغي إِحياء الأَمر والقضيَّة دائماً حتى لا تُنسى ولتبقى حيَّة حاضِرة في الوِجدان.
       والدَّمعةُ وسيلةُ التَّذكير.
       إِنَّ رسالة الدَّمعة إِنسانيَّة وجدانيَّة، ولُغتها عالميَّة لا تحتاجُ إِلى ترجمةٍ أَو تفسيرٍ، تبلِّغها لا إِراديّاً، فإِذا مررتَ بطفلٍ صغيرٍ أَو إِمرأَةٍ جالسةٍ على قارعةِ الطَّريق تبكي، فستتوقَّف عندها رغماً عن كلِّ شيءٍ لتُبادر فوراً بسؤَالها؛ ما بِكِ؟ وكيفَ يُمكنُني أَن أُساعِدكِ؟!.
      إِنَّ توقُّفكَ للَحظةٍ وسؤَالَها عن حالِها دليلٌ على أَنَّها تمكَّنت من ونجحت في تبليغِ رسالتِها.
       أَمَّا إِذا مررتَ بامرأَةٍ جالسةٍ على قارعةِ الطَّريقِ وهي تضحك وتُقهقِه! فهل ستتوقَّف لتسأَلها؛ ما بكِ؟!.
       أَبداً، لأَنَّ الضِّحكَ، بهذهِ الحالة، لا يحملُ رسالةً، أَمَّا الدَّمعةُ فهي رسالةٌ ذا تأَثيرٍ ساحرٍ جدّاً لا يمكنُ أَن تمرَّ عليهِ مرُور الكِرام.
       هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر؛
       مَن منَّا يستطيعُ أَن يحبِسَ دمُوعهُ في مُقلتَيهِ بمجرَّد أَن يمُرَّ عليهِ مشهدٌ حزينٌ وجدانيٌّ مُؤَثِّر في فيلمٍ أَو مُسلسلٍ تلفيزيونيٍّ؟!.
       عندما تنهمرُ دموعَك بسببِ لقطةٍ حزينةٍ في فيلمٍ سينمائيٍّ أَو مُسلسلٍ تلفزيونيَّ تعرِفُ مُسبقاً أَنَّها مشاهد تمثيليَّة لا أَكثر ولا أَقل، دليلٌ على أَنَّك تحمِل بين جوارحِكً روحاً إِنسانيَّة وطاقةً وجدانيَّةً مُستعِدَّة للإِنتصار للمظلُوم متى ما أَسعفكَ الظَّرف، حتَّى إِذا كانَ مُمثِّلاً ليسَ أَكثر.
       فما بالكَ وأَنت تسمع وتقرأ وترى وتُشاهد كلَّ هذهِ الظُّلامات والمآسي التي مرَّت على الحُسين السِّبط (ع) وأَهل بيتهِ وأَصحابهِ في يومِ عاشُوراء؟!.
       هل تجرُؤ على أَن تحبِس دموعَك وكلَّ هذهِ الصُّوَر تمرُّ في خواطرِكَ؟!.
       إِنَّ البُكاء يحرِّض على مُواجهة الظُّلم والتَّجاوز على الحقُوق ونُصرة المظلُوم على العكسِ من الضِّحك الذي هوَ سبب للميُوعةِ والتحلُّل والإِنحلال إِذا لم يكُن في محلِّهِ!.
       الدَّمعةُ مُؤَشِّرٌ على قضيَّةٍ ما.
       الدَّمعةُ على أَمرٍ جللٍ يشدُّ من عزيمةِ المرءِ للأَخذِ بالثَّأر للمظلُومِ، ولذلكَ تذكر لنا سِيَر التَّاريخ أَنَّ شيعة علي (ع) كانوا كلَّما همُّوا بنهُوضٍ ضدَّ الظُّلم أَو الثَّورة على ظالمٍ عقدُوا مجلِساً على الحُسين السِّبط (ع) وتذكَّروا مُصابهُ ومُصاب أَهل بيتهِ وأَصحابهِ في كربلاء في يومِ عاشُوراء فذرفُوا عليهِم دموعاً ساخنةً من مآقيهِم ثمَّ يمتطُونَ جيادهُم ويُشهرُونَ سيوفهُم بوجهِ الحاكمِ الظَّالم.
       إِنَّ الدَّمعةَ التي تكونُ سبباً لتخديرِك ليست عاشورائيَّة أَبداً، وإِنَّ الدَّمعة التي لا تُحوِّلكَ إِلى بُركانٍ ينفجر بوجهِ الفاسدِ والفاشلِ والظَّالمِ، ليست دمعةً حُسينيَّةً أَبداً، وإِنَّ البُكاء الذي لا يحرِّضكَ على نُصرةِ المظلُوم ليسَ بُكاءاً على الحُسين السِّبط (ع) أَبداً، فالدَّمعةُ الحُسينيَّةُ ثورةٌ ضدَّ الظَّالم لنُصرةِ المظلُوم. 
       والدَّمعةُ الحُسينيَّةُ عِزٌّ ما بعدهُ ذُلّ أَبداً.        
       يتبع..  
       ٢٢ تشرِينُ الأَوَّل ٢٠١٩
                                لِلتَّواصُل؛
    ‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
    ‏Face Book: Nazar Haidar
    ‏Twitter: @NazarHaidar2
    ‏Skype: nazarhaidar1
    ‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
    ‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media