الثورة العراقية الكبرى
    الثلاثاء 5 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 - 05:37
    راغب الركابي
    لم يشهد التاريخ أن حدث في  العراق ما يحدث من  ثورة  وقيام شعبي على الظلم والإستبداد  والطائفية  المقيتة  ،  إن وصف قيامة  العراقيين  بالثورة  لم يأت من فراغ   ،  فما يحدث في العراق   ليس  إحتجاجات أو تظاهرات  مطلبية  محددة   ،  إنما هي ثورة شعبية  في كل المقاسات   ،  لأنها  تعبر عن هموم وتطلعات شعب  - جبار عنيد -  كما وصفه الجواهري الراحل ، ولأنها كذلك فهي لا تبحث عن قوت يومها ولا معاش أبنائها  الآني  ،  إنما هي حاجة شعب للتغيير السياسي والإجتماعي والفكري والإقتصادي ، حاجة شعب ليكون جزءا من المنظومة العالمية وليس عالة عليه .
    ومنذ  سنة 2003   يوم سقوط بغداد وإلى اليوم  و الفشل  يتراكم  ويكبر حتى صار العراق  أفشل دولة في العالم    ، وإن الذين تناوبوا على حكمه أثبتوا بالدليل إنهم المصداق الأبرز لمعنى    -  المفسدون في الأرض  -    ،  إن شعب العراق  شعب حي  ثار من أجل التغيير الكلي  ومن أجل طرد  المفسدين  ومن حولهم  ممن تسببوا بنكبة العراق وتدميره  في وضح النهار ، لقد قلنا  في مناسبات عدة  : - إن  السنوات الماضية   كانت عبارة عن  مُهل أعطيت من الشعب للزمر التي حكمت العراق  -   لكي يصححوا ويمارسوا دورهم في المسؤولية الحكومية  المنوطة  لهم   ، ولكن  فاقد الشيء لا يعطيه  فقد  زادوا في معانات الشعب وحولوا الدولة والنظام إلى مرتع للحرامية واللصوص والمأجورين والقتلة  ، ولقد كانت تجربة  دول الجوار مرة  ولم تكن على قدر المسؤولية   بل  ولم تساهم في حل المشكلات بل زادتها  تعميقاً  و تعقيدا ، ومن هنا  جاءت  نقمت  الشعب عليهم أيما نقمة عبرت عن بعضها ما حدث في كربلاء البارحة   .
    كذلك  ولم تكن  تجربة الدين السياسي بأحزابها ومنظماتها  إلاَّ  المثل  السيء عن فشل مشروعهم  وإفتقادهم  للإرادة  والرؤية   ،  وكانوا مجرد لصوص وحرامية  وقطاع طرق لا غير  ساهموا بشكل مباشر في خنق العراق وشعبه ونهب أمواله وسرقتها ، ولهذا رفضهم  الشعب وعبر عن ذلك في مناسبات  عدة  بكل وضوح ومن غير لبس .
    إن وصفنا  للثورة العراقية اليوم بأنها الكبرى فإننا نعني ما نقول ،  فهي بحسب المقاسات   و المواصفات العالمية لمعنى الثورة في التاريخ ، فهي  إذن  تساوي في البعد وفي  الدرجة  كلا  من  الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية والثورة البلشفية والثورة الصينية وحتى الثورة الإيرانية  إن لم تزد عليهم   ،   وهذا النعت  ليس مبالغة قوليه  بل  هو تعبير  عن المعنى الدقيق  للثورة في كل المقاسات والموازين   ،  وإن أحداً  تندر وقال  :  ولماذا  لم تعلن  الثورة  عن قيادتها  ؟   ،  ونقول  :  بحسب منطق الأشياء  الواقعية ليس هناك مصلحة تقتضي  ذلك بإعتبار الشعب  هو القائد  الآن  ،  والشعب كما ترون جميعاً نابض  بالحيوية والروح  وهو حكيم وعاقل  وغير متسرع   .
    إنها  ثورة  بهذا المعنى  المُراد   للثورات  ،  ولم تكن مطالبية بالمعنى الضيق   وإن بدت في الأول هكذا   ،  وهذه لزومية من لزوميات كل الثورات عبر التاريخ ،  إنها  كلمة شعب عبر عنها في صرخات وإحتجاجات في سنوات ماضية ، وكنا مع معشر الثوار نرغب في أن يصغي لنا من هم في سدة  الحكم والسلطة ، ولكنهم عن عمد تجاهلوا كل ما كنا نقوله عبر بيانات ومقالات وخطب ، تجاهلوا كل ذلك ورسخوا مع داعميهم مبدأ الهيمنة والإستبداد والظلم ، في حصر الدولة والحكومة بثلة من أنصارهم ومؤيديهم ، وأما عامة الشعب فليذهبوا إلى الجحيم ، وتنافسوا في السرقات والنهب ، ووزعوا مراكز القرار وفق تأليفة طائفية مقيتة ، وعينوا رجال غير أكفاء في مراكز الأمن والجيش والشرطة ، وأزاحوا عن عمد قوى الشعب الحقيقية وبجرد بسيط لكثير من الضباط والمراتب فسنجد إنهم أميون وجهلة في هذا الشأن والمقام  ، والكثير منهم حتى لا يعرف معنى الجندية والتعليم العسكري ، وكبيري السن  من أحزابهم  قد  أغدقوا عليهم بمناصب وهمية   ورتب ومقامات عسكرية كبيرة تتناسب وما يعطونه  لهم  من تقاعد  ، وقد سمتهم السلطة نفسها بالفضائيين الذين لا وجود لهم في الأصل ، هم مجرد أسماء تنهب وتنهش بالمال العام .
    لقد كان مجلس النواب في كل دوراته  أعضاء ومؤوسسة  من أفسد المجالس وأسوئها  في العالم ، ولم يعمد على إقرار أو تبني أي شيء فيه مصلحة للشعب ، بل إن هؤلاء النفر من الأعضاء تمرسوا على الجريمة والنهب والتعامل المالي السيء ، والرشوة من خلال التوظيف بحسب الدعم .
    إن الثورة العراقية هي النتيجة الطبيعية لما حدث في العراق من تآمر وخيانة من قبل البعض ، ولقد كانت تجربة الأحزاب الدينية أسوء تجربة مر بها العراق  ، لذلك كان لا بد من وقفة وإن كلفت دماء وتضحيات كبيرة ، وهذا هو قدر الثورة والثوار ، فنيل المطالب لا يأتي بالتمني وإنما بالعمل والجهد والتضحية وهكذا كان شعب العراق على قدر المسؤولية وهو يواجه قدره ، غير آبه أو متردد ولعل المشاهد التي رآها العالم أثبتت ذلك من غير شك ،  لقد  دلت على حيوية الشعب وعمق إنتمائه لوطنه ،  الذي كان ومازال وسيبقى أغلى من كل غال  ، لقد تسابق الرجال والنساء من مختلف الفئات والأعمار في أن يكونوا حاضرين في المشاهد الثورية جميعها .
    إن أعداء الثورة كثيرين  وهم خليط  من الفاسدين والمنتفعين والمرتشين والخانعين والخونة ، الذين أستجابوا لأعداء العراق الحاليين والتاريخيين وسلطوا أعوانهم في بث الدعايات من أجل تشويه هدف الثورة والثوار ، ، إن الخوف من إنتصار الثورة ومحاسبة المفسدين من أي الطبقات والرتب جعل الأعداء يتكاتفون على أختلاف ذممهم ومشاربهم ، حدث هذا في الدعوات لتغيير النظام من قبلهم ولكن تحت مظلة الدستور ، وحدث هذا تحت بند الإصلاحات الشكلية .
    نعم  إن الثوار يكنون حباً وإحتراما عميقين للمرجعية في النجف الأشرف ، وبنفس  الوقت  يدعونها للوقوف مع الثورة والثوار وقفة واضحة لا لبس فيها ولا تقبل التأويل  ، ويدعون دول الجوار عدم التدخل بشؤون العراق وعدم المس بكرامة الثورة والثوار ، فدماء العراقيين أغلى من كل مقاماتهم ورتبهم ، وشعب العراق ليس شعبا مشاغبا ولكنه صاحب حق ، ولا يجب الوقوف بوجه الثائر لأن ثمن ذلك كبير في الحاضر والمستقبل..

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media