موقف الكتاب المجيد من قضية (ملك اليمين) -3-
    الأحد 3 فبراير / شباط 2019 - 02:16
    آية الله الشيخ إياد الركابي
      قال  تعالى  : -  [  وإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا  ] -  النساء  3  .
    نستهل  البحث  في  موضوعة   (  ملك اليمين  )   ومشروعيتها  ،  من خلال هذا  النص  ولكن  وقبل  الدخول  في موضوعة البحث  ،  لا بد  من طرد  تلك  الإشكالية  والتي   يتوهم بها  البعض  والقائلة تقول    :   [  إن التعدد في النكاح  يرتبط  بقضية   - القسط  في اليتامى  -  ]  ،   ولكن  ماذا نعني بالقسط  ؟   ،    القسط  في لغة العرب  هو  النصيب  من الحصص  ،  ومنه جاء معنى الأقساط   أي الدفع على التوالي  ،   والقسط   ليس بمعنى   العدل    ،  فالعدل من الإعتدال   قال تعالى  : - [  الذي خلقك فسواك فعدلك  ] -  الإنفطار 7  ،  إذن  القسط شيء  والعدل شيء أخر   ،   والدمج   بينهما  في المعنى   ضار بعملية الفهم  والتقويم  .
      وأما  اليتيم   في لغة العرب   (  هو من مات والده  وهو صغيرا  )  ،  ولا يُقال لمن ماتت والدته يتيماً    ،   ومفهوم  اليتم   ينتفي  موضوعياً   عند البلوغ والتمكن   ،   ولكن  من أين أتى هذا التوهم  في ذهن الكثيرين ؟  ،   ونقول  إنه   :
    1 -    القول  بأسباب   النزول  أو سبب النزول   وإعتماده   ،  فعند البعض إن آيات  الكتاب ونصوصه   إنما نزلت بسبب ما   ،   وهذا التوهم  والظن  الخاطئ  أعتمد في الأصل  على حكايات  وقصص  لا أصل لها  ولا دليل   ،  كما هي عامة الأخبار التي   تعتمد  على الجعل والوضع  اللاحق  ،  وقد أفرد الواحدي النيسابوري كتاباً له في هذا الشأن     .
    2  -  وربما يكون  أصل التوهم   هو القول   (  بالتحريف  في  بعض آيات الكتاب ونصوصه )      ،  والتحريف   في  أصله ممكن   في  الكتاب المجيد     ،  وقد  بينا   ذلك في بحث منفصل عند  الكلام  عن    (  جمع القرآن  )   الذي حدث  في زمن الخليفة عثمان  ،  ومعلوم   إن  الخليفة   قد أمر بجمع وحرق   كل  المصاحف   في الأمصار ،   وكانت  حجته في ذلك   ما طرأ عليها  من اللحن   بسبب  كثرة  من دخلوا   في الإسلام  من الأعاجم     .
      والقائلين  بوجود  التحريف   يذكرون   على سبيل المثال لا الحصر  بعض الموضوعات  و المفردات   ،  التي يقولون   عنها إنها محرفة   ،  سواء في الشكل أو الرسم أو الترتيب  من التقديم والتأخير من غير دليل    ،    مستشهدين   في قوله تعالى  (  أقرأ بأسم ربك  الذي خلق  )   فهذا  النص  هو أول ما نزل من المصحف   ،   ولكننا  نرى إن أول ما يبتدأ به  من الكتاب المجيد  سورة الحمد   ،  وهذا  النحو من الترتيب  تحريف  لأنه  مخالفة صريحة  لتسلسل النزول   [  وهنا يُطرح سؤال موضوعي  ، وكيف بنا التعرف  على التسلسل الزمني لنزول الكتاب  ؟   هذا الخلل أدى موضوعياً للخلط في الموضوعات  وللتداخل  ]   ،   والتحريف المذكور في كتب الرجال يأتي على نحو    أحدى وعشرين    نوعاً      ،   ولا بأس من الإشارة إلى   التناقض والتكرار   ،   والإضطراب  في وحدة  الموضوع    ،   والأمر بالشيء والنهي عنه  ،   وهذه  كلها    لا علاقة   لها    بموضوعة الناسخ و المنسوخ    ،   والتي   قال بها البعض   وأدخلها  في الكتاب المجيد   هرباً من مواجهة الحقيقة أو التصريح بالتحريف   .
    وعندنا  : -  إن الكتاب المجيد    لا يحتمل النسخ  ولا يجوز فيه ذلك  ولا ينبغي  ،  وما أعتمده الشافعي  في هذا  وسار على نحوه   من  تبعه   فباطل بإستحقاق     ،   وهذا الكلام عن أصل  هذه  الشبهة  .
     3 -    وهناك   وهم الترادف   في معاني  الكتاب المجيد   ،  الذي  كان له كبير أثر  في تغيير  وتبديل  قناعاتنا  و فهمنا للنصوص ومعانيها   ، فأصبحنا لا نميز بين الأسماء والصفات  و الأفعال ،  فصار عندنا  إن   :  (  جاء بمعنى أتى ، وذهب بمعنى مشى ،  والأسد بمعنى الليث  ،   وهلمجرا  )   .
     هي إذن مغالطات في البنية التشكيلية  للنص  وبما  التفكير كان ومازال ممنوعاً  ،  وأما  المسموح به  فهو التقليد  والخنوع والإتباع من غير تفكير    ،  لذلك صنعت  عندنا   التابوات  فصارت مقدسات لا يصح ولا يجوز المساس بها   .
    ونقول   زيادة  في التأكيد    :  -  إن البعض  من المفسرين  قد شككوا  في أصل  هذا  النص   -   ،   وعليه  يكون عندهم    الربط  بين التعدد في  النكاح  و اليتامى  سالبة بإنتفاء الموضوع    ،  ومع إن  أصل  البحث  في قضية التحريف  هي  مسألة علمية وبحث مدرسي بحت     ،  لكن  الحاجة ألزمتنا   في بيان النص  وتوضيح دلالته   ،    نعم إننا لسنا  ملزمين   بإلزام أنفسنا  بتفسير لا نعتقد  بصحته وموضوعيته  وقربه من الحقيقة سوى إنه تبرير  أستحساني   .
      وفي موضوعات الكتاب  المجيد  نعتقد  :  إن للعقل دوراً  ورأياً  حاسماً  ،      فثمة موضوعات   يدور حولها نقاش كثير  في الكتاب المجيد  ،  يُقال إنها  قد  وردت أو أضيفت  له   من قبل الكتبة والنساخ  ،  نرجوا أن يتسع  العقل والصدر والمزاج   لذلك  فهذا مفيد في قضية التحرير والحرية المقصودة      .
     وبعد هذا نقول   :   -  أن لا ربط  بين  القسط في اليتامى ،  ومعنى أنكحوا ما طاب  لكم من النساء   -  ،  ذلك  إن تشريع  النكاح  والسماح به    لا يتعلق  بقضية القسط باليتامى   لا من حيث الشكل ولا  من  حيث المضمون   .
    ثم إن هناك ثمة   مخالفة  مفاهيمية  سائدة ويجري ممارستها من غير تحقيق  ألاَّ  وهي    :    (   إنه  وبسبب الترادف الممقوت  أصبح النكاح  أعني الإستمتاع   لدى عامة   المسلمين  هو  الزواج    ،   وأسقطت عليه أحكامه وتبعاته     )   ،  فالمعلوم : -  إن الزواج  لاينعقد  إلاَّ بميثاق غليظ  ،  ولكن  النكاح  يتم   بعقد   -    ،    لكن  الغاية من النكاح   هي  غير الغاية من  الزواج    وكذلك الشروط   فيهما   ،  كذلك  الطلاق في الزواج لا يصح  إلاَّ  إذا وقع   خلل في  شروط الميثاق وبنوده من أحد الطرفين ،   ولكن  الطلاق في نكاح الإستمتاع  فيكون  مرتبطا  بالأجل والمدة    .
     ونعود  لنقول  :  إن إقحام اليتامى  في موضوعة النكاح  لا معنى لها  ، ولا ربط  سوى ذلك الخلل الذي نشأ بفعل ذلك التفريع  ،  والظن الغالب عندي هو بسبب تلك الفوضى التي تدخل بها النساخ  والكتبة  في زمن الخليفة  عثمان  ،  وإلاَّ  لا نجد ما يجعل من موضوعة اليتامى مرتبطة بموضوعة النكاح لا في صيغة الترغيب ولا في  صيغة التدارك التي يلهث حولها بعض أهل التبرير والقناعة والرضى بما كان على ماكان  .
     
    ونصل  إلى ما يريده  الكتاب المجيد   من معنى   (  ملك اليمين  )   :   تلك   العبارة المثيرة للجدل  والمثيرة للتحسس لدى البعض   ،  والتي قيل فيها الكثير وظن بها  كثير  ،   نتيجة للتوظيف  السيء  والوضع   في المحل  والمعنى  الذي  ليس لها    ،  من قبيل  (  التسري   والإماء   والرق  والأستعباد   )  !!!    ،  وقد تفنن  البعض  من  فقهاء التراث  في صياغة وإستحداث  أحكام وتشريعات  حول  ذلك   ،  ودائماً   حجتهم   تكون  من الإعتماد على تلك  الأخبار والروايات  الموضوعة   ،  والمؤسف  إننا  لم نجد  عندهم  ذلك  التوسع وذلك  التحقيق  في الكتاب المجيد  ولا في البحث  فيه عن  الدلالة  والأهمية    ،   وربما كانت  للأحكام السلطانية  الدور الحاسم  في ترسيخ هذه القناعة  المثيرة  ،   والتي تحط من قدر وكرامة  المرأة وشأنها     .
    و أما  جملة -  ما ملكت أيمانكم  -   فهي جملة خبرية   ولفظ   ( ملكت  )  ليس بمعنى  الإستملاك    ،  ولا  لفظ   (  ايمانكم  )   بمعنى  اليد    ،  ولا هي   بمعنى  القوة الدالة على ذلك     ،  إنما  هي  جملة  مركبة   من     -  الملك   والايمان    -   ،  والايمان   هي  كناية   عن اليمين   نرى ذلك   في قوله  تعالى : - [   وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمن ] –   الواقعة 27   ،   التي  وردت   من باب التقابل  و للتمييز  عن  أصحاب  الشمال  ،  الواردة  في  صيغة   : -  [  وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال  ]  -  الواقعة  41   ،   ولا يعني لفظ اليمين  (  اليد اليمنى )   ،   ولا لفظ الشمال  يعني  (   اليد اليسرى   )    ،  بل هي مصطلحات جيء بها كناية  عن جهتين متضادتين بين الإيمان وعدمه   ،   ونفس الفكرة نقرأها  في قوله تعالى : -  [   فأما من  أُوتي كتابه بيمنه  ] -   الحاقة 19  ،   الواردة في دور  التقابل  ، كما في القول  التالي : - [   وأما من أُوتي كتابه بشماله  .. ] -  الحاقة  25   ،  ولايدل  هذا المعنى على ترجيح  اليد اليمنى  على اليد اليسرى  ،  القضية لم تطرح هكذا   إنما طرحت   ككناية عن جهتين متقابلتين  جهة اليمين  وجهة الشمال   للتعريف  فقط  ،  فعرف  أهل الإيمان  بأهل  اليمين  أو أصحاب  اليمين  ،  وعرف  غير المؤمنين   بأهل الشمال  أو أصحاب الشمال   .
      ونفس  الشيء قاله   في مسألة  (  ملك اليمين  أو ما ملكت أيمانكم   )   هو كناية أو نسبة  لما يملكه  أهل  الايمان  ،    وفي هذا  يكون  كل  مايقع   في هذه الدائرة  هو من  ملك اليمين  أو ما ملكت أيمانكم     ،    والقيد  المرموز  له   إنما   جاء على نحو مطلق   ،   وهو يشمل كل الفئة  التي تتعرض  لظلم  يؤدي إلى  الفقر والعوز والحاجة   (   الإقتصادية والإجتماعية )   ،  وفي هذه الحالة قال  : -    قد تضطر  بعض النساء المؤمنات   للوقوع في الخطيئة   والإستغلال  من قبل   بعض المغرضين  والمجرمين  -   ،   مما يؤدي إلى إستغلال وإنتهاك  لحرماتهن  وكرامتهن      ،   هنا  وفي هذه  النقطة   بالذات   ولكي لا يقع  ذلك    -    أباح الكتاب المجيد  وعلى نحو مشروط   للمؤمنين  من إحتضان هذه الفئة من النساء  ،   وحمايتهن من التعدي ورفع هذا الظلم الواقع عليهن   -  ، من خلال توفير لوازم العيش الكريم  لهن  من مسكن ومعاش   ،   في هذه الحالة   إذن  جاء قوله تعالى   : - [  ... أو ماملكت أيمانكم  .. ] -   النساء 3   ،   مشترطاً الجواز بتوفير الحماية والحصن للمرأة  ،   كي لا تنزلق  وتتوه  في ركب الفساد والإنحراف   (  إذن هذا هو الشرط الموضوعي للإباحة  )  .
        أعني إن الهدف  من الإباحة ليست الموضوعة الجنسية  بل موضوعة الحماية والصيانه    ،   وأما   العلاقة  الجنسية  بين الذكر والأنثى  فقائمة بالأساس  على ثنائية   -  الرضا  والقبول   -   ،   وفي قضية ملك اليمين   تقع هذه عرضاً  أو لنقل  في سياق  الإباحة وعلتها    ،   ولكنها   لم تكن هي الهدف المقصود    ،   فالكتاب المجيد  حذر ومنع  إستغلال حالة العوز والحاجة للتجاوز على النواميس  والكرامة والشريعة     .
      ذلك لأن  الأصل الأولي للإباحة  هو حل   المعضل  الإقتصادي  والإجتماعي  والأخلاقي   ،  وأما المتعة الجنسية  (  النكاح )  فتكون عرضاً أو في سياق المعنى العام للحماية والحصانة       .
     وحين يكون التركيز على الحماية والحصانة  فذلك لأن الكتاب المجيد  ركز على هذا  ،     حين  قال    :  - [  ولقد كرمنا بني آدم  ]  -  الأسراء  70   ،   فالكتاب  يستهدف  من  الحماية  كرامة الإنسان  هذا الكائن الآدمي   ،  ولا يجيز بحال  إنتهاك هذه الكرامة  أو السماح  بذلك  لا في  الحروب ولا في غيرها   ،   فالكتاب المجيد  يمنع  الرق والعبودية والتسري     ،   و  يعتبر الحرية شيئاً  مقدساً  وكرامة الإنسان كذلك محترمة ومُصانة   ،   نعم  في الحروب يقع الناس أسرى   ،  ولذلك   وضع   القوانين والتشريعات والأنظمة الراعية والمحددة  ،    قال تعالى : - [   يا أيها النبي  ،  قل لمن في أيديكم   من الأسرى  إن يعلم الله  في قلوبكم خيراً  يؤتكم خيراً مما أُخذ منكم  .. ]  -   الأنفال  70   ،   وهنا أستخدم النص  لفظ اليد ولم يستخدم  لفظ الايمان   ،   وهذا  دليل على دقة ألفاظ الكتاب ودقة مُرادها    ،   ولم يطرح النص  فكرة  الرق  أو الإستعباد   ولا غيرها من المصطلحات  الخبرية   ، ولا نجد   في الكتاب المجيد   ولا دليلاً  واحداً     يدل  على إستعباد الناس وسلب كرامتهم أو إرغامهم على فعل   ما  لا يرغبون به   ،   ولم يدع الكتاب المجيد للمعاملة بالمثل فتلك عنده صفة مذمومة   قال تعالى    : - [  ولا تزر وازرة وزر أخرى ] -  التحريم    10  ،   ولهذا  فما يُقال  في التاريخ  عن ظاهرة الإماء  اللائي  يقعن  ضمن الغنائم  الحربية ويوزعن على المقاتلة ،  فشيءٌ ممنوع   ذلك لأنه يتعارض وصريح  الكتاب المانع  لهذا النوع من الممارسة     ،  وحتى  حينما   يتحدث  الكتاب المجيد عن  مفهوم الرقيق  في صيغة   (  تحرير رقبة  )  ،  هو لا يتحدث عنها بصفتها  وبوصفها غنائم  حربية  وقعت  بيد المنتصرين  ،  بل   بوصفها  ظاهرة  تاريخية   كانت سائدة   قبل عصر نبوة محمد  ،  فهو  إذن  يحث  ويشجع  على تحرير الإنسان من سلطة الأستعباد   ،  ولهذا  ورد في المأثور  وبصيغة  الإستنكار المفهومي  (  متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا  )   .
    وهذا يعني   إن هناك مرحلتين  من  التاريخ  ما قبل  عصر  النبوة  وما بعد عصر النبوة المحمدية  ،  فما كان سائداً  قبل ذلك العصر  ورد التشجيع  والحث  والدفع  عليه   في الكتاب المجيد   بتحرير تلك الرقاب التي أستعبدت   .
    وأما ما بعد عصر النبوة  فلم يسمح النص  ولم يجز   بحال  سلب كرامة الإنسان  أو إجباره  على فعل  ضد طبيعتة  وضد آدميته    ،  وأما ما يُقال  في التاريخ  والروايات والأخبار  عن الإماء  وأمهات  الأولاد   فلا نقره  ولا نعتقد بصحته  ،  ومعلوم  إن التاريخ  والأخبار  ليست بالمحل الذي يمكن الركون إليهما في تصويب أو تشريع القوانين والأحكام   (  مع ملاحظة إن جميع الحروب التي قام بها الخلفاء والسلاطين ، كانت عبارة عن غزو منهي عنه  )  !!   .
       ومن هنا نقول : -  إن  الدخول بالمرأة من غير رضاها لا يجوز شرعاً ، ومن يفعله يكون قد أرتكب الأثم  ،   ذلك إن العلاقة بين الذكر والأنثى  لا  تتم   إلاَّ   بالتراضي  والقبول  -    ،  ولا تصح    بالإستغلال  أو بوضع اليد فهذا ممنوع شرعاً وعقلاً  -   ..
       
    ونقول  كذلك   :  -  إن  المسموح  به   من  فعل   (  ملك اليمين  )  هو ما يقع مع  النساء  المؤمنات  وليس مع الكافرات أو المشركات    -  ،   هذا بحسب  ما يقوله الكتاب المجيد   ،  إذ ورد ما يلي نصه    قال تعالى : - [  -  وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ  ،  فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ ،    وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ ،  بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ   ،  فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ   ،  وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ،  مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ    ...  ] -  النساء 25     .
    أولاً   :    المحصنات   هو  جمع محصنة   ،   وهي  من  الحصن  بكسر الحاء  ،  وهي لفظة دالة  على المنع أو الإمتناع    بمعنى الحماية والحصانة  والصيانة     ،  والمرأة المحصنة  هي المرأة  الممتنعة   حين  تقع بضائقة  مادية وإقتصادية وإجتماعية  لا تستسلم  لها   ،   بل   تحصن نفسها  من  إرتكاب  الخطيئة  أو الإنزلاق  فيها  رغم  المغريات    ،   وهذا  الفعل   هو   قابلية  وقدرة على الإمتناع  لدى بعض النساء    ،  ولا يدفعهن  عسر الحال  والعوز والحاجة  إلى الإنزلاق أو إرتكاب الخطيئة ،  ومن أجل  هذا  جاءت الإباحة   لحفظ وصيانة  المرأة التي تتعرض لمثل هذا الظلم ،  من خلال توفير العيش الكريم والحماية والحصانة والصيانة  لها  ،   وشرط الحصانة متعلق  رتبةً  بشرط الإيمان  ، قال  (  من فتياتكم  المؤمنات  )   ،  وهذا  يدفع  القول الرائج : - بأنهن  نساء  من الكفار  سبايا  -     .
    وثانياً  :   أشترط   النص  أن يكون النكاح  الذي يقع مع ملك اليمين  ،  أن  يتم  بأذن أهل هذه المرأة المؤمنة    ،   ويبين  هذا  إن  فعل النكاح   هو ليس بوضع اليد  أو التملك   ،  وإنما بالتراضي والقبول   ،   والأصل  فيه   حصانة المرأة من الوقوع في الخطأ  أو  الخطيئة .
    وثالثاً  :    الحصانة  في  واقعها    الدلالي  والمفهومي   هو ما يتضمن  هذا المعنى وتوابعه  المعنوية  والمادية   ،  قال  تعالى  (  وآتوهن أجورهن  بالمعروف  ...  محصنات  غير مسافحات   )   .
     ملاحظة  :
    بعد الحديث  عن معنى الزوج  في اللغة والكتاب المجيد  ، يلزمنا بيان في ماذا تعنيه كلمة -  بعل  -   ،   والبعل في  لغة العرب  هو المعيل  أو الكفيل  (  وهو  هنا  معنا  عام  )  ،  وفي الكتاب المجيد   يأتي  بمعنى المدير أو من بيده  إدارة  شؤون الأسرة   ،  وقد ورد  التأكيد  على ذلك  كما جاء في الأثر  قوله  عليه السلام    : -  [   إن جهاد  المرأة حُسن التبعل  ]   ،  وفي ذلك إشارة لما تقوم به  المرأة في حال غياب  زوجها  عنها وعن البيت  ،  وفي هذه الحالة   تكون  هي المديرة  والراعية لشؤون الأسرة والبيت ،  فتوفر لهم  ما يحتاجون إليه  من معاش  وأمن وإستقرار     .
      ويُفهم  من هذا   إن البعل   لا يكون المقصود  منه   خصوص  ما يقوم به   الزوج  في فراش الزوجية ،  بل  يعني  الرعاية  والإشراف والحماية  في كل ما يتعلق  بشؤون وحاجات الأسرة  ،  وفي هذا المعنى  يتساوى الرجل  بالمرأة   والذكر  بالأنثى   ،  طالما كان المُراد من ذلك هو هذا    ،  وإلى ذلك  وردت  جملة  نصوص  ومنها  :
    قوله تعالى  : - [  أتدعون بعلاً  وتذرون أحسن الخالقين ] -  الصافات  125  ،  والجملة فيها إستفهام إنكاري   ،  لأولئك  الذين  يتركون   أحسن الخالقين  ويلتجؤن  إلى ما لا يضر ولا ينفع من الأصنام ،  في تلبية حاجاتهم المعاشية  وسد عوز أسرهم   وما تعاني منه   .
      وقال تعالى  : -   [  وإن إمرأة  خافت  من  بعلها  نشوزاً أو إعراضاً  ... ]  -  النساء  128   ،   والكلام على من بيده  الإدارة  في مرحلة وقوع الخلاف بين الذكر والأنثى ،   قال  إن  المسؤول  عن إعادة العلاقة إلى مجرآها  الطبيعي  هو البعل بصفته مديراً  ، فهو القادر  على  فتح باب الصلح وسد ثغرة الخلاف التي قد يأتي منها الطلاق وغيره .
    وقال تعالى : - [   .. وهذا بعلي  شيخاً  .. ]  -  هود  72  ،  والكلام عن زوج إبراهيم عندما بشرتهم  الملائكة  بالولد  ،  وهنا أستخدمت اللفظ كناية عن الزوج  وعن الإمكانية  في صناعة الولد  ، بإعتباره  المسؤول  أو هو صاحب النطفة  التي تتم بها  هذه العملية  ، لذلك أستدركت بالقول  وهذا بعلي شيخا  ،  كناية و حكاية عن الضعف وعدم القدرة  .
    وقال تعالى : -  [  .. ولا يبدين  زينتهن إلاَّ لبعولتهن .. أو آباء بعولتهن .. أو أبناء بعولتهن .. ] -  النور 31  ،  والنص إنما يتحدث  عن الأفراد الذين يُسمح لهم  برؤية المرأة  في زينتها الداخلية  ، تلك الزينة  الممنوعة على  الأخرين   ،  ويجب التنبيه  :  إن الكتاب المجيد حين يستخدم اللفظ في معنى  ما  ،   إنما يأتي به للتعريف ولتقريب الذهن  ،  فحين يقول  -  زوجاً  فهو يقصد معناه  المتعارف  مع  حرصه الضمني ان يقوم  هذا الزوج  بواجباته من النكاح والإدارة    -  .  

    آية الله الشيخ إياد الركابي
    27 جمادي الأولى 1440 هجرية 
     
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media