حوارٌ افتراضيٌّ بين "عامِلِي" و"كندي"
    الأثنين 4 فبراير / شباط 2019 - 10:21
    أبو تراب كرار العاملي
    في الذكرى السنوية الثانية على وقوع الحادثة المشؤومة والمتمثلة بالهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجداً في مقاطعة "كيبك" الكندية، حيث تم إطلاق النار على المدنيين داخل مكان العبادة، يقول "العامِلِي" مخاطباً مواطناً كنديّاً: "هل تتذكر هذه الحادثة يا صاح؟"، فتأتيه الإجابة: "وكيف لي أن أنساها وهي غدت وصمةَ عارٍ تُدَنِّس التاريخ "الكندي" عموماً و"الكيبكوازي" خصوصاً ونقطة سوداء على جبين المسلكية الاجتماعية في هذه البقاع الشاسعة؟".

    يتابع "العامِلِي": ولعلك تابعت الأخبار والمعلومات التي تم تداولها حول جنسية مُنَفِّذ الهجوم القذر والذي أودى بحياة عدة مواطنين وإصابة آخرين.

    يقول "الكندي": نعم بكل تأكيد، وهنا الطّامّة الكبرى والمصيبة العظمى والكارثة الفدائحيّة، بعد أن تبيَّن أن المُنَفِّذ هو فرنسي كندي... يا للهَوْل.

    "العامِلِي": ودعني أزيدك من الشعر بيتاً، أن المُنَفِّذ ـ كما نُقِل ـ كان طالباً جامعيّاً ويدرس في كلية العلوم الاجتماعية. وعليه، نقطتان مهمتان تتعلقان بالمُنَفِّذ لا بأس بالتوقف عندهما يا صاح:

    أولاهما: جنسيته وانتماؤه، فهو فرنسي كندي من بلاد الغرب ولا علاقة له بديننا الإسلامي وشريعتنا السمحاء البرّاقة.

    ثانيتهما: وضعيته العلمية، والتي تُظهِر أنه طالب جامعي وفي كلية العلوم الاجتماعية، وحيث من المتوقع أن تكون شريحة الجامعيِّين تمثل طبقةً راقية في الفكر والحضارة وتقبُّل الرأي الآخر، لا سيما أنها على احتكاك دائم مع ميدان من الاختلاف في الآراء الفكرية والطروحات المتنوعة من الإشكاليات والنظريات العلمية. ولعله من أهم صفات المتعلم والمثقف حضارية التعامل مع الطرف الآخر المتباين معه في الآراء والمختلف معه في التوجهات.
    وأَضِف على ذلك، مجال الكلية المنتمي إليها، العلوم الاجتماعية، والتي يُتَوَقَّع أن علومها ومجالاتها ذات طابع مُعامَلاتي مع النظير الإنساني على اختلاف انتماءاته وتَشَعُّب توجهاته.

    يتابع "العامِلِي" بعد أن أطرق "الكندي" برأسه خجلاً: لكن يا صاح، لسنا من الشّمّاتين، ولا هذا دَيْدَنُنا، ومسلكيتنا المُطَرّزة بأخلاق رفيعة وقيم نبيلة بريئة وبعيدة عن الشماتة وشبيهاتها من الصفات الغير محمودة. إلا أنني أسألك، بالله عليك، هل سمعتَ أن "حزب الله" نعت "كندا" أو الدولة الكندية بالإرهاب؟

    "الكندي": طبعاً لا، أبداً لم أسمع ذلك.

    "العامِلِي": طبيعي أن لا تسمع ذلك، لأن "الحزب" لم يقلها، لأن منهجه حقٌّ ومسلكيته عادلة ولا ينعت الآخرين ـ حتى مع اختلافه معهم بالآراء بل وظلمهم له ـ بصفات كذائية لمجرد أن فرداً منهم قد أزله الشيطان وسلك الهاوية وظهر منه ما ظهر من أعمال دنيئة. ولكن يا صاح، أليس من المعيب أن نقرأ ـ في محله ـ أن "كندا" تصنف "حزب الله" كـ«منظمة إرهابية»؟ أليس ـ من المفترض ـ أن بلدكم يحترم الإنسان المتواجد على أراضيكم ويُؤمّن له سبل العيش الكريم ويفسح له المجال لممارسة طقوسه الدينية على اختلاف تجلياتها؟ دولتكم تسمح بإحياء شعائر مدرسة عظيمة عابرة للتاريخ والأزمان وهادية للأجيال والذراري والمتمثلة بعاشوراء وكربلاء الحسين(ع)، ألا تدري أن "حزب الله" يتخذ من شعارات ـ هذه الحادثة التاريخية ـ عناوين برّاقة يهتدي بها في مسيرته المباركة؟ هل يُعقَل أن مَنْ يحامي عن أرضه وشرفه وكرامته وأهله وسكان شعبه ـ على اختلاف طوائفهم وتعدد مذاهبهم ـ يوصَف بهذا النعت الظالم؟ ما هذا التناقض الذي يعيشه صُنّاع القرار في بلدكم يا صاح؟

    "الكندي": معك حق في كل كلمة تقولها، وتنطق بعين الصواب في كل ما تتوجه إليه، ولم تترك ثغرة للدفاع عن أهل الحكم في بلدي وطريقتهم بالتعامل مع بعض الشعوب الخارجية.

    "العامِلي": بلدٌ يُوَفِّر سبل العيش الكريم لمواطنيه بل وللمقيمين ـ عموماً ـ على أرضه، وفي المقابل يصدر قراراً تعسّفياً ويسلك مساراً ظالماً بحق ثلة مؤمنة ذي قضية حقة تتواجد في إحدى بقاع هذه المعمورة، كيف تصف هذه المعادلة؟

    "الكندي": مُحَيِّرة، غريبة، عجيبة، مقيتة... وما شئتَ فَعَبِّر.

    "العامِلي": عدة احتمالات تُطرَح في البَيْن:
    ـ الانجرار وراء التضليل المُزَيَّف والتظهير الكاذب.
    ـ انعدام البصيرة لدرجة ملازمة السّفاهة إن لم يكن أدنى من ذلك.
    ـ غَلَبة العنصر المادي الفاني على القيم الأخلاقية الباقية بسمعتها الطيبة وثمارها الأخروية.
    ـ الانصياع للجار الشّيطاني، والصيرورة كجندي ينفذ أمر سيده دون الجرأة على التمرد وإظهار كلمة الحق.

    بكافة الأحوال، وفي ختام هذا الحوار يا صاح، سأضع بين يَدَيْك ـ وأيدي القراء الكرام ـ هذه المقارنة، وأترك لكم التعليق.

    في مقاطعة "كيبك" (كندا)، مواطنٌ فرنسي كندي غربي غير إسلامي يهجم على جماعة مدنيِّين عُزَّل في مكان عبادة ويطلق عليهم الرصاص ويقتل منهم ويجرح آخرين.

    وفي بلدة "قارة" (سوريا)، تقول الأخت "ماري مجد" وهي راهبة من "تشيلي": "في لحظة تحرير قارة كنا مجتمعين داخل الكنيسة الصغيرة" "سمعنا نداء شباب حزب اللّه يبشروننا بانتصارهم وتحريرنا بفضل نعمة اللّه"، وتقول أيضا "هذا مؤثر جدا أن نراهم يشكرون الرب ويحمدونه قبل كل شيء" "بدا لي شباب حزب اللّه مثل الملائكة" "إنهم ملائكة أتوا ليخدموا اللّه ويخدموا كل فرد منا دون مقابل" "لا أجد كلاما معبرا لكي أعبر عنهم سوى أنهم ملائكة"، ويقول الأب "دانيال ماس" وهو راهب من "بلجيكا": "الصورة السلبية التي حصلت عليها من أوروبا بشكل عام تغيرت تماما بعدما لمستُ حقيقة حزب اللّه الذي دافع عنا" "فهم لم يقنعوني فقط بالكلمات بل بالأفعال" "وبإسلوبهم المحبب الذي جمع بيننا في تلك اللحظات الصعبة". وتقول "الأم كلير" وهي راهبة من "فرنسا": "أصدقاؤنا في حزب اللّه لديهم إحترام كبير للكنيسة" "لا يدخلون الكنيسة أبدا دون أن يطلبوا منا الإذن" "عندما كنت أطلب منهم أن يتركوا السلاح في الخارج أمام الباب لم يكن لديهم أية مشكلة وكانوا دائما يسألون إذا يمكنهم الدخول أو لا" "هم ليسوا أشخاص يدخلون ويأخذون كل شيء" "كانوا محترمين معنا جدا" "لم يكن لدينا أبدا أبدا أبدا أية مشكلة رغم أنه توجد في الدير فتيات كثيرات" (تم نقل الترجمة كما وردت دون تعديل، وللمزيد يُراجَع برنامج "ملائكة الأرض" في موقع قناة "المنار").

    إذاً أيها "الكندي"، عملٌ إرهابيٌّ بات معلوماً مَن المسؤول عنه، و"ملائكةٌ إنسيَّةٌ" عرفت هويتهم، فَتَأَمَّل، أَسْهِب التفكر وأَحْسِن الاصطفاف. واعلم أنه جاء في كتاب الله تعالى:
    [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ].


    أبو تراب كرار العاملي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media