قراءة سيكولوجية لشخصية الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم
    الأربعاء 13 فبراير / شباط 2019 - 01:02
    د. لبيب سلطان
    أستاذ جامعي/ كاليفورنيا
    يحلل اغلب المؤرخيين والمثقفين الوطنيين العراقيين بألم  سيرة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم  بعدم حزمه مع القوى الرجعية من قوميين عروبيين واقطاعيين وعمائم الدين ومخابرات دول االشركات النفطية فهم يتهمونه بخطأ سياسة عفا الله عما سلف التي أتبعها الزعيم مع المتآمرين والرجعيين وكأنه اجتهاد سياسي للزعيم وليس جزء هاما من شخصيته التي يمجدها العراقيون بل ويقدسها باعتباره نذرنفسه ضحية في سبيل الفقراء والمعدومين و رمزاً في تاريخهم كأخلص قائد وطني عرفه العراق ذو شخصية  متواضعة تحمل بين كنفيها الآم وهموم وتطلعات  العراقيين بمستقبل زاهر ومستقر  والمتخلق بالطيبة والشجاعة والتسامح مكرسة في ذاكرتهم الجمعية من خلال شخصيات يقدسونها ضحت  من اجل مثل العدالة ومن اجلهم وهما شخصيتا علي ابن ابي طالب وابنه الحسين اللذان قتلا كما قتل الزعيم غدرا على أرض العراق وبأساليب تآمرية مشابهة الى حد كبير ماجرى قبل يوم ٨ شباط الاسود وما تلاهما من مجازر وحشية ضد العراقيين انذاك وبعد انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ أيضا.
      
    هناك قواعد هامة في علم النفس تقول ان الكريم لايستوعب وجود بخلاء والعالم بوجود جهلة والصادق بوجود من يكذب والشجاع بوجود الجبن  والمتسامح باسلوب العنف والمتواضع بوجود المتعجرف وهكذا كان حال الزعيم ومعسكره الوطني من مثقفي العراق ووطنييه وقوى اليسار والتقدم في المجتمع ينتمون للفئة الاولى  في سلوكيتهم ومنهجهم والثانية تمثل التجمع الرجعي المتستر بأسم الدفاع عن العروبة والدين والأعراف الاقطاعية والعشائرية والتسلطية . الصفات الاولى تبني شخصيات صادقة ونزيهة وشجاعة وقادرة على التضحية بمصالحها الخاصة لمصلحة العامة والاجيال القادمة والثانية تولد شخصيات سافلة تحمل بين طياتها التآمر والكذب وتغليب  المصلحة الخاصة على حساب المصلحة  العامة للناس والمجتمع والعنف والدموية وهؤلاء هم البعثيون وشخصياتهم معروفة مكرسة في صدام التكريتي وناظم كزار وعلي حسن المجيد الذين يقابلهم في تاريخ العراق بدمويتهم ولاة مثل الحجاج وزيا د ابن ابيه بعد بسط سلطة الثروة والجاه لمعاوية على العراقيين الذين وقفوا وقاتلوا مع علي .

    لم يكن الزعيم متخاذلاً بمسؤولياته بل كان يتصرف وفق طبيعته الشخصية المنافية لمبدأ العنف وكان يؤمن بفطرته ان الشعب هو من يدينهم بعقاب اجدى من العنف الذي مورس بداية الثورة ضد المتآمرين واستغلته المنابر الغربية والناصرية باعتباره اقتصاصا من مخالفي الرأي ومن يقف ضد شخصية الزعيم لتسويد صفحة تموزالبيضاء وزعيمها الوطني  ولم يسلح الزعيم الجماهير الغفيرة التي خرجت لمناصرته يوم الانقلاب حرصاً منه كرجل شجاع على حياتهم في مجابهة قطعات مسلحة ومدرعة توجهت لمكانه في وزارة الدفاع ولم يكن طالب سلطة وطامعا فيها بل كان يعتبر نفسه  امينا على الشعب يقف عند وسط التيارات التي تريد بالعراق الميل والوقوع في حضن معسكر الشرق او الغرب وكان الصراع في العراق ساحة ساخنة للحرب الباردة التي كانت بأوج مراحلها انذاك ووصل الانشطار المجتمعي ان البعث والقوميين والعمائم والاقطاعيين شكلوا جبهة امريكا والغرب واليسار والوطنيين العراقيين لجبهة الاتحاد السوفياتي والشرق.
      
    كان الزعيم يؤمن بالشعب و يخشى من الاحزاب يسارها ويمينها كي لاتميل الدفة للشرق أو للغرب فهو لم يخرج العراق من حلف بغداد ليكون محمية سوفياتية  ولم يرد توريط العراق بالانحياز لأي منهما بل كان كان قائدا وطنيا يريد تجنيب العراق مخاطر وعقابات الانحياز ولم يشكل حزبا له فهو بطبيعته  الشخصية ينبذ  الفخفخة و تجمع الانتهازييين فهو الانسان الخادم والأمين لشعبه وفقط.

    ان التاريخ يجب ان يسجل الوقائع بحيويتها وليس فقط بنتائجها وان يحمل المسؤولية على نكبة ٨ شباط الحزب الشيوعي العراقي الاكثرتنظيما و انتشارا وتمثيلا للطبقة الوطنية العراقية فهولم يطرح وقتها برنامجا ديمقراطيا لاجراء انتخاب لمجلس للنواب واقامة دولة ديمقراطية تأخذ بمبدأ فصل السلطات )وكان العراق مهيأ له( لعدم ايمان الحزب بالديمقراطية المؤسساتية كأسلوب في الحكم باعتبارها بدعة واداة برجوازية بل اكتفى برفع شعارات دون برنامج ولم يمارس الحق المشروع في الدفاع عن النفس تاركا الشعب وطبقاته الوطنية  لتقع فريسة بيد اقوى هجمة سادية انتقامية بربرية عرفتها الصراعات داخل مجتمع واحد في القرن العشرين ولازال العراق ممزقا ولليوم منذ ٨ شباط باغتيال وتدمير طبقته المثقفة والوطنية التي لم تمارس دورها ببناء مستقبل مزدهر ومجتمع مستقر الى يومنا هذا حيث رجعت القبلية والعشائرية وحكم العمائم وسيادة الفاسدين بعد اغتيال الطبقة الوطنية المثقفة  العراقية مع زعيم الوطنية الخالد عبد الكريم قاسم.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media