الاختلال المنهجي في إدارة عمليات تطوير صناعة النفط الوطنية بالمنهاج الوزاري 2018-2022
    الخميس 14 فبراير / شباط 2019 - 06:37
    أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
    أستاذ جامعي
    المقدمة
       يتسم المنهاج الوزاري ببساطة الهيكل والمحتوى، وهو أمر منهجي يعكس فقر المعالجة المنهجية في صياغته لأهداف تطوير صناعة النفط للسنوات الأربع القادمة. وبخطوتين منهجيتين، سنتعرض لتحليل المنهاج الوزاري من زاويتين متداخلتين: زاوية منهجية صياغته (القسم الأول)، وزاوية بناءه وفرص تحقيقه (القسم الثاني). نشير إلى أن استخدامنا وثيقة المنهاج الوزاري كمصدر للمعلومات في هذا البحث، سيكون على النحو الآتي: (المنهاج الوزاري، عنوان فقرة المنهاج الوزاري المقتبس منها: رقم الصفحة، من نسخته المنشورة في 4/11/2018).   
    القسم الأول. في منهجية صياغة المنهاج الوزاري لتطوير صناعة النفط:
       في صياغة المنهاج الوزاري 2018-2022 (فيما بعد المنهاج الوزاري)، جرى استخدام وثيقة "مسودة أولية لتفاصيل برامج الوزارات" (فيما بعد المسودة الأولية)، بمثابة ملحق له متكون من ستة محاور، وردت الإشارة فيه إلى تطوير صناعة النفط في المحورين الثاني والرابع، وعلى النحو الآتي (المنهاج الوزاري، ملحق مسودة أولية لتفاصيل برامج الوزارات: 34-121): 
    المحور الثاني (المالي والاقتصادي والتنموي): يجرى الحديث هنا عن تطوير صناعة النفط، وبتنفيذ وزارة النفط، في الأولويات الأربع الآتية، والتي يطلق عليها المنهاج الوزاري تسمية "توجهات إستراتيجية" (المنهاج الوزاري، محاور البرنامج الحكومي: 65-73): "تشجيع وتحفيز البيئة الاستثمارية في القطاعات كافة، والتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي"، وتتضمن هذه الأولية تطوير ثمانية مشروعات لاستثمار الغاز، وتطوير الصناعة النفطية التكريرية، وإبرام عقود شراكة مع شركات عالمية متخصصة لتطوير عمل الشركات النفطية، وزيادة القدرة الإنتاجية والتصديرية للحقول النفطية الحالية.
    المحور الرابع (الأعمار والبنية التحتية): يجرى الحديث هنا عن تطوير صناعة النفط، وبتنفيذ وزارة النفط أيضا، في الأولويات الثلاث الآتية، والتي يطلق عليها المنهاج الوزاري أيضا تسمية "توجهات إستراتيجية" (المنهاج الوزاري، محاور البرنامج الحكومي: 73،  95-96): تطوير المصافي الحالية وتأهيل المصافي المحررة من دنس الإرهاب، وزيادة السعات الخزنية للمنتجات النفطية في المصافي الصغيرة؛ وتطوير حقول الجهد الوطني.
       من زاوية تطوير صناعة النفط، يتسم المنهاج الوزاري بكونه مجرد مجموعة مشروعات خطة أعمال تطويرية نفطية مفقودة. بيد أن المشكلة المنهجية الأساسية لمشروعات تطوير صناعة النفط في المنهاج الوزاري تكمن في توزّعها على مجموعة وثائق حكومية مختلفة، وردت الإشارة إليها في المنهاج الوزاري نفسه، ليس معروفا عنها سوى كونها مشروعات نفطية قائمة ولكنها غير مكتملة، ويجري تنفيذها من قبل وزارة النفط (أنظر تعداد هذه الوثائق: المنهاج الوزاري، منطلقات إعداد المنهاج الوزاري: 6). وعلى أساس هذه الوثائق، يطمح المنهاج الوزاري إلى تحقيق عدد كبير نسبيا من المهام المنهجية في تطوير صناعة النفط، منها الأساسية الآتية (المنهاج الوزاري، المقدمة: 4):
    رسم رؤية لعمل الوزارة الجديدة تجاه تطوير صناعة النفط في البلاد، بدأ من عام 2018 ولغاية عام 2022 وما بعده.
    تحديد الأولويات، والمتطلبات الإستراتيجية والآنية من عمليات تطوير صناعة النفط.
    وضع خطط تفصيلية، وتقرير مخرجاتها وأدوات قياسها، وحوكمة عملياتها في النشاط الحكومي لتطوير صناعة النفط.
       وعلى ضوء نتائج تفكيكنا لهيكل المنهاج الوزاري النفطي إلى عناصره المكوّنة (الأولويات، الوثائق، والتوجهات الإستراتيجية)، سنقصر الحديث في هذا القسم من البحث على منهجية صياغة مفردات التوجه الإستراتيجي (الرؤية، الرسالة، والأهداف) للمنهاج الوزاري في تطوير صناعة النفط (ونعني بصناعة النفط في هذا البحث جميع حلقات المنبع Upstream والمصب Downstream من السلسلة التنظيمية/التكنولوجية النفطية) أولا، وثانيا، توصيف طبيعة البيئة المؤسساتية المقترحة في المنهاج الوزاري والتي ستجرى فيها عمليات تطوير صناعة النفط نفسها.
    أولا. منهجية صياغة التوجه الإستراتيجي للمنهاج الوزاري في تطوير صناعة النفط:
       يدعي المنهاج الوزاري قدرته المنهجية على رسم رؤية إستراتيجية لعمل الوزارة الجديدة، وتحديد أولويات ومتطلبات إستراتيجية أعمال تطوير صناعة النفط، بما فيها أعمال التخطيط الإستراتيجي لنشاطها الحالي والمستقبلي، على الأقل في مدى الأربع سنوات القادمة وما بعدها. بيد أن المنهاج الوزاري لم يقدم الدليل المنهجي الملموس على هذه القدرة، باستثناء تحديده أولويات تطوير على شكل مشروعات أعمال نفطية منفردة وغير منتظمة في خطة أعمال معلنة. لا ينبغي للعملية الإستراتيجية للتطوير أن تكون مرادفة لعملية صياغة إعلان نوايا، أو إعلان سياسي، لا يجمعه جامع مع مبادئ صياغة إستراتيجيات التطوير، حتى وإن اتخذت صياغة النوايا شكل "منهاج!" أو خطة أو برنامج أو مشروع. إن ما يميّز العملية الإستراتيجية عن النوايا، وإن كانت طيبة في بعض الأحيان، هو الطابع الحقيقي أو الفعلي للممارسات التنظيمية في تناسبها وانسجامها مع الخطوات المنهجية المفترض تحقيقها منذ بداية الشروع بالعملية الإستراتيجية للتطوير. يتجسد التعبير الملموس عن مقولة "الإستراتيجية" في كوّنها إجمالي حراك إجرائيات تنظيمية متتابعة الحدوث، مع وجود عمليات تغذية عكسية مستقرة، وبالنتيجة تأثير عكسي لكل عملية من العمليات التنظيمية على العمليات الأخرى وعلى مجمل عملية تطوير هذه الصناعة. في هذا السياق، يتطلب الأمر من القيادة السياسية العليا للبلاد و/أو الإدارية العليا لصناعة النفط (أو المنهاج الوزاري نفسه) لعمليات تطوير صناعة النفط الإجابة على ثلاثة أسئلة فقط، تشكّل بمجموعها طبيعة وجوهر العمل الإستراتيجي التطويري (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، 2017: 261-265):
    السؤال الأول: ما هي حالة صناعة النفط الوطنية في الوقت الحاضر التي تراها القيادة السياسية/الإدارية أو المنهاج الوزاري؟ 
    السؤال الثاني: في أية حالة ترغب  القيادة السياسية/الإدارية أو المنهاج الوزاري أن تكون عليه صناعة النفط في المستقبل المنظور وغير المنظور؟ 
    السؤال الثالث: بأية إستراتيجية تستطيع القيادة السياسية/الإدارية أو المنهاج الوزاري الوصول إلى الحالة المرغوبة لهذه الصناعة؟ هذا السؤال مرتبط بتحقيق الإستراتيجية المختارة من قبلهم، والذي في مجراه يمكن تصحيح الإجابات عن السؤالين الأول والثاني أعلاه.   
       لو حاولنا إسقاط أسئلة الإدارة الإستراتيجية الثلاثة أعلاه على حالة منظومة إدارة صناعة النفط في العراق بجميع مؤسساتها ومنظماتها وشخوصها التنظيمية وقواعدها الحاكمة والناظمة في الوقت الحاضر، سنحصل على الإجابات الآتية:
    عندما تتوفر بيانات ومعلومات على درجة عالية من الدقة والاتساع عن منظومة إدارة صناعة النفط، يمكن لها أن تكون نقطة انطلاق في مساعي القيادة العليا للمنظومة في بناء إستراتيجية تطويرها الشاملة. ولكن توفر المعلومات وجودتها لوحدها غير كافية لانجاز هذا العمل الكبير، ما لم تتوفر خبرة منهجية كبيرة لدى صانعي الإستراتيجية المعنية. 
    إن رؤية الحالة المرغوبة للمنظومة في المستقبل المنظور والبعيد المدى ممكنة فقط، في حالة ما إذا تحلت قيادة المنظومة بالشجاعة والإرادة والمعرفة في رؤية الماضي والحاضر بعيون المستقبل، إذ لا يمكن لنا رؤية حالة المنظومة المستقبلية لإدارة الصناعة النفطية في بلادنا وهي مؤطرة بأطر الماضي الإداري والسياسي الشمولي القريب ومعضلات الحاضر الإداري والمؤسساتي الفوضوي غير الواضح الملامح. 
    لا تمتلك الإستراتيجية المختارة لتطوير منظومة إدارة صناعة النفط أية قيمة إذا كانت شروط تحقيقها غير متوفرة، أو أن هذه الشروط متناقضة ومتقاطعة في مفاصلها الأساسية. في الوقت نفسه، لا يمكن لصياغة وتحقيق الإستراتيجية أن تكون عملا نخبويا أو فئويا لطرف من الأطراف ذات العلاقة بالمنظومة، لأن صياغة وتنفيذ العمل النخبوي أو الفئوي يخلو عادة من الدافعية الايجابية على التغيير، الأمر الذي سيواجه بمقاومة كبيرة وعنيفة أحيانا من الأطراف الأخرى، وهذا الأمر أمكن ملاحظته منذ عام 2007، عندما طرحت مسودة مشروع قانون اتحادي لتنظيم إدارة صناعة النفط في العراق، لم تلق قبولا واسعا من الأطراف المعنية بها لغاية الحين. 
       وبما أن المنهاج الوزاري يدعي أنه قد استخدم "التقنيات الأكاديمية!"، كإحدى منهجيات تحديد معايير الرؤية والأولويات والتوجهات الإستراتيجية لتطوير صناعة النفط (المنهاج الوزاري، المنهجية: 36)، إلا أن تفحص مضمون المنهاج يتكشف عن غياب كامل لأي نوع من أنواع "التنظير الأكاديمي!" لعملية يراد منها صياغة وتحقيق إستراتيجية التطوير المعنية. في هذه الحالة سنسمح لأنفسنا أيضا بالتنظير الأكاديمي من خلال اقتراحنا بعض "تقنيات أكاديمية!" نراها مناسبة لتطوير أنشطة أعمال كبيرة ومعقدة تنظيميا وتكنولوجيا كحال صناعة النفط. وبما أن المنهاج الوزاري لا يتوفر على ملامح وجود عملية إستراتيجية للتطوير، عندها ستكون مساهمتنا النظرية محصورة في نطاق تهيئة الشروط النظرية والمنهجية لإجراء هذه العملية من خلال الربط ما بين مقولات الجهاز المفاهيمي للإدارة الإستراتيجية الرئيسة في هيكل منهجي قابل للتحقيق. وبغرض تكوين الهيكل المعني، ينبغي تبني خارطة طريق قوامها ثلاث محطات منهجية رئيسة على أقل تقدير (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، 2017: 327-352): 
    -المحطة الأولى، دراسة النماذج المختلفة، وفي بعض الأحيان المتناقضة، للعملية الإستراتيجية للتطوير في الأدب الإداري العالمي، وتكوين نموذجا خاصا منها لإدارة تطوير صناعة النفط في بلادنا لا تتناقض عناصره المكوّنة بعضها مع البعض الآخر، وأن لا يكون مرفوضا من قبل المدارس الفكرية في نظرية الإدارة الإستراتيجية (أنظر بعض تجارب عن هذه المحطة في: الكعبي، 2018، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 9 كانون الثاني). 
    -المحطة الثانية، تحليل عناصر نموذج العملية الإستراتيجية للتطوير، المتحصل عليه في المحطة الأولى أعلاه، وتجميعها وتركيبها من جديد واقتراح هيكل منهجي جديد عام لبناء العملية الإستراتيجية لتطوير صناعة النفط الوطنية (أنظر مثال عن منهجية بناء هذه المحطة في: الكعبي، 2018، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 7 آذار).
    -المحطة الثالثة الختامية، استخدام النموذج الجديد للعملية الإستراتيجية، المتحصل عليه من العمليات المنهجية في الخطوتين أعلاه، للتطبيق العملي، مثلا، في تقييم إستراتيجيات التطوير السابقة، أو بغرض صياغة إستراتيجية جديدة لتطوير الجهد الوطني المباشر في هذه الصناعة، أو بغرض صياغة إستراتيجية إشراك الأقاليم والمحافظات المنتجة في جهود إدارة تطوير صناعة النفط الوطنية، أو صياغة إستراتيجية دمج الاقتصادات المحلية  للأقاليم والمحافظات المنتجة بالعمليات النفطية الجارية فيها كمظهر من مظاهر تنويع اقتصاداتها، أو صياغة إستراتيجية لمواجهة تحدي "انخفاض صافي الإيرادات النفطية في ظل تذبذب أسعار النفط مع بقاء كلف الإنتاج بنفس مستوياتها"، كما قررت ذلك خطة التنمية الوطنية 2018-2022 (الخطة، 2018: 151)، وغيرها.  
    ثانيا. البيئة المؤسساتية المقترحة في المنهاج الوزاري كحاضنة لعمليات تطوير صناعة النفط: 
       في بداية هذا القسم من البحث، أجرينا تعدادا لمشروعات تطوير صناعة النفط في المحور الثاني (الاقتصادي والمالي والتنموي) والمحور الرابع (الأعمار والبنية التحتية) من محاور المنهاج الوزاري الستة. عثرنا في الأولوية رقم (1) فقط من المحور الثاني للمنهاج، والمتعلقة بثمانية مشروعات استثمار حقول الغاز، على نوع البيئة المؤسساتية التي ستجرى بداخل محدداتها وشروطها عمليات تطوير صناعة النفط، وهي "تشجيع وتحفيز البيئة الاستثمارية في القطاعات كافة، والتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي" (المنهاج الوزاري، ملحق مسودة أولية لتفاصيل برامج الوزارات: 65-66)، من دون سريان فعل محددات وشروط هذا النوع من البيئات المؤسساتية لعمليات التطوير على بقية أولويات المحور الثاني (2، 8، 9) وأولويات المحور الرابع (2، 3، 4) من المنهاج الوزاري نفسه لتطوير صناعة النفط الوطنية. بهذا الصدد، من المنطقي تماما أن تثار التساؤلات المنهجية الأساسية الآتية أمام صنّاع المنهاج الوزاري: 
    لماذا حرمت أولويات تطوير صناعة النفط الوطنية الأخرى (مثلا، الحقول المشمولة بجولتي التراخيص الأولى والثانية، أو حقول الجهد الوطني، أو شركات الخدمات النفطية الوطنية وغيرها) من البيئة المؤسساتية الجديدة التي سيسعى المنهاج الوزاري إلى إنشائها؟ ونعني بالبيئة المؤسساتية الجديدة هنا، حسب المنهاج الوزاري، سياسات الحكومة الجديدة في تشجيع وتحفيز البيئة الاستثمارية والتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي.
    ما هي المبررات التنظيمية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها لحصر نطاق فعل البيئة المؤسساتية الجديدة بتطوير ثمانية حقول غاز فقط، بينما تم استبعاد جميع حقول النفط والغاز في عقود جولات التراخيص النفطية الأربع المبرمة، واستبعاد جميع مشروعات حلقة "المصب" النفطية؟
    من الناحية التنظيمية الإجرائية، كيف يمكن تطوير جميع حلقات السلسلة التكنولوجية النفطية الوطنية (حلقات المنبع والمصب معا) في شروط نوعين مختلفين من البيئات المؤسساتية الحاكمة لمشروعات التطوير: بيئة مؤسساتية حاكمة لتطوير ثمانية حقول غاز، وبيئة مؤسساتية أخرى حاكمة لمشروعات التطوير المتبقية لم يقررها المنهاج الوزاري؟
    ما هي الآلية المؤسساتية التي سيجري بموجبها تنفيذ مشروعات تطوير صناعة النفط الوطنية من قبل وزارة النفط الاتحادية في المنهاج الوزاري، بعد تشريع وسريان مفعول قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018، الذي ربط الشركة تنظيميا بمجلس الوزراء (المادة 2 من القانون)، وفك ارتباط جميع الشركات النفطية الوطنية المملوكة لها (المادة 7/ثانيا/2 من القانون) بوزارة النفط (المادة 7/خامسا من القانون)؟ باستثناء شركة تسويق النفط الوطنية، التي عدّت قرارات المحكمة الاتحادية العليا في 23/1/2019 مملوكيتها لشركة النفط الوطنية العراقية بعدم الدستورية.
    ما هي الكيفية المؤسساتية التي سيجري بموجبها ضمان التوازن والتوافق والتكامل التنظيمي والتكنولوجي في نشاط تطوير صناعة النفط الوطنية، وهي تعمل ضمن محددات وشروط فعل وقوانين ومبادئ وآليات نوعين مختلفين من الاقتصادات: نوع "اقتصاد السوق الاجتماعي" في تطوير ثمانية حقول غاز فقط كما قرره المنهاج الوزاري، ونوع اقتصاد آخر غير معروف لتطوير بقية مشروعات صناعة النفط الوطنية لم يقرره المنهاج الوزاري؟
    هل يدرك صنّاع المنهاج الوزاري، وهم يقررون اقتصاد السوق الاجتماعي لتطوير ثمانية حقول غاز، أن الحديث سيجري عن نوعين مختلفين من العمليات الاقتصادية لتحقيق التطوير المنشود في هذا النمط من الاقتصادات: عمليات الإنتاج وعمليات التوزيع الأولي والثانوي للمداخيل، وموقف مؤسسة الدولة من هذين النوعين من العمليات؟   
       في الدستور العراقي النافذ منذ عام 2005 (المادة 112/ثانيا)، جرى التأكيد على أن منطلق عمليات الرسم المشترك للسياسات الإستراتيجية لتطوير ثروة النفط والغاز، من قبل الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، هو تحقيق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة في ذلك أحدث تقنيات السوق وتشجيع الاستثمار. وعلى هذا الأساس الدستوري، يجب على الدولة (هنا الحكومات المشار إليها في نص المادة الدستورية المذكورة) اختيار نمط اقتصاد السوق، من أنماط مختلفة له، لتطوير ثروة النفط والغاز الوطنية وموقعها المؤسساتي في نمط اقتصاد السوق المختار من قبل الدولة. في الاقتصادات المتطورة، توجد أنماط مختلفة من "اقتصادات السوق"، مثلا، اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية هو أقرب الاقتصادات للنمط الليبرالي، والذي يعني أن فعل الدولة في الاقتصاد متواضع بدرجة كبيرة (على الأقل لغاية منتصف العقد الثاني من هذا القرن بعد تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن إيديولوجيا الرأسمالية الليبرالية المعولمة)، وعلى العكس من ذلك، يوجد في فرنسا قطاع صناعي حكومي قوي، أما في المانيا والنمسا والبلدان الاسكندينافية فقد تطور بنجاح نمط "اقتصاد السوق الاجتماعي". 
       يستند مفهوم اقتصاد السوق ذو النزعة الاجتماعية إلى فكرة عملية مفادها، أن الاقتصاد الليبرالي في صيغته الصافية (من دون تدخل الدولة) سيكون أداءه الوظيفي حتما غير فعّال، ناهيك القول عن عدم إمكانه تأمين العدالة الاجتماعية. أن نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي يؤسس عمليا على الكيفية التي تجري بموجبها عملية التوزيع الثانوي Secondary للمداخيل، أما التوزيع الأولي Primary للدخل القومي فينشأ مباشرة من عملية الإنتاج الرأسمالي نفسها. وهنا منطق الأشياء السليم، يحتم على صنّاع المنهاج الوزاري تحديد موقفهم الأيديولوجي والسياسي والمنهجي أيضا من نمط اقتصاد السوق الاجتماعي الذي اختاروه للتطوير، عندما أدرجوا مشروعات التطوير الثمانية لحقول الغاز ضمن عمليات التوزيع الأولي للدخل في مرحلة الإنتاج، وهي المرحلة التي ينظمها نمط الاقتصاد الليبرالي على أساس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ومخرجاته؟!  
    القسم الثاني. في التأمين المؤسساتي لبناء وتحقيق المنهاج الوزاري لتطوير صناعة النفط:
       أفضى تحليل موضوعة تطوير صناعة النفط الوطنية من المنهاج الوزاري، في القسم الأول من هذا البحث، إلى نتيجتين منهجيتين رئيستين، ستقودان لا محالة إلى تعطيل عمليات البناء المؤسساتي المتوازن للمنهاج الوزاري وتحقيقه في أرض الواقع: الأولى، افتقار المنهاج الوزاري لتوجه إستراتيجي واضح المعالم في موقفه من تطوير صناعة النفط؛ والثانية، تناقض البيئات المؤسساتية التي ستجرى داخل محدداتها وشروطها وآلياتها عمليات التطوير المعنية. من الممكن أن تعزى أسباب الإخفاق المنهجي في صياغة المنهاج الوزاري وغياب فرص تحقيقه إلى: 
    اختلاف وتناقض وثائق التأمين المؤسساتي للمنهاج الوزاري التي تم اختيارها من قبل صنّاعه، وغياب بعضها الأهم. 
    اختلاف وربما تناقض الرؤى الفكرية والتوجهات السياسية والقدرات المهنية والمصالح لدى صنّاع المنهاج الوزاري في قراءة وثائق تأمينه المؤسساتية المختارة من قبلهم.
       في إعداد المنهاج الوزاري، تم استخدام (11) وثيقة مختلفة (المنهاج الوزاري، منطلقات إعداد المنهاج الوزاري: 6)، سنختار منها، لأغراض هذا البحث، ثلاث وثائق هي: دستور جمهورية العراق، خطة التنمية الوطنية 2018-2022، ومسودة البرنامج الحكومي المعدّة من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء. في التحليل، سنستخدم أيضا وثيقة رابعة هي قانون شركة النفط الوطنية رقم (4) لسنة 2018، والتي لم يجر استخدامها في بناء المنهاج الوزاري. 
    أولا. محددات تطوير صناعة النفط في وثيقة دستور جمهورية العراق:
       أفرد دستور البلاد النافذ مادتين من مواده لتناول موضوعة إدارة ثروة النفط والغاز الوطنية: في المادة (111) جرى تحديد شخص المالك لهذه الثروة وهو "الشعب العراقي" في كل الأقاليم والمحافظات. وفي المادة (112) جرى تقرير شخوص "الإدارة التشاركية" للنفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية وكيفية توزيع وارداتها (الفقرة أولا)، وهي "الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة"؛ وكذلك جرى تقرير شخوص الرسم التشاركي للسياسات الإستراتيجية لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي باعتماد أحدث تقنيات السوق وتشجيع الاستثمار النفطي (الفقرة ثانيا)، وهي الشخوص نفسها كما في الفقرة أولا من هذه المادة. بيد أن المنهاج الوزاري قد أناط عمليات تطوير واستغلال ثروة النفط والغاز بوزارة النفط الاتحادية، وهو أمر يؤشر حالة التقاطع في البناء المؤسساتي للمنهاج مع الدستور النافذ، ويتقاطع أيضا مع قانون شركة النفط الوطنية العراقية لسنة 2018، الأمر الذي سيقود إلى نشوء ظاهرة الازدواجية التنظيمية في إدارة عمليات تطوير صناعة النفط، وهما مظهران لاختلال منهجي كبير كما سيرد ذكره بعد قليل.
       نرصد أيضا حالة الانتقائية والتناقض المنهجي في البناء المؤسساتي للمنهاج الوزاري، عندما يطالب المنهاج بتفعيل الدستور: "تطبيق الباب الرابع من الدستور نصا وروحا (المتضمن المادتين 111 و112 المتعلقة بموضوعة إدارة ثروة النفط والغاز – الباحث) بما في ذلك اختصاص السلطات الاتحادية والحكومات المحلية وواجباتها وحقوقها المتبادلة. وتطبيق المواد المتعلقة بذلك ومنها المادتين 105 و106 من الدستور (من مواد الباب الثالث– الباحث) واللتان تتعلقان بالمشاركة العادلة للمحافظات والأقاليم في إدارة الدولة الاتحادية..." (المنهاج الوزاري، محاور المنهاج الوزاري: 7-8). لم يرد في المادة (110) من مواد الباب الرابع للدستور (الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية) ما يشير إلى احتكار السلطات الاتحادية، في شخص وزارة النفط، لإدارة عمليات تطوير صناعة النفط، أو حرمان حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط من المشاركة العادلة والفاعلة في إدارة العمليات المذكورة. فضلا عن ذلك، حسمت المادة (115) من مواد الباب الرابع للدستور الموقف الدستوري حيال النشوء المحتمل لحالة تنازع الصلاحيات التنظيمية في إدارة الدولة الاتحادية بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم على النحو الآتي: "كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما". 
    ثانيا. محددات تطوير صناعة النفط في وثيقة قانون شركة النفط الوطنية العراقية لسنة 2018:
       في المنهاج الوزاري، جرى تكليف وزارة النفط الاتحادية بإدارة عمليات تطوير صناعة النفط، في الوقت الذي أناط قانون شركة النفط الوطنية العراقية النافذ رقم (4) لسنة 2018 (فيما بعد قانون الشركة) بهذه الشركة إدارة عمليات تطوير واستغلال الصناعة النفطية والغازية الوطنية نيابة عن الدولة العراقية (الأسباب الموجبة، والمادة 2). نشر قانون الشركة في 9/4/2018، وأصبح نافذ المفعول في 9/10/2018 بموجب المادة (19) منه، بينما عرض المنهاج الوزاري وتشكيلة الحكومة الجديدة على مجلس النواب لنيل الثقة في نهاية تشرين الأول من عام 2018. هل صنّاع المنهاج الوزاري لا يعلمون بتشريع قانون الشركة أو تاريخ بدء سريان مفعوله؟ بالتأكيد يعلمون، ولكن السؤال المنهجي الحائر هنا يدور حول دوافع ومبررات فريق صنّاع المنهاج الوزاري بتكليف وزارة النفط الاتحادية بإدارة عمليات تطوير صناعة النفط بما يتقاطع ويتناقض مع قانون الشركة؟ لا يحضرني الآن سوى سببين لتفسير مظهر الاختلال والعبث المنهجي هنا في بناء المنهاج الوزاري:
    السبب الأول، ربما يرى صنّاع المنهاج الوزاري، أن الفوضى المؤسساتية والسياسية السائدة في البلاد منذ عام 2003 ولغاية الوقت الحاضر تسمح بتمرير أنظمة لإدارة تطوير صناعة النفط تنتهك قوانينها النافذة (وأيضا تنتهك أحكام الدستور النافذ) بدون الخشية من المساءلة القانونية أو السياسية. لا أجزم الآن بصحة هذه الأطروحة الفكرية، ولكني سأجزم بصحتها حتى وقت عدم تفنيدها من قبل صنّاع المنهاج الوزاري بعد نشري لها على الرأي العام!
    -السبب الثاني، ربما يعتقد صنّاع المنهاج الوزاري، أن أحكام قانون الشركة تسمح لوزارة النفط بتنفيذ وظائف إدارية وأداء أدوار تنظيمية في عمليات تطوير صناعة النفط، وفي حالة عدم عثورهم على هذه الأحكام، عندها سيعمدون إلى "وضع قانون شركة النفط الوطنية موضع التطبيق بعد إدخال التعديلات المطلوبة لتلافي بعض الثغرات التي شخصها الخبراء..." (المنهاج الوزاري، الاستثمار الأمثل للطاقة والموارد المائية: 17). ولكن مع الأسف الشديد، لقد أفسد علينا صنّاع المنهاج الوزاري متعة قراءته المنهجية!، عندما أغفلوا في منهاجهم ذكر هذا البعض من "الثغرات!" التي شخصها الخبراء في قانون الشركة. لقد تناولنا في بحوث علمية كثيرة منشورة عام 2018 جوانب مختلفة من قانون الشركة، ومنها الموقع المؤسساتي المفقود تقريبا لوزارة النفط الاتحادية في نظام إدارة صناعة النفط الوطنية الذي يبشر به قانون الشركة (أنظر مواد قانون الشركة الآتية: 3، 2/ثانيا، 7/ثانيا/2، 7/خامسا/2، 8/أولا/5، 8/أولا/6، 10/ثانيا). نشير إلى أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا في 23/1/2019 قد عدّت مواد القانون (3، 7/ثانيا/2/البند ح، 8) بعدم الدستورية.
    ثالثا. الطبيعة المنهجية لتطوير صناعة النفط في الوثائق الحكومية الرسمية:
    1. المسارات المنهجية لصياغة عمليات تطوير صناعة النفط:
       تبنت خطة التنمية الوطنية 2018-2022 (فيما بعد الخطة)، وهي المصدر الثالث في تحليلنا لبناء المنهاج الوزاري، مسارين منهجيين في تصميمها: المسار الأول، استرشادها "... بمجموعة من السياسات والإستراتيجيات القطاعية التي تستند بالأساس على رأس المال البشري واقتصاد ذو مسؤولية اجتماعية..." (الخطة: 12)، وهو ما يتوافق مع المنهجية المتبعة في وثيقة المنهاج الوزاري ووثيقة المسودة الأولية، وهي المصدر الرابع في تحليلنا لبناء المنهاج الوزاري. هذا المسار المنهجي قد تناولنا بعض ملامحه العامة في القسم الأول من هذا البحث. المسار الثاني، "اختيار منهجية الإدارة بالنتائج مسارا لبنائها..." (الخطة: 14)، وهو ما يتوافق أيضا مع المنهجية المتبعة في وثيقة المنهاج الوزاري ووثيقة المسودة الأولية، وإن لم ينص عليها صراحة في هاتين الوثيقتين، ولكن يمكن الاستدلال على وجود هذا المسار المنهجي من خلال تعداد مشروعات تطوير صناعة النفط في كلا الوثيقتين بمؤشرات كمية لقياس نتائج تحقيقها النهائية.  
       يتم استخدام مسار الإدارة المبنية على النتائج بشكل واسع في العمل الحكومي والمنظمات الخيرية الدولية، حيث لا تعدّ مقاييس الكفاءة والفاعلية المالية العامل الرئيس في توجيه النشاط الاقتصادي الحكومي، على الرغم من أن الإدارة المبنية على النتائج، هي مسار إداري يستخدم حلقات التغذية العكسية لتحقيق أهداف إستراتيجية. هذا يعني أن مسار الإدارة بالنتائج لا يستغني منهجيا عن مسار الإدارة بالأهداف، وهو أمر حاولت الوثائق الثلاثة (الخطة، المسودة الأولية، والمنهاج الوزاري) التوفيق فيما بين المسارين المذكورين في عمليات التطوير الإستراتيجي لصناعة النفط، ولكنها بالمقابل حصلت على تطابق منهجي ما بين مفهوم "النتيجة" ومفهوم "الهدف" في عمليات التطوير الإستراتيجية لصناعة النفط، وهذا التطابق يعدّ، كما نرى، اختلالا منهجيا كبيرا في بناء المنهاج الوزاري (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، 2017: 295-300). 
       تنشأ العملية الإستراتيجية لتطوير صناعة النفط، عندما تكون هناك أهدافا إستراتيجية تتبناها الشركات النفطية أو الحكومات المنتجة للنفط، وهي جزء لا يتجزأ من عملية صياغة وإقرار توجهها الإستراتيجي، كنقطة انطلاق لابد منها في عمليات التطوير. وعلى وفق طبيعة  الهدف الإستراتيجي المختار، سترسم الملامح العامة لإستراتيجية التطوير في هيئة سياسات محددة وتنبؤات وخطط نشاطها المستقبلي وتقييم النتائج التي تم التوصل لها، وهو أمر لم يحظ بالاهتمام المنهجي الكافي في الخطة أو المنهاج الوزاري، ذلك إن المشكلة المنهجية الأساسية في صياغة أهداف تطوير صناعة النفط الوطنية، تنحصر في كيفية توحيد الأنواع المتباينة من الأهداف على نحو يجعل من تحقيق البعض منها سبيلا لتحقيق الأنواع الأخرى، لصناعة سمتها الغالبة الحراك الشديد والمتعدد الاتجاهات والمتواصل للمتغيرات المكوّنة لها، وعدم رتابتها وتكاملها وعلاقاتها التفاعلية المتبادلة.  
    2. هيكل ومكونات عمليات تطوير صناعة النفط:
       من الناحية العملية، وعلى الرغم من تشابه الوثائق الثلاث (الخطة، المسودة الأولية، والمنهاج الوزاري) في بناءها المنهجي لعمليات تطوير صناعة النفط، إلا أن وثيقة الخطة قد تميزت من بينها بهيكل منهجي واضح الأعمدة ومكوناتها: تحليل واقع قطاع النفط والغاز، التحديات التي تواجه قطاع النفط والغاز، أهداف ووسائل تحقيق أهداف عمليات تطوير قطاع النفط والغاز. في التحليل الموجز الآتي، سنتعرض لهيكل ومكونات عمليات تطوير صناعة النفط  الوطنية في أبرز مفاصلها، من زاوية بنائها والفرص المتاحة لتحقيقها خلال الفترة الزمنية التي سيغطيها المنهاج الوزاري. في الوثائق الثلاث المذكورة، جرى بناء هيكل تطوير صناعة النفط بمنهجية تساوي فيها بين أعمدتها الحاملة لهيكل التطوير: الواقع، التحديات، والأهداف ووسائل تحقيق الأهداف. بكلمات أخرى، لا توجد فروقا نوعية في الطبيعة المنهجية لبناء أعمدة هيكل التطوير، فهي متشابهة حد التطابق فيما بينها، حيث تصبح فيه "النتيجة الكمية" مطابقة "للهدف الكمي"، وهو أمر منهجي يستبعد التطوير ذاته.  
       في القسم الأول من هذا البحث، أشرنا إلى أن الإدارة الإستراتيجية لعمليات تطوير صناعة النفط تعدّ بمثابة نظرة من المستقبل إلى الحاضر. وحتى يمكن تحقيق هذا الأمر واقعيا، كان بإمكان صنّاع المنهاج الوزاري، في جزئه المتعلق بتطوير صناعة النفط، إجراء تحليل SWOT: تحديد نقاط قوة وضعف صناعة النفط الوطنية، وتقرير فرص وتهديدات تطويرها المحتملة. وبنتيجة مقابلة Matching نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات في هذا التحليل، يمكن تشخيص واقع هذه الصناعة والتحديات المحتملة أمام تطويرها، وبالتالي صياغة أهداف مبررة وقابلة للتحقيق عند التعامل مع التحديات المحتملة، مثلا نقل حالة واقع الصناعة الراهن إلى الحالة المستهدفة لتطوير هذا الواقع بعد أربع سنوات مثلا. في أدناه، وعلى ضوء نتائج تحليل SWOT، يمكن صياغة أهداف تطوير صناعة النفط الوطنية ووسائل تحقيقها المؤسساتية على النحو الآتي (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، 2018، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 29 حزيران):
    الأهداف: الاستغلال الأفضل لثروة النفط والغاز، ضمان أعلى العوائد وأدنى التكاليف، تحقيق أعلى منفعة للشعب العراقي، ضمان مشاركة الأقاليم والمحافظات المنتجة في عمليات إدارة تطوير واستغلال ثروة النفط والغاز في مناطق الاستخراج.
    وسائل تحقيق الأهداف: الاحتكام إلى أحكام الدستور، تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي، اعتماد أحدث تقنيات مبادئ السوق، اعتماد أحدث آليات تشجيع الاستثمار النفطي، اختيار نمط الإدارة المناسب للموارد النفطية، الحوكمة الرشيدة وإدارة الجودة الشاملة.

    الخاتمة:
       وصف أحد الاقتصاديين العراقيين، في معرض نقده للمنهاج الوزاري، منهجية صياغته بتعبير "التذاكي في إدارة الاقتصاد الوطني" (السعدي، 2018)، لما تتسم به هذه المنهجية من سمات الغموض والتناقض والتشتت والعبث وكثرة التفاصيل وغيرها. وفي السياق نفسه، يرى أحد الباحثين العراقيين، عند توصيفه لمنهجية التعامل العلمي مع المشكلات الاقتصادية المختلفة في العراق، أن المنهجية الرسمية المعتمدة في ذلك تكمن في الابتعاد الشديد عن "التنظير" والاقتراب الشديد من "التوصيات العملية": "تقترن النظرية في الأوساط الرسمية بالايدولوجيا أو بنسخة مشوهة من الفلسفات المعيارية... ولذلك تجد المنظّمون للندوات والمؤتمرات (والصانعون للمنهاج الوزاري أيضا – الباحث) يحذرون من التنظير وانه لا ينفع. ويريدون توصيات عملية، والمقصود بها عادة مقترحات ساذجة لا تضيف إلى المعرفة بكيفيات عمل أجهزة الدولة وأسباب الإعاقة وتدني الأداء" (علي، 2018). وعندما تكون "مقدمات" صياغة المنهاج الوزاري بهذا القدر من السوء المنهجي، فليس من المتوقع أن تكون "نتائج" تحقيق هذا المنهاج أقل قدرا من السوء، سواء تعلق الأمر بإدارة صناعة النفط ، أم بإدارة الاقتصاد الوطني.  
       في هذا البحث، كشفنا الكثير من حالات الاختلال المنهجي غير المنتج لتوجه إستراتيجي واضح المعالم والغايات والأهداف، عند مقاربتنا لمنهجية صياغة المنهاج الوزاري في جزءه المتعلق بإدارة عمليات تطوير صناعة النفط الوطنية. بيد أن الكشف عن الحالات المنهجية المختلة في صياغة المنهاج الوزاري قد أوضح أنها لم تأت فرادى ومنقطعة الصلات، بل جاءت في نسق منهجي يفضي إلى نشوء حالات الاختلال الهيكلي والمؤسساتي في إدارة قضايا الشأن العام. وبمثابة خاتمة لهذا البحث، نرصد حالة منهجية واحدة من حالات تطوير صناعة النفط الوطنية، من زاوية النسق المنهجي المختل الذي ينطوي عليه المنهاج الوزاري عند تعامله معها: "إبرام عقود شراكة مع شركات عالمية تخصصية لتطوير عمل الشركات النفطية" (الأولوية 8 من المحور الثاني للمنهاج الوزاري: 70). في هذه الأولوية، نرصد المؤشرات الأساسية الآتية الدالة على وجود نسق منهجي مختل في إدارة عمليات تطوير صناعة النفط الوطنية، يتبناه المنهاج الوزاري:
    في الممارسة الدولية لهذا النمط من العقود النفطية، لا يجري إبرام عقود شراكة لتطوير نشاط "شركات خدمة نفطية" (مثلا شركات الخدمة النفطية الوطنية المذكورة في نص هذه الأولوية)، وإنما لتطوير نشاط "شركات نفطية إنتاجية" (مثل شركة نفط البصرة أو ميسان أو الشمال وغيرها). في عقود الشراكة النفطية، يجري الحديث عن التنظيم المؤسساتي للحقوق والالتزامات المتبادلة لطرفي أو أطراف العقد حول متغيرات الرأسمال وتقاسم الإنتاج والأرباح والإدارة والمخاطرة وغيرها، وليس عن التطوير التقني لنشاط شركة خدمة نفطية وطنية كشركة المعدات الهندسية الثقيلة أو شركة الحفر أو شركة المشاريع النفطية مثلا.
    في المنهاج الوزاري، تم إدراج "شركة تسويق النفط" (SOMO) ضمن عداد الشركات الواجب تطوير نشاطها من خلال إبرام عقود شراكة مع شركات عالمية تخصصية. ولكن السؤال هنا: ما هي الآلية التنظيمية التي سيستخدمها "عقد الشراكة" في عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بتسعير النفط وإمداداته والشركات المشترية ومنافذ التصدير وغيرها، وهي قرارات ذات صبغة سيادية في الغالب تمارسها شركة تسويق النفط الوطنية نيابة عن الدولة العراقية؟ فضلا عن ذلك، جاءت عقود جولات التراخيص النفطية الأربعة المبرمة منذ عام 2009 وهي تؤكد التزام أحكام هذه العقود بسياسات الشركة المذكورة الخاصة بتسويق النفط، وأدت الشركة دور "الشريك الحكومي" في عقد حقل الرميلة النفطي من عقود جولة التراخيص النفطية الأولى.
    استثنى المنهاج الوزاري شركات الاستخراج النفطي الوطنية (الواردة في المادة 7/ثانيا/2 من قانون شركة النفط الوطنية لسنة 2018) من "بركات!" مقترحاته التطويرية، على قاعدة إبرام عقود الشراكة مع الشركات الأجنبية، وهي الشركات نفسها المناط بالبعض منها (مثلا شركة نفط البصرة) زيادة القدرة الإنتاجية والتصديرية للحقول النفطية المشمولة بجولات التراخيص النفطية الأولى والثانية (المنهاج الوزاري، الأولوية 9: 70).
    تقوم وزارة النفط بإدارة عمليات إبرام عقود الشراكة لتطوير نوعين مختلفين من الشركات النفطية الوطنية: النوع الأول تعود فيه عائديتها التنظيمية لوزارة النفط، والنوع الثاني تعود فيه عائديتها التنظيمية لشركة النفط الوطنية العراقية. وبما أن صنّاع المنهاج الوزاري "يزدرون التنظير!" (هنا المقصود عدم قدرتهم على التمييز بين الأنظمة المؤسساتية الحاكمة والناظمة لإدارة نشاط هذين النوعين المختلفين من الشركات)، عندها سيلجئون إلى ما "يقدسونه من التوصيات العملية!" على شاكلة: إدخال تعديلات على قانون الشركة (المنهاج الوزاري، الاستثمار الأمثل للطاقة والموارد المائية: 17)، أو ربما "تجميد" عمل القانون المذكور، وغيرها من التوصيات المناقضة والمتقاطعة مع مبادئ صياغة إستراتيجيات تطوير صناعة النفط الوطنية المتاحة، في ظروف لا يجد فيها أهالي عاصمة العراق النفطية البصرة سوى الماء المالح والملوث لاستخداماتهم اليومية المختلفة، في حين "ستشرب" حقولها النفطية ملايين براميل الماء يوميا للرفع من ضغط طبقاتها النفطية لاستلال المزيد من النفط الخام (المنهاج الوزاري، الاستثمار الأمثل للطاقة والموارد المائية: 16). وهذا هو أحد المظاهر الكبيرة للاختلال المنهجي في إدارة تطوير صناعتنا النفطية الوطنية!

    المصادر: 
    دستور جمهورية العراق 2005.
    خطة التنمية الوطنية 2018-2022.
    السعدي، صبري زاير (2018). المنهاج الوزاري، التذاكي في إدارة الاقتصاد الوطني. http://www.akhbaar.org في 14 تشرين الثاني.
    علي، أحمد أبريهي (2018). من أسباب التعثر الاقتصادي في العراق البؤس النظري وقيم العمل في الدولة. http://www.akhbaar.org في 23 تشرين الأول.
    قانون تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018.
    قرارات المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 23/1/2019 بشأن قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018.
    الكعبي، جواد كاظم لفته (2017). المدخل الإستراتيجي في إدارة صناعة النفط. الناشر: دار الكتاب الجامعي، العين/الإمارات العربية المتحدة.
    الكعبي، جواد كاظم لفته (2018). حول خيبة أمل المحافظات المنتجة من نظم إدارة صناعة استخراج النفط في العراق. شبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne، في 9 كانون الثاني.
    الكعبي، جواد كاظم لفته (2018). لمصلحة من تقرع طبول النزاعات التنظيمية في مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي؟ شبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne، في 7 آذار.
    الكعبي، جواد كاظم لفته (2018). الإمكانات التنظيمية المتاحة لشركة النفط الوطنية العراقية لتحقيق هدف الاستغلال الأفضل للثروة النفطية والغازية في قانونها الجديد. شبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne، في 29 حزيران.
    المنهاج الوزاري 2018-2022.

    أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
    باحث أكاديمي
    jawadlafta@yahoo.com  
    شباط/فبراير 2019 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media