عجائب الإعتقاد!!
    الأحد 17 فبراير / شباط 2019 - 05:54
    د. صادق السامرائي
    في أواخر القرن الماضي دعيت لإلقاء محاضرة عن المسيح في القرآن , فأعددتها وفقا للآيات القرآنية , وجعلتها على شرائح أعرضها أمام الحاضرين باللغتين العربية والإنكليزية.

    وفي القسم الذي أعمل فيه , جاء طبيب باكستاني للتدريب وتحت إشرافي , فلربما يكون مؤهلا للعمل كمقيم دوري ,  وكان متدينا , وكثيرا ما يذكر العاملون في القسم بأنه ملتزم بأوقات الصلاة ويصوم , ويحدثني عن الإسلام.

    وفي يوم المحاضرة إستصحبته معي , قائلا : ربما تساعدني في الإجابة على بعض الأسئلة , ويهمني أيضا تقيمك للمحاضرة.
    وكان عدد الحاضرين أكثر من مئة , من المثقفين وأصحاب الإختصاصات.

    وما أن بدأت بالكلام وبعد بضعة شرائح , حتى وجدته كالثور الهائج وسط القاعة يعارض ما أقوله بقوة وغضب وعدم مراعاة للأصول , وأنا في غاية دهشتي وإستغرابي , أمام المستمعين , لأن ما يحصل هو بين مسلمَيْن!!

    إستحضرت كل مهاراتي في إدارة المحاضرات والندوات , ومضيت أبرر وأفسر , وأستوعب ما يطرحه , ولكن دون جدوى , بل أنه يزداد هيجانا وعدوانا , ويكرر بأن الذي في القرآن غير صحيح!!

    ومن أقواله أن المسيح قد ظهر ونحن أتباعه وإسمه كذا"!!
    قلت: يا أخي أنا لست في صدد أؤمن أو لا أؤمن , أنا أقدم موضوعا مؤكدا في القرآن , ولا علاقة للإعتقاد به , فعنوان المحاضرة "المسيح في القرآن".وأبى أن يستكين , وقوض محاضرتي , وأشعرني بالحرج , فأتمّتها بصعوبة , وأنا أرجوه أن يراعي الأصول والأخلاق في هكذا مناسبات , وأبى أن يستجيب وبقي يقاطعني ويقاطعني حتى النهاية!!

    وعندما إنتهت المحاضرة , وجدته يتقدم نحوي مسعورا وهو يقول : "الإعتقاد لا علاقة له بالمنطق والعقل , وأنا أعتقد بذلك حتى ولو ذكر في القرآن كذا مرة"
    قلت: ألا تقرأ القرآن؟
    قال: بلى!!
    ألا تؤمن بما تقرأ؟
    قال: أؤمن بما أؤمن!!
    وسألته عن نبيه ودينه , وإذا به يحدثني عن شيئ لا أعرفه , وحسبَ محاضرتي ضد نبيه ومعتقده!!

    تحيّرت والله وتعجبت منه , ولا أدري كيف أجده يصلح للتعامل مع البشر بسلام , فهو ينكر وجودك وينقلب إلى مخلوق عدواني شرس , لا يعنيه أي شيئ , ولا يهمه ما يسفر عنه سلوكه العنيد , المهم بالنسبة له التعبير عن إعتقاده والتمسك به بقوة مطلقة لا تقبل الحوار , ويحسبك عدوه حال محاولتك محاججته أو معرفة ما يراه.
    هذا مسلم يصلي كما أصلي ويصوم ويقرأ القرآن ويحج , لكنه يعتقد بشيئ آخر مغاير تماما وعنده نبي!!!

    لقد لقنني درسا كبيرا , فقررت منذ تلك المحاضرة أن لا أتطرق لأي موضوع ديني , واعتذرت عن الكثير من الدعوات التي تطلب مني الحديث في موضوعات لها علاقة بالدين.

    فليعتقد الناس بما يعتقدون , ويؤمنون بما يؤمنون , فهذا شأنهم لوحدهم , ولا علاقة لنا بما فيهم لا من قريب ولا من بعيد , المهم أنهم يعبرون عن آدميتهم ويُظهرون سلوكهم الإنساني المعاصر , الذي يحقق المصالح الوطنية والإجتماعية المشتركة.

    وكلما أتأمل الأحزاب الدينية المحشورة بالديمقراطية , تحضر هذه الحادثة أمامي , فأقرأ الفاتحة عليها , لأن جميعها مثل الأخ الذي أحرجني وبوقاحة غير معهودة!!

    فارحموا الديمقراطية يرحمكم الله!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media