التطبيع مع اسرائيل ليس جديدا على الانظمة الخليجية... فلم هذه العربدة ؟؟!!!
    الثلاثاء 19 فبراير / شباط 2019 - 04:07
    أ. د. حسين حامد حسين
    كاتب ومحلل سياسي/ مؤلف روايات أمريكية
    أن من بين اهم الحقائق التي قادت الانظمة العربية لكي تهفوا هكذا للتطبيع مع اسرائيل اليوم ، انها أدركت الحقيقة لما يخص اوضاع المنطقة . فهي لم تعد تخشى كما كانت بالامس ، وجود اؤلئك الحكام العرب ممن كان يشكل وجودهم تهديدا لهم وان كانت مجرد قدرات اعلامية كبيرة ومتنوعة ومنصبة من اجل تثوير شعوب تلك الانظمة ضد حكامهم والانقلاب عليهم و قتلهم او طردهم من سلطانهم . 

    الحال الان قد اختلف تماما، فتحت الظروف العصيبة التي تمر بها الاوطان والشعوب العربية اليوم بعد تداعيات الربيع العربي ، لم يعد هناك من بين القيادات العربية "والخليجية" بشكل خاص ، ممن يجد أن من بين اهداف الحياة العربية ما يؤشر تعاطفا مع اي نوع من الدوافع من اجل "الكرامة العربية" ازاء تعنت وتجاوزات اسرائيل وتحديها للعرب وكراماتهم أولقرارات الامم المتحدة واستمرار تنكيلها للشعب الفلسطيني والوقوف ضد سوريا والعراق وايران وغيرهم. فهذه الانظمة العربية والتي تستميت من اجل التطبيع مع اسرائيل بسبب انها لا تجد ما يهدد وجودها وأمنها اليوم كما كانت الاوضاع في السابق ، بل على العكس ، فهي تجد في أن التطبيع مع اسرائيل هو "حماية" لأمنها واستقرارا كبيرا للمنطقة ، اللهم ربما ، ما تعلنه من مخاوف تتعلق بايران ، والتي ترى فيها خطرا اكبر بكثير مما يجعلها تعادي اسرائيل . 

    فاسرائيل لم تكن يوما تشكل تهديدا لهذه الانظمة العربية الخليجية، وعليه كانت الكثير من "التفاهمات" واضحة ما بين الطرفين . كما وأن هذه الانظمة الخليجية بالذات قد بدأت بالتطبيع مع اسرائيل منذ تسعينات القرن الماضي ، حيث كانت هناك زيارات لمسؤولين اسرائيلين للسعودية وقطر والامارات والبحرين وسلطنة عمان وغيرها. فبعد التغيرات التي طرأت على انظمة العراق ومصر وسوريا وليبيا ، اصبح الباب مفتوحا على مصراعيه من اجل استقبال المسؤولين والوفود الاسرائيلية بلا أدنى تخوف من أي نظام من هؤلاء، وخصوصا ان المصالح الامريكية في المنطقة قد اوجدت للعراق ومصر وسوريا وليبيا وغيرها ما يجعلهم منشغلون جدا في كوارث حياتهم . وبقي هذا التوجس والانشغال بتلك الاحداث الجسيمة قائما ومستمرا بحيث لم تعد تعلم الشعوب العربية ما كان ينتظرهم من معانات اكبر من خلال تهديدات الارهاب أونتائج فساد انظمتها بعد تداعيات سقوطها واحدا بعد الاخر ، وفرض الولايات المتحدة وجوها تحمل الكثير من علامات الاستفهام وتقدم الحماية لها. 

    أن حكام هذه الانظمة التي تهرول من اجل التطبيع مع اسرائيل ، قد أدركوا ومنذ زمن بعيد حقيقة اؤلئك القادة العرب في العراق وسوريا وليبيا ممن وقفوا ضد الوجود الاسرائيلي "اعلاميا" واقاموا الدنيا ولم يقعدوها ، لكن هؤلاء في نهاية المطاف لم يستطيعوا عمل أي شيئ مفيد ضد الكيان الاسرائيلي المغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني . اؤلئك الحكام العرب كانوا وكما يقول المثل (جعجعة بلا طحن) ، فكل الذي يمتلكونه كان تهديدات مع وسائل اعلام تظل تصرخ على مدار الساعة ضد اسرائيل ولكن بدون جدوى . وهذه الانظمة كانت في الوقت نغسه تتفنن باضطهاد شعوبها ، فهم حكام الهيمنة والدكتاتورية والقمع والبطش ضد شعوبهم وبلا منزع ، الامر الذي جعل الشعوب العربية تصل الى درجة اليأس من اي أمل بعودة فلسطين الى أهلها او لأي مبادرة للاعتراف بهم أو التسوية معهم من قبل اسرائيل نفسها. 

    الشعوب العربية كانت قد أدركت ان ذلك الاعلام الهادر الذي مارسته ماكنة الدكتاتور صدام وشعاراته في الوحدة العربية والحرية والاشتراكية ، او في سوريا من خلال القاء اسرائيل في البحر او لايران بمحو اسرائيل من الوجود ، كان اعلاما غبيا قاد العالم الى الاعتراف باسرائيل والتعاطف معها "قبل محوها من الوجود"، بينما كان كل ذلك مجرد غوغائية اريد من خلالها اشغال الشارع العربي والابقاء على دعمه للطغاة من خلال اعلامهم المضلل والذي كان يرافقه اضطهادا وطغيانا وتجويعا وتشريدا واحتقارا للشعب العراقي الشعوب الاخرى ، الامر الذي قاد اخيرا الى كشف حقيقة صدام وتوريطه في حروب دمرت العراق وشعبه ، بينما اتاح للانظمة الخليجية بالذات فرصا لمبادرات التطبيع السري مع اسرائيل منذ تسعينات القرن الماضي، بينما بقي صدام وحيدا ينعق في وسائل اعلامه بعد ان أساء الى شعبه وجيرانه والعالم باجمعه فكان عليه ان يدفع الثمن باهضا جدا كطاغية على الرغم من الوهم الذي عاشه صدام نفسه وحاول ايهام العالم بذلك . فلقد كان صدام يتبجح في خطاباته الحمقاء أن الشعب العراقي هو "الاحتياطي المضموم" له، مع انه كان يدرك جيدا انه كان كأقسى رجل عراقي عرفه التاريخ ، وأن هناك من العراقيين من هم مستعدون لسلخه حيا.  

    لقد كان من اهم أهداف الانظمة العربية الخليجية بالذات لمحاولة التطبيع مع اسرائيل هو التحرر من ربقة التبعية للانظمة العربية التي كانت تتعامل معها مثل  تعامل الصقر مع فريسته . ولكن نظام صدام القاسي ، كان شيئا مخيفا لها . وكانت هذه الانظمة تكيل بالمدح لصدام على مضض. والحال في مصر لم يكن يختلف كثيرا عن العراق . فقد كانت شعارات الحكومة المصرية في مرحلة ما تصرخ "ما اخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة" ، فكانت الانظمة الخليجية وحكامها تضطر للاذعان مع انهم يدركون جيدا أن عبد الناصر وصدام حسين ومن خلال "اعلامهم"، كانوا يحاولون رسم صورة مزيفة لقدراتهم العسكرية بغية طمأنت الشارع العربي أن العراق و مصر هما "الضمانة" لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني من خلال "القوة" العسكرية وحدها.  ولكن ذلك النضال من خلال "الاعلام" لم يكن في حقيقته سوى تخديرا لشعوب عربية لا تمتلك ارادتها . وكانوا يعيشون على امال ما يتقوله هؤلاء الرؤساء العرب في اعلامهم اليومي ، وان كانوا قد خدعوا الشعوب بتلك المهاترات لكنهم لم يفعلوا أي شيئ من اجل القضية الفلسطينية والتي لا مفر من استعادة حقوق الشعب الفلسطيني من خلال التفاوض كما تفرضه حقائق الحياة الان ومن قبل أيضا. 

    باعتقادنا المتواضع ، ان التطبيع مع اسرائيل ، هي قضية تخص تلك الانظمة العربية والخليجية أولا . وهي قد بدأت منذ سنين مع اسرائيل نتيجة تمهيد الاعلام البعثي لهذه الانظمة لتدرك كذب ورياء صدام الذي بالغ كثيرا جدا في محاولات فرضه ذلك على الواقع العربي كنوع من مزايدات على قضية شعبنا الفلسطيني المناضل. وبما ان هذه المبادرات قد قامت بها دول التطبيع منذ سنوات ، فهي الان توجهات تخص سياسات من يقتنع بها ، ولكن ليس قبل ان تنصاع اسرائيل لحل قضية الفلسطينين واقامة دولتهم . 

    اما ما يخص وطننا العراقي ، فهو شأن وقرار يخص شعبنا وحده. ولا يحق للدولة العراقية التدخل في هذا الشأن وفق هواها نظرا لأن الشعب العراقي ينظر لذلك كقضية كبرى تهم وجوده ومن منطلقات مهمة جدا تتعلق بجراح عميقة يحملها في ثناياه نتيجة الويلات والدمار التي خلفتها مواقف الولايات المتحدة واسرائيل في قلوب العراقيين وتدمير هذا الوطن العظيم والذي لا يحتاج اكثر من وطنيين شرفاء يحكمونه.

    حماك الله يا عراقنا السامق...
    2/18/2019
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media