بمناسبة مرور 500 عام على وفاة اكبر عبقرية في تاريخها.. ايطاليا تطلق اسم ليوناردو دافينشي على عام 2019
    احتفالات ومهرجانات في عموم ايطاليا
    الثلاثاء 19 فبراير / شباط 2019 - 19:11
    موسى الخميسي
    اطلقت ايطاليا على هذا العام الذي يصادف مرور الذكرى الخمسمئة عام على وفاة اكبر عبقرية ايطالية في تاريخها وهو ليوناردو دافينشي( 1452- 1519)، احتفالات تشمل معارض فنية وبلاستيكية وعروض مسرحية وافلام سينمائية ، في ابرز المدن، روما، فلورنسا، ميلانو، رافينا، جنوى، بولونيا، نابولي..الخ وستقام احتفالات في مدن اوربية ، ابرزها باريس  تتمحور على ابداعاته، واولها  مخطوطاتـه في مدينة فلورنسا  لتكون نقطة الانطلاق.
    وتضمّ هذه المخطوطة الشهيرة جزءا من الأبحاث التي قام بها دافينشي. وقد حصل متحف  "الاوفيتسي" العريق الذي يقع في قلب المدينة على إذن لعرضها من صاحبها الملياردير الأميركي بيل غيتس.
    ويعرض دافينتشي في هذا السجلّ الواقع في 72 صفحة المكتوب بخطّ صغير جدا لا يمكن قراءته من دون تكبيره البعض من أبحاثه حول المياه وعلم الفلك مرفقة ب360 رسما.
    وهو قد صاغ هذه المخطوطة بين 1506 و1508 في فلورنسا وميلانو وهي تعدّ واحدة من أكبر المخطوطات التي تركها دافينشي .
    وتحمل المخطوطة اسم كونت ليستر، توماس كوك، الذي اشتراها في القرن الثامن عشر. وقد اقتناها مؤسس "مايكروسوفوت" بيل غيتس في العام 1994 بسعر 30 مليون دولار في مزاد.  وهي عرضت للمرة الأخيرة في البندقية سنة 1995. وباتت اليوم معروضة في احدى قاعات متحف  الاوفيتسي، حيث يتيح نظام متطوّر جدا متعدد الوسائط الاطلاع على 36 ورقة .              "اذ أوجدت لذة ما في عملي الذي تراه، فما عليك الا ان تتسلح بالانتباه، ذلك ان الاصرار الذي واصلت به عملي واكتشفت لما سوف تجده هنا، لا يملكه الا القلة من الناس، إذن انظروا أيها الناس الى العجائب التي يمكن اكتشافها في الطبيعة بمثل هذه الجهود".

    بهذه الكلمات الشجاعة والمتغطرسة التي كتبها ليوناردو دافنشي عن نفسه، ابن مدينة" فينشي" الصغيرة التي تقع على اطراف مدينة فلورنسا عاصمة عصر النهضة، والذي يعد النموذج لناس ذلك العصر الذين وصفوا بأنهم عمالقة في قوة التفكير والعاطفة والطبع والشمولية والمعرفة. رساماً ونحاتاً ومفكراً وممهداً للتفكير العلمي والعملي، وواحداً من كبار النهضويين الذين عرفهم التاريخ.

    في عام 1482 غادر ليوناردو دافينشي مسقط رأسه في مقاطعة توسكانا وانتقل الى ميلانو. وكتب الى لودوفيكو سففورزا حاكم ميلانو، يعدد له مؤهلاته العالية بأمل ان يمنحه فرصة عمل. وقال للحاكم انه يستطيع ان يصمم جسورا ويصنع انواعا جديدة من المدافع ويحفر ممرات ملتوية سرية، ويشق قنوات مائية ويخطط مدنا. واضاف ليوناردو ابن الثلاثين عاما وقتذاك " وفي الرسم، استطيع ان أفعل كل شيء ممكن". وهكذا لم يذكر مبدع الموناليزا مواهبه الفنية إلا كفكرة خطرت له لاحقا حين كاد ان ينتهي من كتابة الرسالة.

    كان دافينشي سعيدا في ميلانو. وكتب احد مجايليه " انه كان رجلا ذا جمال متميز ورشاقة متناهية". وكان موسيقيا من الطراز الاول، يرتدي ألبسة باذخة ويتمتع بشعبية في البلاط . ترك دافينشي بعد وفاته 7200 صفحة من الملاحظات التي تتضمن افكارا من كل نوع. واسفر انشغاله بعدة اشياء ثانوية عن بقاء الكثير من اعماله الكبيرة غير منجزة. ونتيجة لذلك هناك 15 لوحة فقط منسوبة اليه . وهذا عدد ضئيل لفنان بعبقرية دافينشي .

    وليوناردو كما وصفه المؤرخ والفنان فازاري الذي عاصره" رجل استيقظ ذات ليلة مبكرا جدا، حين كان الجميع يغطون في نوم عميق.. انه فنان حكيم اطال التحديق الى اعماق عصره وقاد مرحلة طويلة من مراحل عصر النهضة ليتخطى الزمن ويسبق حاضره".

    لقد كانت المعرفة الولع الرئيسي له، ومن اجل ان يمتلك المعرفة والتجربة، درس الرياضيات والبصريات والفلك والجيولوجيا وعلم الحيوان وعلم التشريح والهندسة الميكانيكية والمعمارية، وقد كتب عنه المؤرخ " داميير" لو ان دافينشي"قد نشر مؤلفاته لكان العلم قد خطا خطوة الى الامام تكاد تكون الخطوة التي خطاها ووصل اليها بعد قرن تال"، ذلك لانه احتفظ بأبحاثه داخل مذكراته الشخصية، نظرا لان عائلة " المديتشي" الحاكمة في فلورنسا لم تكن تهتم بتطور العلوم والمعرفة، بقدر اهتمامها بتطور الفنون بجميع اتجاهاتها.

    لقد برع " دافينشي" في تشريح الاجسام البشرية والحيوانية وذلك لسببين:

    1-كان يريد ان تكون اي دراسة للجسد الانساني تتصف بالعملية في التشريح، وذلك لانه ماقبل دافينشي كان كل ما يقع وراء الحاجز الجلدي للانسان بمثابة حاجز لمداخل وعوالم مجهولة.

    2-كان يروم التعمق في دراسته لمعرفة عمل وشكل العضلات التي تؤطر الجسم، والتي هي في الوقت نفسه مفتاح لجمال الجسد وتناسقه، ولم تكن لدى" دافينشي" مواد طبية تقي الجثث من التعفن سوى الكحول، كما لم تكن لديه أيضا حافظات كما هي الحال في يومنا الحاضر. كان يقضي اياما طويلة وهو يدس أنفه في جثة تجعل اي فرد غير قادر على التنفس للحظات، لقد كان عملا رهيبا لرجل مثل ليوناردو ذي الحس المرهف.                                                                                       

    خلال حياته، ابتكر "دافينشي" عدة آلات حرب وعدة تقنيات لتحصين القلاع والمواقع العسكرية. كما ان معظم اختراعاته لم يتم انجازها وبقيت رسوما على الورق، لكنها كانت ثورية في زمنها. لقد كان يخطط آلات حرب ويقول إنه لايحب الحرب، بل لقد امضى حياته في اختراع ألات الدمار الشامل.الا ان مؤرخ ايطالي يتساءل عن تناقض شخصية دافينشي قائلا" هل يعقل ان أكثر من ثلث رسوماته يدور حول الحرب، وهو الذي كتب في إحدى رسائله أن " الحرب هو الجنون الاكثر توحشا"؟ وهل من المعقول أن ما وضعه في البنك بعد سنتين من الخدمة مع الدوق الايطالي تشيزره بورجيا كل ما تلقاه " ميخائيل آنجلو" مقابل اعماله في قبة كنيسة سيستين؟.

    ان مخترعات دافينشي العلمية والتقنية، والتي اشتغل عليها تحديدا خلال الاعوام الوسطى في ثمانينات القرن الخامس عشر( وبخاصة بين عامي 1482 و1486)، لم تكن مجانية ولا كانت شطحات، بل كانت محاولات جدية للوصول الى ابتكار عتاد حربي ووسائل انتقال يمكن لمدينة ميلانو، التي كان انتقل اليها في ذلك الحين أن تساعدها، في تحقيق انتصارات عسكرية حاسمة. وكان دافينشي في هذا يؤكد بان الحروب المقبلة لن تكون حروب شجاعة فردية وقوة جنود مبنية على تخطيطات عبقرية لقادة متميّزين، بل إن الانسانية باتت في طريقها لتدخل عصرا يجب أن تعتمد فيه الحروب أكثر وأكثر على التقنيات والاعتدة المعقدة، كما على وسائل اتصال وانتقال لاعهد للبشرية بها من قبل.

    وهكذا حينما قدم دافينشي الى ميلانوآتيا من فلورنسا ليقيم هناك ويعمل، حتى دون أن يكون استكمل لوحة "التبجيل"، كان ثمة هدفان متوازيان من إقامته في ميلانو التي كانت تعتبر من أكبر حواضر اوربا في ذلك الحين حيث قام بصنع تمثال فخم من الطين يمثل الحاكم السابق لميلانو وهو يركب حصانا فخما ، بتمويل من ابنه، ولم يتم صبّ التمثال بالبرونز، وتفتت بمرور الزمن، ومن جهة اخرى، سعى باقناع حاكم ميلانو بصواب افكاره عن الاسلحة الجديدة التي كان بدأ يرسم لها مخططاتها. وهكذا بالتزامن مع بدء اشتغاله بالحصان الفخم، استكمل واحدة من لوحاته الرائعة" عذراء الصخور". وفي العصور الللاحقة لوفاته شهدت ولادة اشكال متطورة وحقيقية من كل الابتكارات التي كان دافينشي رائدا بابتكارها، ومن بينها الدبابة، اللازر،والمظلة( الباراشوت)، والطائرة المروحية، والطائرة العادية.

    لوحات ليوناردو تنقسم الى قسمين، أو تيارين رئيسيين، فالتيار اول يمثل جمال الذات الانسانية الذي يحوي صفات البراءة وجمالها اليافع، وأبرز هذه اللوحات هي لوحة" الموناليزا" التي اصبحت رمزا يحتذي به رسامو عصة النهضة، فقد قال عنها فازاري " لربما يذهب بك الخيال بعيدا وانت تطلع بعناية الى فم الموناليزا، فإن النبض يكاد يخفق" وهذه اللوحة التي مضى يرسمها ليوناردو فترة دامت أربع سنوات، لم يفترق عنها حتى وفاته، اذ كان يحملها معه اينما حل في ترحالاته الكثيرة. واللوحة الشهيرة الاخرى التي تعد احدى الروائع الفنية لـ" دافينشي" فقد رسم ثلاثة عشر جسما في وضع مذهل اشبعهم بمشاعر عميقة وفياضة، واعطى كل منهم طباعه وافكاره من خلال الايماءات وعضلات الوجه وحركات الاجساد. والمعروف ان هذه اللوحة" العشاء الاخير" اصاب التلف الوانها، فقد اخترع هذه الالوان لتلائم حريته ولم تكن ملائمة للجدار. اما لوحته الشهيرة الجدارية الاخرى ، فهي عن معركة " دانجاري" حين كانت فلورنسا جمهوية مستقلة، وكانت هذه المعركة بمثابة الحد الفاصل لانتصار هذه الجمهورية على اعدائها، وقد رسمها في مجلس شيوخ فلورنسا، وهي تمثل الجنون والوحشية والكراهية التي تتلبسها الوجوه الانسانية وباسلوب يميل الى الكاريكاتير. الا ان هذه اللوحة الفخمة قد اصابها التلف هي الأخرى.

    رومـــا: موسى الخميسي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media