الإبداع الدامع!!
    الثلاثاء 19 فبراير / شباط 2019 - 19:19
    د. صادق السامرائي
    السائد في إبداعتنا كأنها مكتوبة بمداد الدموع , فما يبدر منا مضرج بالدموع , أشعارنا أغانينا مقالاتنا قصصنا رواياتنا خطاباتنا تحليلاتنا وأفكارنا.
    وكأن الدموع تجري في عروقنا!!
    فهل نحن مجتمعات تجيد النواح والتظلم والتشكي , وتناهض التحدي والإصرار والعزم والإيمان بصيرورة أفضل , وأعظم ما يمكننا القيام به هو الأنين والتوجع والتهضم ونحسب ذلك إنجازا متميزا ومهما.
    وعندما نقارن أحوالنا بالمجتمعات البشرية الأخرى , تبدو الصورة أوضح وأكثر جسامة وتفصيلا , ويظهر الفرق الشاسع والسبق الفائق والماحق.
    فترانا من أجود وأخبر المجتمعات في البكاء على الأطلال , ولا تزال تسري فينا روح معلقة إمرؤ القيس التي مطلعها " قِفا نبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ...بسقط اللوى بين الدخول وحومل" , هذه المعلقة التي لخصت جوهر السلوك العربي وخاضت في تفاصيله ومعانيه ومعاييره.
    تصلني قصيدة عن بغداد وهي أشبه بالنواح والصراخ وفيها من فيض الدموع ما لا يُطاق , ويريدني مرسلها أن أتمتع بها وأستمع إليها , وكأن الدنيا إنتهت , وبغداد ماتت وإنمحقت , ويتناسى كاتبها ومرسلها , بأن بغداد واجهت أعتى مما واجهته اليوم في مسيرتها الطويلة , وأنها صمدت وعاصرت وتألقت , وما حاق بها ذهب في غياهب البعيد , فما دامت له ذكرى وبقيت بغداد متسامقة متعالية , وستذهب هذه الموجة السوداء وستشرق شمس بغداد رغم أنوف مَن يعاديها.
    فهل تريدون الإقتناع بأن بغداد ستغيب , وأن ما أحاق بها سيبقى ولن يغيب؟!!
    هذا أفك وهذيان , وما هذه الجموع المعادية لبغداد إلا موجودات طارئة ستدفع ثمن عدوانها باهضا وكبيرا , ولن تدوم سوى بغداد.
    لو تأملنا ما أصاب عواصم الدنيا أثناء الحرب العالمية الثانية , لتبين لنا أن نكبة بغداد تهون بالقياس إلى نكبات مدن الدنيا التي إنمحقت عن بكرة أبيها , لكن أبناءها الاشاوس وإرادتهم المقدامة أعادتها إلى أحسن مما كانت عليه.
    ولهذا فعلينا أن لا نمعن بإنتاج البكائيات , وأن نتوقف عن الكتابة بالدموع والتفكير بالدموع والتواصل بالدموع  , ولا بد لنا أن نرفع رايات التحدي والقوة والإصرار على أننا سنكون ونكون رغم الأعاصير والزوابع والموجات العدوانية المتتالية , لأننا نتمسك بوجودنا وببلادنا ونؤمن بقدرات الأجيال وقوة ما فيها من الطاقات والإبداعات الحضارية.
    فابشري يا بغداد , ولن نبكيك بل نفخر بك ونعلي راياتك ونساهم في صناعة مجدك الوثاب.
    وإن بغداد أمة ذات عماد!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media