استروا ولا تفضحوا
    الجمعة 22 فبراير / شباط 2019 - 05:27
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    ولما كنا كلنا شرفاء وبلا خطايا، ولما كنا كلنا نمشى على بساط الفضيلة فلا نتعثر، ونسير على حبال الرفعة فلا نهتز ولا نترنح، ولما كنا كلنا أصحاب شيم وشرف وكرم وفضل، فقد أقمنا المشانق والمقاصل لفتاتين أخطأتا فى حقيهما وحق أسرتيهما، وقطعنا لحوم الخطائين منا، وأكلناها ميتة، ورجمنا وجلدنا كل العصاة والمذنبين، ووقفنا على الطرقات نبكى ضياع الشرف والقيم والنزاهة، ونتغنى بالمجد التليد، يا سادة من كان منكم بلاخطيئة فليفضح كل مفضوح ولا يستره، ويعرى كل مستور ويفضحه ولا يحجبه، فما ستره الله وأخفاه عن عيوننا آن الأوان أن نجهر به ونعريه وننشره على الدنيا «واللى ما يشترى يتفرج» ويملأ عينيه وعين من يحب ويكره، أما إن كنا نحن الخطيئة نفسها وتمشى على رجلين، ولم يفلت منها إنس ولا جان، نصبح فيها ونمسى ونسعى ونتوق إليها، فلنستر من تعرى، ونغفر لمن زلت قدمه، ونسامح من أخطأ، فما دون الشرك مغفور، فربما يوماً تتهاوى من جناح فضيلتك، أو تسقط من برج عليائك وتبكى انتظاراً لرحمة الغير، فلا يسعفك لئيم، ولا يجيرك زنيم، ولا يغيثك مغيث، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء. وأنتم يا أصحاب الأمر والشأن والنهى والقضاء والحكم والفصل والحساب والعقاب، على العين والرأس كل قرار وكل حكم، إلا أن الخطأ قد أصابهم فى مقتل، والأذى قد مالت سهامه عن الكثير ورمى سهامه فى نحورهم، فأصاب الأب والأخ والأم والابن والقريب والنسيب، وشرد أسراً بأكملها لا ذنب لها، ويضيع منهم الملتقى وتتوه منهم معالم الطريق، حتى الأطفال الصغار يدفعون فى طفولتهم البريئة كما يدفع الكبار، فلن تضيف العقوبة إلى المصاعب والكوارث والمحن التى حطت على رؤوسهم إصلاحاً أو تقويماً أو تهذيباً، فلن يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، ولن ينفع مع الموت دواء، ولن تزيد الأمر إلا تعقيداً وضياعاً لأسرهم وأولادهم، ويكفى ما هم فيه من هم وندم وحزن وأسى، وسيكون الضرر أفدح يتجاوز التقويم والإصلاح، والأذى يلحق الحاضر ويحاصر مستقبل هذه الأسر، اتركوا هؤلاء الناس يكفيهم ما هم فيه، يتجرعون الهوان بعيداً عن عيون الناس، ويشربون المر ألواناً بعيداً عن تطفل خلق الله، فلربما يسترجعون يوماً هزيمتهم وهوانهم على أنفسهم وعلى الناس، ويلتحمون بالناس ويعيشون فى سلام دون وصمة ودون خجل، فليس ما نحن فيه نهاية الكون، لكنه بالنسبة إليهم نهاية حياة، فلا نزيد الهم هماً، والحزن أحزاناً، والوجيعة ألواناً. وأنت أيها الشعب يا من كنت يوماً من عداد الطيبين المتسامحين، أين طيبة قلبك ورحمتك وغفرانك، من هذا الذى صبغها كلها بهذا السواد وغلفها بكل هذه الشماتة وأسعدها مصائب الناس؟ من هذا الذى كساها بكل هذه القسوة وجردها من رداء الطيبة والرحمة وأطربها بكاء الندامى والموجوعين؟ من هذا الذى زينها بكل هذا التشفى وألبسها لباس الغل؟ وحبب إليها نهش لحوم البشر المطعونين؟ من هذا الذى علمنا جميعاً القضاء والحكمة والحكم وفصل الخطاب؟ فلا نسمع ولا نفهم ولا نرى، غلاظ القلوب دون لين، أشداء النفوس دون رحمة، فلا نهتز لبكاء المظلومين ولا نقبل توبة التائبين، ونغلق الأبواب فى وجه المذنبين، من هذا الذى وضع حولناً سياجاً وأسواراً تصد عنا رياح المحبة وتحجب عنا فضل التسامح؟ فلا نقبل توبة ولا عذراً ولا ندم تائب، ولا نفتح للطارقين منهم باباً، ولا نطعم منهم جائعاً، ولا نقبل منهم عودة أو رجوعاً؟ فليس منا من نجا وأمن، وليس منا من سلم غدر الأيام والأصحاب. لسنا من دعاة الرذيلة أو الفاحشة، ولا نقبل الشماتة فيمن أخطأ وزل، ولا ننشرها على الناس فيعرف من حجبت عنه، ولا نرضى بالفضيحة فتطول الأبرياء والصغار، ونقبل الندم والعودة والرجوع دون عقاب إذا كان الخطأ قد طال صاحبه فقط، ونرفض أن تتحمل المرأة وحدها مصائبها ومصائب الرجال، وأن يكون الشرف بيع النساء وشراء الرجال، فكما تبيع المرأة شرفها يبيعه الرجل أيضاً، المرتشون والإرهابيون والمزورون والمدلسون والمزيفون والملوثون وشهود الزور كلهم موطؤون كما توطأ النساء، وكلهم فى سوق النخاسة سواء، وزاد الرجال وتفوقوا عليها، فهى قد دنست نفسها وأسرتها وأهلها، أما هو فقد دنس مجتمعاً بأكمله، هى حين تعود فلا دين عليها سوى لأهلها وأسرتها، وهو حين يعود فى رقبته دين قد غطى الوطن والناس والأجيال المقبلة أجمعين، ليس فينا قديسون أو رهبان، نحن جميعاً على أبواب الخطيئة، ليس شريفاً إلا من فتحت له باباً وأبى، وليس عفيفاً إلا من دعته وعصى، وليس متسامحاً إلا من أوذى وعفا، وليس كريماً إلا من سئل وأعطى، من لم يختبر بعد ويمتحن وتفتح له الأبواب فليكن رحيماً بالعباد، نحن جميعاً أهل خطايا، وخير الخطائين التوابون.

    adelnoman52@yahoo.com
    "الوطن" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media