سباق الزمن لإنقاذ الوطن
    الجمعة 22 فبراير / شباط 2019 - 05:29
    صائب خليل

    في احد أفلام عالم الحيوان تطارد مجموعة من الأسود الجائعة، قطيعا من الجواميس. المجموعتان عاشتا مع بعضهما طويلاً، وهما في حالة توازن وصراع بقاء، ليس في القوة فقط، وإنما في معرفة كل الآخر ايضاً. في مشهد متكرر في هذا الصراع، يثير عجبنا نحن البشر، تمسك الأسود أحد الجواميس وتبدأ بمحاولة نشطة لإسقاطه وقتله، بينما يقف القطيع يراقب متردداً، حتى يقرر اخيراً الهجوم على الأسود وطردها عن رفيقهم. حياة هذا الأخير تتوقف على الوقت الذي سيحتاجه القطيع لحسم امره والهجوم. لذلك تكون الأسود في عجلة من امرها، فهي تعلم ان الهجوم قادم، وإنها ان لم تصب الضحية بجراح قاتلة قبل أن يقرر القطيع المبادرة، فسوف يفشل الصيد. الدقائق ثمينة وحاسمة لتحديد النتيجة.
    وهنا يأتي السؤال: لماذا لا يهجم القطيع مباشرة؟ لماذا يعطي الجواميس، الوقت للأسود لقتل رفيقهم ماداموا يعلمون أن بإمكانهم إنقاذه؟ 
    يبدو ان وقت التردد هذا ضروري للقطيع ليحسم امره. ليتأمل الموقف ويعي مدى خطورته ومدى فائدة الهجوم، ولكي يجمع البعض شجاعته، ويقرر من يبدأ الهجوم وكيف وإلى أي مدى يجب ان يقترب؟ هل سيحصل على الدعم من الباقين؟
    الكائنات "الاجتماعية” تعاني دائما من مشكلة القرار والتنسيق، ونحن البشر لا نختلف عنها في ذلك. قد ينزعج البعض من تشبيهنا بقطيع الجواميس، لكني سأبرهن اننا لا نتفوق عليهم في هذا بل بالعكس، نحن اقل كفاءة!

    نحن العراقيين مثلا، نواجه تحدياً واضحاً جداً. لدينا حكومات نصبت تحت ضغط الاحتلال، ثم صارت تعين من قبل الاحتلال مباشرة. احتلال لم نعد نشك مما كشف من قصص الإرهاب وداعش، انه يستهدف القضاء على البلد والشعب. ومن خلال ردود الفعل على المقالات التي تكشف ما تقوم به حكومة عادل عبد المهدي، من الواضح ان هناك اغلبية ساحقة صارت تدرك الاتجاه الذي يتجه اليه ومدى خطورته على وطنهم. وإن كانت السوابق القديمة لتاريخ عبد المهدي تكفي لإثارة الريبة والقلق منه، فأن تقديمه قانون شركة النفط الوطنية، الذي وصفه خبير المحكمة الاتحادية بأنه يهدد بضياع ثروة العراق النفطية ويضع البلاد على شفا حرب أهلية(1) وتم رفضه بالتالي، نبه الكثير من الغافلين الى حقيقته. وأخيراً جاء توقيعه لاتفاقية التجارة الحرة مع الأردن رغم تحذير اتحاد الصناعيين والكثير من الاقتصاديين، وكذلك مد أنبوب النفط السيء الصيت إلى الأردن وتوقيعه عدد كبير جدا من القروض مع اخطر المؤسسات المالية العالمية المشهورة بعدوانيتها وتدميرها الاقتصادي للبلدان المختلفة، لم يترك الكثيرين من الموهومين به أو اللامبالين.

    لقد صار الخطر واضحاً امامنا إذن، تماماً كما هو للقطيع في الصورة. ويبدو من السرعة المذهلة لتوقيع تلك المشاريع، ان عبد المهدي (أو من يقف وراءه وينسق حركاته) يدرك الموقف أيضاً، ويتصرف بالضبط كما تفعل الوحوش مع الجاموس الضحية: هي تعلم أن وقتها محدود، وتحاول قدر استطاعتها ان تقضي على فريستها بأنيابها ومخالبها، قبل ان يقرر القطيع الهجوم، وعبد المهدي وحكومته يتصرفون بسرعة مذهلة لتوقيع الاتفاقيات المورطة، والبدء بمشاريعها الضخمة والخاسرة، رغم وضع العراق المتزايد الديون، متجاوزين شروط الدستور بتوقيع النواب على تلك الاتفاقيات، مثلما تجاوزوا الدستور في ترشيح هذا الرجل.
    من يقف وراء عبد المهدي ويخطط له ما يفعل، يعلم جيداً إذن أن وقته قد لا يطول، وأن العراقيين الذين ادركوا خطره، قد يتوصلون قريباً إلى طريقة لتنسيق التحرك لوقف حريته في قتل بلدهم، بل أن رد الفعل قد يؤدي الى ازاحته أو يضطرهم الى إبداله. ولعلهم أخذوا درساً من الفشل المدوي الذي انتهى اليه مشروعهم التدميري الآخر، "شركة النفط الوطنية العراقية".

    ما العمل؟ ما الذي يجب ان يفعله من يريد انقاذ الوطن من هذه المخالب والأنياب؟
    اقترح ما يلي:

    1- أن يعطي كل منا ساعة من وقته ليفكر في الأمر: ما هي إمكانياتي التي يمكن ان استعملها لوقف الخطر؟ ما هي علاقاتي؟ هل يمكنني أن أوصل تحذيراً الى مراكز القرار ولو بشكل غير مباشر؟ هل يمكنني ان اشكل ضغطاً عليها من خلال من اعرف من القريبين من مراكز القرار تلك؟ هل لدي نائب في مجلس النواب أثق به، قد يفيد، أو ربما في مجلس محافظة أو في الحشد أو في أحد الأحزاب، أو إعلامي قد يستمع إلي؟ لا يوجد شخص واحد يعرف إمكانيات الجميع ليضع خطة لكل فرد، لأننا لا نملك تنظيماً ليوجه تلك الإمكانيات، فليفكر كل شخص بما يستطيع وبما قد ينفع في هذا الحراك. أن يقرر ان يفعل شيئا مهما بدا هذا الشيء بسيطاً، فلعل تجمع الأشياء البسيطة ينتج حركة.

    2- ان نستلهم انتصارنا في معركة "قانون شركة النفط الوطنية" والطريقة التي اديرت بها تلك المعركة.
    أولاً: اكتشف أحد الوطنيين المؤامرة التي حرصوا كثيراً على اخفائها، وكان ضمن مؤهلاته وعلاقاته ما يتيح له ان يكتشفها. بادر للكتابة عنها والتحذير أن ملف النفط يجري ذبحه.
    ثانيا: تداعى عدد من الكتاب والنشطاء للتحذير من الخطر القادم.
    ثالثاً: قام رجلان وطنيان من الداخل، يملكان الفهم اللازم والقدرة على التحرك والشجاعة والاستعداد للتضحية، وبادرا إلى تقديم طعن ضد المؤامرة لدى المحكمة الاتحادية.
    رابعاً: استمرار الضغط الإعلامي والشعبي جعل من الصعب على المحكمة الاتحادية أن تتجاهل حقائق الطعن، كما فعلت سابقاً في العديد من القضايا، خاصة بعد الموقف الأمين والشجاع من الرجل الذي استشارته كخبير في الأمر.
    هكذا تم الانتصار في هذه المعركة التي يمكن استلهامها في معارك أخرى. وهناك أدوات أخرى.

    3- النقابيون في الاتحادات المهنية والعمالية، يمكنهم ان يستخدموا مكانتهم وأدواتهم التنظيمية للتحرك بالطريقة المناسبة في هذا الاتجاه. وبالطبع منظمات المجتمع المدني التي ليست من صنع وإدارة الاحتلال (إن كان هناك بالفعل مثل هذه) يمكنها ان تفعل شيئا أيضاً. أنا أؤمن أيضا أن هناك نسبة مازالت موجودة من الشرفاء في الأحزاب والتيارات السياسية، حتى ضمن تلك التي كونت هذه الحكومة المجرمة بحق البلد، وأن هؤلاء يمكنهم، ربما استغفاراً لذنبهم في دورهم في المؤامرة دون علمهم، ان يشكلوا نواة ضغط في احزابهم حتى لو كانت مخترقة للتحرك بهذا الاتجاه.

    4- الكتابة عن الموضوع أو مشاركة مقالاته وادواته الإعلامية قدر الإمكان في وسائل التواصل الاجتماعي، لتنبيه الناس وحفز من قد يستطيع فعل شيء أكبر ليفعله .. "وذلك اضعف الإيمان".

    إن اخطر القضايا التي يجب وقفها قبل ان يسقط وطننا مضرجا بدمائه هي
    1- معاهدة الأردن، و
    2- انبوب النفط الأردني، و
    3- قانون الموازنة.

    1- تحدثنا كثيراً عن معاهدة الأردن، ولمن يريد ان يطلع على ما نشرته عنها للاستفادة للمعركة، اقدم هنا الروابط الى المقالات(2)
    ويمكن مهاجمة تلك الاتفاقية من حقيقة انها مخالفة للدستور بشكل صريح وواضح. فالدستور يؤكد على ان المعاهدات الخارجية يجب ان تحصل على موافقة مجلس النواب ولا تمرر إلا بأغلبية الثلثين!
    ما تفعله حكومة عبد المهدي هنا من مراوغة، هو إعادة تعريف الاتفاقية لكي لا تسمى "اتفاقية"، واعطائها اسماً آخر للإفلات من الشرط الدستوري، رغم أنه لا يمكن ان يكون هناك اتفاقية دولية أكثر من هذه الاتفاقية. ويستخدم هؤلاء بعض وعاظ السلاطين المعروضة خدماتهم للبيع، والمتخصصين بهذه الألاعيب القانونية، تماما مثل رجل الدين الذي يجد تعابيراً مختلفة للربا ليمرره على النصوص القرآنية المحرمة له، عندما يحتاج ذلك الأثرياء. لكن القضية واضحة بشكل يصعب على المحكمة الاتحادية تجاهله، ولا يستحيل احراجها والضغط عليها، وسأحاول الكتابة بتفصيل أكثر عن هذا.

    2- أنبوب النفط إلى العقبة هو أيضا اتفاقية دولية، ويمكن الطعن بقانونيتها لمرورها بدون موافقة مجلس النواب. إضافة إلى ذلك فهذه الاتفاقية هي أيضا ضارة بالاقتصاد العراقي وتعرضه للخطر، كما كتب العديد من الكتاب وننوي الكتابة ايضاً. ويمكن تشكيل الضغط اللازم بشأنها إن توفرت نواة تنظيمية لذلك التحرك. فالأنبوب ليس له أهمية وبدائله افضل، ويكلف كثيراً جدا في وقت حرج، ويضع النفط العراقي تحت سلطة إسرائيل، ولا يوجد حجة لتوقيع اتفاقاته.

    3- الموازنة هي الأخرى خطرة جدا بما منحته من افضليات خارج العقل والمعقول لكردستان وبشكل يهدد وحدة البلد، سواء بمنحها الحق الرسمي بتصدير نفطها بنفسها بالضد من مادة الدستور 111 التي تؤكد ان نفط العراق ملك لكل الشعب العراقي، أو بتعهد الحكومة بدفع رواتب الإقليم وبيشمركته في حالة امتناع كردستان عن تسليم حتى حصتها المخفضة من النفط! وهي في الحقيقة دعوة صريحة لكردستان لتفعل ذلك. وهي أيضا دعوة ضمنية للبصرة، وبخاصة دعاة الإقليم لتنفيذ مشروعهم وربما الانفصال ايضاً، كما نعرفه كهدف امريكي إسرائيلي كردستاني. وحتى لو اكتفت البصرة بالمطالبة بالمعاملة بالمثل كما يقضي الدستور والمنطق، فإن ذلك يعني نهاية العراق كما هو واضح للجميع. وهكذا فأن الموازنة قانون في غاية الخطورة اولاً، وسهل الطعن جداً لأنه يمس حتى مساواة المواطن العراقي امام القانون وتوزيع ثروة العراق بشكل عادل على شعبه وكلها نقاط دستورية واضحة وأساسية.

    إننا بحاجة عاجلة لإيجاد ذراع يتمكن الشعب من مدها الى السلطة ومركز القرار. بحاجة عاجلة إلى طريقة للتأثير في القرار. بحاجة الى ان نعي حجم الخطر، وان نستلهم تجارب النجاح القليلة لكي ننسق وننظم هجومنا على الوحوش. الوحوش التي تدرك الأمر أفضل منا وتقودها اشد المراكز الدولية قوة وعلماً، لتسرع بتحطيم البلد والاستيلاء على ثروته.
    نحن في سباق زمن مع حياة هذا الوطن وهذا الشعب. الوطن الذي سيتركنا جميعاً ايتاماً نعاني شظف العيش والإذلال إن سقط، هو اليوم فريسة تتعرض للأنياب الشرسة. فريسة تحاول الصمود في انتظار تمكن أبنائها من تجميع شجاعتهم وتنسيق مبادرتهم. إنه يئن منذ أعوام طويلة، وقد لا يتمكن من الصمود طويلاً هذه المرة.


    (1) تقرير خبير المحكمة - قانون النفط الوطنية يدفع العراق لهاوية حرب أهلية
    www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2190344097689314

    (2) مقالات حول اتفاقية التجارة مع الأردن
    اكذوبة التجارة الحرة – فيديو يكشف خطورتها على الاقتصاد وفرص العمل!
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2216697338387323
    رئيس اتحاد الصناعيين - عشرة أدلة على إعدام الصناعة العراقية
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2214742218582835
    اتفاقية حرية التجارة مع الأردن وركل سلم تصنيع العراق
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2211473822243008
    نظرية "التنمية بفتح الأسواق” – هل تمنح عبد المهدي جائزة نوبل؟
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2209909279066129
    لماذا الغت الأردن اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا ووقعتها مع عبد المهدي؟
    https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2201252246598499

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media