هل بمستطاع قانون شركة النفط الوطنية العراقية إدارة وتعديل عقود جولات التراخيص النفطية المبرمة؟
    الثلاثاء 5 مارس / أذار 2019 - 07:51
    أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
    أستاذ جامعي
    المقدمة
       في عامي 2016 و2017  ضمّنت الحكومة العراقية قانون الموازنة العامة الاتحادية مادة تقول فيها: "تلتزم الحكومة الاتحادية ووزارة النفط بمراجعة عقود جولات التراخيص النفطية المبرمة لتعديل بنود العقود بما يحفظ مصلحة العراق الاقتصادية ويدفع بزيادة الإنتاج النفطي وتخفيض النفقات وإيجاد آلية لاسترداد التكاليف بحيث تتلاءم مع أسعار النفط" (المادة 38 من قانون موازنة 2016، والمادة 48 من قانون موازنة 2017، مع الإشارة إلى خلو موازنة 2018 وموازنة 2019 من هذا الالتزام). في هذا النص، يتوزع التعامل التنظيمي الرسمي مع عقود جولات التراخيص النفطية (فيما بعد العقود المبرمة) على سلطتين مختلفتين هما سلطة الحكومة الاتحادية وسلطة وزارة النفط، وأن الغرض التنظيمي من هذا التعامل هو "مراجعة" هذه العقود بمعيار "حفظ مصلحة العراق الاقتصادية"، لتحقيق هدف تنظيمي هو "تعديل بنود العقود"، باستخدام الوسائل التنظيمية والتكنولوجية الآتية: "الدفع بزيادة الإنتاج النفطي"، و"تخفيض النفقات"، و"إيجاد آلية لاسترداد التكاليف بحيث تتلاءم مع أسعار النفط".
       لم تستطع الحكومة الاتحادية ووزارة النفط، في قانوني الموازنة المذكورين، الإيفاء بالتزاماتهما تجاه مراجعة العقود المبرمة وتعديلها، وقد أحدثت قرارات المحكمة الاتحادية العليا في 23/1/2019، بشأن أحكام قانون الشركة، انقلابا مؤسساتيا كبيرا وجوهريا في نظام إدارة الموارد النفطية في بلادنا ينبغي أخذه بالحسبان. في هذا البحث، سنحاول الكشف عن الكيفية التنظيمية المتاحة للشركة في قانونها الجديد لتحقيق عمليات تعاملها التنظيمي مع هذه العقود: في القسم الأول، تأشير المرجعيات لمؤسساتية التي ستستخدمها الشركة في تعاملها التنظيمي؛ وفي القسم الثاني، تقرير الكيفية التنظيمية لتعامل الشركة المعني. نشير إلى أن استخدامنا لتعبير "التعامل التنظيمي" في هذا البحث جاء بغرض حصر مفردات الكيفية التنظيمية (شخوص، مسارات، موضوعات، حقوق، قواعد، آليات، أدوات) بتعبير إداري واحد لتعامل قانون الشركة مع العقود المبرمة.  
    القسم الأول. المرجعيات المؤسساتية لتعامل الشركة التنظيمي مع العقود المبرمة:
       في قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018 (فيما بعد قانون الشركة)، يجري التعامل التنظيمي مع العقود المبرمة على النحو الآتي: "إدارة عقود الخدمة التي تم إبرامها في جولات التراخيص في الاستكشاف والتطوير والإنتاج، وتلزم الشركة (شركة النفط الوطنية العراقية – الباحث) بمراجعة العقود المبرمة وتعديلها بما يضمن مصلحة الشعب العراقي" (المادة 4/رابعا). وعلى الرغم من تشابه نص هذه المادة من قانون الشركة مع نص المادة المعنية في الموازنتين المذكورتين أعلاه، إلا أنه يختلف عنهما في المجالات الآتية:
    في قانون الشركة، لم يجر حصر الكيفية التنظيمية لتحقيق عمليات إدارة ومراجعة وتعديل العقود المبرمة، على غرار ما جاء به قانوني الموازنة المذكورين من حصر لها: "الدفع بزيادة الإنتاج النفطي"، و"تخفيض النفقات"، و"إيجاد آلية لاسترداد التكاليف بحيث تتلاءم مع أسعار النفط".
    في قانون الشركة، يجري الحديث عن التعامل التنظيمي مع العقود المبرمة بمنطق وجود ثلاث عمليات تنظيمية منفصلة بعضها عن البعض الآخر: عمليات "إدارة العقود"، وعمليات "مراجعة العقود"، وعمليات "تعديل العقود"، بينما نص المادة المعنية في قانوني الموازنة المذكورين يتحدث عن عمليتين فقط: "مراجعة العقود"، و"تعديل العقود".
    في قانون الشركة، هناك سلطة تنظيمية واحدة للتعامل مع العقود المبرمة هي سلطة الشركة، بينما في قانوني الموازنة المذكورين هناك سلطتان لهذا الغرض، هما: سلطة الحكومة الاتحادية وسلطة وزارة النفط الاتحادية.
    في قانون الشركة، يجري الحديث عن التعامل التنظيمي للشركة مع "عقود الخدمة" التي أبرمتها وزارة النفط الاتحادية في جولات التراخيص النفطية الأربعة ابتداء من الجولة الأولى في عام 2009، ولا يسري هذا التعامل على "عقود الشراكة" التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان، وربما لا يسري على "عقود جولة التراخيص النفطية الخامسة" الجاري تحقيقها ابتداء من عام 2018 بسبب اختلاف شروطها عن شروط جولات العقود المبرمة. 
    في قانون الشركة، جرى تحديد "نطاق العقد" Scope of Contract بالاستكشاف والتطوير والإنتاج، المشمولة بعمليات إدارة ومراجعة وتعديل العقود المبرمة، ولكن ليس من الواضح شمول هذه العمليات للأحكام الأخرى خارج أحكام مادة "نطاق العقد".
    في قانون الشركة، يجري التعامل التنظيمي مع العقود المبرمة بمعيار "ضمان مصلحة الشعب العراقي"، مستلهما في ذلك النص الدستوري للمادة (112/ثانيا) من الدستور، والقائلة بأن تطوير واستغلال ورسم السياسات الإستراتيجية تجاه ثروة النفط والغاز يجب أن يجري بما يحقق "أعلى منفعة للشعب العراقي"، وهو معيار أوسع وأعمق من معيار "حفظ مصلحة العراق الاقتصادية" الوارد في قانون الشركة وقانوني الموازنة المذكورين.
       تحتاج الشركة إلى مرجعيات مؤسساتية قائمة وفاعلة لتعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة، بغرض إضفاء صفة الشرعية القانونية والسياسية والاجتماعية على هذا التعامل ونتائجه وتبعاته التنظيمية والاقتصادية والتكنولوجية. لا يكفي وجود مرجعية قانون الشركة وحدها لتأمين الحصول على الشرعيات المذكورة (بسبب قصور وضيق نطاق فعل أحكام القانون بهذا الصدد)، ما لم يجر في الوقت نفسه استخدام أحكام مرجعيات مؤسساتية أخرى قائمة أو استحداث البعض الآخر منها، تقرر وتضبط مسارات وموضوعات وحقوق ومعايير وآليات وأدوات استخدام الشركة لأحكام قانونها في تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة. يمكن لنا، في هذا البحث، استخدام المرجعيات المؤسساتية الآتية لتحقيق تعامل الشركة التنظيمي مع العقود المبرمة: مرجعيات الدستور وقانون الشركة والعقد النفطي، ومرجعيتي خطة التنمية الوطنية 2018-2022 والمنهاج الوزاري 2018-2022، ومرجعيات مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي العالقة التشريع لغاية الحين.
    أولا. مرجعية دستور البلاد النافذ: في تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة، يجب على الشركة أن تلتزم بأحكام مواد الدستور ذات الصلة بإدارة تطوير واستغلال ثروة النفط والغاز الوطنية، ومنها:
    المادة (111): "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات". عند تقرير الشركة المسارات الثلاثة لتعاملها التنظيمي (الإدارة، المراجعة، والتعديل) مع العقود المبرمة، يجب عليها الالتزام بالنص الدستوري الحاكم لملكية ثروة النفط والغاز في جميع حلقات السلسلة التنظيمية/التكنولوجية لتطوير واستغلال هذه الثروة، سواء تعلق الأمر بملكية احتياطيات النفط والغاز في باطن الأرض، أم بملكية النفط والغاز المستخرجين ونقلهما بخطوط الأنابيب الرئيسة وتسويقهما الداخلي والخارجي. نشير هنا إلى أن الفقرة (3) من قرار المحكمة الاتحادية العليا  في 23/1/2019 (فيما بعد قرار المحكمة)، عدّت (الفقرتين ثالثا وخامسا للمادة 4 من قانون الشركة) والمتعلقة بنشاط الشركة في تسويق النفط، غير دستورية "حيث أن ذلك من مهام وزارة النفط والشركة المرتبطة بها". فضلا عن ذلك، في فقرته (4)، عدّ قرار المحكمة (البند ح من الفقرة ثانيا من المادة 7 من قانون الشركة) غير دستوري، والمتعلق بجعل شركة النفط (سومو) من التشكيلات المرتبطة بمركز الشركة.
    المادة (112/أولا): "تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة في البلاد وينظم ذلك بقانون". عند تقرير الشركة مسارات تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة وموضوعات تعاملها التنظيمي (على سبيل المثال وليس الحصر، تعديل نمط الهيكل التنظيمي لإدارة العمليات النفطية، تحسين أو تعديل إدارة تكاليف العمليات النفطية)، يجب عليها الالتزام بالنص الدستوري القائل بتشارك الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة في جميع أنشطة إدارة الحقول النفطية والغازية الحالية، وهي الحقول المكتشفة المنتجة والحقول المكتشفة غير المطورة، بما فيها الحقول التي يجري الآن تطويرها واستغلالها بموجب العقود المبرمة. عندما عدّ قرار المحكمة، في فقرته (1)، بعدم دستورية المادة (3) من قانون الشركة، والمتعلقة باحتكار الشركة المطلق لإدارة الموارد النفطية في البلاد، يصبح عندها نشاط التعامل التنظيمي للشركة مع العقود المبرمة غير دستوريا، لأن حق تطوير واستغلال الموارد النفطية (بما فيها التعامل التنظيمي مع العقود المبرمة) من سلطات وصلاحيات الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، وهو أمر يحتم تشريع قانون جديد لإدارة تطوير واستغلال الموارد النفطية الوطنية، واستحداث كيان إداري جديد بديل عن الشركة لتحقيق ذلك. والأمر نفسه ينطبق على أحكام المادة (112/ثانيا) من الدستور في النقطة أدناه من  هذا البحث.
    المادة (112/ثانيا): "تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار". عند تقرير الشركة مسارات وموضوعات تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة، يجب عليها الالتزام بالنص الدستوري القائل بتشارك الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة في جميع أنشطة الإدارة الإستراتيجية لتطوير ثروة النفط والغاز، سواء من الحقول النفطية والغازية الحالية أم من حقول جديدة سيجري اكتشافها وتطويرها مستقبلا. فضلا عن ذلك، قرر الدستور معيار المنفعة الأعلى لمالك ثروة النفط والغاز من عمليات رسم السياسات الإستراتيجية لتطويرها، وقرر أيضا الآليات التي يجب أن تستخدم لتحقيق هذه العمليات وهما آليات أحدث تقنيات مبادئ السوق، وآليات تشجيع الاستثمار النفطي.
    المادة (112): تختلف أحكام الفقرتين "أولا" و"ثانيا" من هذه المادة الدستورية في أمرين تنظيميين أساسيين، وهذا الاختلاف، كما نرى، يجب أن يؤخذ بالحسبان من قبل الشركة عند تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة. الأمر الأول، إن تحقيق أحكام الفقرة "أولا" من هذه المادة يجب أن ينظم بقانون، ولكن في الوقت نفسه، نرصد خلو نص هذه الفقرة من الحقوق والقواعد والآليات والأدوات المؤسساتية الواجب استخدامها مثلا لتحقيق الشراكة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة في إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية. الأمر الثاني، لا تشترط الفقرة "ثانيا" من هذه المادة تشريع قانون ينظم تحقيق أحكامها، مثلا في الرسم المشترك للسياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز من قبل الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، ولكن بالمقابل، قررت هذه الفقرة الحقوق والقواعد والآليات والأدوات المؤسساتية الواجب على الشركة استخدامها عند تعاملها التنظيمي مع موضوعة الرسم المشترك للسياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، سواء من الحقول النفطية والغازية الحالية (المشمولة بأحكام العقود المبرمة) أم من حقول جديدة سيجري اكتشافها وتطويرها مستقبلا. وبحكم الاختصاص العلمي للباحث، لا نستطيع الحكم بمسألة ما إذا كان المشرّع لقانون الشركة يرى جواز سريان عمل مؤسسة "القانون" المذكورة في الفقرة "أولا" من هذه المادة الدستورية على الفقرة "ثانيا" منها، ولكننا نقول من الناحية التنظيمية، أن قانون الشركة هو قانون منظم لأعمالها فقط ولا يمكن له أن يكون قانونا وحيدا منظما لإدارة نشاط صناعة النفط في بلادنا، على غرار مثلا مشروعات "قانون النفط والغاز الاتحادي" الثلاثة المطروحة للتشريع من قبل مجلس الوزراء ومجلس النواب منذ عام 2007، والمتسمة أحكامها بتنوع وشمولية الشخوص والمسارات والموضوعات والحقوق والقواعد والآليات والأدوات المؤسساتية المتعلقة بإدارة نشاط صناعة النفط في البلاد. 
    ثانيا. مرجعية قانون الشركة: يمكن لأحكام قانون الشركة أن تكون مرجعية قانونية واضحة وفاعلة في تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة، سواء تعلق الأمر بمسارات هذا التعامل أم بموضوعاته، ولكن، من الجانب الآخر، يمكن لهذه الأحكام أن تقع في تعارض مباشر مع أحكام العقود المبرمة، أو الاختلاف في التفسير بين الشركة ومقاولي العقود المبرمة الرئيسيين. في أدناه، نشير إلى البعض من أحكام القانون ذات الصلة بتعاملها التنظيمي المعني على سبيل المثال وليس الحصر: 
    تمارس الشركة أعمالها نيابة عن الدولة العراقية (المادة 2/ثانيا، والأسباب الموجبة)، وهو حكم قانوني يضع تعامل الشركة التنظيمي مع العقود المبرمة في دائرة أعمال السيادة الوطنية. بيد أن تحقيق هذا الحكم القانوني واقعيا سيصطدم بأحكام العقد النفطي، مثلا المادة (37/2) في عقد حقل الرميلة النفطي، التي ترى فيه مجرد عقد تجاري. هذا يعني، أن التعامل التنظيمي للشركة مع هذا العقد النفطي لشركة BP البريطانية وشركائها سوف لن يندرج ضمن أعمال السيادة الوطنية، لأنه عقد تجاري خاضع للتحكيم الدولي في حالة نشوء أية خلافات بين الشركة والمقاول النفطي الرئيسي للعقد جراء التعامل التنظيمي المعني. 
    عندما يكون هدف التعامل التنظيمي للشركة مع العقود المبرمة هو تحقيق "الاستغلال الأفضل للثروة النفطية والغازية"، وأن معيار الوصول إلى هذا الهدف سيكون تحقيق "أعلى منفعة للشعب العراقي"، وأن الآليات المستخدمة في ذلك ستكون "أسس فنية واقتصادية لضمان أعلى العوائد وأدنى التكاليف"، كما جاء ذلك في المادة (3) من قانون الشركة، عندها سيوضع الهدف والمعيار والآليات المذكورة في دائرة الصدام التنظيمي المباشر مع أحكام العقود المبرمة. لم يقرر قانون الشركة أية أدوات تنظيمية أو تكنولوجية لقياس مستوى المتحقق من مفهوم "الاستغلال الأفضل" للثروة النفطية، وهو أمر سيضع التعامل التنظيمي للشركة في دائرة الاجتهاد والانتقائية عند اختيار أدوات القياس، مقارنة بما هو متوفر منها في العقود المبرمة. في المادة (2/2) من عقدي حقلي الرميلة والحلفاية جرى تقرير أداة قياس مفهوم "الاستغلال الأفضل" للثروة النفطية بمدى تطابقها مع "أفضل الممارسات الدولية في مجال الصناعات النفطية" (عقد الرميلة) أو "أفضل ممارسات الصناعة البترولية العالمية" (عقد الحلفاية)، كالتزام تكنولوجي وتنظيمي واقتصادي وبيئي وغيره لمقاولي العقدين عند تنفيذهما العمليات النفطية بموجب أحكام هذين العقدين. جرى في المادة (1/9) من عقد الرميلة (وكذلك الأمر في المادة 1/7 من عقد الحلفاية وإن اختلفت صياغته اللغوية)، تعريف مفهوم أفضل الممارسات الدولية على النحو الآتي: "تعني جميع تلك الاستخدامات والممارسات المتعارف عليها والمقبولة عموما خلال فترة سريان العقد، بما يتعلق بصناعة النفط الدولية بوصفها جيدة وآمنة واقتصادية وصحية بيئيا وفعالة في التنقيب عن النفط وتطويره وإنتاجه ومعالجته ونقله...". في التطبيق العملي لهدف "الاستغلال الأفضل" للثروة النفطية بموجب العقود المبرمة في جولتي التراخيص النفطية الأولى والثانية منذ عام 2009 ولغاية الوقت الحاضر، لم يستطع الطرف العراقي في العقد النفطي الوصول إلى تحقيقه، لا من جانب مستويات التكاليف والعوائد ولا من جانب المؤشرات البيئية في مناطق الاستخراج النفطي المشمولة بالعقود المبرمة (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، شبكة الاقتصاديين العراقيين، في 20 أيلول 2017). أما بشأن معيار تحقيق أعلى منفعة للشعب العراقي، فليس من المنطقي مطالبة الشركة للمقاول الرئيسي في العقد النفطي بضمانه، لأنها شركات تجارية أجنبية تسعى دائما لتعظيم منافعها، وفي كثير من الأحيان على حساب منافع شركائها في العمل والشعوب والمجتمعات المحلية في بلدان ومناطق الاستخراج النفطي. نشير هنا، إلى أن قرار المحكمة قد عدّ المادة (3) من قانون الشركة بعدم الدستورية: "... وذلك لأن المهام التي حملتها أهدافها تتعارض مع أحكام المادة (112) بفقرتيها (أولا) و(ثانيا) والمادة (114) من الدستور ذلك أن المهام التي ذكرتها المادة (3) من قانون الشركة يلزم أن تكون من الحكومة الاتحادية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة". 
    ينص قانون الشركة، على التزامها بالسياسة النفطية للدولة (المادة 10/أولا)، وأن تمارس جميع الصلاحيات والحقوق المخولة لها بموجب التشريعات وبما يتفق مع السياسة النفطية للدولة (المادة 8/أولا/13)، والتي عدّها قرار المحكمة في فقرته (5) بعدم الدستورية، لأن غالبية المهام التي تتضمنها هذه المادة من قانون الشركة "... هي من اختصاصات الحكومة الاتحادية مع الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط معا...). عند تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة، لا تستطيع الشركة الإيفاء بالتزامها تجاه تحقيق السياسة النفطية للدولة أو ممارسة صلاحياتها وحقوقها بما يتفق مع هذه السياسة، بسبب عدم وجود وثيقة رسمية جرى فيها تقرير وإعلان شخوص ومضمون واتجاهات السياسة النفطية للدولة. في مفاصل الإدارة الإستراتيجية لتطوير نشاط منظمات الأعمال الكبيرة كشركات الاستخراج النفطي الوطنية والدولية، وكذلك تطوير نشاط القطاعات الاقتصادية كقطاع الاستخراج النفطي، يتوسط مفصل السياسة الإستراتيجية (أو السياسة النفطية للدولة في بحثنا) مفصل التوجه الإستراتيجي ومفصل التخطيط الإستراتيجي لإدارة تطوير النشاط المعني. تأخذ السياسة النفطية للدولة شكل منظومة أهداف وإجراءات تنظيمية وقانونية واقتصادية واجتماعية وبيئية مختلفة، وتمتلك مكونات هذه المنظومة صلات وظيفية وتغذية عكسية Feedback فيما بينها. وبما أن رسم السياسة النفطية هي نشاط يمارسه شخصان تنظيميان أو أكثر، فهي، إذن، بحاجة إلى إدارة Management. ومع الأخذ بعين الاعتبار مضمون السياسة النفطية المتمثل في تبني قواعد وتحقيق نشاط على وفق هذه القواعد، فإن مساري إدارة السياسة النفطية سيكونان: مسار تكوين السياسة النفطية ومسار تنفيذ هذه السياسة. يتجلى مضمون السياسة النفطية للدولة من خلال وعبر نشاط الشخوص التنظيمية والمجموعات والأطراف التي تمتلك أهداف أو مصالح أو حقوق في دائرة النشاط النفطي، لأن وجود هذه الشخوص والمجموعات والأطراف هو الذي سيقرر (أنظر تفصيل رسم السياسة الإستراتيجية لإدارة التطوير في: الكعبي، 2017: 301-312؛ وكذلك تفصيل السياسة النفطية للحكومة الجديدة في: جياد، 10/10/2018): 
    -صياغة مشكلات دائرة النشاط النفطي تبعا لوجهات نظرهم القيمية والسلوكية، ومكانتهم التنظيمية والوظيفية في هذا النشاط.
    -تحديد حقوق وقواعد وآليات وأدوات تعاملهم التنظيمي مع مشكلات دائرة النشاط النفطي تبعا لإمكاناتهم التنظيمية المتاحة، وتقييم نتائج نشاطهم الخاص فيها.
    -الكشف عن الغرض من تحقيق أهدافهم في دائرة النشاط النفطي.
    في سياق النقطة السابقة، لو افترضنا، على سبيل المثال، أن مسار تعامل الشركة التنظيمي مع العقود المبرمة سيكون تغيير نمط العقد النفطي من نمط "عقد خدمة" إلى نمط "عقد شراكة" أو نمط "عقد امتياز" أو نمط "الجهد الوطني المباشر"، فلن يكون بمستطاعها تحقيق ذلك، لأن قانون الشركة والدستور لا يوفران لها مرجعية قانونية أو دستورية لتكون الشخص التنظيمي الوحيد المقرر لتكوين وتنفيذ السياسة النفطية للدولة لثلاثة أسباب تنظيمية على الأقل: الأول، أن الشركة ترتبط تنظيميا بمجلس الوزراء (المادة 2/أولا)، وهذا الموقع التنظيمي للشركة لا يسمح لها برسم وتنفيذ السياسة النفطية للدولة؛ الثاني، أن مجلس إدارة الشركة لا يقرر الإستراتيجيات والسياسات النفطية وإنما يقترحها على وزارة النفط ومجلس الوزراء (المادة 8/أولا/5، التي عدّتها المحكمة المذكورة بعدم الدستورية)، الأمر الذي يفقد الشركة الاستقلالية التنظيمية في إقرار السياسة النفطية للدولة؛ الثالث، أن الشخوص المكلفة دستوريا بالرسم المشترك للسياسات الإستراتجية النفطية هي الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط وليس الشركة (المادة 112/ثانيا من الدستور). فضلا عن ذلك، ربما يمكن للمقاول الرئيسي في العقود المبرمة، عند مواجهته التعامل التنظيمي للشركة معها، الإدعاء بأن وثيقة أحكام "العقد المبرم" هي الوثيقة الوحيدة المقررة لشخوص ومضمون واتجاهات السياسة النفطية للدولة العراقية، الموجودة والفاعلة منذ إبرامها عام 2009 ولغاية الوقت الحاضر! 
    ثالثا. مرجعية العقد النفطي (لأغراض هذا البحث، نستخدم أحكام عقد حقل الرميلة النفطي من عقود جولة التراخيص الأولى، وعقد حقل الحلفاية النفطي من عقود الجولة الثانية): في تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة، يمكن للشركة أن تستخدم أحكام قانونها بمثابة مرجعية قانونية لهذا التعامل، على الرغم من أن تاريخ إصدار ونفاذ أحكام قانون الشركة (2018) جاءت بعد تاريخ توقيع العقود النفطية ونفاذ أحكامها في عام 2009. وبما أن العقد هو شريعة المتعاقدين، عندها تستطيع الشركة استخدام مرجعية قانونها لتحقيق تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة بأثر رجعي لوجود أحكام في العقود تجيز ذلك. في عقد حقل الرميلة النفطي، يوجد حكم عقدي يوفر إمكانية استخدام قانون الشركة لتحقيق تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة وعلى النحو الآتي: "يجب أن يكون المقاول والمشغل ملتزمين، من جميع النواحي، بأحكام القانون، وأن يتقيدا بها..." (المادة 29، الفقرة 1 من عقد حقل الرميلة النفطي). والأمر نفسه في المادة (29، الفقرة 1) أيضا من عقد حقل الحلفاية النفطي. في عقد حقل الرميلة، وبموجب (المادة 1، الفقرة 46) منه، يعرّف مصطلح "القانون" الوارد في المادة (29، الفقرة 1) منه على النحو الآتي: "القانون يعني أي دستور أو قانون أو مرسوم أو قرار أو نظام أساسي أو قانون وضعي أو قاعدة أو توجيه أو أمر أو معاهدة أو مدونة أو تشريع، أو إيعاز من المحكمة أو حكم نهائي غير قابل للاستئناف، كما يتم اعتماده أو سنّه أو إصداره أو إعلانه أو إقراره من قبل حكومة العراق أو، ما لم ينص عليه خلاف ذلك في هذا العقد، كما يتم تعديله أو إلغاءه من وقت لآخر". بينما جاء تعريف مصطلح "القانون" الوارد في المادة (29، الفقرة 1) من عقد حقل الحلفاية النفطي، مختصرا على النحو الآتي (المادة 1، الفقرة 46) منه: "القانون يعني القوانين أو الأنظمة والتعليمات العراقية التي قد يتم تغييرها (تعديلها) من حين لآخر". ومع ذلك، توجد أحكام كثيرة في العقود المبرمة تضع قيودا تنظيمية صارمة أمام محاولة الشركة التعامل التنظيمي معها، منها انتفاء صفة سيادية العقود النفطية، وعدم الإضرار بالمصالح المالية للمقاول النفطي، كما سيرد توضيحه لاحقها في هذا البحث.
    رابعا. مرجعية خطة التنمية الوطنية 2018-2022: تضمنت هذه الخطة الإشارة إلى المشكلة الآتية في العقود المبرمة، من دون تحديد الشخص التنظيمي والكيفية التنظيمية للتعامل معها: "انخفاض صافي الإيرادات النفطية في ظل تذبذب أسعار النفط مع بقاء كلف الإنتاج بنفس مستوياتها" (خطة التنمية الوطنية، 2018: 151).
    خامسا. مرجعية المنهاج الوزاري 2018-2022: في الوقت الذي لم يتضمن المنهاج الوزاري للسنوات الأربع القادمة أي حكم تنظيمي للتعامل مع العقود المبرمة، إلا أنه قد أناط بوزارة النفط الاتحادية، كشخص تنظيمي، مهمة إدارة عمليات تطوير الصناعة النفطية الوطنية، وإيقاف تنفيذ قانون الشركة واستبعادها لحين إزالة بعض ثغراته (المنهاج الوزاري، 2018: 17).
    سادسا. مرجعية مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي: لغاية الوقت الحاضر، تم إعداد ونشر ثلاثة مشروعات لقانون تمت تسميته فيها باسم "قانون النفط والغاز الاتحادي": الأول عام 2007 من قبل مجلس الوزراء، الثاني عام 2011 من قبل مجلس الوزراء أيضا، والثالث عام 2011 أيضا من قبل لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب. في حالة تشريع هذا القانون، ونأمل أن تتضمن أحكامه تقرير شخوص ومضمون واتجاهات السياسة النفطية للدولة، بما فيها نمط العقود النفطية المختارة لإدارة تطوير واستغلال ثروة النفط والغاز، سيكون بمقدور الشركة عندها استخدامه بمثابة مرجعية قانونية إضافية وافية لتعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة. 
    القسم الثاني. مفردات الكيفية التنظيمية لتعامل الشركة مع العقود المبرمة:
    أولا. مسارات التعامل التنظيمي للشركة مع العقود المبرمة:
       في قانون الشركة، جرى تقرير تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة بثلاثة مسارات مختلفة: مسار إدارة العقود، ومسار مراجعة العقود، ومسار تعديل العقود. من وجهة نظر علم إدارة الأعمال، إن كل مسار من هذه المسارات الثلاثة يعدّ مفهوما Concept تنظيميا مستقلا بذاته، ولكن في إطار منهجية واحدة تجمع هذه المسارات وهي منهجية التعامل مع عمليات صناعة واتخاذ وتنفيذ القرارات الإدارية/التنظيمية المختلفة، والتي هي موضوعات علم الإدارة. في الوقت نفسه، يعدّ مفهوم "الإدارة" هو الأصل في تحقيق المفهومين الثاني "المراجعة" والثالث "التعديل" باعتبارهما نتاجا لعملية الإدارة نفسها، لأن العمل الإداري في جوهره يتمحور حول أنشطة عمليات صناعة واتخاذ وتنفيذ القرار الإداري. بكلمات أخرى، يعدّ المسار الثاني والمسار الثالث مجرد قرارين تم اتخاذهما في العملية الإدارية (المسار الأول). في هذا البحث، سنستبعد مسار مراجعة العقود المبرمة من التحليل لأن هذا المسار ستستخدمه الشركة لتشخيص حالة موضوعات القرار الإداري، ولا يتضمن بحد ذاته أية قرارات إدارية/تنظيمية يمكن اتخاذها بشأن تعامل الشركة التنظيمي مع العقود المبرمة، على خلاف الحال في المسارين الأول والثالث حيث يتطلب الأمر اتخاذ القرارات المختلفة.  
       يطلب قانون الشركة منها "إدارة عقود الخدمة التي تم إبرامها...". ومن أجل تحقيق هذا المسار لتعامل الشركة التنظيمي مع العقود المبرمة، يتطلب الأمر هنا التحديد الدقيق لمفهوم "الإدارة". ينتظم العمل الإداري في هيئة منظومة System، متكونة من العناصر الثلاثة الآتية: شخص الإدارة (متخذ القرار الإداري)، وموضوع الإدارة (ميدان فعل القرار الإداري)، والعلاقات الناشئة بين شخوص الإدارة أنفسهم وعلاقتهم بموضوعاتها بموجب القرار الإداري المتخذ. تأخذ العملية الإدارية إما شكل وظيفة إدارية أساسية تتخذ فيها القرارات (كالتخطيط والتنظيم والتوجيه والقيادة والرقابة)، أو شكل وظيفة إدارية مشتقة لا تتخذ فيها القرارات (كالتنسيق والإشراف والمراقبة والمتابعة وغيرها)، أو شكل عمليات الأعمال (كالإنتاج والمالية والأفراد والتسويق والتطوير وغيرها). وعلى هذا الأساس النظري، يفترض بالشركة تبني مسار إدارة العقود المبرمة بمثابة منظومة متكاملة، بمعنى تحديدها الدقيق والواضح لشخوص وموضوعات وعلاقات تعاملها التنظيمي مع العقود المبرمة، فضلا عن سعيها الجاد والدائم لضمان كفاءة وفاعلية عمليات اتخاذ وتنفيذ قراراتها الإدارية بشأن هذا التعامل، ومنها القرارات الإستراتيجية والعملياتية والوظيفية وغيرها. 
       سيواجه التعامل التنظيمي للشركة مع العقود المبرمة في مساره الأول (الإدارة) عددا كبيرا من المشكلات التنظيمية غير القابلة على الحل، كما نعتقد، سواء من جانب أحكام العقد النفطي المبرم أم من جانب أحكام قانونها ذاته، يأتي في مقدمتها المشكلتين الأساسيتين الآتيتين:
    المشكلة الأولى: يتوفر العقد النفطي على منظومة متكاملة لإدارة تنفيذ أحكامه، وأن أمر استحداث منظومة جديدة لإدارته يتطلب التبرير التنظيمي من قبل الطرف العراقي في العقد وموافقة الطرف الأجنبي فيه. على سبيل المثال، جاء في المادة (32/ الفقرة 2) من عقد الرميلة ما نصه: "لا يجوز تعديل هذا العقد أو إدخال إضافات إليه إلا بواسطة اتفاقية خطية موقع من قبل ممثلين عن الطرفين مخولين حسب الأصول". والأمر نفسه في المادة (32/ الفقرة 2) أيضا من عقد الحلفاية: "لن يتم تعديل هذا العقد أو الإضافة إليه إلا بمستند تحريري موقع من قبل ممثلي كلا الطرفين المخولين حسب الأصول والمعينين لأغراضه".
    المشكلة الثانية: لا يتوفر قانون الشركة على أحكام تجيز للشركة أن تكون الشخص التنظيمي المقرر لسياسات وإستراتيجيات التعامل التنظيمي مع العقود المبرمة، لأن الشخص المؤسساتي الوحيد المقرر لها في القانون هو مجلس الوزراء (المادة 8/أولا/5، التي عدّها قرار المحكمة بعدم الدستورية)، وأن الشركة تقع في تبعية تنظيمية لهذا المجلس (المادة 2/أولا)، ويواجه مجلس إدارة الشركة تحدي احتمال معارضة وزير النفط لقراراته وسيكون قرار مجلس الوزراء بهذا الشأن ملزما لمجلس إدارة الشركة (المادة 10/ثانيا). 
       أما بشأن المسار الثالث (التعديل) لتعامل الشركة التنظيمي مع العقود المبرمة، فهو الآخر محكوم بأحكام العقد النفطي وأحكام قانون الشركة (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، شبكة الاقتصاديين العراقيين، في 10/4/2018). وعلى الرغم من فشل الحكومة الاتحادية ووزارة النفط في تعديل العقود المبرمة، استنادا إلى التزامهما في قانوني الموازنة الاتحادية، إلا أن المشكلة التنظيمية الرئيسة هنا، التي ستواجه الشركة، تتعلق بإمكانية التعديل من عدمها، إذ أن أحكام العقود المبرمة لا تتضمن مادة خاصة بالتعديل، باستثناء ما نصت عليه الفقرة (5) من المادة (12) لعقدي حقل الرميلة وحقل الحلفاية مثلا، والخاصة بإعادة النظر في المستوى المقترح أو المستهدف للإنتاج من قبل الحكومة، وذلك بالطلب من المقاول والمشغل زيادة أو خفض معدل الإنتاج من منطقة العقد لأسباب ليس من بينها تأمين موارد مالية إضافية للموازنات الاتحادية. وعلى الرغم من أن المادة (12) في العقدين تجيز تعديل معدل الإنتاج زيادة أو خفضا، إلا أن البند (ه) منها والقائل: "لتقليص مفروض من الحكومة"، يفرض على الحكومة دفع أثمان تنظيمية كبيرة لتحقيق هذا التقليص.
       فضلا عن ذلك، تضمنت بنود العقود المبرمة أحكام لا تجيز تعديل لها يلحق الضرر بالمصالح المالية لمقاول العقد النفطي. جاء في المادة (29 الفقرة 4) من عقد الرميلة ما نصه: "...وبعد تاريخ النفاذ، إذا كانت المصالح المالية للمقاول تتأثر سلبا وبدرجة كبيرة بأي تغيير على القانون كان ساري المفعول في تاريخ النفاذ، أو بإلغاء أو تعديل...يجب على الطرفين...الموافقة على تعديلات ضرورية على الأحكام ذات العلاقة في هذا العقد للحفاظ على مصالح المقاول المالية بموجب هذا العقد بدون تغيير إلى حد معقول". والأمر ذاته تقريبا في المادة (29 الفقرة 4) أيضا من عقد الحلفاية، ولكن بوضوح تنظيمي كبير: "بعد تاريخ النفاذ، إذا تأثرت الحصص المالية للمقاول بشكل سلبي وكبير بتغيير في القانون الذي كان نافذا في جمهورية العراق بتاريخ النفاذ، أو بإلغاء أو تعديل...فعلى الطرفين...الاتفاق على التعديلات اللازمة للأحكام ذات الصلة في هذا العقد لغرض استعادة المصالح المالية للمقاول...إلى وضعها السابق كما كانت مباشرة قبل وقوع التغيير...أو التعديل...". وكمثال عن ذلك، عندما قرر الطرف الحكومي المشارك في عقد حقل الرميلة (شركة نفط الجنوب) تخفيض مستويات الإنتاج (بسبب ظروف عدم التأكد العالية في سوق النفط الدولية في عام 2014)، جرت عملية تنظيمية كبيرة لتعديل العقد النفطي باتجاه تخفيض حصة الشريك الحكومي (شركة تسويق النفط العراقية) من 25% إلى 5%، وإلغاء "معامل الاسترداد R. Factor" في احتساب أجور ربحية الشركات الأجنبية، وتعليق تطبيق "معامل الأداء Performance Factor"، وزيادة مدة العقد خمس سنوات أخرى. والأمر نفسه حصل في عقد حقل الحلفاية النفطي.
       ليس من الواضح أيضا، من الالتزام الرسمي المذكور في قانوني الموازنة الاتحادية وقانون الشركة، ماهية بنود العقود المبرمة المراد تعديلها بما يحفظ مصلحة العراق الاقتصادية. ولكن إذا افترضنا أن الشركة طلبت من المقاول تعديل بنود مواد العقود المتعلقة بالهيكل التنظيمي لإدارة العقد النفطي، لضمان سيطرة تنظيمية وطنية حقيقية على إدارة العمليات النفطية لممثلي الطرف الحكومي في العقود، ومنها عمليات إدارة تكوين واحتساب تكاليف العمليات النفطية مثلا، وأن المقاول رفض الطلب، عندها ستذهب أطراف العقد النفطي لحقل الرميلة إلى أحكام المادة (37) منه "القانون واجب التطبيق وتسوية النزاعات والتحكيم"، وأظن أن الطرف العراقي سيخسر التحكيم، لأن إدارة العقد تنبع من أحكامه وليس بما ترغب أطرافه أن يكون عليه بعد إبرامه وتنفيذه، إذ تشير المادة المذكورة من عقد حقل الرميلة إلى "...أن الحقوق والالتزامات بموجب هذا العقد تشكل حقوقا أو التزامات تجارية أكثر منها سيادية، وبالتالي لا يحق لأي طرف المطالبة، وبموجب هذا العقد التنازل عن أي حصانة من الإجراءات القانونية أو تنفيذ الحكم بهذا الشأن"؛ أو الذهاب إلى أحكام المادة (8) منه "إنهاء العقد" لفض الخلاف، ولا أظن أيضا أن يذهب الطرف العراقي إلى هذا الخيار التنظيمي، لأنه ليس هناك من مصلحة اقتصادية للعراق في إنهاء العقود المبرمة في الوقت الحالي أو في المدى المنظور. طبعا، يمكن للطرف العراقي التفاوض مع المقاول الرئيسي للعقد حول ترشيد المقدار الكمي للنفقات وتحسين طريقة استرداد تكاليف العمليات النفطية، ولكن الأمر التنظيمي الأساسي هنا يكمن في إمكانية وقدرة ورغبة طرفي العقد النفطي على الاعتراف ووضع مشكلة الخلل في منهجية تكوين واحتساب التكاليف النفطية على طاولة التفاوض، وبما لا يخل بتنفيذ العمليات النفطية الجارية بموجب أحكامه، كما سيجري توضيحه بعد قليل.
       أما معيار "ضمان مصلحة الشعب العراقي" في تحقيق مساري إدارة وتعديل العقود المبرمة، الوارد في قانون الشركة (المادة 4/رابعا)، فيندرج جزئيا ضمن المعيار الدستوري، الذي جاءت به المادة (112/ثانيا) حول رسم السياسات الإستراتيجية لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق "أعلى منفعة للشعب العراقي"، لأن المعيار الدستوري (المنفعة) أكثر سعة وعمقا من المعيار الذي تقترحه قوانين الموازنات الاتحادية وقانون الشركة ومشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي، والمتمثل في العائد الاقتصادي (إيرادات تصدير النفط الخام). على سبيل المثال، أفضت أنماط العقود النفطية المختلفة (عقود الامتياز، عقود المساعدة الفنية، العقود المبرمة) في جميع أنظمة إدارة الموارد النفطية في العراق إلى إنتاج "الريع النفطي"، وهو العائد الاقتصادي الوطني الذي لم يحقق المنفعة الأعلى للشعب العراقي على مدى عقود طويلة من الزمن ولغاية وقتنا الحاضر. فضلا عن ذلك، يمكن أن يقاس ويقيّم المعيار الدستوري للمنفعة المعنية بمؤشرات اقتصادية وتنظيمية وتكنولوجية واجتماعية وغيرها كثيرة ومتنوعة، منها مثلا عدم الإضرار التكنولوجي بالمكامن النفطية، وعدم تلويث البيئة في مناطق الاستخراج النفطي، وإشراك الحكومات المحلية للأقاليم والمحافظات المنتجة بإدارة العمليات النفطية في مناطقها، وإدماج الاقتصادات المحلية لمناطق الاستخراج بالأنشطة الاقتصادية والتكنولوجية للعمليات النفطية، وغيرها. في هذا السياق، يمكن القول أن العقود المبرمة ليس فقط لا تحقق معيار أعلى منفعة للشعب العراقي من عمليات تطوير واستغلال موارده النفطية، ولكنها أيضا لا تحقق له "أقصى عائد وطني اقتصادي"، لأن منهجية تكوين واحتساب تكاليف العمليات النفطية في العقود تفضي إلى تشويه هيكل تكاليف العمليات النفطية وارتفاع كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط المستخرج، وهو أمر يخفض بلا شك من العائد الاقتصادي الوطني. يمكن على سبيل المثال، كما نرى، التفريط بجزء من الريع النفطي المنتج مقابل الحصول مثلا على منافع نقل التكنولوجيا والخبرة التنظيمية العالية التي تمتلكها شركات النفط الدولية المتعاقدة، أو استخدام العمليات النفطية المختلفة في تطوير الاقتصادات المحلية لمناطق الاستخراج النفطي الجارية فيها وغيرها.  
    ثانيا. موضوعات التعامل التنظيمي للشركة مع العقود المبرمة:
       من الناحية النظرية وحسب أحكام قانونها، يمكن للشركة أن تتعامل تنظيميا مع جميع مواد العقد النفطي المبرم (عددها 43 مادة) وملاحقه (عددها 6 ملاحق) واتفاقياته الملحقة (عددها 4 اتفاقيات ملحقة) في كل من عقدي حقل الرميلة النفطي وحقل الحلفاية النفطي، بوصفها موضوعات للإدارة والمراجعة والتعديل. وبما أن قانون الشركة لم يحدد موضوعات تعاملها التنظيمي المحتمل مع أحكام العقود المبرمة الواجب تعديلها، ولأغراض هذا البحث، سنقصر الحديث بإيجاز شديد عن موضوعة الهيكل التنظيمي لإدارة العمليات النفطية وآليات اتخاذ القرارات فيه، وموضوعة إدارة تكوين واحتساب تكاليف العمليات النفطية في العقدين المذكورين.
    1. التعامل التنظيمي للشركة مع موضوعة الهيكل التنظيمي لإدارة العمليات النفطية:
       تمارس الشخوص التنظيمية لعقدي الرميلة والحلفاية أدوارها التنظيمية ووظائفها الإدارية من خلال مواقعها في الهيكل التنظيمي لإدارة العقد النفطي، المتكوّن من تقسيمات تنظيمية مختلفة: اثنان لحقل الرميلة هما "قسم تشغيل الحقل"، و"لجنة الإدارة المشتركة"، وثلاثة لحقل الحلفاية هي "شركة التشغيل المشتركة"، و"لجنة الإدارة المشتركة"، و"مجلس الإدارة" (لمزيد من التفاصيل، أنظر: الكعبي، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 3/9/2018).
       يتكون هيكل أعضاء "لجنة الإدارة المشتركة" في عقد الرميلة من مجموعة أفراد عددهم 10 ممثلين لمصالح طرفي العقد بواقع 5 أفراد لكل طرف، يحق لشركة نفط الجنوب/أو شركة نفط البصرة في قانون الشركة تسمية رئيس اللجنة، ويحق للمقاول الرئيسي في العقد تسمية نائب رئيس وأمين سر اللجنة، ويجوز للجنة الإدارة المشتركة تعيين "لجان فرعية"، ستندرج ضمن هيكلها التنظيمي القائم. والأمر نفسه في عقد الحلفاية ولكن بواقع 8 أعضاء في "مجلس الإدارة". في هذا السياق، يثير توزيع عدد أعضاء لجنة الإدارة المشتركة في عقد الرميلة بين طرفي العقد بالتساوي مسألة تنظيمية مهمة، تتعلق بإمكانية تمثيل "الشريك الحكومي" ضمن حصة "المقاول" من عدد أعضاء هذه اللجنة. حسب أحكام عقد الرميلة، يمتلك الشريك الحكومي (شركة تسويق النفط الوطنية) حصة مقدارها 25% من مقدار حصص العقد (قبل تعديل هذه الحصة لتبلغ الآن 5%). هذا الأمر يعني أن للشريك الحكومي الحق بالتمثيل بعضو واحد ضمن حصة المقاول البالغة 5 أعضاء في اللجنة المذكورة. وعلى هذا الأساس تصبح حصة الحكومة العراقية 6 أعضاء بدلا من 5، وحصة الشركات النفطية الأجنبية 4 بدلا من 5 في لجنة الإدارة المشتركة للعمليات النفطية. والأمر نفسه مع الشريك الحكومي في "مجلس الإدارة" لعقد الحلفاية (شركة نفط الجنوب/شركة نفط البصرة في قانون الشركة): حصة الحكومة العراقية 5 أعضاء وحصة الشركات الأجنبية 3 أعضاء.
       ولكن، من جانب آخر، تؤدي الشخوص التنظيمية وظائفها وأدوارها في إدارة العمليات النفطية ليس فقط على وفق ما مرسوم لها في أحكام العقود النفطية، وإنما أيضا على وفق تخصصها الوظيفي في الصناعة النفطية. وبما أن شركات النفط الأجنبية واسعة التخصص الوظيفي، ويغطي نشاطها جميع حلقات السلسلة التنظيمية/التكنولوجية لصناعة النفط، فإنها، لهذا السبب، ستكتسب سيطرة تنظيمية فعلية قوية في إدارة النشاط، مقارنة بالسيطرة التنظيمية الفعلية الضعيفة التي يشغلها الشريك الحكومي (المتصف بضيق التخصص الوظيفي) في العقود المبرمة. 
       تضمنت أحكام عقدي الرميلة والحلفاية آليات تنظيمية محددة لاتخاذ القرارات في هياكلها التنظيمية، منها آلية "الإجماع" عند تصويت أعضاء "لجنة الإدارة المشتركة" أو "مجلس الإدارة" أو بدائلهم الحاضرين الاجتماع أو بالتفويض، في حالة حصول النصاب القانوني للاجتماع (المادة 13/3 في عقد الرميلة، والمادة 13/3 أيضا في عقد الحلفاية). لا تقترح "لجنة الإدارة المشتركة" أو "مجلس الإدارة" بنفسها جدول أعمال اجتماعاتها، وإنما يوضع جدول الأعمال من قبل "مقاول" العقد النفطي من خلال "المشغل". يقوم مقاول العقد النفطي ومن خلال "قسم تشغيل الحقل"، بإعداد جدول الأعمال والوثائق الضرورية وتبليغ أعضاء "لجنة الإدارة المشتركة" و"مجلس الإدارة" بها قبل تاريخ الاجتماع. وعلى الرغم من الطابع الفني للمهام والسلطات المكلفة بها "لجنة الإدارة المشتركة" و"مجلس الإدارة" في العقدين، إلا أن القرارات المتعلقة بها يجري إعدادها من قبل المقاول نفسه وتمرر في الاجتماع من خلال "قسم تشغيل الحقل"، وما على أعضاء "لجنة الإدارة المشتركة" و"مجلس الإدارة" إلا مراجعتها فنيا والتوصية بشأنها، وكأن المراجعة الفنية والتوصيات ترقى إلى مصاف القرارات الإدارية الملزّمة التي يتخذها المقاول بنفسه، المتعلقة بخطط وبرامج عمل وموازنات العمليات النفطية الجارية بموجب العقد المبرم. فضلا عن ذلك، توجد آلية تنظيمية أخرى لاتخاذ القرارات داخل "لجنة الإدارة المشتركة" و"مجلس الإدارة"، يتم اللجوء إليها في حال عدم قدرة هذه التقسيمات التنظيمية على اتخاذ قرار بالإجماع في أي مسألة مطروحة بجدول أعمال الاجتماع، عندها تحال المسألة على الفور إلى "الإدارات العليا" لطرفي العقد لاتخاذ قرار بشأنها.
       وعلى ضوء ما تقدم، تصبح خيارات التعامل التنظيمي للشركة مع الهيكل التنظيمي لإدارة العقود المبرمة محدودة وشكلية وهامشية في أفضل الفروض:
    ربما ستحل الشركة محل شركة نفط الجنوب في عقد حقل الرميلة ومحل شركة نفط ميسان في عقد الحلفاية، كطرف أول إلى جانب ائتلاف شركات المقاول النفطي كطرف ثان في العقد النفطي. هذا الإحلال التنظيمي لا يغير شيئا من شكل وطبيعة عمل الهيكل التنظيمي لإدارة العقدين وآليات اتخاذ القرارات فيهما.
    يمكن للشركة أن تلغي الدور التنظيمي لشخص "الشريك الحكومي" في العقد النفطي، لعدم فاعليته التنظيمية في إدارة العقود المبرمة حسب رأي الكثير من الخبراء. بيد أن هذا الإلغاء سيحرم الشركة من الحصول على 5% (بعد تعديل العقود المبرمة) كحصة للشريك الحكومي في مؤشرات نشاط مقاول العقد النفطي، ومنها مؤشر الأرباح مثلا.
    ربما ترى الشركة في استبدال آلية التصويت بالإجماع في اجتماعات تقسيمات الهيكل التنظيمي المعنية لإدارة العقود المبرمة بآليات تصويت أخرى مثلا آلية الأكثرية المطلقة، أو آلية الأكثرية النسبية، بأنه كفيل بتغيير الميزان التنظيمي لصالحها. بيد أن هذا الاستبدال سوف لن يغير من طبيعة السيطرة التنظيمية الطاغية للمقاول الرئيسي في العقد النفطي: سيطرته التنظيمية الرسمية (حسب أحكام العقد النفطي)، وسيطرته التنظيمية الفعلية (حسب الخبرة المهنية والتخصص الوظيفي) على إعداد جدول الاجتماعات وصياغة القرارات (وتمويل هذه الاجتماعات أيضا، ولكن بعدّها تكاليف نفطية مستردة، كما تنص على ذلك المادة 13/6 من عقد حقل الرميلة، والمادة نفسها في عقد الحلفاية).
    يمكن للشركة التنازل عن حقها القانوني في أن تكون "الطرف الأول" في العقد النفطي المبرم لصالح حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط (تطبيقا لقرارات المحكمة الاتحادية العليا مثلا)، و/أو أن تتنازل شركاتها المملوكة (شركة تسويق النفط الوطنية في عقد حقل الرميلة، وشركة نفط الجنوب في عقد الحلفاية) عن حقها التنظيمي في أن تكون "الشريك الحكومي" في العقد النفطي المبرم لصالح شركات نفط الأقاليم والمحافظات المنتجة بعد تأسيسها. لا يمكننا الجزم بإمكانية تحقيق هذا الخيار التنظيمي، لأن هذا الأمر يتطلب أولا، القبول من الطرف الثاني في العقد (ائتلاف شركات المقاول النفطي الأجنبية)؛ وثانيا، استعداد وقبول الشركة وشركاتها المملوكة للتنازل عن حقوقها القانونية ومواقعها التنظيمية في إدارة العقود المبرمة لصالح حكومات وشركات نفط الأقاليم والمحافظات المنتجة.
    2. التعامل التنظيمي للشركة مع موضوعة إدارة تكوين واحتساب تكاليف العمليات النفطية:
       لم تطفو موضوعة إدارة تكاليف العمليات النفطية إلى سطح العلاقات التنظيمية بين الحكومة العراقية ووزارة النفط الاتحادية والشركات النفطية الدولية صاحبة عقود جولات التراخيص الأولى والثانية المبرمة في عام 2009، إلا بعد الانخفاض الكبير لأسعار النفط الخام في السوق النفطية الدولية عام 2014. لقد تم إدراج موضوعة "تخفيض النفقات وإيجاد آلية لاسترداد التكاليف بحيث تتلاءم مع أسعار النفط" في الموازنة الاتحادية لعامي 2016 و2017، وكذلك في خطة التنمية الوطنية 2018-2022 "انخفاض صافي الإيرادات النفطية في ظل تذبذب أسعار النفط مع بقاء كلف الإنتاج بنفس مستوياتها"، ولكن هذه الموضوعة لم تدرج في المنهاج الوزاري 2018-2022 للحكومة الجديدة التي جرى تشكيلها عام 2018، كما ذكرنا في بداية هذا البحث.
       جرى توصيف موضوعة تكاليف العمليات النفطية، في الموازنات الاتحادية بغرض تعامل الحكومة الاتحادية ووزارة النفط معها، بمؤشرين واضحين: مؤشر مستوى التكاليف النفطية، ومؤشر آلية استرداد التكاليف النفطية. ومع أن الحكومة الاتحادية ووزارة النفط لم تقدما أية مبررات لنشوء هذين المؤشرين، إلا أنهما قررا الكيفية التنظيمية للتعامل معهما: للأول التخفيض، وللثاني إيجاد آلية أخرى لاسترداد التكاليف مغايرة للموجودة في العقود المبرمة. بالمقابل، جرى توصيف موضوعة تكاليف العمليات النفطية في خطة التنمية الوطنية المذكورة بمؤشر واحد فقط: عدم تغير مستوى التكاليف، ولكنها ترى أن التعامل التنظيمي مع هذا المؤشر، بغرض حل مشكلة "انخفاض صافي الإيرادات النفطية"، سيكون من خلال ربط مستوى التكاليف بتذبذبات أسعار النفط في السوق الدولية، بمعنى تخفيض التكاليف عندما تنخفض أسعار النفط، وزيادة التكاليف عندما تزداد أسعار النفط، ولم تشرّ الخطة إلى الكيفية التنظيمية التي يمكن بموجبها تحقيق هذا الأمر!
       في التوصيفين أعلاه لموضوعة التكاليف النفطية، لا تتضمن أحكام العقود المبرمة أي حكم يربط بين مستوى التكاليف ومستوى أسعار النفط في السوق الدولية، ولكن بالمقابل، وجدت أحكام فيها تؤشر منهجية تكوين واحتساب واسترداد التكاليف النفطية. لا يمكننا التكهن بمدى استطاعة الشركة تعديل العقود المبرمة باتجاه ربط مستوى التكاليف وطريقة استردادها بمستوى أسعار النفط في السوق الدولية، ولكننا في هذا البحث سنحاول تأشير ما نراه مناسبا من مواقف منهجية وعملية لتعامل الشركة التنظيمي مع موضوعة التكاليف في عقدي حقل الرميلة النفطي وحقل الحلفاية النفطي (لمزيد من التفاصيل، أنظر: الكعبي، 2017، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 20 أيلول).
    الموقف من إمكانية احتساب تكاليف العمليات النفطية:
       اختلف موقف الخبراء العراقيين حول إمكانية احتساب التكاليف النفطية من عدمها في أحكام العقود المبرمة، إذ يرى البعض منهم أن أحكام العقود النفطية لا توفر هذه الإمكانية، بينما البعض الآخر يرى العكس، الأحكام توفر الإمكانية، ولكن مشكلة تحقيق هذه الإمكانية تكمن في: ضعف اللجان المشتركة في إدارة العقود المبرمة أمام المفاوض الأجنبي (الجواهري، 2016)، وعدم كفاءة وإهمال ممثلي الطرف العراقي في تقسيمات الهيكل التنظيمي لإدارة العقود المبرمة (العكيلي، 2016)، و"نوم" الشريك الحكومي في العقود المبرمة (العطار، 2016)، واستفحال ظاهرة الفساد والإفساد في العقود المبرمة بسبب الوضع السياسي المضطرب وحجم الأعمال النفطية الكبير (اللعيبي، 2016). نشير هنا، إلى صدور دراسة حديثة حول احتساب كلفة استخراج النفط للفترة 2009-2016 في شركة نفط البصرة، حيث قدر "متوسط الكلفة بما يعادل 4,7 دولار للبرميل الواحد، وإذا كان هامش الربح 20%، تصبح التكاليف النهائية لبرميل النفط الخام المنتج في الشركة هو 5,6 دولار في عام 2016" (عبد الرضا؛ سند، 2018: 137).   
       إذن، يتعذر على أي من الأطراف أو الشخوص أو التقسيمات التنظيمية احتساب تكاليف العمليات النفطية في العقود المبرمة؟ من الواضح أن الطرف العراقي هو من يتعذر عليه احتساب التكاليف لضعفه (و/أو إهماله ونومه) أمام الطرف الأجنبي في إدارة العقود النفطية. إن من يمثل الطرف الوطني في العقود النفطية هم: "الطرف الأول" في العقد (شركة نفط الجنوب في عقد الرميلة، وشركة نفط ميسان في عقد الحلفاية)، و"الشريك الحكومي" ضمن حصة الطرف الثاني في العقد (شركة تسويق النفط الوطنية في عقد الرميلة، وشركة نفط الجنوب في عقد الحلفاية)، وكذلك ممثلي الطرف الحكومي في جميع "التقسيمات التنظيمية" الآتية للهيكل التنظيمي لإدارة العقد النفطي: "قسم تشغيل الحقل" و"لجنة الإدارة المشتركة" في عقد الرميلة، و"شركة التشغيل المشتركة" و"لجنة الإدارة المشتركة" و"مجلس الإدارة" في عقد الحلفاية. لقد جرى تحديد "ضعفاء" إدارة العقود المبرمة، والرغبة في استبعاد مشاركتهم من إدارة العقود المبرمة والتفاوض مع شركات المقاول الأجنبية لتعديلها (باتجاه إحلال الكوادر القيادية العليا في الوزارة محلهم في عملية التفاوض، كما يرى أحد الخبراء المذكورين في أعلاه)، ولكن لم يجر تحدد طبيعة ضعفهم الإداري، وهذه الطبيعة، كما يؤكد علم الإدارة، تتجسد بعدم القدرة و/أو عدم الرغبة في صناعة واتخاذ وتنفيذ القرار الإداري المناسب. 
       في علم إدارة نشاط منظمات الأعمال كافة، يعزى الضعف الإداري للشخص أو التقسيم في الهيكل التنظيمي لإدارة النشاط عادة إلى عدم الدراية المهنية، وعدم امتلاك المعلومات اللازمة أو عدم إمكانية الوصول إليها، وضعف دافعية العمل وغيرها من الأسباب. لو أخذنا، على سبيل المثال، السببين الثاني (المعلومات) والثالث (الدافعية) من الأسباب التي يوردها علم الإدارة لتفسير الضعف الإداري، نرى أن الأحكام التنظيمية لإدارة العقد النفطي المبرم تسمح، وبدرجة عالية من المرونة التنظيمية، للطرف والشريك الحكوميين في العقد بامتلاك المعلومات اللازمة وحرية الوصول إليها. بيد أن هذه الأحكام لا توضح نوع وطبيعة المنهجيات الاقتصادية والتنظيمية والفنية، التي جرت بموجبها عمليات تكوين وتفسير واحتساب تكاليف العمليات النفطية، باستثناء ما نصت عليه بنود العقود وملاحقها المحاسبية من أن المقاول والمشغل يستند إلى "الإجراءات المحاسبية والمبادئ المحاسبية المتعارف عليها في الصناعة النفطية الدولية". ربما لا تسمح ضبابية المعلومات وصعوبة فهمها وتفسيرها واستخدامها بتكوين دافعية عمل ايجابية وقوية لممثلي الطرف والشريك الوطني في إدارة العقد النفطي، وهم، بسبب ذلك، لا يستطيعون المشاركة الفاعلة والايجابية في عمليات صناعة القرارات واتخاذها، الأمر الذي يجعل منهم طرفا وشريكا إداريا ضعيفا أو مهملا أو نائما!
    الموقف من منهجية تكوين واحتساب تكاليف وأرباح العمليات النفطية:
       من الناحية التنظيمية، لا تخضع عمليات تكوين واحتساب تكاليف وأرباح العمليات النفطية في العقود المبرمة للمنهجيات الاقتصادية التقليدية المعروفة في تكوينها واحتسابها، ولكن، بالمقابل، عندما تريد شركات النفط ذات العلاقة بهذه العقود منفردة كل على حدة أن تحتسب مؤشرات كلفها وأرباحها من العمليات النفطية لأغراضها التنظيمية والاقتصادية الداخلية، فإنها ستستخدم المنهجيات العامة التقليدية والمعروفة في احتساب تكاليف النشاط الاقتصادي والإنتاجي لها. وعلى الرغم من خضوع منهجية احتساب تكاليف وأرباح العمليات النفطية للغرض التنظيمي من هذا الاحتساب، إلا أن العقود المبرمة قد وفّرت منهجية استثنائية لهذا الغرض، تستند فقط إلى طبيعة أحكام المكوّن التنظيمي لهذه العقود (الحقوق، والقواعد، والآيات، والأدوات المؤسساتية لإدارة العقود المبرمة)، وليس استنادا إلى الطرائق المنهجية التقليدية المعروفة في الأنظمة الاقتصادية والمحاسبية المعاصرة، باستثناء ما أشارت إليه هذه العقود، من أنها تستند في تكوين واحتساب تكاليف العمليات النفطية إلى "الإجراءات المحاسبية والمبادئ المحاسبية المتعارف عليها في الصناعة النفطية الدولية" كما ذكرنا، من دون تعيينها وتوصيفها، وتدريب ممثلي الطرف والشريك الحكوميين على فهما واستيعابها واستخدامها في إدارة تكاليف العمليات النفطية المختلفة.      
       في حالة منهجية الاحتساب التقليدي لمؤشرات تكوين واحتساب التكاليف والأرباح من قبل جميع الشركات، بما فيها شركاتنا النفطية الوطنية وشركات ائتلاف المقاول الأجنبية في العقود المبرمة، فإن الغرض التنظيمي من التكوين والاحتساب سيكون قياس وتقييم كفاءة وفاعلية مؤشرات إدارة نشاطها من قبل الشخوص التي لها مصلحة بهذا النشاط، كالدولة (من جانب دفع ضريبة دخل الشركات)، والعاملون (مستوى الأجور)، وأصحاب رأس المال (تحقيق الأرباح)، والمقرضون (ضمان سداد الفائدة المصرفية وأقساط الديون) وغيرهم. إن منهجية الاحتساب التقليدي للكلفة والربح ستكون محكومة بالتنظيم القانوني للنشاط الاقتصادي للشركات في كل بلد على انفراد، على الرغم من وجود أساس علمي عالمي عام لذلك. أما في حالة منهجية الاحتساب الاستثنائي لمؤشرات تكوين واحتساب التكاليف والأرباح في العقود المبرمة، فإن الغرض التنظيمي منه هو كيفية استرداد المقاول النفطي لتكاليفه المتراكمة والمنفقة في العمليات النفطية، أما أرباحه فهي ثابتة معيار القياس، وهو مبلغ مقطوع عن كل برميل نفط منتج، وهذا المبلغ المقطوع لا يتأثر بمستوى تكاليف العمليات النفطية ولا بمستوى أسعار النفط في السوق الدولية، ولكن المقدار العام لأرباح المقاول سيتأثر بمستويات الإنتاج النفطي وضريبة دخل الشركات. 
       وبغرض إضاءة الفارق المنهجي والعملي في الوقت نفسه ما بين طريقتي الاحتساب التقليدي والاستثنائي للكلفة والربح في نشاط شركات النفط، نشير، على سبيل المثال وليس الحصر، إلى منهجية احتساب مؤشر "معدل الاندثار السنوي" للموجودات أو الأصول الرأسمالية ضمن تكاليف العمليات النفطية الجارية بموجب العقود المبرمة (أنظر تفصيل ذلك في: الكعبي، 2017: 197 – 216). في حالة منهجية الاحتساب التقليدي للكلفة والربح، لو افترضنا، إن إجمالي النفقات على تكوين الموجودات الرأسمالية في العقود المبرمة هو 47 مليار دولار (وهو رقم حقيقي مستقى من بيانات وزارة النفط العراقية للفترة 2010 - 2015)، وأن معدل الاندثار السنوي لهذه الموجودات هو 10%، فإن ما ينقل سنويا من قيمة الموجودات الرأسمالية إلى كلفة العمليات النفطية هو مبلغ مقداره 4,7 مليار دولار. هذا يعني، انتقال كامل قيمة النفقات الرأسمالية التي تم إنفاقها على تكوين الموجودات الرأسمالية إلى تكاليف استخراج النفط خلال 10 سنوات (بافتراض ثبات معدل اندثارها السنوي). بينما في حالة الاحتساب الاستثنائي للكلفة والربح في العقود المبرمة، فالأمر مختلف، إذ لا يجري فيها احتساب معدل الاندثار السنوي للموجودات الرأسمالية النفطية ضمن تكاليف استخراج النفط كما في الحالة التقليدية الأولى، وإنما بطريقة منهجية أخرى مفادها استرداد النفقات الرأسمالية والإضافية الرأسمالية الطابع بعد إنفاقها مباشرة على شكل دفعات ولمدة 5 سنوات وبدون فوائد بموجب أحكام العقود المبرمة. 
       في حالة منهجية الاحتساب الاستثنائي لكلفة وربح العمليات النفطية، سيتم احتساب مؤشر كلفة استخراج البرميل الواحد من النفط على أساس إجمالي مجموع التكاليف الرأسمالية والتكاليف التشغيلية والتكاليف الإضافية وأجور الربحية، المنفقة خلال الخمس سنوات الأولى من بدء تنفيذ العقد النفطي. من الناحية التنظيمية للعمليات النفطية الجارية بموجب أحكام العقد النفطي، سيتم إدراج جميع الكلف الرأسمالية والإضافية (فضلا عن التكاليف التشغيلية) وأجور ربحية المقاول خلال الخمس سنوات الأولى فقط من مدة العقد، البالغة 20 عاما (أو 25 – 30 عاما بعد تمديدها عام 2014)، وهذا يعني عمليا تضخم كلفة استخراج البرميل الواحد من النفط بخمس أو ست مرات خلال الخمس سنوات الأولى من بدء المشروع النفطي بمقدار مجموع الكلف الإضافية المنفقة ومقدار حسومات اندثر رأس المال السنوي لكامل مدة العقد. وبما أن مؤشر "أجر الربحية" للشركة النفطية الأجنبية المتعاقدة هو مقدار ثابت في العقد النفطي (مثلا 2 دولار لكل برميل نفط مستخرج، كما في عقد الرميلة)، عندها سيتم جنّيه خلال الخمس سنوات الأولى من مدة العقد (بوجود التكاليف الرأسمالية والإضافية والتشغيلية معا)، بينما سيتم جنّي الأرباح للمدة المتبقية من العقد (وهي على التوالي 15، 20، 25 سنة) من دون مساهمة التكاليف الرأسمالية والتكاليف الإضافية في نشاط العمليات النفطية (إذا افترضنا عدم وقوعها بعد الخمس سنوات الأولى من عمر المشروع النفطي). 
       من الناحية التنظيمية، تعدّ منهجية تكوين واحتساب التكاليف، بالطريقة التي أسميناها "الطريقة الاستثنائية"، منهجية مشوهة تنظيميا لمؤشر "الكلفة"، وهو أحد أهم المؤشرات الاقتصادية في نشاط جميع منظمات الأعمال، إذ لم يعدّ هذا المؤشر معيارا أساسيا من معايير قياس وتقييم كفاءة وفاعلية إدارة صناعة استخراج النفط من قبل شركاتنا النفطية الوطنية كطرف وشريك حكومي، وشركات النفط الأجنبية بمثابة المقاول الرئيسي في العقود المبرمة. 
    الموقف من حقوق وقواعد تكوين واحتساب تكاليف وأرباح العمليات النفطية:
       أتت حقوق المقاول وقواعد تكوين واحتساب مؤشري الكلفة والربح في نص المادة (19) من العقدين، ولكن بتسميات مختلفة: "رسوم إضافية، ورسوم خدمات" في عقد حقل الرميلة، و"الكلف البترولية، والكلف الإضافية، والربحية" في عقد حقل الحلفاية. بموجب المادة المذكورة من العقدين، يستحق المقاول في عقد الرميلة، مقابل العمليات النفطية المنفذّة، "رسوم إضافية ورسوم خدمات" على وفق القاعدتين التنظيميتين الآتيتين في الاحتساب: الأولى، يجب أن تتألف "الرسوم الإضافية" من "تكاليف إضافية"؛ الثانية، يجب أن تتألف "رسوم الخدمات" من "تكاليف نفطية" و"رسوم تعويض". بينما يستحق المقاول في عقد الحلفاية، مقابل العمليات النفطية المنفذّة أيضا، "الكلف البترولية والكلف الإضافية والربحية"، من دون وضع قواعد تكوين هذه الكلف والربحية، على غرار أحكام عقد الرميلة، ولكن على وفق حقوق وقواعد تضمنتها المادة (27) من العقد، والمسماة "المشاركة" (وهي المادة نفسها بالمضمون التنظيمي في عقد الرميلة). 
       بعد تثبيت حقوق المقاول والشريك الحكومي في مؤشري الكلفة والربح، وكذلك القواعد التنظيمية لتكوينها، يأتي الآن دور القواعد التنظيمية لاحتسابها قيمتها في المادة (19) أيضا من العقدين: "التكاليف الإضافية، الرسوم الإضافية، التكاليف النفطية، رسوم التعويض، رسوم الخدمات" في عقد حقل الرميلة؛ و"الكلف البترولية، الكلف الإضافية، الربحية" في عقد حقل الحلفاية. تجدر الإشارة هنا إلى خلو هذه المادة من مصطلحي "التكلفة الرأس مالية" و"تكلفة التشغيل" في عقد الرميلة، وخلوها من مصطلحي "الكلف الرأسمالية" و"الكلف التشغيلية" في عقد الحلفاية، الأمر الذي يؤشر حالة اختلاف وخلل منهجي في صياغة العقدين المبرمين.
    الموقف من الآليات التنظيمية لتكوين واحتساب تكاليف وأرباح العمليات النفطية:
       تؤدي الآليات التنظيمية في إدارة نشاط منظمات الأعمال كافة وظيفة تثبيت وحماية حقوق الأطراف المشاركة في هذا النشاط، وكذلك تثبيت وحماية القواعد المنظّمة للنشاط ذاته. لقد أشرنا في هذا البحث، إلى ادعاء مناصري العقود المبرمة بعدم إمكانية احتساب كلفة العمليات النفطية الجارية بموجب هذه العقود، وقد فسّرنا سبب ذلك، ربما بعدم امتلاك الطرف والشريك الحكوميين في العقد للبيانات والمعلومات أو حرية وصولهما إليها. بيد أن البعض من الآليات التنظيمية المتوفرة في أحكام عقدي حقل الرميلة وحقل الحلفاية تبّطل هذا التفسير، بل على العكس تماما، فهي آليات ليس فقط تسمح باحتساب تكاليف وأرباح العمليات النفطية الجارية، ولكن أيضا تسمح بإدارتها إدارة فاعلة، وهو الغرض التنظيمي الحقيقي من وجودها في العقود المبرمة. ومع ذلك، تنطوي الآليات المعنية في العقود المبرمة على مظاهر خلل منهجي كبيرة في صياغتها واستخدامها، يمكن للشركة التفاوض مع المقاول الرئيسي في العقد النفطي لتعديلها أو تحسين طريقة عملها. لقد تكفلت المادة (20) من العقدين بوضع آليات تنظيمية، يجري بموجبها تثبيت وتحقيق الحقوق والقواعد في عمليات تكوين واحتساب مؤشري الكلفة والربح للعمليات النفطية، ووضعها موضع التنفيذ. يمكن توزيع الآليات التنظيمية التسع الواردة في المادة (20) من العقدين على أربع مجموعات كبيرة (لمزيد من التفاصيل، أنظر: الكعبي، 2017، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 20 أيلول): 
    - الآليات التنظيمية للاعتماد الرسمي لعمليات تكوين واحتساب الكلفة والربح.
    - الآليات التنظيمية لتدقيق الدفاتر والسجلات المحاسبية لعمليات تكوين واحتساب الكلفة والربح.
    - الآليات التنظيمية لضمان شفافية عمليات تكوين واحتساب مؤشري الكلفة والربح.
    - الآليات التنظيمية بشأن اعتراض الطرف الأول على عمليات تكوين واحتساب الكلفة والربح.
    الخاتمة:
       عندما تريد الشركة استخدام قانونها في التعامل التنظيمي مع العقود المبرمة كإحدى وسائل تحقيق أهدافها، يتطلب الأمر منها التقرير الدقيق لشخوص ومسارات وموضوعات وحقوق وقواعد وآليات وأدوات التعامل المعني، بوصفها مكونات الكيفية التنظيمية لاستخدام هذه الوسيلة، بما يتوافق مع أحكام المرجعيات المؤسساتية القائمة. في هذا البحث، حاولنا سبر غور الكيفية التنظيمية التي ستجري بها الشركة تعاملها المعني مع العقود المبرمة، وتوصلنا فيه إلى نتائج تكاد أن تكون جميعها إما سلبية أو هامشية أو قاصرة عن التعامل الايجابي والكفء والفعال مع العقد النفطي المبرم، بكيفية تنظيمية يكون بمقدورها ضمان مصالح العراق، وفي الوقت نفسه، عدم الإخلال بالعمليات النفطية الجارية الآن بموجبه. يمكن لنا تأشير بعض المفاصل الرئيسة في الكيفية التنظيمية المفقودة تقريبا لتعامل الشركة التنظيمي الناجح مع العقود المبرمة:
    لم يجر تشريع مادة قانون الشركة (المادة 4/رابعا)، المعنية بالتعامل التنظيمي مع العقود المبرمة، بما يتوافق مع أحكام الدستور النافذ: لا من جانب ضمان حقوق الشخص الدستوري المالك لثروة النفط والغاز (الشعب العراقي)، ولا من جانب ضمان مصالح الشخوص الدستورية المكلفة بإدارة ورسم سياسات تطوير واستغلال هذه الثروة (الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة)، ولا من جانب ضمان تحقيق المعيار الدستوري الحاكم لعمليات التطوير والاستغلال (المنفعة الأعلى للمالك الدستوري لثروة النفط والغاز)، ولا من جانب ضمان استخدام الآليات الدستورية الحاكمة لعمليات التطوير والاستغلال (اعتماد أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار النفطي).
    عدم اتصاف قانون الشركة بشمولية الأحكام القانونية للتعامل التنظيمي مع بنود العقود المبرمة المختلفة والمتنوعة الشخوص والمسارات والموضوعات والحقوق والقواعد والآليات والأدوات والعلاقات وغيرها، على غرار شمولية مكونات الكيفية التنظيمية الواردة في مشروعات قانون النفط والغاز الاتحادي عالقة التشريع. وبغرض ضمان شمولية التعامل التنظيمي مع العقود المبرمة، يتطلب الأمر إما تعديل قانون الشركة باتجاه تضمينه المكونات المذكورة للكيفية التنظيمية المعنية، أو تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي.
    بموجب أحكامه، يعدّ عقد حقل الرميلة النفطي العملاق عقدا تجاريا، وأن التعامل التنظيمي مع هذه الأحكام، لهذا السبب، لا يدخل ضمن نطاق أعمال السيادة الوطنية، الأمر الذي يقيّد حرية حركة الشركة في التعامل التنظيمي معه، إلا من خلال اللجوء إلى إجرائيات التسوية الودية أو الخبير المستقل أو التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس. في الوقت نفسه، لم يشّر عقد حقل الحلفاية النفطي إلى صفته التجارية وعدم شمول التعامل التنظيمي مع أحكامه بنطاق أعمال السيادة الوطنية، ولكنه أيضا يلجأ إلى استخدام الاجرائيات ذاتها كما في عقد الرميلة. يمكن للشركة استغلال حالة الاختلاف في الصفة القانونية للعقدين باتجاه توحيدها في صفة تضمن خضوع العقد لأعمال السيادة الوطنية، من خلال التفاوض مع ائتلاف الشركات النفطية الأجنبية في عقد الرميلة لتعديله، مع تأكيدنا بوجود شكوك كبيرة لنجاح الشركة في هذا المسعى لأسباب قد تكون لها صلة بأحكام العقد نفسه أو بمستوى مهنية ودافعية ممثلي الطرف الوطني في العقد النفطي.
    يمكن للشركة التعامل التنظيمي مع أحكام العقود المبرمة بمساري إدارة وتعديل العقد، التي لا تلحق الضرر بالمصالح المالية لمقاول العقد النفطي.
    جرى انتقاد إدارة وزارة النفط الاتحادية للعقود المبرمة من قبل الخبراء بكثير من القسوة، ولا يوجد ضمان بعدم وقوع الشركة بالمطب ذاته عند إدارتها لهذه العقود بنفسها، الأمر الذي يتطلب من الشركة تحقيق خيارين تنظيميين لتعاملها الايجابي والفعال مع هذه العقود: خيار التفاوض الماهر مع شركات النفط الأجنبية صاحبة العقود حول تحسين منظومة إدارتها وتعديل ما يمكن تعديله من بنودها، وخيار تعليم ممثلي الطرف الحكومي في العقود المبرمة مهارات وتقنيات الإدارة المعاصرة وعدم تسييس نشاطهم فيها.
    المصادر:
    الدستور العراقي (2005).
    الجواهري، حمزة (2016). استمرارا بالحوار... هل الخلل في عقود التراخيص أم بإدارتها؟. الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne في 3 كانون الثاني.
    خطة التنمية الوطنية 2018-2022.
    عبد الرضا، نبيل جعفر؛ سند، مصطفى جبار (2018). تكاليف إنتاج برميل النفط الخام في شركة نفط البصرة 2009-2016. الناشر: مركز المحور للدراسات والتخطيط الإستراتيجي، البصرة.  
    العطار، إحسان إبراهيم (2016). ملاحظات حول جولات التراخيص النفطية وعقود الخدمة. الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne في 11 نيسان.
    العكيلي، ثامر (2016). تقديرات كلف الإنتاج النفطي المضاف من عقود التراخيص. الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne في 21 آذار.
    عقد الخدمات الفنية لتطوير حقل الرميلة النفطي (2009)، المبرم بين الحكومة العراقية وائتلاف شركات BP & Petrochina، النص العربي للعقد غير المنشور.
    عقد الخدمات الفنية لتطوير حقل الرميلة النفطي (2009)، المبرم بين الحكومة العراقية وائتلاف شركات BP & Petrochina، النص الانجليزي للعقد المنشور على الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne.
    عقد تطوير وإنتاج حقل الحلفاية النفطي(2009)، المبرم ما بين الحكومة العراقية وائتلاف دولي تقوده شركة Petrochina الصينية، النص العربي للعقد المنشور على الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne.
    قرارات المحكمة الاتحادية العليا في 23/1/2019، بشأن قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018.
    الكعبي، جواد كاظم (2017). المدخل الإستراتيجي في إدارة صناعة النفط. الناشر: دار الكتاب الجامعي، العين/الإمارات العربية المتحدة.
    الكعبي، جواد كاظم (2017). طبيعة السيطرة التنظيمية للشريك الحكومي على العمليات الإنتاجية في عقود جولات التراخيص النفطية. الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne في 3 أيلول.
    الكعبي، جواد كاظم (2017). جدلية "الخيل" و"الخيالة" في إدارة تكاليف العمليات الإنتاجية بموجب عقود جولات التراخيص. الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne في 20 أيلول.
    الكعبي، جواد كاظم (2017). تقييم طبيعة عمل نظام إدارة الموارد النفطية في قوانين تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية. الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne في 10 نيسان.
    اللعيبي، جبار علي (2016). جولات التراخيص النفطية – مراجعة الأخطاء ومقترحات لتعديل العقود. الموقع الاليكتروني لشبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.ne في 3 أيلول.
    قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2016.
    قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2017.
    قانون شركة النفط الوطنية العراقية رقم (4) لسنة 2018.
    مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي، المقترح من مجلس الوزراء في شباط/فبراير 2007.
    مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي، المقترح من مجلس الوزراء في آب/أغسطس 2011.
    مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي، المقترح من لجنة الطاقة في مجلس النواب في آب/أغسطس 2011.
    المنهاج الوزاري 2018-2022.
    ................................................................................................
    أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي
    باحث أكاديمي
    آذار/ مارس 2019
    jawadlafta@yahoo.com 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media