صحيح البخاري
    السبت 16 مارس / أذار 2019 - 16:14
    راغب الركابي
    أثارت السيدة موزه غباش  فكرة تستحق  الرعاية و المتابعة والنظر والتحقيق  ،  وتبعها في ذلك إمام مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان  رحمه الله  ، والحق إن فكرة إعادة النظر في  كتب التاريخ والتراث  ليست  بالفكرة  الجديدة   ،  إنما  كَتبَ فيها  غير واحد من المفكرين والعلماء  والكُتاب  .
     والأصل الأولي لهذه الفكرة ينطلق من مقولة  تدعوا  إلى عدم الدمج بين كتاب الله  والأخبار المنسوبة لرسول الله   ،   أي إن الفكرة في أصلها إصلاحي هدفه  تنظيم قواعد التفكير  والدلالة  ،  لكي تنسجم  وتستقيم  مع الإيمان والعلم ،  بعيداً عن التقديس  الزائف  والذي  يتلحف به أتباع المذاهب  ويتعاضدون  ، ولقد كانت  لي  مساهمة  متواضعة  في  هذا   الجهد  ،  لإيمان مني  سابق  بأن  تصحيح  قواعد  التشريع  والقانون  بين القرآن والسُنة  ،  لا تصح  فيهما المساواة  وكذا لايصح التأسيس من خلال  الأخبار  في جعل  السُنة  بقوة الكتاب  أو رديفا  له   ،  ومن هنا أيدنا  من غير تردد  ما جاء على  لسان  السيدة موزه غباش    ،   وفي نظرتها  التجديدية  نحو التراث  ومحاولة إعادة النظر بقضايا التاريخ والماضي بروح أكثر واقعية وعلمية    .
     وفي سبيل ذلك   سنحاول تحرير محل النزاع  حول  - ما يسمى بصحيح البخاري  -  ،  فالكتاب كما هو معلوم  للعامة  يتضمن موضوعات شتى  ،   وقد وردت بألسن رواة متعددين   ،  والغريب  فيه إننا لم نشاهد  أخباراً  وأقوالاً  للنبي  بإعتباره كذلك   ،   وجُلَ مافيه  عبارة عن روايات وأخبار منسوبة إلى رسول الله  ،  ولا يخفى عليكم  إن  هناك فرقاً  في الدلالة  والمعنى   بين النبوة والرسالة    ،  ولهذا أقتضى التنبيه  لذلك  للأهمية  من وجهة نظر معرفية خالصة ،   وبنفس السياق تدعونا الأمانة العلمية للقول :  -  بأن ما يسمى  بصحيح  البخاري   ،  ليس على ما ينبغي   ولا يجب النظر إليه  كوحدة واحدة   ،  من جهة  موضوعاته  وفصوله   فالكتاب  فيه  من الخرافة والهرطقة الكثير  ،  كما إن  فيه  من التدليس والكذب  الكثير   ،  وفي  جانب  أخر  نقرأ  فيه أشياء  يجب التوقف   عندها وتدبر معانيها   ،  وفي الكتاب أيضاً   نجد  ( أدلة السُنن  )  والتي  هي عبارة  عن قيم  وأخلاق ونواميس  وشمائل   ،   وفي هذه بالذات  جاءت الإباحة  والتسامح   للأخذ بها  لأنها تدعونا إلى الخير والعمل الصالح   ،   وفي الكتاب أيضاً  مجموعة الحكم  (  الحكمة )   والتي  هي ضآلة  ،  أومرنا أن نأخذ  بها   من غير مؤثرات  ولا نظر ثانوي  .
    نعم موضوع الرد على الكتاب  لا يتعلق بشخص الكاتب  من حيث هو فهذا لا يهمنا بشيء    ،  ولكن  بنوعية الأخبار التي   تضمنها  وتحدث  عنها  في مجال العلم والكون والطبيعة  ،  وكذا في قضايا التشريع والقانون   ،  لقد كان خطأً فادحاً ذاك الذي أعتمده مؤوسسي ما يسمى باصول الفقه العتيقة  ،  والتي  أعتمدت   و ساوت عن عمد في القوة والدلالة  بين هذه الأخبار والقرآن المجيد  ، وقد شذ البعض من فقهاء العصر الوسيط  لجهة  جعل هذه الأخبار حاكمة على الكتاب بل وناسخة لأحكامه  ،  وهذه المغالطة أدت إلى هذا البحث المفتوح  عن كتب الأخبار عن أهميتها   ،  وعن دورها وعن صحتها  وصدقها  وثباتها  وقوتها    .
    فالكتاب موضع البحث هو مجموعة أخبار منسوبة إلى الرسول محمد  ،  وهذه  النسبة من  الأخبار مهما علت  ينقصها الكثير لكي تتساوي مع  الكتاب ،   فهي  من جهة  التدوين  وزمنه   أتت  لا حقاً   ومن بعد وفاة النبي بمئة وخمسين  من السنيين   ،  ومن جهة  صُناع الخبر  ورواته   الذين كانوا يتحركون وفقاً لرغبات وأهواء بعيدة  عن طبيعة النص   ،   ولهذا جاءت مادة الخبر مشوهة وعقيمة وغير ذات جدوى   .
    لقد كان الخليفة عمر بن الخطاب محقاً  حينما منع تدوين أخبار النبي وأحاديثه  ،   والسبب معلوم  حتى لا يكون لها أثرا  وقوة كتلك الموجودة لدى أهل الديانات الأخرى  ،   مما فسح المجال لغلبة  الخبر على النص  السماوي   ،  ومن  هنا  نصوب  الرأي  الذي أعتمده   الإمام أبي حنيفة في  عدم  الإعتماد  على هذه الأخبار  في  إنتاج وإستنباط فقهه  ،   مقتصراً  في ذلك  على سبعة عشر منها  قد  صحت لديه ،  والظن الغالب إن مفهوم  الصحة هنا تعني الموافقة لكتاب الله  ولذلك أعتمدها  أبي حنيفة الإمام  .
    نعم  تصحيح الموقف العلمي يتطلب نوعا من المواجهة وعدم التخفي أو الإختباء خلف مقولات فات أوآنها  ،  فكتب الأخبار عموماً  في مجال الأحكام والتشريع لا تعدو أن تكون مجرد أدوات للأستئناس ليس إلاَّ  ،  ومن يظن غير ذلك فهو واهم   ،  وعلينا إعادة التركيز على تحليل نصوص الكتاب المجيد طمعاً في زيادة المعلومة  والتعرف على ما يجب وما لا يجب  ،  فثمة تداخل وعدم ضبط أدى من حيث لا نشعر لسيادة النزعة  الإكراهية والعنفية  حين نحينا  كتاب الله جانباً  ، وأعتمدنا من غير هدي مضطرين على كتب الأخبار ، لتؤوسس لنا حياتنا ومستقبلنا  ،  وتلك مخاطرة كبيرة لا نجد جدوى من السكوت عنها أو التنبيه إليها  ،  ولعل  الخطوة التي بدأت هناك في أبوظبي قادرة على وضع الأمور في نصابها ، لكي يستقيم الشيء بعد مضي كل هذه السنيين ،  التي أربكت فينا الجهد والمثابرة والفكر ، وجعلتنا مشوشين تحوطنا أفكار قد عفا عليها الزمن  .
    إن إعادة قراءة الموروث  لاتعني الإنفصال بقدر ما تعني لنا جميعاً ، وضع الأشياء في موضعها  والنظر بعين الرعاية للمستقبل لكي نكون شركاء في صنعه وبنائه ..

    راغب الركابي  
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media