العظَمَةُ المُتَفَرِّدَةُ في الشَخصِيَّةِ العَلَوِيَّة
    الجمعة 22 مارس / أذار 2019 - 01:09
    زعيم الخيرالله
    لَو سأَلنا أَكثرَ الناسِ عن مفهومهم للعظمةِ ، ستكون اجوبتُهم لاتتجاوز المظاهرَ الماديَّةّ للعَظَمَةِ . العَظَمَةُ عندَ اكثرِ الناس ، الاموال المُقَنطَرةُ من الذَهَبِ والفضةِ ، والعقارات ، والجاه العريض ، والسلطان الواسع.
    العظماءُ في نظرهم ، اباطرة الرومانِ ، واكاسرة الفرس ، والاسكندر المقدوني ، ونابليون بونابرت .... انهم ينبهرون بالمظاهر والسلطان العريض .وقليلٌ من الناسِ من يلتفت الى عظمة السجايا والملكات ، والصفات النفسيَّةِ، بل لايجدون بين هذه الصفات الذاتية والسجايا التي انطوت عليها نُفوسُ الكبار ، وبين العظمة نسبٌ او سببٌ.
    وفي عليٍّ عليه السلام تواجهنا هذه العَظَمَةَ المتفردة في مزاياها وسجاياها ... واذا كانت ولادتُهُ في الكعبة مَزِيَّةً تَفَرَّدَ بها عليٌّ عليه السلام ، الاّ انّها تمثِّلُ كرامةً حباهُ اللهُ بها ومزيةً امتازَ بها على العالمين ، وهي مما انفرد به ، الا انني اريد ان افتشَ عن العظمةِ في نفس عليٍّ ، واهمُّ ميزةٍ امتازَ بها الاميرُ ، واهمُّ صفة ذاتية ، هي المعياريّة ، عليٌّ معيارٌ للحقِ والباطلِ والهدى والضلال.
    والى هذه الصفة ، اشار النبيُّ وهو يتحدثُ عن امير المؤمنينَ عليه السلام بقوله صلى الله عليه واله وسلم :
    ( علي مع الحق والحق مع علي يدورُمعهُ حيثما دار) .
    (عليٌّ معَ القُرآنِ والقُرآنِ معَ عليٍّ )
    ( ياعمار، لو سلكَ الناسُ وادياً ، وسلك عليٌّ وادِياً اخر ، فاسلكِ الواديَ الذي سلكه عليَ)
    فعَليٌّ معيارٌ ، والمعيارُ لايُخطيءُ ، ولايميلُ ، ولايحيفُ.
    والمعيارُ يُحتَكَمُ اليه ، حينَ تضظربُ الامورُ ، وتحارُ العقول في مواجهةِ المُعضلاتِ ، وهذه المعياريّة التي لاتتجاوز الحقَ ولاتُخطِؤُهُ ، شهدَ لهُ بها الخليفةُ الثاني ؛ اذ كانَ يردد دائماً ( ماكنتُ لمعضلةٍ الا ولها ابو الحسن ) ، ( لولا عليٌّ لهلكَ عُمَرُ) . وقد قال الخليل ابن احمد الفراهيدي حينما سئل عن الدليل على امامة عليٍّ ، قال : ( احتياج الكلِّ اليهِ واستغناؤُهُ عن الكُلِّ ؛ فذلك دليلٌ على انه امامُ الكلِّ) . الامام يعني المعيار ، الملاذ ، الملجأ والمفزع . والامام صفة تفرد بها عليٌّ عن غيره ؛ حتى ان العقاد في عبقرياته ، تحدث عن ( عبقرية الصديق ) ، (عبقرية الفاروق) ، و ( ذور النورين ) ، ولكنه حينما كتب عن الامام ، وصفه بوصف الامام ( عبقرية الامام علي) .
    وقد عبَّرَ النبيُّ (ص) عن معيارية عليٍّ عليه السلام عندما برز الى عمرو بن عبد ود العامري بقوله : ( برز الايمان كلُّهُ الى الشركِ كله) . ولانّ علياً معيارٌ فضربته يوم الخندق لابن ود العامري لها ميزة وخصوصية ، هي ضربة معيارية ، وليست مجرد ضربةً لبطلٍ في ساحة معركة . يقول النبي (ص) : ( ضربةُ عليٍّ لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين ) . انها الضربة الميزان التي فصلت في معركةٍ فاصلة بين الحق والباطل.
    والمعيارية نجدها في سلوك علي (ع) ، وحياته ، وحروبه ، وحكمه . ففي حروبه لم يقاتل عليٌّ بشهوةٍ ورغبةٍ في الانتقام ، لم يتشفَ بخصومه ، ولم ينتقم منهم ، بل بكى على مصارعهم ، وردَّ امَ المؤمنين معززةً مكرمة . وفي حكمه لم يميز في العطاء بين قنبر ونفسه ، ولابين امرأة عربية واخرى من الموالي . بل كان الجميع سواء عنده ، انه المعيار الذي لايخطيء الحق في حكمه ، ولايجوز ، ولايجابي ولايميل .
    معيار الحق عنده حاكمٌ حتى ولو ادى الى ذهاب سلطته . فقد اشار اليه بعض اصحابه ان يبقي معاوية لبرهةٍ من الزمن ؛ حتى تستقر له الاوضاع ، ولكنه رفض بشدة قائلاً : اتامروني ان اطلب النصر بالجور) . انه المعيار الذي لايحابي ولايجامل ولايميل ، انه المعيار الذي يجعل الحق فوق المصالح والمنافع والاعتبارات .
    سلام الله عليك ياامير المؤمنين في يوم ولادتك ، ويوم شهادتك ، ويوم تبعث حيا ، مع النبيين والصديقين وحسن اولئك رفيقا.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media