شيء من اللغة.. حاز الجائزة وحاز عليها
    الأحد 21 أبريل / نيسان 2019 - 16:06
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    أرسل لي الأستاذ مصطفى إبراهيم من مصر رسالة فيها نُصوص من مواقع التصحيح اللغوي، وسألني عن مدى صحة تخطئة عدد من الاستعمالات مثل: (حاز على الجائزة) إذ قالوا: إنّ الصحيح (حاز الجائزة).
    أبدأ جوابي بملاحظتين:
    أ- قلت مرارا: لا يجوز تخطئة أيّ استعمال لغوي إلا إذا دلّ التحليل اللغوي الموضوعي على تلك التخطئة. ولا أهمية لقرارات المنع أو التجويز بدون ذلك التحليل.
    ب- ما قاله الجرجاني في دلائل الإعجاز من أن الكلمة لا معنى لها إلا بالجملة، يحتاج إلى تعديل. فكل كلمة لها معناها بذاتها، والسياق يلونها بما لا يُزيل المحور الدلالي لها. خذ أية كلمة شئت، فلتكن (الظّلّ) مثلا، فمعناها العام واضح لديك، ظلّ الجدار أو الشجرة في مواجهة الشمس أو الضوء. ولكن حين تقرأ جملة: عشنا بسعادة في ظل أبينا، تعرف المجاز الذي انتقلت إليه الكلمة. لقد بقي معناها العام، ولكنه تلوّن بلون آخر. وهذا هو شأن (حاز) أيضا.
    ولذا أقول: الاستعمالان صحيحان، ولكن الأول أفصح، على ما سأوضحه.
    من المعلوم، أو غير المعلوم، الخلل الذي انتاب المعجمات العربية في تعاملها مع الجذور اللغوية التي وسطها واو أو ياء، حيث مزجت غالبا معنى الجذرين. وقد وقع هذا في الجذر (حوز) إذ تداخلت مشتقاته مع مشتقات الجذر (حيز). وكان الصواب أن يفصلوهما لأن عدم الفصل أوقعهم في مشكلات كانوا في غنىً عنها. من ذلك أنهم حين جعلوا كلمة (متحيّزا) في الآية (إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ) من الجذر (ح. و. ز) اضطروا إلى القول: إن أصله مُتَحَيْوِز!! والذين ذكروا (ح. ي. ز) في معجماتهم ذكروا فيه بضعة معان قليلة وقالوا إن أصله (ح. و. ز) فلم يعتبروه جذرا قائما بذاته. وما كان أغناهم عن (المُتَحَيْوِز) الذي لا وجود له بالاعتراف بأن (ح. ي. ز) جذر صحيح.
    ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من أن اللغويين قالوا إن الجذر (ح. و. ز) دالّ على التجمع، فإني أرى أن جميع مشتقاته تدلّ على الشدة، ما بين شدة مادية، وشدّة معنوية. والحوز، في الأصل: السوق الشديد للدوابّ، ومنه قولهم للراعي: حُز الدوابّ، أي سُقها سوقا شديدا. وهو يحوز الماشية، أي: يوصلها إلى حظيرتها. وتدري ما في ذلك الإيصال من عناء هو للشدة أقرب.
    وأرى أن قولهم في المعجمات: (كل من ضمّ إلى نفسه شيئا فقد حازه) يحتاج إلى تعديل. فلنأخذ المثالين السابقين: (قولهم للراعي: حُز الدوابّ، أي سُقها سوقًا شديدا. وهو يحوز الماشية، أي: يوصلها إلى حظيرتها) فهذا الراعي لم يضم الدواب والماشية لنفسه فهي ليست ملكا له، ولا هو معتز بها. فالأَولى أن تكون الجملة: (وكل من جمع شيئا في مكان، أو ضمّه لنفسه فقد حازه). فمعناها يعمّ الأمرين معا، الجمع والضمّ.
    فاستعمال (حاز الجائزة) بهذا المعنى استعمال فصيح صحيح، لأنه ضمها إلى نفسه باعتزاز. 
    والجملة الثانية: (حاز على الجائزة) صحيحة أيضا ولكن بمعنى مختلف. فالمتكلم جعل (حاز على) بمعنى (حصل على) وهو من باب التضمين، أي أن تُضمّن كلمة معنى كلمة أخرى، بوجود دليل على ذلك التضمين وبما لا يُخلّ بالمعنى الأصيل للكلمة. وهو باب من علم اللغة أشاد به النحويون واللغويون القدماء.
    وبالتضمين ينتقل المعنى من (حاز) إلى (حصل على) والفرق بينهما أنك حين تقول، حزت الكتاب فأنت تعبر عن اعتزازك به اعتزازا شديدا. أما حين تقول: حزت على الكتاب، وضمنته معنى حصلت، فلا يُشترط فيه ذلك الاعتزاز العميق. كما إن الحصول يشمل ما تريده وما لا تريده بل حتى ما ترفضه وتأباه، كأن تقول: لم أحصل من إحساني لفلان إلا على الأذى. ولا يمكن التعبير عن هذا المعنى بالجذر (حوز) كما لا يخفى عليكم.. ولا... علينا.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media