الإرهاب في عيد القيامة
    الأثنين 22 أبريل / نيسان 2019 - 21:29
    راغب الركابي
    لم يفوت المجرمين عيد القيامة عيد الفصح   ، من غير أن  يستحلوا الدم الحرام في اليوم الحرام  في  البيت الحرام  ،  التي أذن  الله  فيه أن يُرفع أسمه ،   وكما في كل  مرة كانت سريلانكا هي الضحية  هذه المرة  ،  وكان شعبها المسكين هو القربان  ،  وكان الرهبان والأباء المكرمين هم رسل السلام ضحايا العنف والكراهية والحقد والمؤامرات التي تُحاك في الليالي والغرف المظلمة .
    وإننا إذ نشاطر أهل سريلانكا الشعب والدولة العزاء  ،  ونشاطر شرفاء العالم الشجب والإستنكار والدعوة لإخماد روح الفتنة ومُشعليها  ،  يحدونا أمل واقعي أن تنتهي هذه الموجة التي يروح ضحيتها أبرياء ومسالمين ومدنيين وعزل ،  نتمنى كغيرنا أن تزول المسببات والصنائع التي تفتك بالآمنيين من بني البشر ، وسنضم صوتنا لقداسة البابا وهو يدعوا للنظر بعين الرعاية لجيل العباد والمصلين وطالبي العفو والرجاء من المؤمنيين والموحدين   .
    إن الشر والجريمة والقائمين عليهما سوف لن يألوا جهداً في متابعة دربهم الأسود ، ومن هنا يجب بل يلزم على كافة الأحرار والشعوب والدول الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه نزع روح الحياة والأخاء من بين بني  البشر ، ونحن إذ  نؤكد من جانبنا على تدعيم ثقافة التسامح والعيش المشترك ، والإبتعاد عن الدعاوى المزعومة والكراهية البغيضة والشعور بالدونية ، وهذه تحتاج لعمل وجهد دولي ومجتمعي رصين  وثابت  من جميع المؤوسسات والفئات وذوي النوايا الحسنة .
    إن إشاعة روح التعايش في ظل الإنسانية الواحدة مطلب مقدس في ذاته  ،   كما  يجب السعي إليه ودعوة  الجميع  للتعاون  في جعله هو الحقيقة  الغالبة   ،  خاصة  في ظل غياب وازع الدين والأخلاق .
      إن تدعيم ونصرة القوى  المحبة  للسلام  والتسامح  والعيش المشترك  ،  والأخاء  و التوجه الإنساني النبيل مطلب شديد الأهمية ،  لأنه القادر بفعل ما لديه من إرادة  على صنع المجتمع والإنسان الجديد ،  ولن يكون  ذلك  ممكناً   مع  ترك الذئاب الشاردة  تسرح  وتمرح  ،  وتلتهم ضحاياها في المناطق الرخوة من العالم   ،  ولم يعد مسموحاً عدم التعاون واللامبالات  الأمنية والمخابراتية  الدولية  ،  ولم يعد مسموحاً  إنتظار الفاجعة  إلى حين وقوعها  ثم الإبلاغ عنها   ،  لأن ذلك ليس من  قيم  الدول والشعوب  المتحضرة  والمنادية بالحقوق البشرية والإنسانية    .
    ليس من المروءة  التغافل  عن  الإرهاب  من أجل أهداف ثانوية ،  و في محلات وأمكان  ثانية   ،  وليس مقبولاً  النظر من الزاوية الأخرى  في إشهار الجريمة  حسب  ما يقع  من أعداد  من الضحايا   ،  لكي يستخدم ذلك في  شؤون أخرى ولغايات أخرى   .
    إن  سريلانكا  ليس بقادرة على التصدي لهذه الموجات البربرية  من الإرهاب والفزع الأكبر ،   كما وليس بمقدور  دول شرق آسيا  الأخرى  تحمل  ذلك  أو تحمل  تبعات التخطيط الفاسد لبعض المتصيدين في المياه  العكره  .
    إن جريمة سريلانكا بكل ما تحمل من عنف وحقد وضحايا كُثر ، تدلنا إلى أهمية بناء عالم جديد خالي من الأيديولوجيات المزيفة والدين الفاسد  وشبكات العمل السرية العدوانية  ،   ولن يتسنى ذلك إلاَّ من خلال بناء مجتمعات رصينة غير محتاجة ولا ضعيفة ،  وإذا كانت الحاجة هي الدافع لكي يرتكب المحتاج جرائم بهذا الحجم ،  إذن فالذنب لا يجب أن يقع   على فئة بعينها أو دين بعينه أو جماعة  بعينها  ،  بل هو ذنب مشترك  لتلك العصابات والقوى الهدامة  والتي تعمل بالخفاء   .
    إننا نقف مع عوائل الضحايا نشد على أيديهم ، وندعوا لهم الصبر والعزاء  ، ونستنكر فعل الجبناء ومثيري الفتن والشغب  ،  ونحمل الدول ذات السيادة ما حصل لعدم الجدية في التعاون مع دول محتاجة وضعيفة ، ونحن جميعاً متحدين مع شعب وحكومة سريلانكا على أمل أن تتجاوز هذه الجريمة بروح التسامح والأمل بالمستقبل ..

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media