معاهدة صداقة بين أربيل وبغداد
    الثلاثاء 23 أبريل / نيسان 2019 - 13:48
    شيرزاد شيخاني
    إعلامي.. رئيس وكالة سارابريس الإخبارية
    حين نظم إقليم كردستان استفتاء شعبي للانفصال عن العراق ، أقامت الحكومة " الاتحادية" الدنيا ولم تقعدها لرفض هذه الخطوة ، وأطلقت جحافل الحشد الشعبي لاحتلال أراضي كردستان من جبل حمرين الى مناطق زاخو ، لكن العامل الدولي لعب دوره في وقف التقدم العسكري عند حدود ناحية آلتون كوبري ، فوضعت الحرب أوزارها ، ولكن الأمور لم تعد الى ماكانت عليها في السابق . ففي حين أن العلاقة بين حكومتي بغداد وأربيل كانت تركز على تطبيع أوضاع المناطق المتنازع عليها وفق الدستور، أصبحت هناك حاجة لتطبيع علاقاتهما السياسية قبل تطبيع  أوضاع المناطق الجغرافية . ورغم ذلك مازالت العلاقة متوترة بين الطرفين وتتركز بالتحديد حول الملف النفطي ، بالإضافة الى أمور أخرى سنتطرق اليها في هذا المقال .
    ففي الجانب النفطي ، هناك نص واضح في دستور العراق يحدد ملكية الثروة النفطية بالشعب فقط ، ولكن عمليا أصبحت هذه الثروة ملكا حصريا للقوى السياسية التي تحكم سيطرتها على مقادير الأمور في جميع مناطق العراق . فبالاضافة الى تحكم عوائل متنفذة بالسلطة في كردستان بالثروة النفطية والتصرف ربها وفقا لمصالحها الحزبية أو الشخصية ، باتت هذه الثروة حتى في مناطق أخرى بالعراق تخضع أيضا لمطامع بعض القوى السياسية الحاكمة.
    فالمحافظات المنتجة للنفط كالبصرة وميسان وكركوك لم تنتفع أبدا من ثروتها النفطية ، بقدر ما أغنت تلك الثروة أفراد عوائل متحكمة بالسلطة السياسية في البلد . حتى أصبحت هناك شخصيات و قوى شيعية وسنية لها حصص معتبرة من سرقات النفط ، سواء بالشاحنات أو من خلال ثقب أنابيب النفط الناقلة الى الخارج ، أو حتى تصديرها عبر السفن . هذه الأمور تحصل من وراء الحجاب ، وسوف يأتي اليوم الذي تتكشف فيه الوجوه الكالحة لسراق النفط العراقي.
    بالنسبة للنفط الكردستاني ، فإن الحكومة الاتحادية تتصرف وكأن هذه الثروة لا تعنيها في شيء ، أو هي فائضة عن حاجتها أصلا ، لذلك تركت هذه الثروة بيد بعض الفاسدين في إقليم كردستان يتصرفون بها كيفما شاءوا ، دون حسيب أو رقيب . وتحاول الحكومة الاتحادية عبر مفاوضات غير مجدية وعبر ضغوط غير فاعلة للحصول على حصة من هذا النفط ، ولكن حكومة الإقليم مازالت ترفض تماما تسليم أية كميات من نفطها الى المركز على الرغم من أن القوانين العراقية وخاصة قانون الميزانية ينص على تسليم 250 ألف برميل من النفط يوميا لشركة سومو مقابل رواتب موظفي حكومة الإقليم ، فبقيت هذه الثروة بيد سلطة فاسدة تنتفع بها لمزيد من السيطرة على الأمور لصالحها في كردستان.
    والغريب في هذا الأمر ، أن حكومة اقليم كردستان تصدر يوميا أكثر من أربعمائة ألف برميل من نفطها الى تركيا ، ولكن الحكومة الاتحادية تطالبها بتسليم 250 ألف برميل من نفطها فقط الى شركة سومو الحكومية، غاضا الطرف عن 150 ألف برميل المتبقية التي تصدرها حكومة الإقليم ، وكأنها حصة مفروضة لعوائل السلطة بكردستان وهي غير خاضعة لحسابات الحكومة الاتحادية!!! .
    أضف الى ذلك ، أنه بين حين وآخر تطلق البنوك العراقية سلفا محددة للمواطنين تعينهم في تحسين أحوالهم المعيشية ، والغريب أن كل هذه السلف التي تطلقها بنوك الحكومة الاتحادية ، يستثنى منها مواطنو اقليم كردستان !.
    وتصدر الحكومة العراقية بين فينة وأخرى قرارات لصالح المواطن فيما يتعلق بتقديم خدمات حكومية ، ونرى بعد حين أن إقليم كردستان يستثنى أيضا من تلك القرارات . منها مثلا، مسألة تنظيم أسعار الأنترنيت و كارتات الموبايل ، أو تخفيض أسعار الوقود وتوزيعها على المواطنين، وفي كل مرة يستثنى مواطنو الإقليم من كل تلك الخدمات الضرورية .
    هناك عشرات المطلوبين بقضايا الفساد وسرقة أموال الدولة يلجأون الى مدن إقليم كردستان ويحظون بالحماية الكاملة فيها ، وكأن كردستان هي دولة أخرى مجاورة للعراق ، وترفض السلطات المحلية تسليم هؤلاء المجرمين الى السلطة الاتحادية.
    هذه التعاملات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان  تدل دلالة واضحة على أن السلطة القائمة في بغداد ليست اتحادية، ولا تهمها أوضاع مواطني الإقليم الذين يعتبرون وفق الدستور مواطنون عراقيون ، وأنها تعامل الإقليم كدولة مستقلة غير خاضعة للسلطة الاتحادية ولا لدستور العراق . وعليه لتنظيم العلاقة بين الطرفين أقترح أن تقوم الحكومتان بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون مشترك بينهما باعتبارهما دولتين مستقلتين متجاورتين وليس كونهما جزءا من عراق موحد، وحينذاك سيعرف كل أناس مشربهم.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media