شيء من اللغة.. إلغاء أنواع المصادر النحوية
    الثلاثاء 23 أبريل / نيسان 2019 - 20:16
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    أرجو أن يتقبل الأعزاء والعزيزات من علماء النحو وعالماته هذا المقال بحوار هادئ. لأنه سيُلغي أنواع المصادر ويلحقها بالأسماء، بناء على منهجنا في التنمية اللغوية.
    لقد اختلف البصريون والكوفيون في أصل الاشتقاق، هل نشتق الكلمات من مصدر أم من فعل؟ والمدرسة النحوية السائدة هي مدرسة البصرة التي تقول إن المصدر أصل المشتقات، ولذلك سمّي بالمصدر. غير أن منهج التنيمة اللغوية الذي ندرس به اللغة، يقول إن أصل الاشتقاق حروف تتجمع لتكوّن فعلا، تظهر منه المشتقات، فيتطابق مع مدرسة الكوفة إلى حدّ ما.
    ولنمثل على ذلك بنهر يتفرع منه فرع، فهذا الفرع لن يكون فيه إلا الماء القادم من النهر، لونا وطعما وتركيبا. فإذا كان ماء النهر خلوا من الأملاح مثلا فلن تجد في الفرع ملحا. ففاقد الشيء لا يُعطيه.
    كذلك الحال في أصل الاشتقاق. فما يسمى بالمصدر حدث يخلو من الزمن، والفعل حدث وزمن، فإذا كان أصله المصدر فمن أين جاءه الزمن؟ فالمصدر، إذن، اسم يجب التعامل معه كما يتم التعامل مع أيّ اسم آخر.
    أصل المشتقات، في منهجنا حرف ثم حرفان ثم ثلاثة حروف وهو ما يُعرف بالجذور اللغوية، وعليها نُظّم المعجم العربي. 
    وعلى توهّم المصدر هذا، ظهرت أنواع المصادر، من أجل تبرير ألفاظ لا ينطبق عليها تعريفهم للمصدر. ونذكرها، هنا، للفائدة والحوار، وتجدون تفصيلات أخرى عنها في الكتب المدرسية ومواقع الشبكة العنكبوتية:
    المصدر الميمي: مثل: مَلْعَب ومَذْهَب، ومُنْطَلَق.
    اسم المصدر: مثل: عطاء، وصلاة، وسلام. وسمّي بهذه التسمية العجيبة (اسم + مصدر) تماما كالتسمية العجيبة في أسماء الأفعال (اسم + فعل) في الكلمة نفسها.
    مصدر المرّة: اسم يدلّ على حدوث الشيء مرةً واحدةً، مثل: نظْرة، وجَلْسة، ودعوة.
    المصدر الصناعي: إنسانية وحرية وعالمية ومسؤولية.
    اسم الهيئة: مثل: مِشْيَة، وخِبْرة.
    المصدر المؤول: يتكون من أنْ والفعل، أو ما والفعل. وشرطه أن يصح حلول المصدر محلهما.
    ولمّا كانت جميع هذه الأنواع تقع في جميع مواضع إعراب الأسماء من المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول بأنواعه المتعددة.. إلى آخره. فهي أسماء ولا ضرورة أبدا لتسميتها بالمصادر.
    ومن الواضح لدينا أن كل هذه الكلمات جاءت من جذورها اللغوية، فالحرية من (حرّ، أو حرر) والإنسانية من (أنس) والمشية من (م. ش. ى) والخبرة من (خ. ب. ر) وسلام من (س. ل. م). وملعب من (ل. ع. ب).. وهكذا في جميع ما ذكروه.
    وإذا كان تعريفهم للمصدر بأنه أصل المشتقات ومصدرها، فما الذي سنشتقه من كلمة إنسانية أو حرية مثلا، حتى يمكنهم تسميتها بالمصادر الصناعية؟
    وعلى سبيل المثال، أيضا: ماذا نشتق من ملعب الذي قالوا إنه مصدر ميمي لأنه ابتدأ بحرف ميم؟ أليس أصله من لعب، فهو لاعب، ومكان اللعب ملعب؟ فلماذا هو مصدر؟ وخذ كلمة مكتب، أليس أصلها من كتب، فهو كاتب، وما كتبه هو المكتوب، وهي الكتابة، والمكان الذي كتب عليه هو المكتب، ومن هذه كلها جاء الكتاب؟
    ثم إن القدماء ذكروا المصدر في اسم المعنى، مقابل اسم الذات. الأول مثل شجاعة وكرم، والثاني مثل شجرة ورجل. فليكتف به المعنيون بالمصطلحات.
    وإذا كان العقل النحوي العربي في تلك القرون القديمة قد استساغ تحنيط الأساليب بالمصطلحات، فهل من الضروري أن يظل ذلك التحنيط؟ وهل من الضروري أن تظل الدراسات النحوية تصنعا يعقد اللغة وينفّر أهلها منها لينسجم ذلك التنفير مع جهود نشر العامية العوجاء العرجاء والكتابة بها وإحلالها محل الفصحى على ما ترونه بجلاء في مواضع التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات وحتى الكتب والمؤلفات؟
    ولا يقتصر التحنيط على دراسات الأقدمين، بل وقعت فيه الدراسات المعاصرة بما فيها تلك التي تقتفي أثر الدراسات اللغوية في الثقافات الأخرى.
    وسنتناول في قادمات الأيام، إن شاء الله، توضيحات أكثر لبعض ما مرّ.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media