الجسور والتفاعل النفسي!!
    الأربعاء 24 أبريل / نيسان 2019 - 05:13
    د. صادق السامرائي
    عدد الجسور المقامة على الأنهار يتناسب طرديا مع السلوك الإيجابي في المجتمع , لأنها تعطي رسالة واضحة صريحة على أن التفاعل ما بين الموجودات كافة متواصل وبإتجاهات لا تحصى , مما يضخ النفس بطاقات الإنتماء ويعزز فيها إرادات العبور والتداخل والتمازج والإنتماء.
    وأنهار الدول المتقدمة ذات جسور متعددة ومتنوعة بهندستها وبهائها العمراني , فنهر السين في باريس لوحدها يعبره سبعة وثلاثون جسرا , متباهيةً بجمالها وطرزها العمرانية.
    وأنهارنا من أقل أنهار الدنيا تباهيا بالجسور , فلا توجد في مجتمعاتنا جسور جميلة وشادية بألحان التفاعل والتلاحم الوطني الدفاق , بل أننا نكاد نفتقر لثقافة مدّ الجسور , ونجيد مهارات حفر الخنادق وبناء الأسوار ما بين بعضنا البعض.
    وهذا السلوك يعزز العلاقة التباغضية ما بين النهر والإنسان , ولهذا تتمتع ضفاف أنهارنا بالإهمال والخراب والمناظر الحزينة البائسة , بينما مجتمعات الدنيا تتفنن بإظهار روعة ضفاف الأنهار وتحافظ على جماليتها ومتعة التفاعل معها والنظر إليها.
    وفي مدينتي أحزنني تشويه صفاف النهر وتحويلها إلى خرائب مهجورة قبيحة , بينما كانت على طبيعتها ذات جمال أخاذ وجذاب , تتغنى فيها الأطيار وتصدح بأغاريدها وتتمتع بمياهها وما تكنزه من عطاءات طيبة جميلة , فأجمل الكهوف وأعرقها تحول إلى حالة يُرثى لها , وكذلك جسرها وبحيراتها وخلجانها , كلها أصابها مصير الإهمال والإنتقام والإتلاف.
    وهذا ينطبق على مدن عديدة في مجتمعاتنا , فضفاف النيل المصري لا تزال بدائية وخالية من اللمسات الفنية , وتشاهد على ضفافه ما يحزن , ويبدو أن ثقافتنا النهرية وآليات تفكيرنا تتنافر مع التفاعل الإبداعي مع المكان وخصوصا النهر الذي منه تنطلق الحياة.
    والمجتمعات التي لا تحترم أنهارها وتبني جسورها لا يمكنها أن تكون قوية وقادرة على الحياة المعاصرة الزاهية المتألقة , وإنما ستعاني الضعف والإنحسار والتدهور الشامل.
    ولهذا فأن علينا أن نعود لأنهارنا ونتعامل معها بأساليب حضارية ونزيّنها بالجسور , ونعتني بضفافها وما يتصل بها , لكي تكون منافذ أمل وطاقات توثب وإنطلاق في آفاق التقدم والرقاء والبناء والتحضر اللائق بما تحتويه ضفافها , التي إحتضنت حضارات الدنيا الأولى , ومنها وفيها تأسست المنطلقات التي نقلت الوجود الأرضي إلى آفاق إقتدارية تقدمية , ما عرفها ووعاها لولا التفاعل المبدع ما بين الإنسان والأنهار الجارية في ربوع ديارنا الممتدة في أعماق البدايات التأريخية والإنسانية.
    فالنهر فوة وحياة والجسر حزام أمان ورافد إعتصام وتلاحم وإنسجام!!
    فاحترموا الأنهار قبل أن تفقدوها يا عرب!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media