حقوق الطبيعة في الدساتير
    الخميس 25 أبريل / نيسان 2019 - 06:49
    د. ميسون البياتي
    هل يجب أن يكون للأشجار حق في الدستور؟ وهل يجب منح شخصية وحقوق قانونية للبيئة ؟ باعتبار البيئه صاحبة حقوق كما هو الإنسان له قيمة وكرامة معترف بهما قانوناً وليست البيئه أداة أو وسيلة للاستفادة منها فقط

    لتحقيق وضع ( صاحب حق ) يجب أن يستوفي الكائن ثلاثة معايير : الأول _ إن الكائن يمكن أن يرفع دعاوى قانونية بناءاً على طلبه ؛ الثاني _ عند تحديد منح الانصاف القانوني يجب على المحكمه أن تأخذ في إعتبارها الضرر الواقع بحق الكائن ؛ الثالث _  عند تحديد الضرر يجب الحكم على إزالته وتعويضه 

    بناءاً على هذا فإن الكائنات غير الحيه ( يجب ) أن يكون لها الحق في رفع الدعاوى القضائيه أمام المحاكم لأن هذه الكائنات غير الحيه على وشك أن يتم  إلغاؤها أو تشويهها أو تجريفها أو تفريغها من محتواها بما يلحق بها وبمن حولها من بقية الكائنات أضراراً شتى ناتجه عن عدم الإهتمام بحماية التوازن البيئي

    الكائنات غير الحيه قد تكون أحياناً طرفاً في دعاوى قضائيه بالإشتراك مع آخرين , للنهر مثلاً شخصية قانونيه , فإذا كان يحمل أشخاصاً أو مواداً دخلت ضمن نزاع قانوني مع غيرها فيجب أن يكون للنهر الذي يحملهم شخصية قانونيه تدافع عن حق حماية النهر من التعرض الى الضرر بسبب القضيه أساس الخصومه . ينبغي أن يكون هناك احترام للوديان والمروج والسهوب والأنهار والبحيرات والمصبات والشواطئ والتلال والبساتين والأشجار والمستنقعات 

    الهواء الذي نتنشقه يجب أن تكون له شخصيه قانونيه لأنه يشعر بالضغوط المدمرة للتكنولوجيا الحديثة والحياة الحديثة , ظاهرة الإحتباس الحراري يجب أن تكون لها متابعة قانونيه , أما فتحة الأوزون التي تتمركز فوق نيوزيلندا فهي تسبب 369 حالة إصابه بسرطان الجلد في نيوزيلندا مقابل كل حاله واحده تقع في جميع أجزاء العالم الأخرى 

     النهر ، على سبيل المثال ، هو الرمز الحي لكل الحياة التي تعيشها أو تتغذى عليها الأسماك والحشرات المائية وثعالب الماء والتماسيح والغزلان والأيائل والدببه ، وجميع الحيوانات الأخرى بما فيها الإنسان . النهر يمثل وحدة الحياة البيئية التي هي جزء منه

    في عام 2012  تم إعلان نهر وانجانوي النيوزيلندي شخصية تتمتع بالحصانه القانونيه  ويتمكن من اتخاذ إجراءات قانونية (عن طريق الأوصياء) لحماية مصالحه
     
    قوانين حقوق الطبيعة تطبق في دستور الإكوادور لأول مره في كل العالم وهي جزء من رد الفعل على مزيج من الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ماضي الإكوادور التعسفي مع الشركات الأجنبيه التي تسحب النفط  ، وفشل الاقتصاد القائم على استخراج النفط والإصلاحات النيوليبرالية التي لم تجلب أي رخاء اقتصادي للبلاد أدى إلى انتخاب نظام يساري جديد على أمل أن الإشتراكيه قد تحل بعضاً من مشاكل البلاد 

    تمت مطالبة الحكومه الجديده بتوفير مستوى لائق من الحياة عن طريق التنميه  ، ومطالبتها مع التنميه ب ( العيش الجيد ) ولهذا إكتسب مبدأ المحافظه على الثروات الإجتماعيه والبيئيه والروحيه شعبية بين المواطنين فتم دمجه بالدستور . الشعوب والأمم لا تحتاج فقط الى الثروات الماديه أو الماليه لتعيش في أوطان خربه يعشش فيها موت الزرع والحيوان وتنتشر فيها الأمراض بسبب خراب البيئه . خطط التنمية النيوليبرالية لم تخلق الازدهار لكثير من سكان الإكوادور ، وخاصة سكانها الأصليين الذين يشكلون حوالي 40% من سكان البلاد لأن الاقتصاد المبني على تصدير المواد الخام من البلاد كان يعيث فسادًا ببيئة الأمة ، والإكوادور بلاد ذات تنوع بيولوجي وثقافي مهم لا تجوز الإستهانة به بهذا الشكل الفاضح خدمة للشركات الأجنبيه 

    تأثير جماعات السكان الأصليين في الإكوادور الذين تضرروا بشده من الشركات الأجنبيه التي تستخرج نفطهم بينما هم يعيشون في اوضاع مزريه وفي فقر مدقع كان عاملاً أساسياً في تشكيل مفهوم ( العيش الجيد ) وإدخال الفقرات التي تحميه الى دستور البلاد بما في ذلك حماية الحقوق الطبيعيه للبيئه , وحماية الحقوق الثقافيه التي تنص على حماية اللغه والمعتقد وإحترام التراث الأصلي للبلاد 

    كشفت الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 عن خلل الاقتصاد المبني على تصدير النفط في جميع دول العالم ، وأدت إلى فترة من الاضطراب السياسي في الإكوادور جعلت من الواضح الحاجة إلى حكومة جديدة تعتمد على التنمية قبل النفط 

    برز مفهوم ( العيش الجيد )  الذي لايمكن تحقيقه إلا داخل مجتمع متكامل , وهذا المجتمع لابد أن يتضمن الطبيعة بكل مفرداتها والعيش في وئام مع النفس والغير والطبيعه . هذا المفهوم ينتشر الآن في أغلب دول أمريكا اللاتينيه كمفهوم للمجتمع الواحد متعدد الثقافات الذي يلغي أي حد فاصل بين الطبيعة والمجتمع 

    يعتمد الدستور على الاعتراف بـحق السكان في العيش في أجواء صحية متوازنة بيئياً , على أن تكون الدوله مسؤوله عن تشجيع توليد وإنتاج المعرفه وتعزيز البحث العلمي والتكنولوجي والمحافظه على التراث وتطوير حكمة الأجداد , لتكون الحكومه مساهمة بشل فعّال في العيش الجيد 

    في 10 نيسان 2008 وافقت الجمعيه الدستوريه الإكوادوريه بأغلبية 91 صوت من أصل 130 على إدراج قوانين حقوق الطبيعه في دستور البلاد ثم تم إجراء إستفتاء إلزامي للتصويت على الدستور الجديد حيث تمت الموافقه عليه ب 65% من أصوات الناخبين  

    د. ميسون البياتي 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media