آدميون ومسلمون أيضًا
    الخميس 25 أبريل / نيسان 2019 - 20:16
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    ليسوا بآدميين.. لأ يا سيدى عفوا فهم آدميون، ومن لحم ودم مثلنا تماما، ولهم عقول تفكر وقلوب تنبض، ويمشون في الأسواق كما نمشى، ويأكلون الطعام كما نأكل، ويصلون في المساجد كما نصلى، ويقرأون القرآن كما نقرأ، وينامون على الأسرة كما ننام، وليس في الحظائر أو الزرائب. من قام بأعمال التفجيرات في سيرلانكا، ومات حوالى ثلاثمائة من الأبرياء، وأصابوا خمسمائة منهم بين الحياة والموت، في سلسلة تفجيرات الكنائس والفنادق في عيد الفصح، ليسوا من الهندوس أو السيخ أو اليهود أو المسيحيين، بل هم مسلمون وموحدون، ولهم عقول تقرأ، وتفهم، وتستوعب، وقلوب قد استقرت وعقدت العزم على ما أفتى به مشايخهم.

    قرأوا تاريخ السلف، ودرسوا سير المجاهدين الأوائل، وحروب مانعى الزكاة «حروب الردة»، وحرق المرتدين، وغزو بلاد فارس وأنهار الدم، وخراج مصر والشام وشمال إفريقية والأندلس، وقتال المبشرين بالجنة وآلاف القتلى في الجمل وصفين من الفريقين، ومجزرة الحرة الشرقية، ونبش قبور بنى أمية، ودخول البلاد الآمنة لنشر الدعوة وسلب متاعهم وأموالهم وسبى نسائهم، وليس بالموعظة الحسنة، ولما وجدوا في كل هذا العز والمجد والفخار كرروه وأعادوه، وكذلك يفعلون، وما زالوا، اليوم وغدا، هنا وهناك.

    لا بد أن نقر ونعترف ونبصم ونختم بالعشرة أن هؤلاء من صنفنا وعشيرتنا وقبيلتنا، وهم مسلمون من ديننا وعقيدتنا حتى النخاع، لكنهم تماما كالخوارج كانوا أهل عبادة، وأكثرهم قراءة للقرآن، وأهل ذكر وتضحية وغلو وتشدد وإفراط في النوافل وقيام الليل، وقيل فيهم «ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشىء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشىء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشىء»، بل يظنون أنهم الفرقة الناجية وهم أحق بأهل السنة والجماعة، وأكثر الفرق التزامًا بها، وفيما قيل فيهم «كلامهم حسن جميل لا ينازعه أحد في حلاوته وبلاغته، وهم أصحاب منطق وجدل»، ولولا هذا ما فجر عاقل نفسه.

    هؤلاء قرأوا تراثنا جيدا، وفهموه، واستمعوا، واقتنعوا بفتاوى مشايخ الغبرة في تاريخنا، وتوافق هذا مع ظروفهم الاجتماعية ونفوسهم، هذا الشبل «زهران هاشم»، القائد لجماعة التوحيد بسريلانكا، حفيد كل القتلة في تاريخنا حتى الدواعش، قرأ واستوعب ما أفتى به شيخ الإسلام، فلا لبس ولا خلاف بينهم جميعا فيما قاله وقرره عليهم، عن الكافرين «إذا كنا في حالة ضعف فلا نهينهم ولا نعتدى عليهم، لأن هذا سيضرنا، بل علينا أحيانا أن نحاكى سمتهم، وهديهم الظاهر، أما إذا كنا في حالة قوة فإنه يجب علينا أن نهينهم وأن نمتهن أديانهم ومقدساتهم» ونزيدكم من فضلهم «وقد استقر أهل السلف على» نسخ آيات الموادعة والصفح والعفو، ولا يختلف العلماء من المذاهب الأربعة، وغيرهم كثير، على أنه يلزم على المسلم عند الاستطاعة والقدرة والقوة ابتداء الكفار بالقتال حتى لو لم يبدأوه بقتال «ويرسم شيخ الإسلام للمسلم حال ترك وهجر بلاد الإسلام والعيش في بلاد الكفر أسلوب ومنهج التعامل مع أهل البلاد الأصليين»، إذا كان المؤمن بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآيات الصفح والعفو والموادعة والصبر عمن يؤذى الله ورسوله من الذين أوتو الكتاب والمشركين، أما من كان من المؤمنين بأرض له فيها القوة والمنعة، فإنه يعمل بآيات قتال أئمة الكفر، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، هذا فهمهم للدين، فلا تتساءلوا لماذا يقفون في طوابير الهجرة واللجوء إلى بلاد الكفر والكافرين في ضعف واستكانة، حتى إذا هاجر واستقر به المقام ثار وهاج وطالب بتطبيق الشريعة في بلاد تؤويه وتستره، ونسى يوما كان يقف على أعتابها طالبا الرضا والقبول، ولا تتعجبوا مما صنعه هذا المجاهد المتطرف في سريلانكا حتى لو قتل الناس أجمعين، فهم جميعا، من حرض ومن قتل على يقين بصدق ما يقول وما يفعل، ولو اجتمع عليهما أهل الأرض ما غيروا من عقيدتهم قيد أنملة، فهم يظنون أنهم مع الله وعلى حكم الله. وإياكم أن تظنوا أننا في منجاة مما يصنعون، بل نحن- المسلمين- حكمنا حكم أهل الكتاب والمشركين، لكن الخلاف هو في التوقيت والترتيب عند هذه الفصائل، وما يدور في سيناء أو في بلاد المسلمين بأيدى مسلمين من قتل وتخريب هو أيضا تحت مظلة وامتداد هذه الفتاوى، التي عقدت عقدًا لا فكاك ولا حل لها أو منها، فالجميع على مذهبهم مقتول، واسمع واقرأ فتوى محرك السلفية والوهابية «كل طائفة خرجت عن شريعة من شعائر الإسلام، الظاهرة أو المتواترة، فإن امتنعوا عن الصلوات الخمس، أو الزكاة أو صوم رمضان، أو حج البيت، وتحريم الفواحش والزنى والربا والميسر والخمور، وامتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وجهاد الكافرين حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وجب قتالهم جميعًا بإجماع أئمة المسلمين، وإن تكلموا ونطقوا بالشهادتين».. هذا هو حكم المسلم على المسلم، قتاله وقتال حاكمه إذا امتنع عن إقامة حكم مما سبق، بل منها إذا امتنعوا عن قتال الكافرين حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون، فنصيبنا ومصابنا منهم واحد، وإياك أن تأمن إليهم مهما توددوا، أو اجتمعوا معك، فهم عليك يوما ما، حتى لو أقسموا وعاهدوا ووقفوا معك يهللون ويؤيدون، فهم يوما منقلبون.


    adelnoman52@yahoo.com
    "المصري اليوم" القاهرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media