المفاهيم بين التوطين والاستنساخ
    الجمعة 26 أبريل / نيسان 2019 - 06:11
    زعيم الخيرالله
    الافكار تقوم وَتُؤَسَسُ على مفاهيمَ ، وكذلك العلوم مُؤسَسَةٌ على مفاهيمَ ومُصطَلَحاتٍ ، لابُدَّ من تفكيكِها وفهمِها ، للولوج الى عوالمها ، ومعرفة تفاصيلها.
    في البداية كان في ذهني ان يكونَ عنوانُ المقال (المَفاهيمُ بينَ التَبيِئةِ والاستنساخ) ، ولكنني عندما راجعتُ هذا المفهوم ، وجدت ان الدكتور (محمد عابد الجابري ) استخدمه في مقاربته لمفهوم الاصلاح ، ولعلّهُ هو اولُّ من استخدمَ هذا المُصطلح ، والاّ فانّي كنت افضّلُ مصطَلَحَ (التبيئة) ؛ لانّهُ يتناسبُ مع مصطلح الاستنساخ ؛ لان كليهما مصطلحان بيولوجيان ؛ ولهذا عَدَلتُ عنهُ .

    مفهوم التوطين

    المقصودُ بالتوطين هو : أَنَّ الافكارَ تنتمي الى وَطَنٍ ، ونَبَتَت في بيئةٍ معينةٍ ، وَنَشَأت في سياقات وشروط ثقافيّةٍ واجتماعيّةٍ خاصّةٍ ، ولها مرجعيّةٌ فكريّةٌ خاصّةٌ .اذا نقلناها الى وطنٍ اخر ، وبيئةٍ اخرى قد لاتؤتي ثمارها كما كانت في بيئتها الاولى ، وقد تكون عائقا للنهوض في البيئة الجديدة ، والوطنِ الجديد. فلا بدَّ ان نستنبَ هذهِ الافكارَ مع الوطنِ الجديدِ ونُخضِعَها للمرجعيةِ الجديدةِ ، والظروفِ والسياقاتِ والشروطِ الثقافيّةِ والاجتماعيةِ الجديدةِ .

    مفهومُ الاستنساخ

    مفهومُ الاستنساخِ يعني نقلَ الفكرة من وطنها الاصلي ، وبيئتِها التي تشكلت وتَكَوَنت فيها مع مرجعيتها وجذورها واصولها الفكرية ، دون النظر الى السياقات والشروط والمرجعية الجديدة . والاستنساخ ايجاد نسخ جديدة متماثلة مع المنشأ الاصلي ، كاستنساخ النعجة (دولي) .
    نحن بحاجة الى توطين المفهوم ، وتبيئتهِ ، ودراسة تأريخهِ وتكييفه مع مرجعيتنا الثقافية فمفهوم الديمقراطيّة ، تتبناهُ معظم دولُ العالم ، ولكنها تخضعهُ للتوطين ، بما يتوافق مع شروطها ومرجعيتها ؛ حتى يكون هذا المفهوم مقبولاً في الوطنِ الجديد.
    التجربةُ الاسلاميّةُ في ايران تبنت الانتخابات ، والاستفتاء على الدستور ، وهي اليات ديمقراطية ، ولكنّها كيفتها مع مرجعيتها الاسلاميّة ، واصحبت ممارسةً اسلاميّةً ، لايراها المواطنُ الايرانيُّ شيئاً لاينسجم مع ثقافته.
    هناك من دعا في عالمنا العربيِّ الى استنساخ المفاهيم ، كطه حسين ، وسلاّمة موسى ، وغيرهم .... وهناك من دعا الى العلمانيّة ، دون النظر الى سياقاتها وظروفها التي تشكَّلَت فيها .
    مُصطَلَحُ (الدولة الحضارية) ، مصطَلَحٌ يقبلُ التوطينَ ، والاستنبات في اوطاننا وتكييفه مع مرجعياتنا الفكرية .... ولايمكن استنساخه من دول حضاريّةٍ اخرى تختلفُ عنا في ظروفها النفسية والاجتماعيّة والثقافية ومرجعيتها الثقافية . نعم ، يمكن الاستفادةُ من تجارب الاخرين ، والانفتاح على كل الافكار والتجارب البشريّة .
    والخلاصة : يمكن نقل المفاهيم من بيئاتها الخاصّة واوطانها وتجريدها من مرجعياتها الثقافيّة والفكريّة ، وتكييفها مع شروطنا النفسيّة والثقافيّة ومرجعيتنا الفكرية ؛ حتى لايكون الفكر المُستَنبَتُ نبتاً غريباً .

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media