احاييل الحلبوسي دفاعاً عن حق لصوص كردستان في نهب العراق
    السبت 20 يوليو / تموز 2019 - 06:06
    صائب خليل

    ما حصل في مجلس النواب حول مقترح إضافة توضيح لإلزام كردستان بدفع مستحقاتها من النفط والطريقة التي تم اجهاضه بها من قبل رئيس المجلس، من الأمور التي تكشف مدى التدهور الحاصل في العراق، والحالة غير المعقولة التي وصل اليها هذا البلد.

    الحلبوسي في مجلس النواب يتحايل لمنع التصويت على قانون يلزم كردستان بنفطها
    https://www.facebook.com/100025295990950/videos/

    460045158182013/

    ويبدو انها صحوة ضمير متأخرة لهول الجرائم التي اقدم عليها هؤلاء النواب بتحطيم الدستور لوضع عميل امريكي- كردستاني على رأس البلاد، بما يعني ذلك من تطوير شديد للنهب المنظم، دفعت النائب يوسف الكلابي لتقديم مقترح القانون، مؤكداً ان اكثر من خمسين نائباً من زملائه قد وقعوه معه، وطلب التصويت عليه من رئيس المجلس. شعر الحلبوسي ان هناك قراراً خطيراً قد يغضب السادة الكبار في كردستان عليه، وان عليه ان يتصرف بسرعة لمنعه، ولكن بدون ان يشعر احد انه فعل شيئا مفضوحاً يكشفه. فحاول التملص بسرعة : "ليش نصوت على فقرة موجودة؟" طبعا هي غير موجودة بمعنى ان النص ليس في الفقرة الموجودة، لذلك لم تنجح المحاولة الأولى للإفلات، وأصر النائب يوسف على طلبه مكررا ان اكثر من خمسين من رفاقه شاركوا تقديم مقترح القانون.

    وهنا تذكر الحلبوسي حيلة ربما كانت قديمة في البرلمان العراقي، ولم يبتكرها هو، فطلب من الموجودين التصويت على "إدراج" المقترح للتصويت! والذي انهاه بسرعة: لم تتم الموافقة! وتخلص الحلبوسي من الكابوس الذي اقلقه: ان تجبر كردستان على دفع "بعضٍ" مما يفترض بها ان تدفعه!

    دعونا نراجع ما حدث، ونسأل هل صحيح أن يطلب الحلبوسي من الحاضرين التصويت على أدراج القانون للتصويت بهذه الطريقة؟
    قبل ان اراجع الدستور للبحث عن الجواب، لاحظت ان ما فعله الحلبوسي لا معنى له ابداً، ولا يمكن ان يكون صحيحاً.

    1- التصويت مرتين متطابقتين: أراد الحلبوسي، بدلاً من ادراج القانون المقترح للتصويت عليه مباشرة، التصويت أولاً على ادراج المقترح أو رفض ادراجه، ثم ثانياً التصويت عليه ان حصلت الموافقة على الإدراج. وهنا خلل واضح. فمن الطبيعي ان يصوت كل من يريد تمرير القانون بالموافقة على إدراجه، ويرفض الإدراج كل من يريد رفض القانون في التصويت. في هذه الحالة يكون لدينا تصويتان متطابقان تماماً، ويكون التصويت النهائي زائداً وبلا معنى، لأن تصويت الإدراج يأخذ دوره!

    2- مخالفة الدستور: بالفعل يذكر الدستور بوضوح أن هذا خطأ. فتقديم مقترح القانون لا يحتاج إلا إلى عشرة نواب وفق المادة (60) ثانياً:- "مقترحات القوانين تقدم من عشرةٍ من أعضاء مجلس النواب، أو من إحدى لجانه المختصة.”
    أما في الطريقة التي ابتكرها او تعلمها الحلبوسي من مكان ما، فقد اشترط عملياً لتقديم اقتراح القانون أن يحصل على الأغلبية البسيطة في مجلس النواب!

    3- تصويت بدون قراءة محددة: لم يقرأ الحلبوسي نص القانون المقترح قبل التصويت على ادراجه للتصويت، انما اكتفى بإفهام النواب بشكل عام موضوع القانون المقترح، من خلال المناقشة السريعة مع صاحب القانون، حين حاول رفضه مسبقاً، واعتبر ان الآخرين قد فهموه مثلما فهمه!

    4- لا وقت للتفكير: لم يتح الحلبوسي حتى للمنتبهين ان يفكروا في القانون، فقد حسبت أن بين أول دعوته للتصويت وبين صرخته المنتصرة: "لم تتم الموافقة" المتبوعة بضربة مطرقته، كان هناك 15 ثانية فقط!

    5- لا فرصة للمناقشة: في التصويت على مقترح قانون ما يقدمه 10 نواب، يجب إعطاء النواب الفرصة لدراسته ومناقشته وإتاحة الفرصة لمن قدمه ان يبين وجهة نظره، وأن يأخذ النواب كل الوقت اللازم لاتخاذ القرار قبل رفضه او قبوله. مقترح قانون الكلابي لم يحصل على أية فرصة لمناقشته، بل ان بعض النواب كان مشغولا بالكلام ولا يدري بالضبط عم يجري الحديث ولم يكن يتوقع أنه سيكون هناك تصويت لينتبه.

    6- لا داعي لحساب الأصوات: لم يقم الحلبوسي بحساب عدد الأصوات فعلاً، انما اكتفى بنظرة عامة لبضعة ثوان ليقرر ان الموافقة لم تحصل! فعلى النواب أصحاب القانون أن يثقوا بعيني الحلبوسي الجميلتين، وقدرتهما على الابصار الحاد والحساب السريع، إضافة الى أمانته الأكيدة. فلا توجد فرصة أخرى لحساب الأصوات! لكن هذا الاحتيال لم يكن بالتأكيد من اختراع الحلبوسي فقد سبقه اليه جميع رؤساء مجلس النواب، وكان عد الأصوات دائما الحيلة الأسهل التي يفرض بها رئيس المجلس نتيجة أي تصويت مشكوك به. لكن اسلاف الحلبوسي كانوا يتظاهرون بالحساب قليلا، اما هو فيكتفي بنظرة سريعة يتكرم بها على المجلس.

    7- من صوت على ماذا؟: ليست مسألة عد الأصوات بدقة ووضوح في أي برلمان في العالم مسألة بديهية لوحدها فقط، بل أيضاً ان يعرف الجميع أسماء من صوت من النواب بالإيجاب ومن بالسلب. فمن حق الناس ان تعرف، خاصة ان الموضوع حساس جداً، من الذي وافق ومن الذي رفض هذا القانون! فعلى هذا الأساس يفترض ان يحسب الناس من سينتخبون في الانتخابات القادمة. لكن هذا بالطبع آخر ما يريده الحلبوسي وبقية اتباع كردستان. ونتيجة هذه الممارسات، لا يعرف الناس نتيجة أي تصويت في البرلمان ولا من صوت وبأي شيء، إلا من خلال "تهريب" المعلومات والصور من البرلمان، والتي يبدو انهم يحرصون على تشويشها قدر الإمكان. 

    8- ضع المحايدين حيث تشاء: لطش الحلبوسي السؤال الطبيعي الثاني في أي تصويت، والذي يأتي بعد السؤال: "من يؤيد"، وهو "من يعارض؟". فهناك دائما من لا يستطيع ان يقرر وهناك دائماً محايدين يمتنعون عن التصويت. وبالتالي فأن الحلبوسي شمل الذين كانوا سيمتنعون عن التصويت في حسابه كـ "معارضين للقانون"!
    بهذه الطريقة يستطيع رئيس البرلمان ان يضع المحايدين في أي خندق يريده هو! فلو أراد الحلبوسي ان تكون النتيجة إيجابية في التصويت في أي قانون فكل ما عليه هو ان يسأل سؤاله الوحيد بطريقة معكوسة فيسأل: من يعارض؟"، وهكذا سيشمل الممتنعين عن التصويت في خندق الموافقين.

    رئيس مجلس النواب العراقي يحول نفسه بهلواناً، ويقوم بثمانية احتيالات كبيرة خلال دقيقتين، خشية ان يقل قليلاً، نهب لصوص كردستان لفقراء بقية العراق.. لا أتصور ان مثل هذه المهزلة موجودة في بلد آخر.

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media