الحلقة الأولى من دراسة الإسلاموية داء الإسلام العضال.. الإسلاموية L’Islamisme مرض الإسلام العضال
    الخميس 15 أغسطس / آب 2019 - 20:55
    د. جواد بشارة
    تنتشر بين أوساط الرأي العام الغربي مقولة تتردد باستمرار:" لو لم يكن هناك إسلام لما كانت هناك داعش والقاعدة وأمثالهما، أولما كان هناك إسلام سياسي أو إسلاموية". فهل الإسلاموية هي الإسلام؟ أو هل الإسلام هو إسلاموية بطبيعته وجوهره وبموجب نصوصه المقدسة؟ 
    لا بد من مقاربة شاملة ومن زوايا متعددة وباختصاصات متنوعة للإلمام بهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد العالم برمته وعلى رأسه العالم الإسلامي نفسه قبل فوات الأوان، خاصة بعد أن أصبح خطر ايديولوجية التديّن الاسلامي المتطرف ، أي الآيديولوجية التي تعيش على الدين وتنشط من خلاله وبإسمه ، وبالتالي فهي  تهدد المجتمعات العربية والإسلامية  وتخلق التحدي الحضاري  للعالم  المعاصر فلا بد من حل إشكالية تعارض فكر الدين الاسلامي السلفي وتقاطعه مع ثقافة وحضارة وقيم العالم الحديث في كافة المجالات الحياتية والمجتمعية. يعاني الإسلام الحالي من آفة الفكر السياسي الديني ومن  أدلجة الدين حيث انتهى الدين كرسالة بموت مؤسسه محمد وتحوله إلى مؤسسة سياسية تسيرها المصالح الشخصية ألا وهي مؤسسة الخلافة.

    المراجعة النقدية للدين:
    ألبس الدين هالة من القدسية  وأشبع بثوابت مطلقة متعالية لا يمكن إخضاعها للنقد  الدنيوي أو لأية محاولة اجتهادية لأنها ستواجه باستحالة تحريمية  وممارسات قمعية وبجدار المحرمات  القطعية  وتحريم المساس بالمقدس والتهديد بالثواب  والعقاب والعذاب الأبدي في السماء والعقاب والتعذيب الجسدي على الأرض بالوسائل الدنيوية الإناسانوية بموجب فتاوي  التحريم والتكفير الديني. 
    أمام هذه المعضلة وغيرها نجد أن التديّن في تحريمه النقد  والمراجعة النقدية للنصوص، قد حول العلاقة بين الإنسان ومعتقده إلى تبعية عمياء وجعلها كالعلاقة بين الراعي والقطيع. فلا يحق  للعبد أن يتطاول على ولي أمره المتمثل بالأمير أو الخليفة ، الآمر الناهي والذي نصب نفسه حامياً وممثلاً لدين الله على الأرض. إن هذه الآيديولوجية  السياسية  الدينية الإسلاموية تستغل تخلف  المجتمع وتقهقر الوعي المجتمعي الجمعي الغارق في حملات التضليل وتغييب الوعي والتفكير والتشبث بالطروحات الدوغمائية ذات المنحى الإطلاقي الغيبي وتشويه ثنائية  المقدس والمدنس، والروحي والدنيوي، وهيمنة الماضي المنزه على الحاضر المدنس بمتطلبات الحضارة والعصرنة . وهذا هو ما خلق  بؤرة الصراع والمواجهة بين المتدين المتشدد الذي يلجأ للقوة والعنف وقطع الأعناق و المؤن  المعتدل البسيط ، ناهيك عن المرتد أو الكافر الذي يستحق القتل والإبادة عملاً بمقولة من رآى منكم منكراً فليغيره بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع ، فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" . لقد استخدم السلفيون والمتطرفون سلاح الترهيب والتكفير والقسوة والبطش والهمجية والأساليب المتوحشة لإثارة الرعب في نفوس الآخرين الذين لا يشاطرونهم رؤيتهم وفهمهم للدين. 
    كان أتباع هذا الموروث الديني  المدعم بالنصوص والأحاديث المقدسة قد منحوا أنفسهم سلطة الحماة والأوصياء على الدين الإسلامي ومصادرته واعتبار الآخرين إما كفرة أو مرتدين أو أعداء للدين وعليه يجب إخضاعهم أو استئصالهم بالقوة والعنف والإرهاب. كان هذا السلوك موجوداً منذ إعلان الخلافة بعد وفاة النبي وتجلى بوضوح في حروب الردة والغزوات الإسلامية ضد الشعوب الأخرى فلا خيار آخر سوى الدخول في الإسلام والخضوع والانصياع أو القتل أو دفع الجزية مذلولين فيما يتعلق بأهل الكتاب من يهود ومسيحيين .
    الدين بالنسبة لهؤلاء ليس عقيدة  وعلاقة بين الرب  وعبده، بل نظام حكم يطوع الدين لصالح السياسة والمصالح السياسية والمنافع الدنيوية فالحاكم هو السيد وليس الدين، وهذا الأخير يمارس السلطة بإسم الدين  فهي منفعة تبادلية وفق مقولة لا دين في معصية الحاكم وعليه يجب إطاعة ولي الأمر سواء كان تقياً أو فاسداً، مستبداً أو عادلاً، وهي المعادلة التي أدت إلى نشوء الفكر السياسي الديني الإسلاموي. والذي خلق بدوره ، كردة فعل مبررة، ظاهرة الإسلاموفوبيا ، أي كره الإسلام.  
    كان هناك تنظيم الإخوان المسلمين في بدايات القرن العشرين وإلى يوم الناس هذا ، وفروعه في العالمين العربي والإسلامي، وفي أوروبا والغرب كذلك، والذي بني على أساس أخذ السلطة السياسية بالقوة وإعادة تأسيس دولة الخلافة الإسلامية المهيمنة والقاهرة والمتسلطة بالقوة على العالم بأسره. وكان المنظر لهذه الأطروحة هو سيد قطب الذي أعدمه جمال عبد الناصر سنة 1966، وتحول إلى شهيد بنظر أتباعه  وأنصار كافة التشكيلات الدينية السياسية اللاحقة كحزب الدعوة الإسلامية وحزب التحرير وتنظيم القاعدة وطالبان  وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش"  التي كانت بمثابة الإفراز الطبيعي لآيديولوجية  الإسلام السياسي أو النزعة الإسلاموية. 
    ارتكب أتباع الإسلاموية جرائم يندى لها جبين الإنسانية ، داخل العالم الإسلامي وخارجه، في أوروبا وأمريكا وروسيا  وفي الهند والباكستان وأفغانستان والعراق وسوريا والجزائر وليبيا ومصر وأفريقيا وغيرها، وهي أعمال إرهابية قذرة  ومتوحشة  لا يمكن حصرها أو تعدادها . 
    أثارت الرعب  في نفوس السكان  وتسببت  بتفاقم ظاهر الحقد على الإسلام والمسلمين. حاول بعض الكتاب اليساريين التخفيف من حدة ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب الذي عزا البعض منهم تفاقم  النزعة الإسلاموية إلى الماضي الاستعماري البغيض للعالم الإسلامي من قبل الغرب واعتبر التظاهرات المليونية الاحتجاجية المدينة للإرهاب الإسلاموي ذريعة للبصق على دين الضعفاء والسخرية من نبيهم وإهانته برسوم كاريكاتورية أثارت مشاعر مريديه، على حد تعبير  الكاتب الفرنسي إيمانويل تود Emmanuel Todd، واتهم زميله الكاتب اليميني آلان فينكيلكروت Alain Finkielkraut بالحث على الحقد الديني والعنصري والإثني  ضد المسلمين لا سيما المقيمين على الأراضي الفرنسية. فقسم كبير من هؤلاء  الأجانب والمسلمين ، خاصة من الجيلين الثاني والثالث  من أبناء المهاجرين، يبدون علنا حقدهم على الدولة الفرنسية والمجتمع الفرنسي ورفضهم لقيم العلمانية ويعلنون بتحدي صريح انهم مع الفكر السلفي التكفيري وأنهم جند الخلافة في أرض الكفر ، ويشكلون أرضية وحاضنة تكفيرية تثير الهلع والخوف والكره لدى الفرنسيين والأوروبيين تجاه الإسلام والمسلمين. لقد صنعوا لأنفسهم غيتوهات منعزلة يطبقون فيها قوانين الإسلام والشريعة وفرض الحجاب على  النساء ومنع الاختلاط ورفض دروس الأحياء ونظرية التطور، وهم يتكاثرون يوماً بعد يوم، حتى باتوا يشكلون خطراً كامناً على استقرار المجتمعات الأوروبية وأمنها، لأنهم يخططون لأسلمة هذه المجتمعات حتى ولو بالقوة وبالكثرة العددية السكانية لهم في المستقبل . ولكن هل يمثل هؤلاء الإسلام؟ وأي إسلام؟ فهل هناك إسلام واحد أم عدة أشكال وصيغ للإسلام ، أي إسلامات متعددة ومتنوعة ومختلفة فيما بينها؟ ، وبالتالي ما هو الاختلاف بين الإسلام والإسلاموية؟ يردد بعض المختصين بالإسلام وبالعالم العربي والإسلامي من المستعربين والمستشرقين أن القرآن نفسهم يطلب من المؤمنين ألا يتخذوا اليهود والنصارى أو المسحيين أصدقاء لهم ، فيما أصدر لفيف من المفكرين والمثقفين والسياسيين الفرنسيين ، من بينهم رؤساء سابقين للجمهورية مثل نيكولا ساركوزي، ووزراء سابقين في وثيقة لهم نشرت في وسائل الإعلام، تتضمن مطالبة المسلمين والعالم الإسلامي والمؤسسات الدينية الإسلامية، بإزالة وإلغاء الآيات الواردة في القرآن التي تدعو للقتل  والعقاب الجسدي لغير المسلمين أو إخضاعهم وإذلالهم  بدفع الجزية صاغرين  واعتبارها نصوص لاغية لا تلائم العصر. 
    المشكلة تكمن في جهل الموقعين على هذه الوثيقة بالإسلام وحقيقته. فالقرآن ليس كلام إنسان كتبه بشر بل هو عند المسلمين كلام الله لا يحق لأي كان مسه أو تعديله أو تغيير ما جاء فيه من نصوص وسور وآيات، كل ما يمكن فعله هو محاولة تأويل تلك النصوص التي تثير إشكاليات وإضفاء معاني وتفاسير جديدة عليها، على أن من يقوم بذلك لا بد أن يكون عالم دين مجتهد ومتخصص كبير في العلوم الإسلامية وعلوم التفسير  والتأويل  وهم نادرون في العالم الإسلامي اليوم. 

    يتبع 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media