العراق: السياسة النفطية في غيابْ الرُؤيا الاستراتيجية الاقتصادية المستقبلية
    السبت 28 سبتمبر / أيلول 2019 - 05:35
    صبري زاير السعدي
    مستشار وباحث إقتصادي
    في البدء، نشهد الحدث منذ عام 2003: كثافة الاهتمام، الوطني والأجنبي، باستغلال الثروة النفطية من النفط الخام والغاز غير القابلة للتجديد، والنشاط الحكومي المفرط في الترويج لأنماط استثمارها المتعددة والمتباينة في تأمين المصالح الوطنية وضمان أرباح الشركات الأجنبية . والسؤال الهام هنا، هل يُفيد الدولة والاقتصاد، اتخاذ القرارات الهامة في المشاريع النفطية بِغياب الرُؤيا الوطنية المستقبلية وإهمال التخطيط الاقتصادي المركزي في تحديد أولويات الاستراتيجية وأهداف السياسات الاقتصادية، والإلتزام السياسي بتحقيقها بآماد زمنية متعددة؟
    تكشف التجربة الاقتصادية منذ عام 2003، وبما لا يقبل التبرير والتأويل، عن الفشل الذريع في التحول "القسري والمفتعل" نحو اقتصاد السوق التنافسية بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بمبادئ السياسات "الليبرالية الجديدة" العَقيمة بالرغم من إنفاق الحكومات نحو ألف مليار (ترليون) دولار . وللدلالة على مظاهر الفشل، تكفي مؤشرات انخفاض النمو، وزيادة البطالة، وانتشار الفقر، وتفشي الفساد، وتردي الخدمات العامة، وتدهور مستويات المعيشة، واتساع فجوة التباين في الدخول والثروات، وزيادة الدين العام والقروض الأجنبية، والعجز عن إقامة وتحديث البنية الأساسية المادية (الاقتصادية) المتقادمة، وعدم تأهيل مشاريع القطاع العام الحَيَويّة، وتجاهل ضرورات الاستثمار الحكومي لتقليل الاعتماد الكبير على صادرات النفط الخام في تمويل الإنفاق العام المٌهَيْمِنْ على الطلب الفعال: الاستهلاك العالي، والاستيرادات المتزايدة من المنتجات الاستهلاكية واستقدام الأيدي العاملة الأجنبية غير الماهرة، والاستثمار المحدود جداً . ومع أهمية عدم تجاهل تأثير المصالح السياسية المحلية الضيقة، والمصالح الخارجية الجيوسياسية و"النفطية"، والظروف الأمنية الصعبة المؤلمة، وتدني المعرفة المهنية لدى المسؤولين في إدارة الاقتصاد الوطني، في تعميق دوامة الفشل وانتشار الفساد، فإن من الواضح أن الحكومة والأحزاب السياسية المهيمنة، بقيت تؤكد أيديولوجيتها، بإدراك مصلحة ذاتية أو ضيقة، بكفاءة "اليد الخفية" في اقتصاد السوق التنافسية المستهدف وقُدسية السياسات "الليبرالية الجديدة" بديلاً لأهمية التخطيط الاقتصادي المركزي ومشاريع القطاع العام، وتتجاهل تنفيذ سياسات وبرنامج ومشاريع التنويع الاقتصادي الهيكلي لتقليل الاعتماد الكبير على قطاع صادرات النفط. 

      في أحدث المشاريع النفطية المقترحة، تشير تصريحات رئيس الوزراء، السيد عادل عبد المهدي، بمؤتمره الأسبوعي، بتاريخ 7/5/2019، أشار إلى نتيجة عدم تنفيذ شركة نفط الجنوب العراقية في تنفيذ مشروع ضخ مياه البحر للحقول النفطية، فإن العراق بموجب الإتفاقية المبدأية مع شركة أكسون موبيل الأمريكية وشركة بتروتشاينا الصينية سينفذ هذا المشروع بعد توسيع أهدافه في مشروع جنوب العراق المتكامل بتطوير وزيادة إنتاج بعض الحقول واستثمار الغاز المصاحب وتصدير الإنتاج، حيث سيحصل بحسب التقديرات الأولية على إيرادات ننجاوز 400 مليار دولار"، و"أن مجلس الوزراء وافق على المشروع  الذي "سيوفر عشرات الآلاف من فرص العمل" ومشيراً إلى أن "المشروع كان قد بدأت دراسته في العام 2015"، وأن "قيمة المشروع تبلغ 53 مليار دولار، ومدته 30 عاماً، وسيحصل العراق على 88% بتقدير يتجاوز 400 مليار دولار". أنظر: المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في يوم الثلاثاء المصادف 7/5/2019 على (you tube)، وكذلك، جريدة الصباح الجديد الإليكترونية بتاريخ 8/5/2019  (184130.http://newsabah.com/newspaper/). ومن المشاريع النفطية الجديدة- القديمة الواردة في اتفاقية التعاون الاقتصادي الحديثة مع الأردن، أنظر: ثامر العكيلي، "أنبوب الخط العراقي الأردني بين الحياة والموت"، جريدة الأخبار الأليكترونية 14/2/2019. وأنظر التقييم الهام للأستاذ المهندس علي صبيح رئيس اتحاد الصناعات العراقي لتأثيرات الإتفاقية، السلبية الخطيرة، على واقع ومستقبل الصناعات العراقية، أنظر: المقابلة ومدتها 40 دقيقة في برنامج "مال واستثمار" المنشورة في قناة "الرشيد" على اليوتيوب بتاريخ 9/2/2019.
              وردت بيانات مؤكدة عن إنفاق الإيرادات النفطية خلال الفترة (2005-2018) بنحو 706.23 بليون دولار، أنفق منها 703.11 بليون دولار. أنظر: تصريحات محافظ البنك المركزي العراقي المنشورة في جريدة "الأخبار" العراقية الإلكترونية بتاريخ 31/7/2018. (www.akhbaar.org
       حول هذه المؤشرات، أنظر: صبري زاير السعدي، "المشروع الاقتصادي الوطني في العراق: مقاربة في برنامج صندوق النقد الدولي"، دراسة نشرت في العدد 469 (آذار/مارس 2018)، مجلة "المستقبل العربي" الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان.

    ولأن الموارد النفطية الطبيعية ملكية عامة ، فإن إدارة الدولة (الحكومة) للسياسة النفطية: الإنتاج والتصنيع والتصدير، يجب أن يكون مُقيداً، كما يفترض المنطق الاقتصادي والعملي، بمشاريع تُسْهمُ في استدامة النمو الاقتصادي وتشغيل القوى العاملة، وتحسين مستويات المعيشة، وتراكم الثروة الوطنية، والارتقاء بنوعية الحياة في المجتمع. وفي الإيضاح، وكما في التجربة الاقتصادية خلال الفترة (1951-1979)، يَفيدٌ الاستثمار في استغلال "المزايا النسبية" للموارد الطبيعية العامة من النفط الخام كمستخدمات بأسعار تفضيلية في مشاريع صناعات المنتجات النفطية والبتروكيماويات، وفي الصناعات الوطنية الأساسية كالكهرباء، أو استخدام الإيرادات النفطية من صادرات النفط الخام (والغاز مستقبلاً) في تمويل الإنفاق الحكومي، الاستهلاكي والاستثماري، لاسيما في استكمال وتطوير البنية الأساسية الاقتصادية (المادية) المتهالكة، وفي تمويل الاستيرادات، حيث تتناسب جدوى الاستثمار والتمويل الحكومي مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الواردة في خطط وبرامج الدولة المرحلية والبعيدة المدى. ولأن تنفيذ السلطة الحاكمة لهذه الخطط والبرامج وبمراقبة السلطة التشريعية المنتخبة "ديمقراطياً" يتم "حصرياً" من خلال السياسات الاقتصادية والمالية السنوية والخطط والبرامج في المدى المتوسط، فإن أهداف السياسة النفطية، مصدر الطاقة والتمويل الرئيسي في الاقتصاد، يصبح موضوعياً من عناصر وأهداف هذه الخطط والسياسات. ففي إطار الاقتصاد-السياسي، تستهدف السلطة الحاكمة تأمين مصالح المواطنين والمجتمع بآفاق رؤيا وطنية استراتيجية مستقبلية ملهمة تترجم أهدافها عملياً بالتخطيط المركزي المتعدد الأبعاد والمراحل والمستويات، حيث يتم إنجاز مهام تحديد أولويات الاستراتيجية الاقتصادية وأهداف السياسات المالية والنقدية الكلية وسياسات الاستثمار والتجارة الخارجية، وتحديد معايير الاستثمار في المشاريع الحكومية وصلاحيات تنفيذها، والإعلان عن سياسات وإجراءات تشجيع القطاع الخاص . ولهذا، يصبح ضرورياً دمج السياسة النفطية: أي، مشاريع الإنتاج والتصنيع والتصدير، في إطار وخدمة أهداف الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية "الغائبة"، وليس العكس كما يتم حالياً.   
    ولعل ما يثير القلق الشديد، تَعَرضْ الهوية الوطنية لشروخ كثيرة، وبمسؤولية الأحزاب السياسية المُهَيمنة، نتيجة تأجيج النزاعات العنصرية والقومية والطائفية والدينية والثقافية. ومعها أيضاً، وللأسف الشديد، وبسبب تَفاقم الفشل والفساد، تناثرت هَوية "النظام" الاقتصادي في متاهات السياسات "الليبرالية الجديدة" المَعيبة. فلم يعد واضحاً، التَعَرُفَ عملياً، أو حتى نظرياً، أين تقع أولويات السياسات الاقتصادية لدى السلطة الحاكمة بين درجات تفضيل الكفاءة الاقتصادية في الإنتاج (قوى وآليات السوق في النظام الرأسمالي) وبين درجات تفضيل المساواة (العدالة) الاجتماعية (التخطيط المركزي والقطاع العام في النظام الاشتراكي) في استثمار الثروة النفطية العامة وتوزيع منافع التنمية. هذا بينما يستمر التطبيق الصَعُبْ والمُرتَبِكْ للسياسات "الليبرالية الجديدة" بدعم صندوق النقد الدولي، والمَعنية بزيادة الإيرادات المالية وتقليل النفقات العامة لتقليص العجز في الموازنة المالية السنوية مع تجاهل نتائجها السلبية، لاسيما استمرار الاعتماد الكبير على الريع النفطي وتَكْريسْ أزمة الاقتصاد الوطني الهيكلية المزمنة ولآماد طويلة . وللأسف أيضاً، فإن الإنتقاص

     [1] ينص الدستور العراقي فيالمادة (111) أن "النفط والغاز ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليموالمحافظات".

    [1] للأسف، فإن برنامج الحكومةالحالية للسنوات (2018-2022) لا يستوفي الحد الأدنى من متطلبات الدولة الحديثة فيالرؤيا وصياغة الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية المتسقة معها. أنظر: صبري زايرالسعدي، "البرنامج الحكومي: تكريس أزمة الاقتصاد وتوأم الفشل والفساد"،نشر في جريدة الأخبار العراقية الإليكترونية بتاريخ 10/4/2019 (http://www.akhbaar.org) وفي موقعالبديل العراقي بتاريخ 11/4/2019 (www.albadeeliraq.com)، ومن المتوقعنشره في شهر مايس/ أيارفي العدد 406 لمجلة "الثقافة الجديدة"، بغداد،العراق. 

    [1] في تأكيد لأولويات سياسةصندوق النقد الدولي المعروفة والمعنية بتقليل عجز الموازنة المالية وتوقعاتهبانخفاض النمو واسترار العجز في الموازنة العامة، تشير بعثة الصندوق الأحدث إلىضرورة تخفيض الأجور في القطاع العام وتقليص الدعم على الكهرباء، مع زيادةالإيرادات العامة غير النفطية، أنظر: 

    IMF, "Staff Complete 2019 Article IV Mission on Iraq”, May06, 2019  

    من الهوية الوطنية بمظاهره العديدة، وضياع "هوية" النظام الاقتصادي ، قد أدى ليس فقط إلى تفاقم الأزمات السياسية والمشاكل الاجتماعية، بل وأيضاً، أدى إلى تضييق آفاق التنمية وانحسار مستوى الاستثمار الوطني دون الحد الأدنى  - باستثناء الاستغلال المتزايد للثروة النفطية – في إيجاد مصادر جديدة للإنتاج ومنتجاتها القادرة على المنافسة، وانهيار ثقة غالبية المواطنين بتحسين ظروفهم المعيشية، وأسهم بالتالي في تبديد "الفرصة التاريخية النادرة" في الانتفاع من "نِعْمَة" الثروة النفطية الوفيرة والناضبة في بناء الاقتصاد الوطني والإسراع بالتنمية الاجتماعية والبيئية الآن وفي المستقبل.
    ومن المفيد التأكيد، أن كتابات الاقتصاديين المُتَحَيزة لتطبيق السياسات "الليبرالية الجديدة" والدعوة لخصخصة مشاريع القطاع العام، بما فيها أصول الثروة النفطية بدعوى مساوئ الريع النفطي المخادعة، لم تتناول التدقيق في أهمية القطاع العام بموازاة دور القطاع الخاص باستخدام معيار الكفاءة الاقتصادية في الإنتاج، ولو بتعريف محدود، في مقابل العدالة الاجتماعية في توزيع الإنتاج، ولو بتعريف محدود أيضاً، كما نستدل مدى تحقيق الكفاءة الاقتصادية من نسبة مستلزمات الإنتاج ونسب كل من الأرباح والأجور من القيمة المضافة التي تولدها الأصول الإنتاجية للقطاع الخاص، في مقابل العدالة الاجتماعية في الإنتاج، كما نستدل مؤشراتها من نسبة مستلزمات الإنتاج ونسب كل من الأجور والأرباح من القيمة المضافة التي تولدها الأصول الإنتاجية للقطاع العام. 
    وهنا، وللأهمية، تشير أحدث البيانات الإحصائية الرسمية، وخلافاً لما يشاع في هذه الكتابات، أن أداء القطاع العام في عام 2017، وبالرغم من إهمال وعدم تأهيل العديد من المشاريع العامة، هو الأفضل نسبياً بمعيار الكفاءة الاقتصادية والأفضل بالمطلق بمعيار العدالة الاجتماعية بالمقارنة مع أداء القطاع الخاص، وبعد استثناء إسهام القيمة المضافة التي يولدها قطاع استخراج النفط الخام وقطاع الإدارة العامة والدفاع (ملكية الدولة) في الناتج المحلي الإجمالي . وتجدر الإشارة أيضاً، إلى أن نسبة الأجور والرواتب المدفوعة من القيمة المضافة التي يولدها قطاع "الأنشطة العقارية والإيجارية والمشاريع التجارية"، المملوك كلياً من قبل القطاع الخاص، والتي تزيد على مجموع القيمة المضافة في قطاع الصناعات التحويلية وقطاع الزراعة، هي الأوطأ بالمقارنة مع بقية القطاعات الاقتصادية . (الجدولين رقم 1 و2)

     [1] لا يسعفنا الدستور العراقيفي تعريف النظام الاقتصادي حيث نلحظ الصيغ العامة جداً والقابلة لأكثر من تفسير،كما يرد في النصوص الواردة في الفرع الثاني بعنوان: الحقوق الاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية، ففي المادة 22، الفقرة أولاً، "العمل حق لكل العراقيين بما يضمنلهم حياة كريمة"، وفي الفقرة ثانياً، "ينظم القانون العلاقة بين العمالوأصحاب العمل على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية"، والفقرةثالثاً، "تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، أو الانضمامإليها" وفي المادة 23، ينص على "الملكية الخاصة مصونة، ويحق للمالكالانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها"، وفي المادة 24، "تكفل الدولةحرية الانتقال للأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الأموال العراقية بين الأقاليموالمحافظات"، وفي المادة 25، "تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفقأسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاعالخاص وتمتينه." والمادة 26، "تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات فيالقطاعات المختلفة"، وفي المادة 28، ثانياً: "يعفى أصحاب الدخولالمنخفضة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة".أنظر: وثيقة "دستور جمهورية العراق 2005"، موقع البرلمان العراقي  (www.iraqinationality.gov.iq)  

    [1] أنظر: جمهورية العراق،وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للإحصاء، "التقديرات الأولية السنوية للناتجالمحلي الإجمالي والدخل القومي لسنة 2017، كانون الأول 2018. 

    [1]  أنظر: المصدر السابق.
    وإذ نلحظ دائماً، أن الفشل الاقتصادي وانتشار الفساد يتزامن مع زيادة الإهتمام بالمشاريع النفطية بهدف زيادة الإيرادات والإنفاق العام، بما في ذلك زيف التضليل بوعود توزيع جزء من الإيرادات النفطية للمواطنين ، لتخفيف ضغط مطالب المواطنين المعيشية لفترة قصيرة وتأثير إيجابي محدود جداً، وأن التعامل مع الاستثمار في المشاريع النفطية بغياب تام عن الرؤيا الاستراتيجية الاقتصادية المستقبلية، فإن منافع الثروة النفطية لن تتحقق بدون تخصيص معظم الإيرادات النفطية في تمويل الاستثمارات الحكومية بتأسيس المشاريع الصناعية المتقدمة تكنولوجياً، وتحديث الإنتاج الزراعي، وفي توطين التكنولوجيا المتقدمة وتوسيع البحث العلمي، وإقامة وتحديث مشاريع البنية الأساسية المادية (الاقتصادية)، وفي تحسين مستويات المعيشة بتوفير فرص العمل، وإنهاء الفقر، وتوفير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية العامة. ولهذا، فإن تمويل الاستيرادات المتزايدة من المنتجات الاستهلاكية يجب إدراجه في أدنى سلم الأولويات، وهو ما يناقض السياسات الحالية. كذلك، فإن تكلفة الاستثمارات الضخمة في مشاريع الدولة الاستراتيجية التي يجب إعدادها وإعلانها في برنامج سنوي مستقل عن الموازنة المالية السنوية، يفرض تجنب استثمار الفائض من الإيرادات النفطية، إن تحقق في المستقبل، في الأسواق المالية الدولية من خلال "الصناديق السيادية" التي يتم التلويح بها، أو في سندات البنوك الأجنبية أو إضافتها لحساب احتياطيات البنك المركزي العراقي "الزائدة". وفيما يتعلق بالسياسة النقدية واستقلالية البنك المركزي عن السياسة المالية "المهيمنة" والتي يشار إليها "بمغالطة" تجنب استخدام احتياطيات البنك المركزي في تمويل عجز الموازنة المالية السنوية، للتضليل بِعُقمْ وفشل السياسات الجاري تطبيقها، يصبح من الضروري التأكيد على أن الاستغلال الجائر للثروة النفطية الناضبة: أي، زيادة عوائد الصادرات (الإيرادات) من العملات الأجنبية بما يزيد على متطلبات تمويل الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية والإسراع بالتنمية الاجتماعية والبيئية، يعني زيادة التكلفة الحقيقة لاستخراج مورد النفط الخام، بمقياس أسعار الكفاءة (الظل) التي لا تتطابق عادة مع أسعار السوق، وتعبر عن "قيمة" الندرة النسبية للنفط في استخدامه بالصناعات المحلية وفي تمويل الاستيرادات اللازمة للاستثمارات الحكومية وللاستهلاك الخاص، ولهذا، هنالك دائماً ضرورة اقتصادية لمراجعة وتعديل أسعار الصرف الخارجي للدينار لتقييد الزيادة المفرطة في الاستيرادات، وهو يناقض السياسة النقدية الجاري تطبيقها. 
    في الممارسة العملية، يجب أن يكون واضحاً، أن سياسات استغلال الثروة النفطية يجب أن تهتدي بمعايير الأولوية المطلقة في مشاريع توسيع الطاقات الإنتاجية الحديثة التكنولوجيا القادرة منتجاتها على المنافسة في السوق المحلية والأسواق الخارجية، وليس مفيداً التضليل باستخدام مؤشر النمو في الناتج المحلي الإجمالي نتيجة زيادة أو إنخفاض القيمة المضافة في قطاع النفط الخام. ولهذا، يجب منذ الآن، تحديد نسبة ما لا يقل عن 50% من الإيرادات النفطية لتمويل المشاريع الحكومية المعلنة ببرنامج مستقل للاستثمار تتم متابعة إعداده وتنفيذه سنوياً من قبل جهاز عالي الكفاءة، في مقابل تخصيص ما لا يزيد على 50% من هذه الإيرادات لتمويل الإنفاق الحكومي الاستهلاكي في الموازنة

     [1] تجدر الإشارة إلى الوعود "الشعبوية"المتكررة بتوزيع جزء من الإيرادات النفطية بين المواطنين، ومنها أيضاً، ما ورد فيقانون شركة النفط الوطنية العراقية الملغى بقرار المحكمة الاتحادية العليا والذياستهدف، برأينا، الخصخصة التدريجية وغير المباشرة لأصول الثروة النفطية، وكمايتكرر الآن في مشروع "صندوق المواطن" أنظر:

    Sabri Zire Al-Saadi, "Iraq: Does Distribution of Some OilRevenues among Citizens Help?”, MEES, vol.55 n0. 10, 5th March 2012.

    أعيد نشر المقالة ببعض التوضيحاتباللغة العربية، أنظر: صبري زاير السعدي، "في المشروع الاقتصادي الوطني: هليساهم توزيع بعض الإيرادات النفطية بين المواطنين في التخفيف من أزمة البلادالاقتصادية والمعيشية المزمنة أم سيؤدي إلى تعميقها"، العدد 355 بتاريخ كانونالثاني/يناير 2013، مجلة "الثقافة الجديدة"، بغداد، العراق.


     المالية السنوية. كما يجب العمل ببديل للمؤسسات الحالية: تأسيس مجلس للتخطيط ينهي إنفراد كل من وزارة النفط أو المالية في البت بتقييم وتمويل المشاريع الحكومية.  

    وفي الاستنتاج، يجب إلغاء استقلالية السياسة النفطية، والعمل ببديل مناسب للسياسات الاقتصادية "الليبرالية الجديدة" العَقيمَة، كما في "المشروع الاقتصادي الوطني" "مشرق" ، واستثمار "نعمة" الثروة الوطنية، وقبل تضاؤل مزياها النسبية، بالحفاظ على ملكيتها العامة وحماية حقوق الأجيال فيها بإطار نظام اقتصادي واضح "الهوية" مُعَرَفٌ بالتزام سياسي لمسؤولية الدولة في إدارة الاقتصاد الوطني وممارسة التخطيط المركزي في إعداد أهداف الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية "الغائية" وتنفيذها، مع تشجيع استثمارات القطاع الخاص بتحسين آليات السوق وتطوير البنية الأساسية الاقتصادية (المادية) والاجتماعية والبيئية، لتحسين قدرات الاقتصاد الوطني التنافسية. 
    [[article_title_text]]

    [1]  أنظر: صبري زاير السعدي،"الثروة النفطية والمشروع الاقتصادي الوطني في العراق: بديل الاقتصاد السياسيللريع النفطي"، دراسة نشرت  في العدد480 (شباط/فبراير 2019)، مجلة "المستقبل العربي" الصادرة عن مركز دراساتالوحدة العربية، بيروت، لبنان.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media