قراءة في كتاب : كاظم عبدالجبار / شاعر غنائي توارى منسياً في متاهات الزمن / الكاتب الاستاذ لطيف عبد سالم
    الأربعاء 5 فبراير / شباط 2020 - 06:03
    جمعة عبد الله
    الشيء الجميل ان نتذكر مبدعينا , الذين طواهم الزمن بالنسيان والاهمال , ونزيح عنهم غبار الاهمال , ونعيد احياء تراثهم الابداعي ,  الذي تركوه في الذاكرة العراقية , ورحلوا الى رحمة الله الواسعة . وهذا الكتاب للاستاذ الاديب الباحث (لطيف عبد سالم) يستحق الثناء والتقدير الى مبادرته الرائعة  , في الجهد التوثيقي والتاريخي  للسيرة الابداعية  في الشعر الشعبي والغنائي للشاعر الغنائي الراحل  (كاظم عبدالجبار)  . الذي طاله الظلم والاجحاف والجحود من المؤسسات الثقافية الرسمية والاهلية ,  وحتى من  الافراد من ذوي الاختصاصات  بالادب والفن والنقد . رغم ان الراحل  قدم الكثير من القصائد الغنائية الى العديد من المطربين والمطربات . الذين احتلوا الساحة العراقية الغنائية آنذاك في السمعة المشهورة  . وكانوا عناوين في تطوير الاغنية العراقية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي . فكان الشاعر الغنائي الراحل , طاقة ابداعي غزيرة في انتاجاته في مسرته الابداعية  في الشعر الغنائي , وكذلك عمل في مجال الاعلامي والاذاعي   . واحتلت قصائده الغنائية موقعاً مرموقاً بالاداء  بالاصوات المرموقة آنذاك , واحتلت موقعاً هاماً في الاوساط الشعبية والفنية . بتشوق وشهرة واسعة . كان الراحل  من عائلة فقيرة وكادحة , تواجه الصعوبات في المعاناة وشظف الحياة القاسية . لذلك ترسخت في ذهنه شغف وبساطة الانسان الشعبي , في حزنه وهمومه , في حبه واحلامه وفي رغباته البسيطة . وفي ترجمة خلجات خواطر الوجدان . واعتبرت الاغاني التي كتب قصائدها من التراث الشعبي الغنائي . وظلت خالدة في وجدان الانسان العراقي يرددها في الاحزان والافراح . ولاسيما ان نجح هذه الاغاني الشعبية , هي حصيلة ابداعية متكاملة من الكثير من رواد الموسيقى واللحن والاداء الغنائي , ونذكر منهم . الملحن الكبير طالب القره غولي . كوكب حمزة . كمال السيد . فاروق هلال وغيرهم . وكذلك غنى من  المطربين والمطربات من الاسماء اللامعة والكبيرة منهم : جاسم الخياط . أمل خضير . حسين نعمة . فاضل عواد . المطربة الكبيرة مائدة نزهت في تحفتها الرائعة (ياهوى) من الحان الملحن فاروق هلال. ومن الاغاني التي اشتهرت على نطاق واسع من قصائده  الغنائية , نذكر منها . غنية ( للناصرية / خدري الجاي خدري / بأداء بصوت جاسم الخياط . اغنية (كذاب / ثنائي جاسم الخياط / امل خضير) اغنية (اتنه أتنه) . اغنية (يابو حجايات البريسم) واغنية (تعاليلي) والكثير من الاغاني التي قدمها  في مشواره الابداعي , التي جسدت الروح العراقية الشعبية في همومها واشجانها . وكانت بنت الظروف الاجتماعية السائدة . وكذلك عمل في الاعلام والاذاعة . وتكلل برنامجه الاسبوعي بالنجاح الكبير في زخم التواصل مع الجمهور السامع . فكان يمتلك روحية غنائية في قصائده تنثال بشكل شفاف وعذب وفي دلالاتها الثرية , التي تجعل الروح العراقية تترنم وتترنم في لحن اغنياتها بشوق مرهف ومتلهف الى سماعها في الصوت الغنائي , الذي يعبر عن الروح العراقية الاصيلة وانعكاساتها الاجتماعية , في الحب والحزن التي تروي الظمأن في النسائم العذبة , لانها من صلب الحياة الشعبية والاجتماعية .

    ينحدر الشاعر الغنائي الراحل (كاظم عبدالجبار) من مدينة السماوة الفراتية . المدينة التي انجبت الكثير من المبدعين الكبار في كل المجالات , في الادب والشعر والفن . وهذه مدينة الرجال الشجعان سجلت مأثرة بطولية وتأريخية في ملحمتها الوطنية . في موقفها الشجاع والبطولي في محطتها التي ارتبطت بقطار الموت . في هبتهم الشعبية رجالاً ونساءاً واطفالاً في انقاذ حياة 500 سجين سياسي من الموت المحقق . في نخوتهم العراقية الاصيلة التي  ابعدت الموت عنهم وهم في فم الذئب الوحشي الكاسر.

    أن كتاب الاستاذ الباحث (لطيف عبد سالم) يعتبر مبادرة شجاعة في جهد فردي في احياء التراث الشعبي والغنائي  للشاعر الراحل . ليزيل غبار  النسيان والاهمال في الزمن الظالم والمجحف , ويتحمل مسؤوليته المؤسسات الثقافية الرسمية  والافراد , بعدم احترام الكنوز الابداعية واهمالهم بشكل مجحف . بينما الشعوب المتحضرة تعتبر المبدع كنزاً لا يعوض بثمن . لذلك يكونون في خدمته في تقديم الدعم والعون والمساعدة بشكلها المعنوي والمادي . نحن في العراق الذي يتميز بالظاهرة السلبية , نتنكر بظلم واجحاف  الى المبدعين حتى لانقف معهم هم في امس الحاجة , مثل المرض والعوز المادي  , وتسهيل عليهم صعاب الحياة وتخفيف وطئتها الثقيلة ,  ودعمهم من اجل تطوير الثقافة العراقية في جميع ميادينها . وما اصاب الشاعر الغنائي الراحل  (كاظم عبدالجبار) هو ظاهرة عراقية عامة ,  في اهمال ونسيان المبدع في الحياة والموت . رغم ان ماقدمه الشاعر الغنائي الراحل الكثير في تطوير الاغنية العراقية ,  وخاصة في الستينيات والسبعينيات , في  زمن ازدهار الاغنية العراقية في ذلك الوقت  , واصبحت من التراث الشعبي الخالد . والكتاب يتابع مسيرة حياة الشاعر الغنائية . منذ ولادته وسير حياته الاجتماعية وحتى اختطفه الموت ورحيله الابدي الى رحمة الله الواسعة . لذلك ان الكتاب يعتبر بحق جرس التنبيه في الذاكرة العراقية . في تذكير بأحد المبدعين الذين قدموا الكثير. وهي دعوة  صريحة الى ذوي الاختصاص في الشعر والفن والنقد , ان يزيحوا غبار الاهمال والنسيان . والكتاب يعتبر توثيق تاريخي للقراء والنقاد والباحثين والدارسين . لذلك ان هذا الجهد الكبير في اصدار هذا الكتاب للاستاذ الاديب الباحث (لطيف عبد سالم) يستحق الدعم والاهتمام والتقدير  , بما تحمله من جهد مضني في البحث والتعب في جمع المعلومات ,  والرأي والشهادة . في التذكر من  المجهولين من المبدعين الذين قدموا رحيق حياتهم الابداعية  , الذين دخلوا في  متاهة النسيان . ولابد من الاشارة الى المقدمة الرائعة في الكتاب التي قدمها الاستاذ (حسين سرمك) ايقونة النقد الادبي . ويملك طاقة فذة في تتبع الابداع والمبدعين , بهمة عالية بدون كلل , بل بجهد مثابر يفوق الوصف ما  يخص الشأن الثقافي والادبي , ويقدم الدعم المعنوي الكبير لكل من هو بأمس الحاجة اليه . وما قدمه من مقدمة استعراضية دخلت في عمق مشكلة النسيان والاهمال , في التحليل والتفسير والتشخيص  المدهش الى الدوافع والغايات من  الاهمال . وفي التطرق الى هذه المسألة الحيوية وربطها بتجربة الشاعر الغنائي الراحل ضمن السياق العام ,   وقدم صور مؤسفة من  الاهمال ,  من المؤسسات الثقافية الرسمية ,  والافراد من ذوي الاختصاص في مسائل الادب والفن والنقد , بطرح آراء شجاعة بهذا الصدد . بأن الاهمال والنسيان للمبدعين يرتقي الى جريمة  , وهي ظاهر عامة تطال الجميع من المبدعين الذين لفهم الظلم والاجحاف والحيف  , بالصمت كصمت القبور من المؤسسات الثقافية الرسمية  القائمة . وهي حقاً كما يصفها استاذنا الجليل (حسين سرمك) هل من المعقول والانصاف , حين يخطف الموت اي مبدع مرموق , ان تكون مراسيم التشيع على تقتصر على  افراد معدودين ؟  . اية جريمة نقترفها نحن بحق مبدعينا , يجب ان نملك شجاعة الخجل من هذه الجريمة الثقافية . يجب ان يتساءل كل واحد منا هل هذا العدل والانصاف  في تكريم المبدع الراحل  واي مبدع آخر ؟ انها (جريمة الثقافية اذا ساغ الوصف , انها في الحقيقة ( جريمتنا) افراد ومؤسسات نعلق ثيابها السود على شماعة الزمن , فقد اسهمنا جميعاً  - بلا قصد واعٍ طبعاً ولكن وفق احكام البنية اللاشعورية العميقة المستترة الحاكمة - في تغييب ذكر هذا الشاعر المهم وخصوصاً في مجال الاغنية , اذ لم يفكر ناقد في تناول منجزه الشعري , لم تحاول مؤسسة ثقافية رسمية نفض الغبار عن ذكراه ) ص14 . واعتقد انها ظاهرة عراقية في امتياز تختلف عن الشعوب المتحضرة في تكريم وتذكير في انجازات  المبدع , وفي الدعم المعنوي والمادي في حياته وفي مماته . لذلك يأتي من هذه المنطلقات اهمية الكتاب القيم والغني عن حياة الشاعر الغنائي الراحل , في تذكير المؤسسات الثقافية , وايقاظ عقلها وضميرها بالتذكير بالمبدعين , الذين قدموا للعراق الكثير , وهم كنوز العراق الثمينة لا تعوض بثمن.

    وقد قسم الكتاب الى ست فصول ، أتناولها باختصار شديد:
    1 - الفصل الاول : محطات توقف في حياة الشاعر الغنائي الراحل منذ ولادته وحتى اختطفه الموت مبكراً. في وقفات تاريخية في سيرة حياته ,  ومحطاته الابداعية في الشعر الشعبي والغنائي . فهو ينتمي الى عائلة فقيرة كادحة , لم يتمكن من مواصلة دراسته بسبب الظروف المعيشية الصعبة لعائلته , فتطوع في الجيش وبعد ذلك دخل في السلك الاذاعي والاعلامي في اذاعة القوات المسلحة , واكمل مشواره حتى تقاعده المبكر بسبب المرض العضال . وبعد ذلك انتقل بصمت ونسيان الى جوار ربه , عام 1980 في شهر حزيران.

    2 - الفصل الثاني : استقراء ابداعي في الشعر الشعبي والغنائي , والمساهمة في تطوير الشعر الغنائي وتطوير الاغنية العراقية . وقدم قصائده الغنائية الى الكثير من المطربين والمطربات البارعين الذي اشتهروا في تلك المرحلة التاريخية في الغناء العراقي.

    3 - الفصل الثالث: حصيلة منجزه الشعري والغنائي ,  في تسجيل وثائقي , وقدم الكثير من الاغاني العراقية التي ظلت حية في الذاكرة العراقية الشعبية . وقد اشاد الكثير من الملحنين والموسيقين في موهبته في الشعر الغنائي , منهم الملحن الشعبي المعروف ( محمد نوشي ) الذي قال عنه بأنه  ( احد ابرز رواد الاغنية البغدادية والريفية , فضلاً عما تركه من بصمات على جيل كبير من المطربين والمطربات ) ص84.

    4 - الفصل الرابع : اللغز المحير في محطات حياة الشاعر الغنائي الراحل . تبرز بعض المواقف المؤلمة والموجعة , حتى بعضها لا يمكن تفسيرها , مثلاً طرده من عمله الاعلامي والاذاعي من المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون , رغم انه في قمة ابداعه المتواصل , وتشوق الناس الى برنامجه الاذاعي الاسبوعي . واحيل على التقاعد وخطفه الموت مبكراً . ولد عام 1937 . وتوفي عام 1980 . يعني توفي في عمر مبكر وهو في 43 عاماً. ثم ضياع ارشيفه الاعلامي  والاذاعي في اشرطة التسجيل  بشكل كامل . وضياع ارشيفه في الصور الكثيرة من خلال عمله المشترك مع الفنانة الكبيرة ( سليمة خضير ) وكانت تحتفظ بالكثير من الصور لكنها احترقت في حادثة احتراق منزلها . ثم ضياع ديوانه الشعري الاول , الذي جمع حصيلة قصائده في الشعر الشعبي والغنائي ولم يعثر عليه لحد الآن.

    5 - الفصل الخامس : شاعر منسي من المؤسسات الثقافية والاعلامية , في ضياع ارشيفه الشعري في المجلات التي كان يواصلها في النشر آنذاك  . ثم توارى عن الانظار في الاهمال والنسيان من هذه المؤسسات , حيث لم تقم حتى  بتكريم واحد في مهرجان شعري , او تكريمه في التأبين في خبر وفاته.

    6 - الفصل السادس : اراء وشهادات من الذين ساهموا وعملوا معه , او من الذين عاصروا حياته آنذاك , أو من الذين ذوي اختصاصات في الشعر والموسيقى والغناء من الفنانين والفنانات الذين منحهم قصائده الغنائية , وصعدوا على سلم الشهرة في ادائهم الغنائي المرموق .  لكن جهد الاستاذ الباحث ( لطيف عبد سالم ) في البحث المضني في تسجيل رأي او شهادة , لبعض  الذين قدم لهم افضل الاغاني التي اشتهرت في تلك المرحلة وحصلوا على الشهرة الواسعة .  امتنعوا في المساهمة باعذار وحجج غير مقنعة , في تقديم رأي او شهادة تسجل للتاريخ . هذا الجحود والرفض لا يوصف إلا بأنهم ناكري الجميل . ولكن بعض الاخر لبى الدعوة بحب واحترام , وحتى ان بعضهم على فراش المرض . هؤلاء يمثلون قمة الوفاء العراقي.

     × الكتاب : كاظم عبدالجبار / شاعر غنائي توارى منسياً في متاهات الزمن
    × المؤلف : الاستاذ لطيف عبد سالم 
    × الطبعة الاولى : عام 2020
    × عدد الصفحات : 161 صفحة

    جمعة عبدالله
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media