مَحَــطـاتٌ في حـيـاتـي
    الأحد 16 فبراير / شباط 2020 - 17:46
    عطا يوسف منصور
                                       عـزيـزي الـقـارئ 
    لـكلِّ إنـسـانٍ فـي مَـسـيرةِ حـيـاتـهِ مَـحـطّاتٌ وهي مـراحل يَـمُـرُّ بـها تَـحمِلُ الـذاكرةُ
    بَـصماتِها ، مِـنها ما هـو عَـميقٌ في أثـرهِ ومِـنها ما هـو عابـرٌ لا وقـعَ لهُ  في أعـماقِ 
    الـنـفـسِ فـيـمُـرُّ عـارضاً لا أثـر لـهُ في دواخـلـنـا .
    وهـذه المَحَطاتُ لا تَـخلو مِنْ مُـتَعٍ أو فـوائـدٍ جميعُها تُعطي الـقارئَ صـورةً قـريبةً  
    لـواقعِ إنـسـانٍ عـاشـهـا بـحـلوها ومُـرّها .
    ولَـمّا كانتْ الـمَـحطّاتُ هـي سِـيْرةً ومَـسـيرةً لـذلكَ الانـسـانِ أرى أن يـكونَ كـاتـبُها
    صادقـاً معَ نـفـسـهِ أوّلاً ومَعَ مَنْ يكـتبُ لهُـمْ ما دامَ هـو الـمُختارُ والـشـارعُ لـنـشرها 
    وكـثـيراً مـا قـرأتُ مِنْ سِـيَـرٍ لِـنـاسٍ كـتـبـوا عـنْ أنـفُـسِـهم أو كتبوا عـنهم  فأجـدُ أنّ 
    كاتـبها لا يَـكتِبُ إلّا عن الحَـسـناتِ إنْ لم يُـدخلْ عليها المُحَـسِّـناتِ ثم يَــهـمـلُ 
    الجوانبَ الاخرى المظـلمة أو الـمخـجلـة لـه خاصةً عندما يكون قـد بَلَـغَ مَـركزاً 
    إجـتـماعياً يُـشـارُ إلـيهِ بـالـبـنـانِ وهذه الجوانب المعـتمة لا يـخـلو مِـنـها إنـسـانٌ 
    وبـهـذا يـكونُ قـد إبْـتَـسَـرَ الـصورةَ  واخـتَزلـها في تَـغـييـبهِ لـلـبُـعـدِ الـثـالِـثِ وهـو الجزء
    الـذي يُـجـسّمُ الشخصيةَ الانسانيةِ الحقيقية لـكاتبها أو المكتوب عنه  . 
    ومِنْ هـذا المُنطلَق وجـدتُ نفـسيَ مُـلزَماً أنْ اُحـيطَ الـقارئَ بـجميعِ جـوانبي كي 
    يراني على حـقـيـقـتي  .
    واللهُ ولــيُّ الـتـوفـيـق . 

                                                الـسـبت في  27 / تمـوز / 2013  
                                                 الحاج عطا الحاج يوسف منصور   


                                         مَـحَطة رقم 1  الفرزة الاولى 
    هـذه المحطةُ تتضمن إنحـداري العـائلي ومُحيطي الاجتماعي  ومـا سَـجّلتهُ ذاكرتي مِنْ 
    المَـسـموعِ مِنها عن والـدي ووالدتي وما يتعلق بها ومـا عايـشـتُهِ منـذ أبصرتْ عـينايَ النورَ 
    فوالـدي الحاج يوسف هو الابن البكر لأبيه منصور واُمّهِ زنّوبه ، ومنصور هو إبنُ 
    صيّاح بن خرنوب بن شـوكه وهم ينتسبون الى عشيرة الجُعَيفريه وهو إسم مُصغّر 
    لجَعَـفـر والجعافره هم قسمان : الصادقون وهم الذين ينتسبون الى الامام جعفر 
    الصادق عليه السلام والجعافره الطيارون الذين ينتسبون لجعفر الطيار رضوان 
    الله تعالى عليه الذي استُـشهد في معركة اليرموك وقبره موجود في محافظة الكرك 
    الاردنيه وتَذكِرُ صفحة كوكل أن الجعافرةَ الطيارين تفرقوا في عِـدّة دول مثل مصر 
    وفلسطين والعراق . 
    وكنتُ أسـألُ أبي عن [ شوكه ] وعن والده وجدّه فيقولُ لي وبصورة غير مؤكدة 
    [ محمد وبعده سـالـم ] كما سـألتُ عَمَّ والدي [ حسين الصيّاح ] في إحدى زياراتي 
    الى ناحية الفلاحيه [ أم حِلّانه سابقاً ] فأجابني بنفس إجـابةِ والدي وظهر لي مؤخرًا 
    أنّ محمد هـو محمود ومِنْ هاتين الاجابتين أصبحتُ لا اُعَوّلُ على هذين الاسمين . 
    وسـألتُ أبي عن عشيرته مِنْ أينَ جاءتْ ومتى جاءتْ وسكنتْ الكوت ولماذا سـكنتْ 
    الفلاحيه [ أمْ حِلّانه ] فكان يُجـيبني بأنّه لا يعرف أكثر من أنّ عـشـيرته الجُعيفريه 
    هي واحدة من العشائر الـ 24 التي تضمهم قـبـيلة [ ربـيـعـه ] وقـد سـألـتُـهُ لِـمَ 
    تَـسَـمّـتْ بالجُعيفريه ؟ فقال لي يقولون أنّها تنحدر من [ الامام جعفر الصادق عليه 
    السلام ] أو من جعفر الكاذب ، وسـألـتُهُ عن جعفر الكاذب أو الكـذّاب فيقول هو من 
    نـسـب الامام علي عليه السلام إدّعـى الامامة كَـذِباً ، وهـنا أقف مُحَـلّلاً فأقـولُ إذا 
    كانتْ عشيرتنا تنتسب الى شجرة الامام علي عليه السلام فـلِـماذا لم تـنـتسب العشيرة 
    الى الشـجرة الهاشـمية وارتَـضتْ أن تـكونَ واحـدةً مِنْ 24 عشيرة لربيعه ؟ وقـد يقول 
     قائل إنّها لظروفٍ خاصةٍ دخلتْ مع ربيعه  فأقول : إذاً  كان بامكانها أن تَخرجَ مِنْ 
    ربيـعه بعـد أن تَـغَـيرت الاوضاع والظروف ، ولـماذا لـم يُـخْـبِـر جـدّي شـوكه ابنه خرنوب
    عن انحدار عشيرتهِ وأصلِ نَـسَـبهِ والنسب له أهمية ومكانة في ذلكَ الزمن والى الآن ،
     كـلُّ هـذا يـؤكـدُ لـي بأنّ عشيرتي الـجُعيفريه لا تـنـتـسـبْ الى الـشجرة الـهاشـمية .
    ومن الجدير بالذكر أن  أخي الكبير [ نافع ] وابنَ عـمّي [ منصور عبود ] أخذا مع 
     أبنائهما لَـقـبَ [ السيد الموسوي ] بعـد سـقوط نظام الطاغية صدام في العراق في 
     9 / نيسان /2003   وهذا نسب غير صحيح وهو مرفوضٌ من قبلي  . 
    وقد تبين لي مؤخرًا بعد حصولي على شجرة العشيرة ان الجعيفرية ترجع الى جدها 
    الامير جعفر  وصُغّرَ الاسم للتفريق عن الجعافره وهذا ما أقتنع به . 
    لكنّ عشيرة الجُعيفريه لها مكانة وموقع متميزان  بين عشائر ربيعه فمكانتها تأتي 
    بعـد عشيرة تَغلب التي تتولّى رئاسة ربيعه وقـدْ جاءت تسمية التغالبه [ بالاماراه ] 
    وتميز شيوخها [ بالعقال الابيض ]  وذلك لتحالف تغلب مع الانجليز في الحرب 
    العالميه الاولى ، حيث أطلق الانجليز على [ شيخ تغلب كلمة البرنس ] ومعناها 
    الامير مما جعلها تتقـدّم على باقي العشائر وحسب ما سمعتُ أن عشيرة الجُعيفريه 
    دخلتْ مع تغلب في حروب من أجل هذه الزعامه حتى هُزِمتْ بزعامة رئيسها [  
    المُقنْ ] على أثر خيانه أوغفلة مَنْ كانوا يقومون على حراسة  الطريق حيث هربوا 
    وأخذت تغلب المبادره بتخاذل حراسات الطريق وبقيتْ من هذه الفئة الهاربة 
     بقية فكَوّنت عشيرةً لوحدها تسمّى [ البيّات ] وهم من ربيعه أيضاً ولا أدري إذا كان 
    شاعرنا عبد الوهاب البياتي منها . 
    والشيئ بالشيئ يُذكر أنّ صهري [ إبن خالتي ] كثيراً ما كان يتباهى على أختي مِنْ  
    أنّه من عشيرة [ آل غريب ] ويسخر من [ المُقن ] لهروبه من المعركه ، وآل غريب 
    هي واحـدة من عشائر ربيعه فوصلني الخبر فقلتُ له يا ابن خالتي أيّهما الافضل جدي 
    الذي خسر المعركه وانهزم أمْ جـدّكم الذي عاش ومات غريباً خوفاً من كشف اسمه 
    الحقيقي فأصبحتم عشيرةً غريبةً وانتم من آل غريب ؟ وبهذا السؤال إنتهتْ نقاشاتُهُ
     مع أختي وأصبح لا يجرأ على فتح هذا الموضوع والى الان .  
    وقـد تَسَلّمتْ عشيرة  الجعيفريه  شؤون ربيعه القضائيه وهي حَـلّ النزاعات فيما بين 
    عـشائر ربيعه الاربعة والعـشرين وبين العـشائر الاخرى وما بين الـعـشيرة  نـفـسها 
    وهذه مكانة بقيتْ لهم والى الان ، والذي يتولّى شأنَ القضاء يُدعى بالعُرف العشائري 
    [ الفريضه ] وهذه المفرده حـسـب فـهـمي لـهـا هي مـن فـرض الـقـرار أو الحُـكـم 
    وهي بمصاف رئيس المحكمة الدستوريه في مفهوم الدوله ، وقد تعرفتُ في عام 
    1963 أثناء توقيفي من قبل النظام البعثي الذي تولّى الحكم بانقلاب 8 شباط
     تعرفتُ في مركز شرطة الخيّاله الذي يقع في حي السلام أو 14 تموز ، على فريضة
     ربيعه [ مِـفـتِن العـذافه ] حيث كنتُ خارجاً عند الظهر مع مجموعة من الموقوفين
     ومـعـي أحد أبناء الريف من منطقة ناحية الاحرار [ الحُسينيه  سابقاً ] على ما أذكر 
     كان اسمه [ حسين ساجت ] وهو متهم كمسؤول عن تنظيم شيوعي بالمنطقه ولا 
    أدري ما حلَّ به بعـد أن نقلوني الى مركز شرطة الكوت ، المهم أنني كنتُ واقفاً الى
     جانبه أنتظر دوري لدخول دورة المياه فقال لي وبشيئ من الحِـدّة أراكَ لم تُسَلّم على
     عـمّكْ [ مِفتن ] قلتُ له ومَنْ هو [ مِفتن ] قال هذا عمّكَ فريضة ربيعه وشيخ 
    عشيرة الجعيفريه وبعد أخذٍ وردّ إستجبتُ له فتقـدّمتُ الى شيخ عشيرتي وسَلّمتُ
     عليه فتغافل عنّي خوفاً على مكانتهِ لأنه يعتبرني ومَنْ على شاكلتي أنّي  طالبُ عَوْنٍ 
    أو وساطةٍ ، ولأنّي لا أترك مُقابلي إلّا والحجةُ لازمتُه أعدتُ عليه سلامي وبصوتٍ أعلى 
    فردّ بشيئ من التكلف والبرود مما جعلني أندم على سلامي فرجعتُ الى صاحبي وقلتُ 
    له لماذا ألححتَ عليَّ [ أنا لا أعرف هؤلاء الناس وليس لي شغلة معهم ] فسكتَ
     ولم يُجبْ والظاهر أنّه ندمَ مثلي ، وأمّا لقائي الثاني به كان في دائرتي [ غرفة تجارة 
    الكوت عام 1970 ] جاءني بخصوص معاملة لأبنه كي يأخذ تأييد من الغـرفة الى دائـرة
     التجنيد يُـثـبتْ فـيه عـدم إنتساب إبنه الى الغرفه لإخراجه مُعيلاً  كما أتوقع . 
      اتصل بي أمين سر الغرفة  جابر غلام وقال لي : [ عمّك مِفتن جايك وعنده
     مُعامله ساعده بيهه ] وبالفعل وصلني وهو في حالٍ ووضعٍ مختلفٍ في هـيئتهِ 
     فرحّبتُ بـه وقـدمتُ له الشاي ودار بيني وبينه حديث عن جدي خرنوب والاراضي
     التي تركها والتي لم يحصل إبنه صيّاح على شبرٍ منها حيثُ استولى عليها أبناء عم
     جـدي صياح بطريقة الالتفاف القانوني وبعد إنجازي معاملـتـهُ خرج ولم أعلم أين
     أصبح أو أمسى وفي إحدى مرّاتي الى محل عمي نوري منصور والـذي يـقع في بـداية
     محلّة المـشـروع وهو [ من أملاك الحاج عباس البيضاني ] قـدّمَ لي إبن عمي ماجد 
    نوري شـخصاً في الثلاثينات من عمره حسب تقديري وقال لي [ هذا إبن عمّنا فلان
     إبن المرحوم شيخنا مفتن العذافه ] ولأني لم أركز على إسمه لا أتذكر ما هو إسمه
     الّا أنّي توصلتُ الى اسمه بعد حين فهو بندر بن مفتن عذافه فسلّمنا على بعض ثم 
    خرجتُ ولم ألتـقِـهِ الى يومنا هذا ، وسألتُ [ ماجد ] بعد فترة عن إبن عمّنا مِفتن 
    فأجابني أنّه قطع الاتصال به لأن الاخير ويعني إبن مفتن وحـسـبْ قولهِ [  قـد دوّخَـهُ 
    يوميه جاي يطلب شغله مـنهُ لو جاي يطلب فلوس للفصل ] فضحكتُ وخرجتُ
     من المحل لأن إبن عمّي [ ماجد ] تصور الامور فيها فائدة له ولمّا خاب ظنّـهُ تغير
     إسلوبه وهذا هو مبدؤهُ مع جميع مَنْ يبني علاقاتِه معهم  من أقرباء أو غـرباء . 
    وللفائدة أن الاخ [ الاعلامي بشير آل تعبان ] هو الذي أخبرني باسم بـنـدر بن  مفتن 
    أعودُ مُعَرّجاً على أنّ عشيرة الجعيفريه تنقسم الى أربعة  أفخاذ أو أربع فِــنَــدٍ كما هو 
    بالمصطلح العشائري وهي [ ألبو عبدالله التي ينتـسبُ مِـفتِن العذافة لها ] و [ ألبو 
    نَصّار ] و [ ألبو حَمَد ] و [ الشهابات وهي عـشـيرتـنـا التي نـنـتـسـب إلـيـها ] . 
    ولأبي أخٌ غيرُ شقيقٍ إسمه كاظم وهو الولدُ البِكرُ الى منصور مِنْ إبنة عـمّهِ مظلومه 
    محمود خرنوب وقد طلبت الطلاق منه بعد زواجه من جدتي وقد تزوجت بعد
    طلاقها وانجبت من زوجها الثاني وعمي كاظم يكبرُ أبي عـدّة سِـنين وقد بقي وما زالَ
     أحـفـادُهُ يسكنون الفلاحيه أم حلّانه سابقاً رغـم تعرض المنطقه الى فيضانين في
     عام 1940 وعام 1954 وله أبناء أكبرهم  حـسـن ثمّ عبّاس وجبّار ومحسن 
    وبنت إسمها حسيبه وهؤلاء من زوجته داخله حسون من عشيرة البديري الفَلَاحات 
    واصلها من الديوانية ولهما أولاد أعرف منهم حسـن وهو بِكرهما ولا أعـرف إلّا 
    إبنه فـوزي من زوجته [ ابنة تعبان الجاسم ووالد الشاعر الشعبي كريم تعبان ] 
    إشتغل مخبراً في جهاز الامن لفترةٍ ثم خرج مستقيلاً في بداية الثمانينات من القرن
     الماضي ولا أدري ما هو عملـهُ اليوم .
    أمّا عبّاس  فهو متزوج وله أولاد لا اعرف عنه ولا عن أولاده شـيءً ثم جـبّار لا 
    أعرف من أولاده غير سـتّار  وكان موظفاً يعمل في قسـمٍ من أقسام المحافظه قَـدّمَ 
    نفـسهُ لي عندما كنتُ مُـنَـسّباً كمندوب الى وكالة الانباء العراقيه في مطلع عام 1979 
    وكان يُناديني بعَمّي الحجي ثمّ انسحب مثلما أتى بعد ما اكتشف بطريقته الخاصه 
    [ أي كان بعثياً ] بأنّ عـمّهُ الحجي لا يَستطيع أنْ ينفعه بشيء لأن وضعَ عمّهِ ضعيف
     وغير بعثي وأنّه في تنظيم يُدعى التنظيمات الوطنيه وهـو تنظيم إبتكره البعـثـيون 
    للذين كانوا مصبوغين بصبغه شيوعيه أو دينيه كي يـكونوا تحت نظرهم وكان 
    المسؤولون عنهم من أعضاء الفرق فمثلاً  كان مسؤولي الاول عضو الفرقة جميل
     كمبر وكان إتصالي به فرديّاً ثُمَّ  تسلمني عضوالفرقه طارق الخشّان وكان معي
     الـشـيـوعي البارز في قضاء الحي عزيز سالم الذي تعرفتُ عليه في عملي بمعمل
     طابوق الجوادين العائد الى عزيز وادي الامير وشركائهِ وهم الحاج حـسـون محمد 
    الناصر وعلوان عبد الرضا بندر الامير ونعيم العابدي وديوان سعيد وقد إسـتـقـلَّ 
    بـملكـيـتهِ عزيز الوادي بعد شراء أسهم شـركائـهِ الآخرين وأصبح مالكه الوحيد في
     آب عام 1978 وكان عزيز السالم  هو مَنْ قـدّمَ إسمي الى عضو الفرقة جميل
     كمبر وبقينا سويّةً ثم إنتقلنا الى عضو الفرقة طارق الخشان ثم انـتـقـلتُ الى
     عضو الفرقة خليل حنون أو خيون وبعد ذلكَ لم أعرف عنه شيءً . 
    كان عملي في معمل طابوق الجوادين في  صيف عام 1974 ثم حصل خلاف بيني 
    وبين إبن عزيز الوادي المسمى بعلي بعد ان استقل عزيز الوادي بملكية المعمل 
    عام 1978 على أثرهِ إنتهى عملي بإدارة المعمل وسوف أتطرّق الى تفصيل هـــذا 
    الموضوع عند وصولي الى تلكَ المحطّة إن شاء الله .  

    محطة رقم 1 الفرزة الثانية 
    أقول ؛ تعرفتُ الى عزيز السالم في عملي بالمعمل فأقنعني بالدخول الى التنظيم
    البعثي المُستحدث والمسمى بالتنظيمات الوطنيه عام 1974 وهذا ابتكار بعثي
     كما اسلفت لوضع الشيوعيين المنتهية صلاحيتهم وغير الشيوعيين ممن يشكون 
    في ولائهم حتى ذوي الاتجاه الديني والمستقلين ليكونوا تحت نظرهم وإشرافهم  . 
    والحقيقة ان وراء دخولي لهذا التنظيم دافعٌ هو استرجاع حقي في اكمال 
     دراستي الجامعيه التي حُرمتُ منها بسبب عدم منحي شهادة عدم المحكومية 
    وذلك لكوني محكومٌ عليه سـنة 1965 مـن قـبل المحكمة العسكرية الثانية التي
    يترأسها شاكر مدحت السعود والتي أوجدها الزعيم عبد الكريم قاسم هي 
    والمحكمة العسكرية الاولى التي يترأسها شمس الدين عبدالله والمحكمتان كانتا
    تـتـوليان محاكمة كل وطني وشيوعي وكنتُ واحدًا منهم  حيث كان الـقــرار هو 
    سـجني لمـدة 8 اشهر مع إيـقـاف الـتـنفـيـذ ووضعي تحت المراقبه لمدة سنتين 
    والمضحك أن هـذه المراقبة لم تـنـتهِ حتى آخر يوم حين خرجتُ من العراق السابع 
    من شهر تموز سـنة 1996 رغم تَغَـيّـر الحكومات والاوضاع وحتى عـند دخـولي الى
     تـنـظـيم الـبعـث الـمـسـمى بالـتـنظيمات الوطنيه وجاء قرار  المحكمة مُخففًا 
    بوساطة الشقاوة المعروف محمود طبانه لصداقته مع شاكر مدحت السعود 
    وكان حاضرًا الجلسة اثناء محاكمتي بجانبه  . 
    أقـولُ أكد لي عضو الفرقة  جميل كمبر  حصولي على هذا الحق عـنـد لـقـائي به قبل 
    تقديم طلبي له بالإنظمام الى تنظيمهم الجديد  وبعد دخولي تبينَ لي أنّي وقعتُ في 
    منزلق الاغراء والنصب السياسي ولات ساعة ندم الى أن وفقني الله بأن جعل من 
    خباثة عضو الفرقة وآمر القاعدة محمد علي حزيم الفرج وذلك بطردي من التنظيم 
     في تشرين ثاني عام 1980 اي بعد إعدام ابن اختي علاء خضر محمد جودة بأشهر 
    على اثر تهمة مرسومة من مسؤوله المندس في صفوف حزب الدعوة الذي طلب  
    منه جلب أدواة لمسيرة  الاربعين وهي حبل ونفط وساطور  لجمع بعض الحطب
    من الطريق اثناء المسيرة لعمل الطعام . 
    وكان خروجه صباحًا فتلقفته ايدي الجلاوزة من الشارع ولم يعد الى أهله إلا جثةً 
    وعلى هذا  العامل تقرر طردي وسأتناول الموضوع عن ذلكَ في وقته . 
    بقيتُ وعزيز سالم تحت إشراف عضو الفرقه جميل كمبر فترة أشهر ثم إنتقلنا الى 
    عضو الفرقه طارق الخشان  بعد ذلك الى عضو الفرقة الشاعرخليل خيون او حنون 
    وهـذا الاخـيـر إنـتحـرَ لـعـدم قـنـاعـتهِ بـالـسـياسـة الداخليـة للحزب والـتي تتعارض مع
     مبادئه التي تـربى عـليها حـزبـياً وما زلتُ أذكرُ مقولـتَـهُ وكنّا مجموعةً مؤلفةً من أربعة 
    أفراد أذكرُ منهم حسين حنتوش مسؤول التنظيم الشيوعي الصيني في مدينة الكوت 
    والمدرس رضا مشهدي هادي أخا كلٍّ من النائب في البرلمان حالياً  أمـيـن والسـفير 
    جواد وهما من المنتمين الى حزب الدعوة ولا أتذكر الرابع  قال وبالـحرف الـواحـد 
    أي رفيق بعثي صـلـب يـدخل الى جهـاز الامـن يـفـقـد صلابتَـهُ ومـبـادئهُ وهـذه حـقـيـقة 
    سارية الى الآن وليستْ في زمن البعـثـيـين فقط بل أنّ هذا الجهاز ومنذ العهد الملكي
    هو جهاز فاسد تسلط على رقاب الناس لابتزازهم  والرِشـوة وهذه الحالة قائمة الى
    يومنا الحاضر حيث اصبح الفساد والرشوة في كل مفاصل الدولة الدمقراطية التي
     جاءت بعد سقوط الطاغية من أكبر مسؤول فيها الى أصغرها .  
    أعود لأقول ثم نقلوني من مسؤولي خليل حنون او خيون  الى مسؤولٍ آخر هو 
    ملازم الامن بهاء حيث كنت مع مجموعة كبيره ثم الى ملازم الامن عادل وقد 
    هلكَ مخمورًا وكان مولعًا بشرب الخمر وساديًّـا بتعذيب الناس وقد إنتهت علاقتي 
    بهم كما ذكرتُ سَلَفًا بتقرير من آمرالسرية في الجيش الشعبي عضو الفرقه 
    محمد علي حزيم الذي ضمّنَ موضوعَ اعدامِ ابن اختي بعد أن اختلفتُ معه 
    على موضوع الاجازة وكذلك عدم إلتزامي بالوقت وكانت آخر مشادّةٍ بيني وبينه 
    قبل يوم من قصف المقاتلات الاسرائيلية للمفاعل النووي في الزعفرانية حيث كان 
     الامر يتطلب سفري الى بغداد لاعادة المواد المضروبة الى المعمل  وبعد عودتي 
    الى الكوت في مساء اليوم الثالث حضرتُ الى الملعب الرياضي حيث يـكـونُ 
    تـجـمـع فصيلنا هناك أرسل في طلبي  محمد علي حزيم ودار بيني وبينه نقاش إنتهى
    بتبليغي بالطرد وسـحب ملابـسي العسكريه بـعـد أربـعين يوماً أمضيتُها وقد أعقبَ
    طردي من الـجيش الشـعبي طردي من التنظيم الـحـزبي الذي كُنتُ لا احضر إجتماعاتِه 
    وأذكر جيداً  كيف جاء الملازم عادل الى محلي الذي كُـنتُ أبـيع فيه المرطبات في 
    مبنى سينما السيد سلّوم الحكيم المقابل لمستشفى الكوت جاءني مُهدداً اذا لم 
     أحضر الاجتماعات فـسـوف يـتـخـذ عقوبات صارمه بحقي وعلى أثرها جعلتُ 
    أكثر مكوثي في بغـداد متنقلاً بين شـقـتي ومنزل بيت عمّي أبي زوجتي وقليلاً ما كان 
    حضوري في الكوت لكن مطاردتهم لي لم تهدأ لأنّهم ندموا على طردي وقد جعلَ الله
     العزيز الحكـيم في هـذا الـطـردِ مخرجًا ونعـمـةً بعـد أن ظنوا أنّي سـأتوسـل إليهم كما يفعل
     الاذلاء والحمدُ لله ربّ العالمين  .
    أعود الى أبناء عمي كاظم من زوجته داخله حسون البديري ويأتي الثالث من ابنائه 
    محسن وهو متزوج ولا اعرف عنه وعن أولاده شيءً إلّا اني تعرفت عـن طريـق 
    الـفـيـسـبوك على ابـنه البِكـر مــاجــد وهو مـتـزوج مـن إبـنـة خـالـتـهِ ولـهُ أولاد أكـبـرهـم ذو 
    الـفـقـار وكان تـعرفي علـيه في  الشهر الثاني عشر سـنة 2016 وآخر أولاد عمي كاظم
    ابنته حسيبه وهي متزوجه ولا اعرف عنها وعن ابنائها شيءً . 
    ولجدي منصور أربعة أبناء من جدتي زنوبه عباس محمد الكناني  زوجتُهُ الثانية  
    إلّا أنّي لم أُشاهد أو أتعرف على أحدٍ من عائلتها سـوى أخيها غير الشقيق الحاج
    سلمان خلف المنصوري وأسمعُ أنّ لها أخواتٍ شقيقاتٍ إحداهنَّ متزوجه من الحاج
    موسى الكناني في قضاء النعمانيه البغيله سابقاً وما زال أولادُهُ وأحفادُهُ يسكنونَ في
    نفس القضاء والاخرى متزوجه من محمد ناصر آل غريب وتُدعى زهرة ومن أبنائها
    الحاج حسون وحنون محمد الناصر وهم من أوائل الساكنين مدينة الكوت 
    والثالثه اسمها قُـوّه وفي اللهجة العاميه كوّه  واتوقع  ان ولادتها كانت عسيرةً وذلك 
    من اسمها وأعرفُ لها ولدين هما صاحب وعبد الامير أبناء عوده المنصوري وهو 
    بالاصل من البصره وخالهما الحاج سلمان خلف المنصوري أخو جدّتي أمّا صبيحه
    فهي كبرى بنات العلويه مَـيّـاسـه وبكرها جدّي الحاج حمّادي من زوجها حبيب
    حمادي الوائلي .  
    محطة رقم 1 الفرزة الثالثة  
    والحاج حمادي هو ابو والدتي وهي بِكرُ ابيها ثم يأتي بعدها خالي عبد الامير ثم  
    خالتي الحاجّه مدينه ثم خالتي الحاجّه فطّومّه ثمّ خالتي الحاجّة بسهن ثم خالتي 
    ضويّه ثم يأتي الخال جعفر وقد توّفاهُ الله في السابعة من عُمرهِ حيث نـام سـليمًا 
    وعند الصباح وجدوه جثةً هامدةً وأحسبها سكتةً قلبيةً ثم آخرهم خالي عبد الجبّار
    وقد سُمي بهذا الاسم لأن الله عزّ وجل جبر قَلْبَيَّ والديه به عِوضاً عن إبنهما جعفر 
    ولجدّي الحاج حمادي أختٌ شقيقة هي الحاجه زكيّه جـدّة الفنان قائد فلفل 
    النعماني من إبنتها نسوم وهي ابنة زوجها الاول سُـليمون الذي تزوجها بتهديد 
    اهلها بالخطف لأنه كان لصاً فاتكاً قتله الانجليز في حصار الكوت عام 1916 اثناء 
    إحدى عمليات السطو التي كان يقومُ بها عليهم وتطلقت منه ثم تزوجت آخر لا  
    اتذكر اسمه وأنجبتْ منه بـنـتاً إسمها صبره أو صبريه وهذه الاخيرة أنجبت ولدين
     هما نوريه وهي البكر ونوري وقد التقيتُ بنوري في بغداد في سـتينات القرن العشرين 
     كان عسكرياً برتبة نائب ضابط وأبوهما يُدعى سـيد بـدر  . 
    ووالدة جـدي الحاج حمادي تُدعى صبيحه هي الابنة البكر للعلوية مياسه تزوجت 
    بعد ان طلقها زوجها حـبـيب حـمادي الوائلي بعد زواجه من امرأةٍ تُدعى طميشه 
    أو صبيحه بنت ناهض عـمّة محمود وحسين الناهض . 
    وأولاد حبيب الوائلي من طميشه او صبحه هم : 
    محمد وهو البِكر  وزوجتُه تنزيل بنت مندو واخوها علي مندو ولمحمد أولاد هُـمْ 
    عزيز والد كل من المعلم عطا من زوجته الاولى وسوري ونوريه وسالم وواجد
    ومنعم وفوزيه وابتسام وكريم وباسم ومحمد هؤلاء من زوجته الثانيه سـليمه 
    وجميعهم  متخرجون ومتزوجون يسكنون بين الكوت وبغداد وتأتي بعد عزيز ذيبه
    وقد وافتها المنية على أثر ولادتها لولد ذكر مات بعدها بأشهر وزوجها يدعى 
    إبراهيم مكصوصي من العريان  .  
    وتأتي بعدهما الحاجة سعديه وهي ام زوجتي متزوجه من السيد كاطع جاسم 
    ثجيل المكصوصي الفرّاسي  ولهما أولاد وبِكرهما زوجتي نجاة وآخر أولاد محمد 
    حبيب الوائلي الحاجة فاطمه وهي متزوجه من السيد صالح صادق الحكيم ولها 
    منه أولاد وهم عبدالله  وعلي وأمير مع سبع بنات جميعهم متزوجون و لا اعرف 
    عنهم  شيءً ويأتي من بعد محمد أخوهُ علي حبيب الوائلي وله أولاد وهم حسن 
    كان موظفاً في دائرة رَيِّ الكوت والحاج حسين سـائـق في دائرة الاصلاح الـزراعي
    وبـاقــر كان مفوضاً في الـشـرطة وجـواد كان اسـتاذاً في جامعة بغداد ومُـلـكيه وهي 
     بِكرُ أبويها متزوجه من رجل يُدعى رحمان جبر الوائلي وله منها أولاد هُمْ سمير 
    وسميره وفوزيه وكلّهم متزوجون ثم تأتي زينب وهي متزوجه من الحاج رمضان 
    موحان الوائلي وبعدها تأتي زهـره متزوجه من عبد الرزاق الصفّار  وله منها أولاد 
    هـم عطا وهو البكر وثلاث بنات ، ونوريه متزوجه من ابن عمّها فاضل أحمد 
    حبيب الوائلي وبكرهما هو جمال يسكنون حالياً في بغداد في حي العامل ولا
    أعرف عنهم غير هذا وفخريه هي البنت الاخيره لعلي حبيب متزوجه من إبن 
    عمّها وهو خالي عبد الجبّار الحاج حمّادي حبيب الوائلي وقد أنجب منها ولدين 
    عمّار ونزار وهما متزوجان فعمّار تزوج امرأةً من بغداد أمّا نزار فـتزوج إبنة احـلام 
    بنت خالته زيـنب وتدعى نور حسن عبد الحسن التميمي ولهما أولاد ثلاثة 
    ولحبيب الوائلي بنت هي أصغر أولادهِ تُدعى نعيمه من زوجته الثانية متزوجه من
    جاسم الشبوط كان يعمل مأمور إستهلاك في الكوت أنجب منها إبنهما البكر 
    الخطاط  محمد كان موظفاً في محافظة الكوت ثم محمود كان موظفًا في المحافظة
    ايضًا وإبنه البِكرُ قيس ثم يأتي أحمد وهو موظف في المحافظة وكان في رجله اليمنى
    عَرجًا لا أدري هل هو من الولادة أم بسبب عارض وقد توفي في السبعينات من قرننا
     الماضي والرابع من أبنائهما حسين الموظف في المحافظة والمـتـقاعد حاليًّا يسكن في
    بغداد  وصديقي على الفيسبوك وله اولاد لا اعرفهم . 
    ولنعيمه بنات متزوجات لا أعرف إلّا واحدةً تزوجها إبنُ خالها هادي أحمد حبيب 
    الوائلي ولا أعرف عن بيت الشبوط أكثر من هذا وأتوقع هناك قربى بين جاسم 
    الشبوط  والاعلامي الاسلامي محمد عبد الجبار الشبوط  .    
    وتروي لي أمّي حادثةً عن جدّي الحاج حمّادي عندما كان طفلاً رضيعاً قامت زوجة
     أبيه طميشه او صبيحه بفقئ إحدى عينيه بإبرةٍ على أثرها غطّتْ عينه غِشاوةٌ 
    بيضاء وعندما كبرت وأسَـنّتْ تخلّى عنها أولادُها [ محمد وأحمد وعلي أبناء حبيب 
    الوائلي وتولى رعايتها والعناية بها جدي الحاج حمادي وكأنّها أمُّـهُ وكان في غاية البِرّ
     والاحسانِ إليها وهذا ما قالته لي والدتي . 
     ومن أبناء حبيب الوائلي هو الحاج أحمد وزوجتُهُ أُختَ عمّتي خميسه أم صادق 
    وابوهما الـحاج عـبـد الـوائلي وبذلك يكون عديلاً لعمّي عساف واسمُها إفْطيمه وهي
    التي أرادها عمي عسّاف عندما شاهدها وطلب من أهله خطبتها لكن الاقدار لها
    لِعْبتُها فتصير الخطوبة بطريق الخطأ الى أختها الاكبرالعمّة خميسه وكانت مفاجأةً 
    مُذهلةً لعمي الا انه رضي بقسمته وكان كما يُقال خجولًا ومطيعًا لأمّه جدتي زنوبه .  
    وللحاج أحمد حبيب الوائلي من فطيمه أولاد ، هـم فاضل عَمِلَ سائقاً في الادارة 
    المحلية و هادي مُعَلّماً وياسين نجّاراً وزهير مُعَلّماً وحبيب إستشهد أثناء خدمته
    العسكريه في شمال العراق على يـد المقاومه الكرديه عام 1978 وللحاج أحمد 
    حبيب الوائلي بنات متزوجات ولهنَّ أولاد تزوج إحداهُنّ إبن عمي صادق عساف
    بعد وفاة إبنة عمّه ساميّه الحاج نوري في عام 1963 وله منها ولدان هما  رائدة 
    وجعفر وهذا الاخير إستشهد أيضاً في شمال العراق على يد المقاومه الكرديه بعد أن 
    أصابته رصاصة قناص كردي قِيلَ أنها جاءت خطأً لأن المقصود كان المسؤول البعثي
    الذي كان الشهيد جعفر أحد رجال حمايته أثناء تجوالهم في مدينة السليمانيه عام
     1982 وابنة خالته الزوجة الثانية تدعى خديجة .
    أعـودُ الى والدة جدي الحاج حمادي صبيحه أخت جدتي زنوبه فقد تزوجتْ بعد
    طلاقها من حبيب بالحاج بريسم الذي يسـكن النعمانية  وأنجبتْ منهُ الحاج محمد 
    وخضير ويعقوب ، ويعقوب قُتِل غدرًا في ليلة تخـرجهِ من الكلية العسكرية أثناء
    نومه في المدرسة العسكرية ولم يُـعلمْ قاتلُهُ ولم تُـعلم الـدوافع لقـتله وقد كانت
    والدتي تُحبه كثيراً لأنه خفيف الروح مَرِحٌ وصاحب نُكتةٍ كما أنّـهُ وسـيمٌ يُـلفِتُ نظر
    نسـاء الضباط الكبار مما جعله محطَّ شُبهاتٍ لديهم وهذا هـو الـسـبـب المُرجح 
    عـنـد والـدتي لـقـتله ، أمّا خضير فكان متزوجاً وله أبناء وبنات شاهدتُ أكبر أبنائه 
    ويُدعى رشاد مع إبن عمي ماجد نوري ورشاد إبن عم أمّه الحاجه مسالك
    ابنة الحاج محمد الرسولي ولها أخ  يُدعى كاظم وهو البكر من أمهما كافي .  
    وتزوج خضير بكافي بعد وفاة أخيه الحاج محمد ثم انفصلا ولم يُنجبا . 
    وللحاجة مسالك أخ أصغر منها يُدعى دينار غير إسمه الى منعم توفي في
    الثمانينات ولا اعرف عنه شيءً غير أنه كان يسكن النعمانية البغيله سابقًا .  
    وسُلَيمون زوج الحاجه زكية شقيقة جدي الحاج حمادي يكون خال جابر غلام 
    لفته جارنا في محلة السيد حسين  وهو جد الفنان قائد فلفل النُعماني من امّه 
    نـســوم كما ذكرتُ سـابـقًا . 
    أمّا أولاد جدّي منصور من جدّتي زنوبه فهم والدي الحاج يوسف وهو بكرهما ثُمَّ 
    عــســـاف ومن بعدهما الحاج نوري بـلّـور ســابـقًا وآخرهم عـبود أوعبدالزهرة سابقًا
    وأبو جدتي يُدعى [ عبّاس محمد الكناني ] . 
    تُوِفّيَ جدي منصور وجدّتي ما زالتْ في ريعان شبابها ، وقد تقدّمَ  للزواج  منها كثيرون 
    من وجهاء ذلكَ الزمن منهم أحد شيوخ عشيرة المكاصيص وقد حال أبي بينها وبين 
    الزواج ، وعند مزاحي معها أحياناً اُذكّرُها بموضوع الزواج فتقولُ وهي مُنفعلة كِلّه من 
    أبوك لو متزوجه جان عندي جم ولد لو جم بنيه والحقيقة أنّ أنانية والدي ومَنْ 
    هُمْ على شاكِلتهِ من الرجال أنْـسـتهُ الحقوق التي تكفلتها الـشـريعة والقوانين والاعراف 
    لها وهذا النوع من الرجال لا يرى الشريعة والقوانين والاعراف إلّا من زاويته الخاصه ، 
    فللرجل الحقّ بالزواج مثنى وثلاث  ورباع ولا يحقّ للمرأةِ أن تـتـزوج بعـد أبيه أو أخيه 
    وللرجل ان يتزوج متى شاء ما دامَ هو متمكن على الاعالة أوحتى لوكان من متوسطي 
    الحال لا إشـكال في زواجـه لأنّه [ راجل ] كما  يقول المصريون  . 
    أمّا اُمْ جدّتي [ زنوبه ] فهي العلويه [ مَـيّاسـه ] يذكر والدي ووالدتي أنّها إمرأةٌ غنية 
    وشخصية قوية ذات نفس كريمة لها أموال يُتاجر بها ناسٌ تثقُ بهم وتعطيهم نِسَباً 
    من أرباحها تزوجت مَـرّتان الزواجة الاولى من والد جدتي وهو الحاج عباس محمد 
    الكناني والثانيه من خلف المنصوري من أهل البصرة وقد أنجبتْ اربع بنات من 
    الاول أمّـا من زوجـها الثاني خـلـف المنصوري فأنجـبـتْ إبـنـاً واحـداً هـو الحاج سلمان 
    وهو أصغرُ من جدتي سِــنّـاً ومازالت دارها مسكونةً من أحفاد إبنها الحاج سلمان وهي 
    دار واسعه تبلغ مساحتها أكثر من ألف متر مربع يـنـفـذ إليها زُقاق دربونه يربطها
    بالـشارع العام وكُـنتُ أسألُ عن سـبب موقع الـدار في هـذا الزُقاق فتقولُ لي والدتي : 
    بأنّ جميع هذه البيوت التي تُحيطُ بالدار تعـود ملكيتُها الى العلويه ميّاسه وكان
    الناس يُحبونها ويتباركون بالـسـكن بجوارها فـتهـبهم شـيءً من الارض المحـيـطـةِ بدارها 
     رغـبةً مـن العلوية مـيّاسة بـأن تكون الدار قلـباً بـيـن الضلوع لحمايتها من اللصوص . 
    ولأخ جـدتي الحاج سـلمان ثلاثة أبناء وأربع بنات من زوجته نجيبة سلطان وامها 
    اسمها نونه وأم نونه هي كشيشه تصغير قِشّـه وخالة نجيبه هي حياة ولها إبنة
    متزوجه من شاكر الحلاق وأولادهما طارق موظف يعمل في بغداد ومحمود يعمل 
    في شركة التأمين بالكوت وقد صـدمتهُ سيّارة على طريق الكوت / العمارة مات على
    اثرها حيث كان خارجًا للدوام صباحاً وهو متزوج من ابنة خال زوجة اخي نافع .
    ثم يأتي أكرم وهو زميلي في دراستي المتوسطه متزوج من بنت ولي الحلاق أخو حَمَد 
    صفر الحلاق وعـزيـز أصغر أولاد شـاكر الذكور زاملني في الاعدادية وتخرج معلمًا
     ولشاكر الحلاق ابنة متزوجة من ابن بنت خالتها عمران الحاج سلمان خلف 
    المنصوري وله منها أولاد لا اعرف عنهم شيءً ولكن اعرف انهم يسكنون في هذا 
    الوقت في بيت العلويه مـيّـاســه والبيت تعـود مُـلكـيـتُـه الان الى أخيه [ نوري الحاج 
    سلمان خلف المنصوري ] . 
    وجميع أولاد شـاكر الحلاق متزوجون ولهم أولاد أمّا أولاد الحاج سلمان من نجيبه 
    سـلـطـان فهم نوري وسالم وعمران أمّا البنات فمتزوجات من أبناء فرمان في مدينة
    الحي وهُنَّ إفطيمـه وهي أكبر الاولاد متزوجه من محسن بن فرمان وربيعه الخامسة  
    في الاولاد متزوجه من تـومان بن فرمان  ولا أعرف شيءً عن أولادهن والثالثة في ترتيب 
    الاولاد نوريه مـتـزوجه من عبد الامير  عوده ابن عمتها كـوّه  سكنوا بغداد ثم 
    انتقلوا الى الكوت ولهما أبناء  أعرف منهم البنت الكبرى نـقِـيّه و يليها نـقي والثالث
    على ما اتذكر كريم فنقيه متزوجه من ابن خالتها عـلي محـسـن فـرمان وهو مهندس
    كان يعمل في معمل نسيج الكوت ولا علمَ لي عن أخبارهم والبنت الاخيرة  هي زهرة
    متزوجة من معلم اسمه محمد علي  في مدينة الكوت  . 
    أعودُ الى ذِكرِ والدي الحاج يوسف وهو بِـكرُ أمّـه زنـوبـه حيث تعـرّض في طفولتهِ الى
    ورَمٍ في يافـوخ رأسهِ  وكان علاجه بطريقه لا يُصدقها العـقل وهو الكوي بمادة 
    الكبريت حيث حَفَرت هذه المادةُ  يافوخه ونزلت الى دماغه سألتُ والدي عنها 
    فيقول : إنّـه نجا منها بقـدرة الله سُـبحانَه وتعالى وأما ولادتُهُ حـسـب قـولِهِ كان عــام 
    1890 أو 1895  . 
    عَـمِلَ والـدي مع والده في ألأعمال التجاريه في ذلكَ الوقت وكانت أعمالاً بسيطةً وهي 
     بيع وشـراء المواد الغـذائية من مدينة الكـوت الى الـقـرى المحيطة بها وبالعكس وكان 
    لــوالـدهِ مـركز تجاري للبيع في ناحية الفلاحية [ أم حلّانه سابقاً ] يُديرُ العملَ فـيـه 
    إبنه [ عـسّـاف ] الذي يأتي ترتيبه الثاني بعد أبي ، إلّا أنّ جدي [منصور] تركَ الارضَ
     وزراعتها الى أبناء عمومته ظنّاً منه أن الارض التي تركها لهم جدّه [ خرنوب  ] في 
    أيــدٍ أمينةٍ وهي أراضي استصلاح شـاسعه تبلغ آلآف الـدونمات لكنّ الطمع والانـانـية
    لدى أبناء عـمومـتهِ دفعتهم ليحتالوا على أبناء عمّهم صياح بطريقةٍ قانونيةٍ وذلك 
    باسـقـاط اسـم جـدي صياح من الـقـسّـام الـشـرعي للورثـة وحصر الاسماء بـشاطي ومُطير 
    وتـعبان ونـشـر ذلكَ بالصُـحُـفِ الرسميةِ ولا أدري هل كانت غفلةً أم تهاونًا من أولاد 
    جـدي صياح  رفع دعوى ضد اولاد عمومتهم والمطالبة بحقهم .
    وقـد راجعتُ [ وزارة الري ] في بداية التسعينات من القرن الماضي وسألتُ الموظف 
    المعني بقـسـم الاراضي فأراني الصحيفة الرسميه  التي لا أتذكر إسمها والطريف أنّ 
    إسـم أحدهم وهو [ تَعبان ] كان مكتوباً [ ثُعبان ] مما أضحكني فـقـلـتُ للموظف 
    طلعوا الـكـلُّ ثعابـيـنٌ وليس ثُعباناً . 
    وكنتُ أسأل أبي فيقولُ لي: عوضوني عنها في جنوب ناحية العزّه الفيصلية سابقاً 
     وهي الجهة المقابلة لمـديـنة الكوت  فرفضتُها ، وكنتُ أقولُ له وما هي خـسـارتُـكَ لو 
    قَـبلْـتَها ؟  فيـسـكتْ كأن لم يسمعني . 
    تزوج أبي [ الحاج يوسف ] في أواسط عام 1934  أو بداية 1935 حسب تقديري  
    في بيت [ جـدّته العلويه ميّاسـه ] في محـلّـة الـشـرقيه وهذه المَـحَـلّـة هي نـواة مدينة 
    الكوت أقول تزوج والدي بنتَ إبنِ خالته بدريه الحاج حمادي حبيب الوائلي بِكرُ 
    أبيها وأمّها [ خميسه علي ] وأمُّـها كما أخبرتني أمّي من قضاءالخالص ولها أخوات أذكرُ 
    وأنا طفل قـد نزلنا عندهم  [ أنا وأمّي وجـدّتي ] مرّةً أو مرّتين أيام الزيارات وكانتْ في
     مدينة الكاظميه ولا أعرف من أخوات جدّتي إلّا الرسّام جميل حمودي وهو متزوج 
    من فرنسيه أنجب منها إبنتَه الوحيدة عـشـتـارالـتي تزوجت في بغداد ولا أعرف عنها
     شيءً ولجدتي [ خَميسه علي ] أخٌ كان يسكن الكوت يُدعى [ المُلّه رحمة الله علي ] 
    له أولاد أذكر منهم [ فيصل رحمة الله علي ] يسكن في بغداد الجديده بمحلّةٍ تقع
     قرب الـمـشـتـل إشـتغل أوّل حياته جابياً في مصلحة نقل الركاب ثم تـقـاعـد وفتح وكالةً 
    لـبـيع الـمـواد الغذائية في منطقة قـريـبة مِنْ سَـكنهِ إلّا أنني لم أتعـرّف عليه ولاعلى أحـدٍ 
    من أولاده وقد حكت لي  أمّي عن أمها أن لعائلتها أملاكاً وبسـاتينًا في قضاء الخالص
     وكنتُ أسألُها : لماذا لم يتابع موضوعها خالي [ عبد الامير ] فتجيبُ بأن لا حُجّة أو 
    مستمسك لديهم فأسكتُ وأترك النقاش وحسب تحليلي أنّه لا توجـد لـدى خالي 
    رغـبـةٌ في متابعة الموضوع واستخلاص حقوق أمّه من أخواله . 
     أقولُ تزوج أبي يوسف منصور من بنتِ إبن خالته الحاج حمّادي حبيب الوائلي 
    وسكنا بيت العلويه [ ميّاسه ] وكان والـدي يومَ ذاكَ يكبر والـدتي [ 25 ] سنةً على 
    قول والدتي و [ 35 ] سنةً  على قول خالتي فـطـومـه والطريف في هذه الزواجة أنّ 
    والدي عند ولادة أمّي وضع درهماً تحت وسادتها وقال : عسى أن تكون من نصيبي 
    فـضحكَ الجميع حينها للفارق الكبير في عُـمُـرِ مـولـودةٍ لها أيام ورجلٍ مؤهلٍ للزواج  
    وذكرتْ لي أمّي أن أبي كان قد تزوج في الحرب العالمية الاولى من إمرأةٍ خطبتها له 
    أمّه [ زنوبه ] في الطريق أثناء تنقلهم من مدينة النعمانيه الى جصّان أو من مدينة 
    الكوت الى مدينة النعمانيه أو جصّان لا أدري على وجه الـدقّه المهم أنّها كانتْ أثناء 
    رحلتهم خوفاً من الحصار الذي ضُرب على مدينة الكوت من القوّات التركيه والقوات 
    الانكليزيه أثناء الحرب العالمية الاولى حيث دارت معركه حاسمه إنتصرت بها القوات 
    التركيه على القوات الانكليزيه وسَلّم القائد الانكليزي نفسه الى القوات التُركيه وماتزال 
    شــواهد المعركه هي مقبرتان واحـدة للأتراك في منطقة الداموك  بأطراف الكـوت 
    وأخرى للإنكليز في وسط المدينه وبجانبها سـجن الكوت الذي تحول اليوم الى 
     دكاكين والمقبرة لم تعد كما كانتْ عليه أيـام الـعـهد المـلكـي من العناية والرعاية وفي
     ستينات القرن الماضي رأيتُ قبرَ القائد العام الانكليزي الذي كان يتصدر المقبرة 
    قد نُبشَ واُخرجتْ منه الرفاة حيث نُقِلتْ الى إنكلترا تكريماً لخدمته ولا أدري لماذا
    تركت الحكومة الانكليزية رفاة جنودها الذين قُـتِلوا في أثناء المعركة دفاعاً عــن العَـلَم 
    البرطاني أمّا المقبرة التركية فلا أدري ما حلَّ بها بعد أن زحَـفَ بـنـاء مـديـنةُ الكوت الى 
    الداموك بل تجاوزتها ، هذه هي موازين الحكومات تترك الصغار وقوداً لسياساتها ولا 
    تُبالي بهم  ليحصدوا ثمرةَ هذه الدماء اسـتعماراً للـشـعوب واسـتغلالاً لـثرواتِها .  
     وقد سألتُ أبي عن هذه الزواجه فقال :  
    أنّه لم يُنجب من زوجته الاولى لكونه لم يَقْرَبْها ولمّا أسألهُ لماذا طلّقها ؟ يقول بأنّ
    نفسه لم تتقبلها من ليلتها وقد عاملها بقسوة أثناء السفر في الطريق وهو يشعرُ  
    بالندم ويستغفرُ ربّه عن ذلك ويقول أبي عندما جئتُها بكتاب الطلاق  وجدتُها تغسل
    ملابسي فانتظرتُها لحين فراغها من الغـسـيل وبعد ذلك أعطيتُها كتاب الطلاق ثم 
    أخذنا بالبـكاء معاً وهذا من غريب التصرف من والـدي وقد سألـتُهُ مرّةً هل تعرف عـنها
    شـيءً بعـد الطلاقِ فقال لي أنّها تزوجتْ رجلاً من البصره وهي تُـقـيم معه هناك .  
    وقد مضتْ أعوام بعد أعوام ووالدي يطرقُ ألابواب كي يقترن ببنت الحلال إلّا أنّه لم 
     يُحالفهُ الحظ وكأن القدر رسمَ  ما تمناهُ والدي وهو أن تكون زوجتُهُ هي بنت إبن
    خالتهِ [ الحاجه بدريه الحاج حمادي حبيب الوائلي ] وتقول والدتي أنّ نيشان 
    الخطوبة بقي سنتان متروكاً ووالدي متعلقٌ بـقِـشّـة الامل التي أصبحتْ حقيقةً بعد أن 
    كانتْ كفّة الرفضِ هي الارجح وكانت عِشّتَهما هو بيت جدّته العلويه ميّاسه وهذا 
    ما رسمه القدر المقدور لنا  . 
    وتـزوج مِن إبـنـةِ جدي الحاج حمادي الـثانيـة إبـنُ خـالـتهِ الحاج حسون محمد 
    الناصر  وهي الثانية في ترتيب البنات هي الحاجه مدينه ثم أعـقـبها بعد بضع سـنين
    بزواج إبنه عبد العزيز من شــقـيـقـتِهما الـثالـثـةِ في الترتيب وهي الحاجة بسهن و
    أتوقع أن زواج أبي وابن خالته الحاج حـسـون كان في نفس العام وهذا ما أرجّحُـهُ رغم 
    فـارق الـعُمُـرِ  الكـبـير أيـضـاً لأنّ أبـي يـكبـر إبن خالـته الحاج حسون خـمس ســنيـن كما
    أخـبرني أبـي وكانت عِشّتهما الزوجية في محلة الشرقية وقريب من بيت العلوية 
    مياسة وهو مشتركٌ مع اخيه حنون محمد الناصر  الذي كان متزوجًا من الحاجة 
    صبرية بنت عبود وهي ابنة عمه  من مدينة الحي واولاده عدنان والحاج سلمان 
    ومنقذ وعصمت الذي يسكن الان في السويد واباذر وهو اصغر اولاد حنون الناصر
    قد استشهد في عملية الانفال التي قتل فيها صدام آلاف الاكراد الابرياء دون أن 
    يتحرك ضمير الامم المتحدة لأن الصهيونية الامريكية الغربية هي التي تقرر متى 
    تتكلم حسب مصالحها ولحنون بنت تزوجت ضابط شرطة تدعى جليلة ولم
     تنجب .  
    وفي بيت [ العلويه ميّاسه ] يُرزق أبي ببنت أسموها [ لميعه ] ثمّ بابنٍ بعـد ســنـتـين 
    أسموه [ نافع ] وهنا أقف مُقـدّراً ولادتهما فالولادة الاولى تكون على الاغلب في عام 
    1936 والمثبت في هوية الاحوال المدنيه هو 1938 لأُختي [ لميعه ]  والولادة الثانية
    لأخي الاكبر [ نافع ] تكون في 1938 و يؤكـدّ قولي هــو ما ذكره صهري وإبن عمي 
    [ الحاج ناصر عسّاف ] حيثُ ذَكَـرَ لي أنَّ وفـاة والـده عام 1939 وأن أخــي [ نافع ] 
    كان مولوداً قبل وفاة أبيه بسنه او اكثر أمّا المثبت في هوية الاحوال المدنيه فهو
     عام 1940 ثم تأتي الولادة الثالثة بعد سنتين حسب قول والدتي ببنت أسموها رفيعه 
    فيكون تأريخ ولادتها في 1940 والمثبت في هـوية الاحـوال المدنيه هـو 1942  ثـم 
    تعاقـبـت ثـلاث ولادات لإنــاث والـولادة الرابعة  لـذكـر وكانــت أســـماؤهن كـلآتي : 
    سميعه  وربيعه وسريعه وجميعهنّ فارقن الدنيا بعد ولادتهنّ بين عمر الستة أشهر 
    والسنة وهذا ما ذَكرتْهُ لي والدتي وعبد الرزاق هو الرابع ولا أعـرف تـسـلـسُـلُهم
    الولادي وكل هؤلاء كانوا على ما اتوقع في بيت العلوية أمّا ولادتي فكانت في بيت 
    جاني ملكشاه أي بعد ولادة أختي رفيعه بـأربعِ سـنوات أي في عام 1944 وكان 
    العـالـم قد شـارفَ على نهاية حربه العالمية الثانية التي أسـفـرتْ عـن خـسـارة دول
    المحـور وهي ألمانيا وعلى رأس حكومتها هتلر وإيطاليا ورأس حكومتها موسليني 
    ومعهما الامبراطوريه اليابانيه والعثمانية التي كانت تُسمى بالرجل المريض وجـاء
    تـسجيلُ ولادتي دقـيـقاً والـسـبب هــو أنّ الــدولة العراقية كانت توزع حصص غذائية 
    تموينة عن كل فرد في العائلة فجاء تأريخ ولادتي دقيقًا بتحديد اليوم والـشـهـر والسنة
    وكان مثبوتًا في هـوية الاحـوال المدنية الملكية التي كان يحتفظ بها ابي مع هويات 
    العائلة أما ماهـو مثبت في هويتي الحالية 1 / تموز / 1944 فهذا غير دقـيـق وذكـرت 
    لي والـدتي أن ولادتي كانت وقـت الربيع إمّا في نهاية شـهـر شـباط أو بـداية  شـهر آذار 
    وهو الارجح عندي باعتمادي عـلى هــوية لإبن عمي سامي نوري صادرة عن دائرة
    النفوس في العهد الملكي تُـشـير الى أنّ ولادتَـهُ في 10 / نيسان / 1944 ولمّا كُنتُ أكبر 
    منه بشهر على قول والدتي معنى هذا أنّ ولادتي 10 / آذار / 1944 وهو الصحيح  .  

                                         [[  الـمـحـطة  رقـم 2  ]]   
    محطة رقم 2 الفرزه الاولى  
    مما يظهر لي أنّ المولود الاول في المنزل الجديد  المسـتأجر من جاني ملكشاه هو أنا 
    وان المنزل يقع في محلة الجديدة و يبعد عن بيت جدّي الحاج حمادي مسافةً 
     قريبةً لأنّ هذه الـمحلّةِ هي إمـتـدادٌ الى مـحـلّـةِ ســيـد حـسـين وما زال الـبـيت موجـوداً 
    الى الان وان زال نصـفُـهُ عند إجـراء  تـوسـعـةٍ لشـوارع مدينة الكوت عاميّ 1951 و52 
     وهذه التوسعة قام بها يومذاك المتصرف أو المحافظ عباس البلداوي  .  
    ومِـنْ هـذا الـمنـزل أنطـلـقُ في ذاكـرتي يوم أفقتُ من مرضي القاتل الملاريا الـذي كان 
    مجهـولاً لوالـديَّ حيث طلبتُ منهما أن يشـويا لي بيضةً في المنقلة الـتي كـانا جالسين
    حـولها إتّـقـاءَ الـبـردِ وأنـا طريحُ الـفـراش ممددًا أمامهما في حُجرة الضيوف وكان طلبي
    ساعتها قمة الفرح والسرور لهما  لأن وضعي كان أقرب للموت منه للحياة وأُقـدّرُ 
    عُـمُري بحدود السنتين والنصف وفي هـذا البيت بدأتُ سِـنِيِّ طفـولـتي . 
    كان المنزل يحتوي على حجرةٍ كبيرةٍ عند المدخل لها بابٌ للدخول من [ المَجاز ] 
    ولها بابٌ  آخر يطل على فناء الدار ومن الجهة المقابلة لها توجد حجرتان كبيرتان 
    تطلّان على فناء الدار أيضاً مُرتفعتان عن مستوى أرض الدار بحُكم  وجود سـرداب 
    تحتهما وقد إمتدّتْ دكّتان أمام كل باب منهما لتسهيل الصعود والنزول وفي فناء الدار 
    يوجد باب للسرداب وآخر لبيت الخلوه ومع هذا الامتداد توجد فـتحة الـسُـلّم الـذي 
    يؤدي الى سطح المنزل وبين  فتحة السُلّم وبيت الخلوة توجد مساحة فارغه كانت 
    تُـسـتغل كمطبخ ومن الجهة الثانيه وهي الجهة الـيُسرى للـدار توجد طارمة تـمتـد مع 
    إمتداد [ المَجاز ] لولا جدار يفصل بينهما وكان فناء المنزل مكشوفًا لوجود فتحة 
    في السطح  يدور حولها سياج خشبي مربع يقسم سطح الدار الى نصفين . 
    ومساحة الدار بمجملها لا تزيد عن [ 150 متراً ] وهو ركن لبداية الشارع الذي يمر 
    بمقبرة الانجليز والسجن العام الى أن ينتهي الى مطحنة [ الحاج إبراهيم العقابي  ] 
    حيثُ يتقاطع مع شارع المستشفى بدّوار أو فِلْكه تُسمى الآن بساحة العامل ولمّا 
    كان منزلنا رُكناً للشارع فعليه يكون المدخل الى الدار من جهة اليسار أمّا من الجهة 
    اليمنى فيوجد زقاق دربونه مغلقة وفيها بيتان أتذكر صاحب أحد الدارين الملاصق 
    لدارنا هو المدعو عبد الامير كان يعمل بالسيارات إنتقل الى بغداد وسكن البياع وله 
    أخ حلّاق يدعى جليل تُوّفّي لإدمانـهِ على الخمر  وجارنا الاخــر في الـزقاق لا أتذكرهُ 
    وفي ظهر منزلنا زقـاق فيه مسـكن محمد البغدادي والبغدادي هي قرية في تكريت 
    ويعمل صباغًا للدور وكان شابّاً ممتلئً أحمر الوجه طولُهُ فوق الربعة  ولـه أخٌ يكبـرني
    بعام عامين يُدعى علي كان مُـعلماً في الكوت في السبعينات ولا أعرف عنه الان شيءً  . 
    أمّـا جارنا المُلاصق لظهر المنـزل فكان الملا إبراهيم عطيه وله أولاد أعرف منهم 
    الدكتور خليل كان مدرسًا يدرس في ثانوية الكوت للبنين اللغة العربية والدكتور 
    جليل وهو صحافي كان له عمود في الجمهورية باسم جُهيـنة وهو الان في فرنسا 
    وبيني وبينه تواصل عن طريق الهاتف والعقيد جميل تخرج في كلية الشرطة وتعين
    في الكوت ونبيل وعقيل وللملّا  إبراهيم  بنات أعرف منهن الكُبرى  أم حيـدر تزوجها
    السيد عبد الرزاق السيد مهدي الحكيم نَـسـيـبُ خالي عبد الامير  وقـد أنـجـب مـنها
     أولاد لا أعرف منهم إلّا إسمَ إبنهِ البِكر حيدر الذي لم أتعرف عليه الى الان وبالجهة 
    المُـقابـلة لمنزلنا أي الركن آلاخر المقابل منزل المُـلّا نعـيـمه وهي متـزوجه من شـخص 
    يُدعى كنيهر  ولها أولاد أكبرهم [ فاضل ثُمّ  يأتي بعدهُ ناظر وبنت إسمها نوريه ] 
    ويأتي بعده دُكان لبيع المواد الغذائيه يُديره قاسم محسن علي الداغر ثم منزل  
    [ جاني ملكشاه ] وله أبـناء أكـبـرهم محمود كان وكيلاً لشركة باتا في مدينة الكوت 
    وهو من زوجته  ألاولى ولا اعرف عنها شيءً وزوجـتُهُ التي هي معهُ لـهُ منـها أولاد وهم 
    راضي كان شرطيًّا وتدرج الى رتبة مفوض تخته ثم تـقاعد وفـتح محـلاً  في السوق 
    لـبـيع المـواد الغـذائيه في سبعينات القرن الماضي وقـد سُــفّـر وعائلته الى إيران فذكرني
    هـذا الـمـوقف بذكرى تسفير اليهود عـندما كُنّا نجوبُ مدينة الكوت في سـيارة باص
    خشبي وكان راضي جاني الشرطي معنا ونحن مجموعة أطفال نهتف ونردد مـعه [ 
    خلاله حمره صفره من الطبق فُرّي ] والفرح يغمرنا ولا نفهم ما معنى هذا الهتاف . 
    وعندما كبرتُ فهمتُ ما تعني [ خلالة حمره صفره من الطبق فُرّي ] فهي ترمز الى ان 
    اليهود هم اصحاب الفكرة الشيوعية فيوسف سلمان يوسف الملقب بفهد هو 
    المؤسس للحزب الشيوعي في العراق ومؤسس الفكر الماركسي ماركس هو يهودي 
    أيضًا والصُفرة سِمةٌ ظاهرةٌ عند اليهود العراقيين وهي ترمز الى الحقد كذلك ولا بُدَّ 
    لهؤلاء من أن تخرج وتفر من بين العراقيين ، والحقيقة تبينت أنَّ تسفير اليهود هو  
    مخطط خططت له الصهيونية وبرطانيا العظمى ايامها لقيام الدويله اللقيطة 
    الصهيونية في فلسطين ويأتي بعد راضي مهدي سكن بغداد في بداية شبابه ولمهدي 
    ابن يعمل الآن إعلامياً في مـديـنة الكوت يُـدعى عبّاس ثُـــمّ يأتي صاحب لم يعمل غير
    تـربـيـة الطيور وبعده يأتي قيس عَمِلَ في البناء واختصّ في صب السقوف والاعمدة
    الكونكريتية ولا أعلم عنهم اليوم شيءً بعدما تفرقت بنا السُبُل .
    محطة رقم 2 الـفـرزة الثـانية
    وفي منـزل جاني جاءت ولادات من بعدي وهي أخي محمـد علي وأخي نـجاح وأخـتي 
    عـبـله توفي اخي محمد علي  وهو بعمر السنه على ما أعتقد وقد حمله أبي بين ذراعـيه
    ملـفـوفاً بـقـماش أبيض الى المقبرة حيث رافقـتُهُ وهو يحاول إقناعي بالعودة الى البيت
    لكنّي صممتُ على مرافقته كانت المقبرة قريبةً بحيث ذهبنا سَيراً على الاقدام ولأولِ
    مرةٍ أرى القبور وأرى رجلاً ذا لحيةٍ مصبوغةٍ بالحِنّاء يلف على رأسه عمامةً بيضاءً أخذ 
    أخي من بين يديّ أبي وأدخله حُجرةً لم أتبين ما بها وغلق الباب ثمّ عاد وحفر حفرةً في
     مكان قريب من الحُجرةِ ووضع بها أخي ثم واراه الـتـراب بقي هذا المنظر يُـؤلـمُـني 
     فألجأ الى أمّي لأتعرف عن موضوع أخي فتقول لي : هـذا صار طـير من طـيور الجنّه
     فأسكت ويبقى الحُزن في داخلي ثم بعد أخي محمد علي  جاء أخي نـجـاح وهذا الاسم 
    أنـا أسـميتُهُ به تيمناً بصديق طفولتي نجاح خضير لاجي فوافقاني عليه وكنتُ مسرورًا
    وفي ربيع عام 1946 تُـقَـررُ العائلة الذهاب الى قضاء جصّان لزيارة عمّي عـبّـود الذي 
    كان معلماً في مدرستها الابتدائيه ركبنا السيارةَ وكانتْ من النوع الكشف أي بلا سقف 
    وهي سـيارة حمـولة صعـدتْ العائلة وأنا معهم وانطلـقـت الـسـيارة وكان أخـي نجاح في  
    حضن أمّي وجميعنا جالـسـين على أرضية الـسـياره كان الهـواء ما زالت فـيـه لذعاتٌ من
    برد الشتاء بحيث جلسنا متراصين وما هي إلّا ساعات أقول ساعات لأن الطريق كان
    تُرابياً وَعِراً  حتى وصلنا الى جصّان فإذا بنا نـدخل بـيـتاً طينيناً فيه حُجرتان وفـسـحة في
    وسـط  الدار وعـند دخولي تفاجأتُ بكـلـبٍ لون شعره أصفـر ضاربٌ الى الحُـمـرةِ مقطوع
    الذَنَـبِ تقربتُ منه فإذا به يُـكـشـرُ في وجهي مع زمجرة أرعبتني وهـي المرّةُ الاولى التي 
    أرى فيها كلـبـاً عندها تدخّلتْ إبنة عمي صِدّيقه وهو اللـفظ الصحيح وليس صَدِيقه 
    الذي يلفظه الناس فـزجرتهُ فـتراجع وصعـدَ الى سـطح الدار نعم كانت المفاجأة مُـرعِـبةً 
    بعد ساعةٍ أو ساعتين شعرتُ بالجوع فطلبتُ من أمّي شيءً لآكُلهُ ذهبتْ أمّي الى إبنة 
    عمّي وهي مـسـؤلة بيت عـمّها فوضعت لي قليلاً من الـدِبـس بماعـون الشاي فأجهزتُ
    عليه بلمح البصر ثم أعود لأطلب من أمّي الدبسَ ثانيةً فـتـذهب أمّي الى إبنة عمّي 
    فيدور بينهما نقاشٌ علتْ فيه الاصوات إنتهى بذهـاب إبـنة عـمي مُكرهةً لتلك الحجرة 
    المظلمة وأنا معها فأرى صفيحة الدبس الملآنة واقفةً الى جنب الباب ورأيتُ أشياءً
    أخرى لا أعرفها فَغَرَفتْ لي منها شيءً قليلاً لتضعه بنفس الماعون لكني طلبتُ زيادةً  
    فأضافت عليه قليلاً على مضض أكلتُ ما في الماعون وكان بودّي المزيد .  
     في اليوم الثاني أصعد الى سطح الدار فأجد الكلب فيـأخذني فزعٌ أكبر  بحيث أخذتُ 
    أصرخ فجاؤوا إليَّ يهرعون فطردوهُ خارج الدار ولم أعـد أرى له أثراً حتى عودتنا . 
    وفي نفس اليوم أو في اليوم الذي يليه خرجتُ عارياً وبيدي سكينٌ صغيرةٌ ، سِرتُ في 
    طريقٍ أخذني الى منحدرٍ ثـم الى منحنى طريقٍ فقطعتُ مـسـافةً لا أدري مقـدارَها ولا 
    أين وجهتُها وبينما أنا في هذا التجوال تحـرّكَ بطني فلا أجـد خيراً من هـذه الخـلوةِ فلا 
    رقيب ولا حسيب وفي خلوتي هذه كُنتُ أنبش الارض بـالسـكين التي معي سـارحًا 
    بأفكاري حتّى أفاقني صواتٌ جاء من جهتي اليُـسـرى[ لكيناه لكيناه ] أي وجـدناه 
    وكان في المقدمة إبن عمي صادق الـذي حملني دون أن يتبين ما عَلِقَ بيَ لأنّ الفرحةَ 
    بالعثور عليَّ كانتْ أكبر من الانتباه الى بقايا الحَدَثِ الاكبر العالقُ بيَ . 
    بقينا في جصّان  أياماً  كُنتُ أذهب فيها الى نهر يُسمى بالمحموله يـنـبع من الجـبال 
    المتاخمه بيننا وبين الاراضي الايرانيه وهو ماءٌ مالحٌ  يأتي له الناس لغـسـل أوانـيهم 
    وملابسـهم ومن هذا النهر يشربون وبه ينعمون طيلة أيام الشتاء والربيع ثم ينقطع
    عنهم أيّام الصيف وقـد أخـبرني إبنِ عمّي صهري الحاج ناصر مؤخـراً أنَّ هناكَ  نهراً 
    آخرَ صغيراً  يتدفق من الحدود الايرانيه  العراقيه مـاؤهُ عذبٌ يشربُ منه ألأهالي   
    وبعد أيام عُـدنامن حيث أتينا بنفس الطريق وبنفس السياره على ما أتوقع وذلك 
    لندرة السيارات ووعورة الطريق وفي هذه السفرة تعرض أخي نجاح الى إصابةٍ 
    مِـعويةٍ حـادةٍ تسببت بنكسةٍ وكان صدر امي لا يدر الحليب بعد أن لدمتْ عليه 
    عند وفاة جدي الحاج حمادي حيث تسبب اللدم بتمزيق قنوات الحليب واختلاطه 
    بالدم وإنّـي أتذكر ضحى ذلكَ اليوم جيداً حين طلبت مني أمي أن أهزّ كاروك [ مهد ] 
    أخي وهو يصرخ إستلقيتُ على ظهري وأخذتُ بهزِّ الكاروك إلّا أنّه لم يسكت فتركتْ
    والدتي ما بيدها وحملتْ أخي وما أن حملته حتى أخذ يسيل ما هو أشبه باللعاب من
    فـمـهِ فصاحتْ العلويه نجيبه أم صادق وهي من أهـل البصرة ومعـرفـتها بـنـا تعـود الى
    زمـن سـكن والـدي ووالدتي في بيت العلويه ميّاسه أقول صاحت العلويه عَـدّلي راسـه 
    طلعت روحه وبعد ذلك طلبت أمي أن أذهب الى أبي كي يحضرَ وبحضورهِ كان أخي
    نجاح قـد أسـلَمَ روحهُ الى بارئهِـا ، كان ذلك في عام 1946 وكان قبره الى جانب قبر 
    أخيه محمد علي وقد تولّى دفنه الشيخ محمود اللذينه أيضاً .
    وهنا أود الاشارة الى أن المقـبرة كانت تمـتـد من ظهر سجن الكوت الى نهاية شـارع 
    الجديده الذي ينتهي الى المدرسة الشرقيه حالياً حيث كانت المدرسة جزءً من
    المقبرة التي تمتد في عمقها الى الملعب الرياضي وفي هذه المقبر يوجد مزارٌ يأُمُّهُ
    الناسُ في مواسـم الاعياد وهو ضريح شريفه العلويه نُقِلَتْ رفاتُها الى طريق شيخ 
    سعد بعد إزالة القبور وبناء المدرسة الشرقية وبعض الدكاكين في خمسينات القرن
    العشرين كما كان فيها قسم معزول لموتى اليهود دفنت الحكومة فيها جثامين السبعة 
    الذين سقطوا في انتفاضة السجناء عام 1956 تأييدًا لمصر واحتجاجًا على العدوان 
    الثلاثي من قبل بريطانيا وفرنسا واسرائيل دُفنوا في مقبرة اليهود باعتبارهم شيوعيين
     كفرة وبعد سقوط النظام الملكي نُقلَ رفاتهم الى النجف في تشييع مَهيب ، وأمّا 
    ما بقي من الفضاءً المتروك فكان  يُـسـتغلُ كمدينة العاب أثناء الاعياد حيث تُنصبُ 
    الاراجيح  ودواليب الهواء الى الاطفال فتصبح مصدر رزقٍ لأصحابها وفي الستينات 
    بُنيَ مستوصفٌ صحيٌّ ومدرسة ابتدائية للبنات اسمها الفاطمية ثـم في أواسط 
    السبعينات أصبح القسم الباقي من المقبرة متنزهاً ولم ينجح بسبب الاهمال وهو 
    الآن موقف للسيارات في وسط مدينة الكوت شاهدتُهُ في عام 2016 . 
    إحتظنَ أبي أولادَ أخيه عسّاف بعد وفاتهِ عام 1939 على أثر التهاب الزائده الدوديه 
    وانفجارها قبل وصوله الى مستشفى المـجيدية [ المستشفى الجمهوري ] الواقعة في 
    منطقة باب المعظم ببـغــداد فكانت السبب في وفاته . 
    أخبرتني والدتي أنّ جـدتي زنـوبـه  كانت تُعالجهُ بوضع الاحجار الحارة على بطنه ظـنّـاً
    منها أنّـه يُـعـاني من آلام بـرد فتفاقم إلتهابها والعلاج الصحيح في مثل هذه الحالة هو 
    وضع الثلج على مكان الالم وفي بغداد كان اجله ثم منها يُنقل جثمانه الى النجف وما  
    تـدري نفسٌ ماذا تكسبُ غدًا وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تـموت  . 

    محطة رقم 2 الــفــرزة الـثـالثة  
    بعد عودتنا من جصّان بأشهر [ سكن معنا أبناء عمّي وهم صادق وناصر وأختُهما  
    صِدّيقه ] كان ذلكَ في صيف عام 1946 أمّا أخوهما الرابع [ سعيد ] فقد ذهب مع
     أمّه العمّه خميسه وأقاما في بيت والدها  الحاج عبد الوائلي  . 
    في عام 1947 تكون أمّي قد وضعتْ بنتاً أسميتُها عبله إعجاباً مني بعنترة وابنةِ عمه  
    عبله حيث كان يُعرض في سينما الكوت الشتويه الواقعه على نهر دجلة  وهـو إخراج
    وتمثيل مصري ويُـمـثل دور عـنـترة سـراج مـنـير ودور عـبلة تحـيه كاريوكا و معنـى
     كاريوكا والكلمة يونانيه هو تحية ملونة والـسـينما هي من مُخـلّـفات الانكلــيز عند 
    تـشـيـيدهم لـسـدّةِ الكوت عام 1939 استأجرها إبراهيم عطروزي من البلدية وهـذا 
    الـرجل لا أعرف من أين أتى ومتى سَـكنَ المـدينة وأتوقـع هو بـغـدادي شـاهـدتُهُ مرّاتٍ 
    عـديـدةً عند ما كُنتُ أمرُ من الشارع المُؤدّي الى مـنزلنا والمسمى بشارع السجن لأن 
    الـسجن يقع عليه مع مقبرة الانكليز وما زال هذا الشارع على حاله وإن تغـيـرتْ بعـض
    المعالم بفعل التقادم وذلك بتهدم السجن وخراب مقـبرة الانجليز بـعـد اخراج جثمان 
    القائد واهمالها  . 
    وما زلتُ أتذكرُ بعض ملامح إبراهيم عطروزي فهو قصير القامه يعتمر بجرّاويه على
    الطريقه البغداديه والجرّاويه لفظه عراقيه معناها العمامه وهي يشماغ يُلـفُّ على
    الـرأس وأكثر البغداديين يومذاكَ كانوا يـلبـسـونها ، كُـنتُ أراهُ أحياناً وأنا راجعٌ من 
    مدرستي واقفًا في مـدخل الدربونه [ الزقاق ] المقابلة للـسـجن وكان منزله مع منزلين
    أو ثـلاثة بداخله . 
    أعودُ الى ذكر أختي [ عبله  ]  فرحتُ بها كثيراً  حيث عوضتني عن أخويَّ الراحلين 
    وبعد مضي أشهر على ولادتها تنتكس بصورة فجائية فقالوا أنّها مُـشـتمّةٌ لرائحةَ 
    قُـنْـفُـذٍ ونـسـبـوا ذلك لعـديل أبي وابن خالته الحاج حـسـون حيث كان يُـعملُ لـهُ هذا 
    الشراب حصل ذلك عند زيـارات والـدتي لأخـتـيّها ولا أعرف الى الان ما علاقة 
    القنفذ ورائحـتـهِ  وهذا الشراب المسمى باسمه انها اوهام البسطاء من الناس . 
    تدهورت صحة أختي عبله فذهـبوا بها الى المسـتـشـفى وبـعـد الـكشـف ظهر أنّهـا  
    مُـصـابـة بذات الجنب ولا بُـدّ من النوم بها في المُـسـتـشـفى لمُـدّة إسبوع على الاقل
    رفضتْ أمّي المبيتَ معها وكانتْ تقول : شنو فرقها عن الراحوا قبلها إلّا أنّ زوجـة 
    عـمي عـسـاف الحاجه خميسه تبرعتْ بالمبيت فـعادوا بها الى المُـسـتـشـفى وبعد 
    عِـدّة أيام  تعودُ ومعها أختي فـكان ســروري بـها كـبـيراً . 
    في هذا البيت مَـرّتْ عَـلَيَّ أحداثٌ خطيرةٌ وكثيرةٌ بـدأتْ أولاها بمرض الملاريا الـذي 
    تركَ بصمـةً في ساقي اليُسرى وهي نُـدبه بقـدر الدرهم حيث جاءني المرض بلدغة 
    بعوضه رسم القدر المحتوم لأكون من ضحاياها ولكن ما قدّره لي ربُّ العالمين هو 
    غير ما رسمه المرض فـقـد تعافيتُ مـنـهُ وأنا بعمر سنتين ونصف إلّا أنّ بقية اثاره لم 
    تـبـرحني وهي كوابـيـسٌ أقضي ليلتي معها في عـراكٍ تتجسم في اشباح لأُنـاسٍ يُحيطون 
    بـي يُريـدون قتلي وهم يخرجون لي من باطن الارض وأنا بينهم أضربُ بـكـلا يـديِّ 
    الاثـنـتـيـن يـمـيـناً وشـمالاً وقـد أقـلـقَ الـوضعُ والـديَّ فـوضـعـاني مـعـهما على الـسـرير وهما
     بـين الـتألم على حـالي والانـزعاج من حـركاتي الـعنـيـفةِ متحملان ذلك بصبرٍ كبيرٍ  أمّا 
    بالنسبة لإخوتي فكانوا ينتظرون هذه الساعة كي يُـشاهـدوا مـسرحيّةً هزليةً ممثلها
    بطلٌ واحـدٌ ولأجل مشاهدتها يختلقون الـعِـلل لنومهم في حجرة والديّ .
    إستمرَّ هذا الـوضعُ طويلاً فاقـتـرحتْ أمّـي على أبـي أخـذي لأحـد الـرُقـاة  كي يُـرقـيني 
    ويعـمل رُقـيـةً تطرد عـني هذه الكوابيس فأخـذني أبي الى الـمُـلا هـوبـي وقـرأ على رأسي 
    ما يحفظ من تـعـاويذ ثـم ذهـب الى دُكـان آخر هـو مـشـهدي حـسـيـن والد حـيدير  
    وكريم وعبد الحسن وعبد الامير  الملقب [ بأبي ] المعوق في يده اليمنى وقد  
    سُـفّـروا الى ايران في زمن حكومة البعث في السبعينات أقول : اتفق والدي مع
    مشهدي حسين على مبلغ لا أعرف مقداره لـيـكتبَ لي حِـرزًا  أو حِجابًـا  . 
    لبـسـتُ الحِرز أوالحِجاب زمنًـا إلّا أن الوضع لم يتغير فالكوابيس لم تُطرد  وظلّتْ 
    تـأتيني ليلاً وتُغرقني في معارك طاحنةٍ وفي عراكي أقتلُ الكثير وكانت آخرَ معركةٍ خِضتُها
    خروجُ رأسـين من تحت الارض أخـذتُ أركـلهما بـرجلي الى أن قضيتُ عليهما وبهذه 
    المعركه إنـتـهى مسلسل الكوابيس بعد مُضي زُهاء عامٍ كاملٍ أو يـزيد وبالفعل عندما 
    أراجع مسيرةَ حياتي أراها معاركاً لا تنتهي وسـيتبين ذلكَ في محطاتي القادمة وكأنّي كُنتُ
    أرى فصول حياتي مُسبقاً أمّا الحجاب فقد قُمتُ بفتحه لأعلَمَ ما مكتوب بداخله 
    فـوجـدتُ ورقـةً لا يتجاوز عـرضها خمـسـة سـنتيمات وطولها يبلغ الخمـسـين سـانتي فيها
     رسـوم لمثلثات وحروف ورموز لم أفهم دلالاتها فجئتُ بها لأمّي فحذرتني من تمزيقها
     وأخذتها مني لتُعيدَها الى غلافها ولم أرَها بعد ذلك وبقي ما لازمني جَرّاء المرض وهو 
    ارتعـاشـة بردٍ أو رجـفة شـديـدة بين فترة وآخـرى وكأني في زمهرير يــومٍ شــتـويٍّ عاريًّا 
    و كانت المرّةَ الاخيرةَ التي عادتني أثـناء شـربي الماء من صنبور المياه المثبت وسـط 
    صحن الـدار  حيث كانت عمّتي خميـسـه أم صـادق قربي فنادتْ على أمّي [ إجَـتّـه ] 
    وتعني بها الرجفـةَ وطلبَتْ الاسراع بتغطيتي وقد حملتني ووضعتني على حصير 
    مفروش في الطارمة كان ذلك في الصيف فجاءتْ أمّي مُسرعةً بإزارٍ من الصوف ثم 
    بثانٍ وثالثٍ وأنا أرتجف حتّى خافتْ عليَّ من الاختناق وبقيتُ أرتجف تحت الاغطية
     الى أن عادتْ حالتي الى طبيعتها وبقيت الاسـباب مجهولةً بالنـسـبة لأبي وأمي 
    والمعروفة لدى اهل العلم انها حالة تَـفَـجّـرُ الكريات الحُمُر وهي الحاضنة لطُفيلات 
    الملاريا وفي تـفجرهـا تـخرج الطُفيليات سابحَةً في دّمي ومن جراء ذلك تحصل الرجـفـةُ 
    وتـبـدأ معركـة الكريات الـبـيض الـتي تـتـصدّى لـها فـإذا ضعُـفَـتْ امام طُفيليات المرض  
    يكون مصير المريض الموت المحتوم ولكني تغلبتُ عليه لأستكمل مسيرةَ حياتي . 
    ومن ذكرياتي في بيت جاني وفي أحد الصباحات كُنتُ ألعب مع أخي الكبير نـافـع 
    حيث كنتُ آتيه راكضاً فيرفعني الى الاعلى وأعود متراجعاً الى الخـلف تـكـررتْ هذه 
    عِـدّة مـرّات وفي رجوعي الاخـير سـقـطتُ على ظهـري وهـنا يلعب الـقـدرُ مـعـي لُـعـبَـتَـهُ
    أيضًا ليأتي بشخصٍ على دراجةٍ هوائيةٍ لا يُجيدُ ركوبَها فـيتوجه نحوي تـاركًا الشارعَ 
    الخالي على عـرضـه لِـيــصـعـدَ على وجـهي ويـكـسر أنـفي فشـعـرتُ بـتـهـشـم قصبة الانف 
    وأخي [ نافع ]  قاعـدُ في عِـتبة الباب يُشاهدُ الحَدثَ ويضحك .  
    ولا ادري مَنْ أخبرَ أبي وقد كان خارج البيت فـأمسك بصاحب الدراجه وأوسـعه 
    ضرباً بعـقـاله وصاحب الدراجه يـسـتغـيـث ويقول والله عمّي ما أدري ويـلـتـفـتْ أبي 
    نحـوي فـيـجـدني غـارقــاً بـدمي فـيُسارع لأخذي الى الشرطةِ لتسجيل دعوى على صاحب
    الدراجةِ  وأنا أرفض لخـوفي من الـشـرطة ولا أدري سـبـبَ هـذا الاحـسـاس الغريب وأنـا 
    طـفـل أصرخ و اقولُ أخـاف يـحـبسـوني وقـد صدق هـذا الاحـسـاس ، حاول  أبي سحبي 
     وإقـناعي إلّا أنّي إمتنعتُ عـليه فنــادهُ رجلٌ قائلاً  إبنكْ غركْ بالدم ودّيه للمستشفى
     توجهـنا الى المستشفى التي تقع مقابل سـدة الكوت وهي من أبنية الشركة الانجليزية 
    وتقع قبالتها والمسافة بعيدة من مسكننا للوصول اليها والدماء تسيل بغزاره وعند
    تجاوزنـا مبنى الـسـجـن نادى على والدي رجلٌ وقال له هنا معمل الثلج اغـسل راسـه 
    بالماء البارد ســـرنا الـثلاثة نـحو معمل الثلج فأخـذ الرجل طاسـةَ وغرف بها من حوض 
    تجـميد القوالب وسـكبها على رأسي ثم كرر بالثانيةِ وفي الثالثة انقطع النزيف وعاود 
    أبي مُحاولاً إقناعي بإقامة دعوى لدى الشرطة على صاحب الدراجة فأعودُ صارخاً 
    أخـاف يحبـسـوني وينتهي الامــر بالرجوع الى البيت بأنفِ مكـسـور وثـوبٍ مَـصـبـوغٍ 
    بـالـدمـاء  أمّـا صاحب الـدُراجـة الهـوائـيةِ فـقـد إغـتـنمها فُـرصةً للـهـزيـمةِ وبعد زمنٍ طويل 
    عرفتُ صاحب الدراجة ماجـد صبري وكان في الرابعة عشرة من العمر عند حصول 
    الحادث حـسـب تـقـديري حيث كان يـسـكن مع أهله في مـنزل مـقـابل الـسـجن وفي مطلع
    السبعينات بـعـد مضـيِّ ســنـينٍ على الـحـادثـةِ التي تسببت بمشـاكل تنفسية لا اتخلص
    منها الا باستعمال قطرات طبية لتفتح مسالك انفي وقد استمرت معي حتى اجرائي
    العملية عام 1971 في جيكوسلفاكيا قبل انقسامها الى دولتين وكلفتني العملية مبلغًا . 
    وفي السبعينات جاء الى دائـرتي غـرفـة تجارة الكوت ماجد صبري لمنحه هـوية غرفة 
    التجارة للحصولِ عـلى وكالة الأدوات الاحتياطيه للسيارات فدار بيني وبينه كـلامٌ 
    حول الحادثه والمشاكل التي أعـانـيها جراء كسر انفي وأنـا بين الجَــدِّ والهـزل اتـفـقـنا على
    أن يـدفع اُجـرةَ العـملـيـةِ ، مضى على هـذا اللـقـاء قرابة اكثر من عامين وبعد اجراء 
    العملية صـادف أن ذهبتُ الى الـحَـمّام الـعـام [ حَمّام هـلول ] وعـنـد دخـولي وإذا 
     بـصاحـبي مـاجـد صـبري أمـامي وعلى ذِكـر الحمّامات كان في الكوت ثلاثة حمّامات
    عـامّـة حمّام هلول للرجال وبجنبه حمّام للنـسـاء تُـديـرُه زوجة [ هَلّول ] وآخر 
    رجالي يقع في سوق رؤوف الحالي كان يُسمّى [ بحمّام سعيد ] وسعيد أصلهُ من
    حديثه سَكَن الكوت في بداية الثلاثينات من القرن العشرين . 
    أعـود الى ماجد صبري حيث كان في إسـتراحـةٍ يتهيّأُ بعدها للخروج وضعتُ ملابسي
    قربَ ملابسه وسـلّـمـنا عـلى بـعضـنا وتـطرقتُ الى اتفاقنا وأخـذتُ أشـرح له عـن العمليه 
    وآلامها والمـبالغ التي صرفـتها وإذا بصاحبي يـتـفصّـد عَـرقــاً وكأنّه داخل ســـاونةٍ بـل أشــدُّ 
    منـها حَــرّاً وقـد إلتهبَ وجههُ بحُمرةٍ حتّى كاد ينزفُ دماً ووعدني بـدفع المبلغ الـذي 
    إتـفـقـنا عليه وهو [ مائة وخمسون ديناراً ] نصف المبلغ الذي تـكـبـدتُـهُ في سـفري مع 
    العملية ثم لبس ملابسه على عَـجَـلٍ وخـرج ومن ذلكَ اليوم والى يـومـنا هـذا لم ألـتَـقِهِ 
    ولكن بعـد أيـام من لـقائنا جـاءني أبـي يُعاتبني على مطالبتي مـاجـد صبري بمـبـلغ تـكالـيـف 
    العـملية الذي اتـفـقـنـا عليه ثم سـألـتُ أبـي مَنْ أخـبركَ بذلك فـقال: هلّول قلتُ وما
    علاقة هلّول بـماجـد صبري فقال أنَّـهُ صِـهـرُهُ  فـفهـمـتُ من هذا أن أقرأ  الـفـاتحـةَ على 
    روح المبلغ الذي تكبدتُهُ وتركتُ الموضوع  ليبقي ذكرى أسـجلها الـيوم على هـذه 
    الصفحة ولـو اسـتغـلَّ أبـي هـذه الـحـادثة في يومها عشائريًّا لاسـتـفـاد تـعـويـضًـا  مُـجـزيًـا . 
    وفي هذا المنزل بعد أنْ تعافيتُ من مرض الملاريا طلبتُ من والدي  شراء دجاجة 
    مع ديك لأتسلى بهما وأجني البيض فوافقني واشتراهما لي ووضعتهما في سرداب 
    البيت وبالفعل كانتْ دجاجةً كريمةً معي فهي تهـبني بيضةً كلّ صباح أفطر بها وقـد 
    داومتُ على هذا الحال وقـتًـا الى أن جاء اليوم الذي حلَّ به علينا ضيفاً لا أعرف إسمَه 
    يُدعى السيد أبو كرينه وهذه التسميه جاءتْ من أخذه مبلغ عشرين فلساً فقط
    عـند سـؤاله للناس ولا يـأخـذ أكثرَ منـها حتى وإنْ اُعطيَ أكثر ولا يأخـذ أقـلَّ مـنـها ويـبـقى  
    هـذا الرجل في ضيافة أبـي أيّـاماً يـبـيتُ في دارنا ويُـصبح وأبي لا يُقصّر في واجب الضيافة
     وخدمتـه كونه ضيفًا وسيدًا الى أن يقضي مُـدّتَه التي يرغب فيها للعودة الى اهله .  
    أقـول حَـلَّ هـذا الـسـيـد ضـيـفـاً فـي أحـد الايـام فـكان سـبـبًا في ذبــحِ دجـاجتي وديـكها بـعـد 
    أن أقـنعـتني والـدتي بشـراء دجـاجـتـين وديـك لـكن لـم يـتـحـقـق هـذا الـوعـد  .
    وأذكرُ أنني كُنتُ أقدّم له الخدمه باحضار  إبريق الماء لغسلِ يديهِ في إناءٍ يُسمى 
    اللكن وإذا  ذهب الى بيت الخَلْوَةِ  أقف على بابها لأملأ الإبريقَ كي لا يـتـأخر  وتتكرر 
    عملية الملي عـدّة مـرّات وفي إحـدى الـمرّات ملأتُ له الابريق بالماء عـند دخولهِ بـيـت
    الخلـوةِ واتجهـتُ ألعب في صحن الدار ولم أقف له بالباب كالعادة بعد أن أخرجه 
    تأخرتُ قليلاً وإذا بـه يـثورُ غـضـبًا وأخذ يتكلم بصوتٍ عالٍ جلب انتباه مَنْ في المنزل
    فهرولتُ مـسـرعاً وملأتُ له الابريق لكني قررتُ أن لا أقدم أيَّ خدمةٍ بعـدها وأخبرتُ  
    أبي بذلك فأخـذ أبي يتولى خدمة الـسيـد بـنـفـسـه إكـرامًا له  .   
    وفي أحـد الايام جاء هـذا الضيف كالمعـتاد ومعه إمرأةٌ مريضةٌ بمرضٍ مُعـدٍ أدخلها 
    المنزل ووضعناها في غرفة الضيوف وعلى الفـور أرسـلـتـني أمّي لأخـبر أبـي بخطورة 
    الموضوع فجاء أبي وانتظر مجيئ السيد أبو كرينه لأنه خارج البيت وعند حضوره
    طلب أبي منه أن يـنقـلها الى المـسـتـشـفى أو الى أحـد الفنادق لخطـورةِ الـمرض علينا 
    لكن [ السيد أبو كرينه ] رفض وبشكل وَقِحْ وباسلوب جاف لم أفهم منه إلّا كونه 
    تهديد ولمّا وصل الضيف المحترم الى هـذا الحَـدِّ من التجاوز أخرجنا المريضةَ الى 
    الشارع وأخرجنا ما حمله معها وهو صُـرّةٌ كبيره في عباءة من الصوف نـسـائـيه سوداء
    وقد شاركتُ والدتي في إخراجها الى الـشـارع ، أخـذ الـسـيـد أبو كــريـنـه يتوعد أبـي ثم 
    انصرف وما هي إلّا ساعة ويطرق الباب الـسيد أبـو كريـنه ومعـه شرطي وهو يُعربد 
    والناس من حوله ، خرج والـدي وشـرح الى الشرطي الموضوع عـنـدها ضحك الشرطي 
    والناس الذين تجمهروا من حوله في الشارع وحاول الشرطي أن يصرف أبو كرينه إلّا 
    أنّه امتنع ثم حاول معه عِـدّة مرّات فأبى إلا بأخذ ابي الى مركز الشرطة وزاد تعنتاً مما
    دفع بالشرطي أن يُهدد [ أبو كرينه ] بسحبه الى مركز الشرطة إذا لم ينصرف مع 
    مريضتهِ وكانت هـذه الـمَـرّة الاخـيرةُ لهـذا الضيف الـذي لا يـفـهم مـعـنى الـضـيافة .   
    وكنتُ أطلب من أمّي كلما أجدها تعمل لنا طعاماً من الدجاج أن تَـرثي دجاجتي فـتـتـرنَّـم
    بصوتها العذب بـأبـيـات شـعـر شعبي ما زلتُ أذكر مطلعها :[ آه يَمْ وجهِ الفلاح ]  .  

    محطة رقم 2 الفرزة الرابعة 
    وفي بيت جاني كانتْ أمّي تتأذّى من القطط التي تزورنا ليلاً خاصةً في وقت الصيف 
    حيث ننام في السطح وتبقى القطط تلعب في داخل المنزل وأسوء ما كانت تعمله 
    هو أنّها تـخـرأُ على المنادر والفـراش وحتّى عـقال أبي وإشـماغه لم يـسـلـما، مـما دفـع  
    بأمّي أن تـسـتـشـرع في قـتـلها من بيت الشيخ هادي الاسدي وكان الجواب هو جواز
    [ قتلها أو ضربها بشدّة ] لأنها حيوانات مؤذيه وفي ضوء هذه الفتوى عملتْ أمّــي  
    كمائن للقطط وشاركتُها في عمل هذه الكمائن  ويكون الكمين كالاتي : بعد دخول 
    القطة الى صحن الدار تقوم أمّي بالوقوف خلف باب الدار المؤدي الى الشارع وأقـوم 
    أنا بطرد القطّة بحيث لا أدعها تخرج إلّا من الباب وبعد ذلك لا تجـد القطة مـنـفـذاً إلّا 
    باب المنزل الرئـيـسي وفي إجـتـيازها تـغـلق أُمّـي صُـفّـاقـة الـبـاب على القطّة وتـصبح رهن
    صُفّـاقـتي الباب وأبدأ بعـملي وهو الضربُ ضرباً مُـبـرِّحاً الى أن تُعطيني أمّي إشـارة التوقف
    فتفتح الباب ويخرج الـقط أو القـطة بالـنـفـس الاخـير ولأنّ أكثر الناس لا يعلمون ما 
    تـفعـله القطط يأخـذون بالصياح هـذا حرام حيوان مسكين إلّا أنّ أمّي لا ترد على أحـدٍ 
    وكان آخـر ما أتذكـر أن قِـطّاً  كـثـير الايـذاء لـنا صَعُـبَ علينا إصطيادُهُ إلّا أنّه وقع بعد 
    محاولات كثيرةٍ في الكمين وأخذتُ أضربه الى أن خَرَأَ في المجاز وجاءتْ زوجة [ جاني 
    ملكشاه مالك الدار ] تصيح وتتهدد في باب الـبـيت إلّا أنّ أمّي أغلقت الباب دون أن 
    تردّ عليها بكلمةٍ واحدةٍ وكأنّ الموضوع لا يعنيها، وأغرب ما مـرَّ هـو أن أمّـي إحتجـزت 
    [ هِـرّاً شـرسـاً لم تـتمكن من اصطياده ] إحـتجـزتـه في السرداب وكان الهِـرُّ يـجلـس أمام
    باب السرداب فترةً من الزمن يُراقب أمي متحدياً لها في نظراته ثم يعود الى السرداب
    إسـتمر هذا الوضع لمُـدّة ثلاثة أيام وهو بلا ماء أو طعام وفي اليوم الرابع لم يظهر الهِـرُّ
    كما هي عادته في كل الايام الثلاثة السابقة مما دفع الفضول بأمّي لتنزل للسرداب كي 
    تتأكد منه إلّا أنّها لم تجد له أثـراً فـقد إختفى وهنا توقعت أمّـي أنّهُ من الجنِّ إلّا انّها 
    شاهدتهُ بعد أيام وهو يمشي على ستارة المنزل وكأنّه يقول لها هأنـذا سـجـيـنُـكِ 
    أتـحـداكِ عـنـدها عــرفـتْ أمّي أنّ الـهِـرَّ قـد خـرج مـن إحـدى فتحات الـتهوية التي ترتفع 
    الى خارج السطح وكان هذا آخـرعهـدٍ للقطط في دارنا .  
    وفي أحد الايام الربيعيه البارده الاجواء شاهدتُ شيءً مُـلـتَـفّـاً على غطاء إبريق 
    الـشاي أي الكتلي فـتصورتُـهُ عقروقةً وهي الضفدعة  ركضتُ الى أمّـي وكانت 
    في سـطح الـدار تُعِـدُّ الـخُـبـزَ في الـتـنور الموجود في سـطح الـدار وللعلم أنَّ الـتـنـور 
    كان من مستلزمات البيت وأمّي لا ترغب في شـراء الخـبز من الـسـوق لرداءتـهِ . 
    أقولُ صعدتُ السُلّمَ اليها مُـسـرعاً وطلبتُ منها سكينًا فاسـتغـربـتْ طلبي فـمِـنْ أيـنَ تـأتي
    العقروقة على غـطاء الكتلي، أخـذتْ تُـطمـئـنـني الى أن أنهـتْ عملَها ونـزلـنا سـويّـةً ومـا أن 
    عـايـنـتْ أمـي الى الابـريـق المـوضـوع فـي الـمـنـقـلة حتى صاحتْ بـيَ إبـتَـعـدْ إنّها حـيَـةٌ لا 
    تـقـترب قِـفْ بعـيـداً  كـررتْ الـعـبارةَ وبـدأ الصـراعُ بـيـنـهُـمـا فـالـحـيّـةُ تُـريـدُ الافـلاتَ من
    المِـنـقـلـةِ لـتـدخـل في فـتـحـةٍ مِـن فـتـحاتِ الـجــدار وأُمّــي لا تـمـنحـها هـذه الـفُـرصةَ وكـان
    الصراع يــدور في داخــل الـمـنـقلةِ وقد إسـتَـمَـرّ  طويلاً إنـتهى بـقتل الـحـيّـةِ وكانـتْ فـرحتي 
    شـديـدةً بـقـتـلها وهذه أولُ مَــرةٍ أرى حـيّـةً وفي ظني أنّها ضفدعه ولا أدري كيف خطر 
    إسم عقروقة على بالي وأنا لم أرَ عقروقةً في ذلك الوقت .  
    كان سـطحُ الـدارِ مَـلاذاً للـعـوائـلِ الـعـراقـيـة فـي وسـط وجـنـوب الـعـراق فـي الصيف  
    للـتـوقـي مِـنْ شرور الـهَـوامِ مِـثـلِ الـعـقـاربِ والـحَـيّـات الـتي تـجـد اللـيلَ لهـا غطاءً ، لذلك 
    يـكـون تحـضيـر السطح قبل الـعـشـاء عِـنـدَ الـعـصـرِ حيث يُكـنـس ويُرشُّ بالماء ثم يُفرش 
    الـفـراش وبعد الانتهاء من الصلاة تصعد العوائل لتـناول العـشـاء والـتـخلصُ من الـحَـرِّ
    والاسـتـمتـاعُ بـنـومٍ هـانئٍ حـتّى الـصباح أما اليوم فاصبح نوم السطح حسرةً وخسارةً . 
    كُنتُ أصعد الى سطح الدار قبل صعود أهـلي أحـيـانًـا لأسـتـلقي على الفراش الى أنْ 
    يحين وقت العشاء وكان إبن عمي [ الحاج ناصر ] يصعـد في بعض الاحـيانِ بعـدي 
    وكان من طبيعته معي أن يُـخـيـفـني فـيـقـولُ لي [ إذا ما تنامْ سأنادي خضرة أم الليف  
    فـتـأخـذكَ] وأنا أتصور خَضْرة أم الليف شيءً مرعباً فيأخذني الخوف الشـديـد واُغطي
    رأسي باللحاف وأُحاولُ كـتمَ أنـفاسي حتّى لا تـسمعني وكم من ليلةٍ نِـمتُ جـائـعًا محرومًا 
    من طعام أميّ اللذيذ الـذي كُـنتُ أنـتـظرُهُ إسـتمـرَ معي ابنُ عـمي واسـتـهـوتُـهُ اللُـعـبـةُ وأنـا 
    أكـتـمُ  ذلك ولـم أُخـبر بـهِ والـدي أو والـدتي الـى أن جـاءتْ الـسـاعةُ الـتي تـنـكـشـفُ فـيـها
     لُـعـبَـتُهُ حـيث [ فعلها معي أمـام والـدي ووالـدتي ] في إحـدى الامـسـيـةِ ولـمّا شـاهـدا حالـتي 
    ورُعـبـي تـألّـما من هـذا الـتصرفِ فـأنّـبـاه عـلـيه وكان ذلك آخر مَـرّةٍ لَـعـبها مـعي . 
    ولمّا إسـتـفـسرتُ عن [ خَضِرةِ أم اللـيـف ] قـالـوا لي إنّها النخلة أراها في كلِّ ليلة 
    عند صعودي الى الـسطح وهي تمـتـدُّ ممشوقةً من دار جارنا إبراهيم العطيه  . 
    كانتْ مضايقات [ زوجة جاني ملكشاه لنا مستمرةً وكثيرةً ] فهم يُحاسبوننا على مَنْ 
    يدخل علينا ضيفاً وانْ كانوا أقرباءَنا وكانتْ عملية الكـشف على الـبالـوعه حالةً 
    تتكـرر عِـدّة مَـراتٍ في الـسـنةِ رغـم أنّ والـدي هوَ الـذي يتحمل إجرةَ تنظيفها، وكان من
    المـشهورين بتنظيف الـبـالـوعـات آن ذاك طماطه حُبَـيْـني وهـذا لـيس اسـمهُ بـل هي
    كُـنيــتُـهُ لكونه قصير ممتلئ وذو بـشـرةٍ حمراء نصرانيُّ الديانـةِ ومصيبة هذا الانسان أنّه 
    يُـنـفق جميع ما يكـسـب من مهـنـتِـهِ الـقـذرةِ على شُـرب المُـنكر[ العَرَق ] وعندما يُريدُ 
    العودةَ الى مسكنه المجهول بالنسبة لي يُحاول جَهْـدَ الامكان تحاشي الصبيةَ 
    وأحـياناً بعض الـشباب الـذين يـجـدون تـسـلـيـتَهم بـقـذفـه بالحجارة وبالقاذورات وما 
    شاكل ومـما يـجـدُنه على الارض وهو لا يتوانى أيـضًا بالردّ عـليهم مع الـسُـباب 
    والكلام الـبـذيئ ثـم ينتهي المـشـهـد بأن يـدخل أحـد الـفـروع والصبيان وراءه وكثيراً 
    ما كان يـتأخر الى الليل تحاشياً من حجارة الصبيه وسخريتهم . 
    أعود الى زوجة جاني ملكشاه فهي تُـراقب من ســطح دارها الـعالي لـترى مَـنْ يـصعـد
    على دارنـا ومـاذا نـلـعب وإذا ما صعـدتُ وأخوتي الى سـطح الدار فهذه جريمه لا بُـدّ 
    من تَهديد ووعـيد حيث تقف بالباب وتأخـذ بإفـراغ شـحـنتها من الغضب إلّا أنّ والدتي
    كعادتها تُعطيها ما هو أبلغ من الكلام أذنًا صـمّاءً وبعـد أن تُفرغ شحنتها تـرجع وهي 
    بأشـدِّ مما كانت عـليه من الحُـنـق لـعَـدم الـردّ عـليها مِـنْ والـدتي فتكون قـد رجعتْ
    بألـمٍ مضاعـف ومن غير طائل . 
    محطة رقم 2 الفرزة الخامسة 
    ظهرتْ الـسـيـنما أول ما ظهرت في الكوت في بـنايةٍ من مخلفات الانكليز الذين شـيدوا 
    ســدّةَ الكـوت عـام 1939 وقـد إستأجرها [ إبراهيم عطروزي ] من الـدولةِ بعـد إنـجاز
    الـعـمل في الـسـدة ومما أتبـينهُ أنّ الانكلـيـز قـد قـسـموها حـسـب المـستويات الوظيفيةِ 
    فالقـسم الامامي والقريب الى الـشـاشـةِ هـو للعـمال لأنّ مـقـاعـدهُ كانتْ ألواحاً خـشـبيةً 
    موضوعةً عـلى قـواعـدَ حـديـديـةٍ ثـم يأتي جـدار بـارتـفاعِ مـائةٍ وخمـسـينَ سـنـتـيـمـترٍ تقريبًا
    يـفـصل القـسـم الثاني وهـو للمـسـتويات الاعلى وظـيـفيـاً ومـقـاعـدُهُ مُـغـلّـفةٌ بالاسـفـنج 
    والقـماش ثـمّ تأتي المقصورات وهي بـناء أعلى وقريب من غـرفة العرض وهي لعِـليةِ 
    القوم وعلى هـذا بقيَ التقـسيم حيث إسـتغلها مـالك الـبـناية إبـراهيم عـطـروزي فـقَـسّـمَ 
    أجـور الدخول فالقـسم الاول الـقريب للـشـاشـة 40 فلساً  والقسم الثاني 70 فلساً  
    أمّا المقصورات الخاصة فأسعارها  250 فلساً وغالباً ما تكون محجوزةً للمـسؤلين 
    وكبار الموظفـين وهناكَ مقصورتان كبيرتان سـعر المـقعـد الواحـد 90 فلساً . 
    وقـد يـتـسـاءَلُ الـقارئ كيف تشتغل ماكنة السينما فأقـول إن للسـيـنـما مـاكـنـةً خـاصـةً
    لتوليد الكهرباء تـعـمل عـلى وقـود الـنـفـط الاسـود وعـلـيها عـامـلٌ مُـشـرف يُـداومُ عـلى
    تـشـغـيـلها يُـدعـى شــاكـر هـوبي الـسـمّاك .
    كانت هذه الـسـينما المتنفـس الوحيـد للناس وأكثرُ مُرتاديها هـم الشباب ويكون 
    تـشغـيلها مـقـصوراً على الـمسـاء ويـبـدأ عـرض الـفـلم من الـساعة الـثامنه ويـنـتهي في
    الـساعة العاشـرة تـقـريـباً حـسب طـول الـفلـم وإذا ما كان الـفلم قصيـراً تُـضاف مُـقـدمات
    مـثل الـدعـايات أوبعض الافـلام القصيـره كأفلام الكارتون وهي الصور المتحركة  أو 
    أفلامًا قصيرة للمثل الساخر شـارلي شابلن والـويـل اذا انقطع الفلم عند العرض 
    حـيث تـبـدأ الصافـرات مـن الافـواه ثم اذا طال الانقطاع  فالعـفـاط وإذا مـا طـال اكثر 
    تـنهـال الـشـتـائـم بعدها يأخذ المتفرجون بـرمي الكـراسي على الـشـاشـة وأغـلبـية الـذين 
    يـقـومـون بهـذه الاعـمـال والـتـصرفـات غـير المنضبطه هـم مـن موقع ال 40 فلساً إنـتـقاماً 
    من صاحب الـسـيـنما لـذلك يـقـوم أحيانًا مـديـر الـسـيـنما بإعـادة البطاقات الى الداخلين 
    عند خروجهم ليعودوا في الليلة التالية هذا بالنسبة للرجال أمّـا بالـنـسـبة للنـساء فلم 
    يغـفل صاحب الـسـينما هـذه الـشـريحة الكبيره فـقـد خصص عصر يوم الجمعه الى 
    الـنـساء حيث يـبـدأ العـرض الـسـاعـة الـرابعة ويـنـتهي في الـساعة الـسادسـةَ وهذا اليوم
    هو يوم السعد لـنـساء مـديـنة الكوت . 
    كانت أمي وخالاتي من جملة مَنْ يـذهـبن الى الـسينما في هـذا اليوم وكنتُ مـلازمـاً لأمي  
    لمـشاهـدة عـرض يـوم الجُـمُـعـةِ وعـنـد الـدخـول يـنـقـسـمـن خـالاتي وأمّـي الى قسمين فأمّي
    وإثنتان من خالاتي في قـسـم ال 40 فلساً وذلك لـقـربها من الـشـاشـة وهو محبب لهن 
    واختيار المكان هو الصفِّ الملاصق لجـدار قـسم الـ 70 فلساً وهو الصف الاول من 
    قـسـم الـ 40 الـقـريب من باب الـدخول وكأن هـذه الكراسي مـسجلـةً بأسـمائهن وإذا ما
    سُـبـقـن إليها من اُخـرياتْ فمعـنى هـذا دخــول الموضوع في نـقـاش لا يـنـتهي إلا بأخذها
    وأمـا خالَتَـيّ الأُخريـتان فكانـتا تـأخـذان إحدى المقصورات وإذا لم تحصل المقصورةٌ
    يأخذنَ كراسـي في إحدى المقصورتين الكبيرتين الـعـامّـتـيـن .
     كانـتْ غالـبـية الافلام هـي المصرية ومـن أشـهـرها مغـامـرات عـنـتـر وعـبلـة وقـد ترك
    هذا الفلم بصمته القوية في نفسي فكنتُ أصعد الى سطح الدار وأمثل دور عـنـتر 
    وأنا أشــدُّ على قصبةٍ أو عصا طويلـةٍ متخذاً منها فرسي العنتري ولمّا كُنّا مرصودين 
    من قبل إمرأة جاني كان عـملي هـذا جريـمةً لا بُـدّ أن تُـكـلم أمّـي عـنها ولـمّا ضيّـقـتْ 
    عليَّ أمّـي الخـناقَ أخـذتُ أصعـد عـلى الـسـتارة الـفاصلة بـيـنـنـا وبـيـن جـارنـا الملا إبراهيم
    العطيه فـأضع مـقعـداً صغـيراً عـليها وأمـتـطيها وكـأنّي عـنـتـرُ مُـمـتـطـيـاً جــوادَهُ الادهم ثـم 
    أتـرَجّـلُ مـنه لأعـودَ راكـضًا وأمـتـطيَ الـسـتـارةَ ثـانـيـةً بحـركاتٍ خـفـيفـةٍ وسـريـعةٍ ثـم سَـوّلّـتْ
     لي نـفـسي أن أنـزل على سـطحِ منـزلِ جـارنا والـسـبـب الـذي أغـراني هـو ارتـفـاعُ الـسـتـارةِ 
    من جـانـبـهم لأنّ سـطحَ مـنـزلـنـا أعـلى مـن سـطح مـنـزل الـعـطـيةِ وهـذا مـا دفـعـني لـتـكـرار 
    العملية فـي أوقـات قـيـلـولـتهم ولعِــدّة مرات و لأيــام الى أن صعـد أحـد أبـنـائـه الدكتور
    جليل إبراهيم العطية وهو الآن في الـعاصمة الـفرنـسـية ولا أدري إذا كان يـتـذكرها أم 
    لا يـتـذكرها أقـولُ صعـد الى الـسـطح بعـد أن بـلغ الازعـاجُ مَـبـلغـهُ مـنهم فـأخـذ يُكلمني
    ويـطلـب مني الـنـزول فامـتـنعـتُ وقـلـتُ له [ آني ألعب على ستارتنا وبعد ما أنزل على 
    سطحكم ] إلّا أنّه تـشـدّد معي وقال [ هذه ستارتنا ورِجْلكَ صايره على سطحنا ] 
    فـسـحـبـتُ سـاقي ووضعتها على الـسـتارة ثـم أَغَـرْتُ فـرسي الـعـنـتـري دون أن أردّ عليه
    جـوابًا فـأخـذ يـنـظـر إلَـيَّ مبهـوتًا ومُـسـتـغـربًا وبعـد أن يـئـسَ من نـزولي رجعَ من حـيث أتى 
    إلّا أنّي لـم أعــاود الـنـزولَ الـى سـطـحـهم الى أن انتقلنا  . 
    كان الناس في تلكَ الايام يتفاخرون في مأكلهم وذلكَ برمي فضلات الاكل أو فضلات 
    الحيوانات المذبوحة مثل الدجاج بجنب أبوابهم لأن هذه الاكلات متميزة وتعني كون 
    أهلها من ميسوري الحال وتبقى هذه الفضلات الى أن يأتي عامل التنظيف في اليوم 
    التالي فـيرفعها ويضعها في عـربته وكان المشهور بهذا العمل المنظف فيروز وهـو رجل 
    قصيـر وأحدب لـكنّـهُ في عَـمَلـهِ يـفـوق عِـدّة رجـال ولا يـتـهاون أو يـتكاسـل . 
    أقـولُ جاءتني أمّي بعد أن دخلتُ المنزل وطلبتْ مني أن أذهـب الى باب بـيـت الـمُـلّـه 
    نـعـيـمه لـرفـع مُـخلـفات دجـاجـةٍ كانتْ مُـلـقاةً في بابها وهو ريش وأرجل ومصارين 
    اسـتغـربـتُ من طلب أمّـي وقـلـتُ لها  ليـش أشـيل الـزباله مالـتهم وأضعها في بابـنا 
    فأجابتني هاي كل مره ياخـذون مُخـلـفـات الـدجاج مالـتـنه ويحطونه على بابهم 
    فقلتُ لها إي وشنو قالتْ هؤلاء يريدون يـتفـاخرون بأكلهم كـدّام الـناس هـذا أكلنا
    مو أكلهم وبهذه المُحاججه أقـنعـتـني أن هذا تجاوز لا بُـدّ من تصحيحه فـذهـبتُ الى
    كوم الـفضلات ثُـمّ رفعـتُها ووضعـتُها بجـانـب بابنا وما أن شـعـرتْ بذلكَ المُلّه نعيمه 
    حتّى توجهتْ الى بـابـنـا وهـي تُـزبـدُ وتُـرعـدُ وبـقـيـتْ تـتـكلّم مـا طابَ لـها أن تـتكلم دون 
    أن تـسـمعَ أوتـتـلقى من أمّي كـلـمةً واحـدةً فـعـادتْ الـمُـله نـعـيـمه في أسـوء من حالـها الاول 
     وأمّي تستعمل هذا الصمتْ في كلّ الاحوال حتى وإنْ كان الاعتداء عـليـنا واضحاً سـافـراً 
     وكـثـيراً ما تـزيـدُ على ذلكَ إمّـا بضربنا أو تكتـفي بتـوبـيـخـنا  تَـطبـيـقـاً للـمَـثـل القائل فوق 
    حقه دُقّـه وعندما أسـألُـها لماذا تـسـكت ولا تَـردُّ عـلـيهم تـقول الـرد على ناس ما عندهم
    خجل لا قيمه له بل يـزيـدُ من المـشكله وفي الآخـر هم جيراننا  .  
    كانـتْ علاقـتي مع أطـفـال المحلّـةِ معـدومـةً لـسـبـبـيـن الاول هـو شـراسـة أخـلاق صاحب
    جاني إبن مالك الـدار الذي نـحـنُ ســاكـنـيـه والـسـبب الآخـر هـو في شـكـلـهِ الـمُـخـيف 
    لِكِـبَـرِ رأســـهِ مع كـونـهِ يكـبـرني بـسـنة أو سـنـتـين وعـدم وجـود أطـفـال في عُـمُـري  حتى 
    ألعـب مـعـهم كان أكـثر لـعـبي مع أختي رفيعه أو الذهاب الى بيت جـدّي لألـعـب مع
    مـحـسـن إبـن خالي عـبـد الامـيـر وهـو مـن زوجـتـه الاولى زكـيـه وهي من قضاء الحي
    تـزوجها خالي كي يُـعـفى مـن الخـدمـة العـسكريـةِ الاجـباريـةِ لعـدم وجـود الـمُـعـيل وهـذا 
    قـانـون كان يُـعـمـلُ بـه يومـذاكَ  فـيُــأجّـل عـن الـخـدمـة الـعـسـكريـة لأجل زوجته التي 
    ليس لها معيل  .  
    تعـرّفـتُ على إبـن خالي مـحـسـن في ضحى أحـد أيـام الصـيـف وهـو مُـنـكَـفِـئٌ على 
    وجـهـهِ عـلى مـقـعـدٍ للـجـلـوس تـكلّـمتُ مـعـه فـلـم يُـجـبـني حـاولـتُ مـعـه فلم أحصل 
    على تـجـاوبٍ مـنه تـركـتُـه وبـقـيـتُ ألعـب لـوحـدي ، كان مـحـسـن في يـومـه الاول وفي
    وضعٍ جـديـدٍ عـليه بعـد أن كان في حضـانـة أمّـه زُهـاء أربع سنوات أو اكثر عاد بعد
    طلاق امّـه الى والده وهـو يكـبـرني بـسـنةٍ عـلى قول أمّي وهـو من مواليـد 1943 
    حـسـب هـويـة الاحـوال الـمـدنـيـة وبعـد أيام تـأقـلَـمَ مـع الـوضعِ الـجـديـدِ وأذكـر أنّـه كان
    أسـمن مني إلّا أنّـه أقـصـر وبـعـد أيّـام أصـبحـنا صـديـقيـن مُـتـلازمـين .  
    وهنا أعودُ الى صاحب جاني فـقـد كان يعـتـدي عـليَّ إذا ما شـاهـدني وأنـا في طريقي 
    الى دار جــدي حـمــادي لـذلك كُـنـتُ أتـحـاشى الظهـور أمـامـه عـنـد الـذهـاب والاياب 
    وقـد ضـربـني مَـرّاتٍ أثـنـاء وجوده في الشارع عند مـروري في الـطريق وفـوق هـذا لا
    أنـجو من تـوبـيـخ أمّـي فأبقى أعـاني في نفـسي من ألـمـيـن .  
    وفي أحـد الايـام شـمـمتُ رائحة الـدهـن الحُـر وأنـا ألـعبُ في السطح و كُـنّـا نـسـتعـملهُ
    كمادةٍ إضافـيةٍ يُـرشُّ فوق الــرز الـعـراقي أيّـام كان العـراق سَــلّـةَ الـغـذاء العـربي فضربتْ 
    رائحـة الـدُهنِ مع الرز الـعـنبـر التي تـفـوح الـى خـارج المـنـزل والمُـسمى بالعـنـبر الـشـتال
     والـذي أخـذتْ زراعـتُـهُ تـتـقـلص الى أن فـقـدنـاه اليوم في العهـد الجمهوري وتـحـرير 
    الفــــلاح من رِبــقِ الاقـطــــاع الظـالـم بموجب قانـون الاصلاح الـزراعي الـذي أثـبتَ فـشـلهُ 
    وصار الـعراقُ من بلـدٍ مُـصدّرٍ لبـلـدٍ مُـسـتـوردٍ لكلِّ شـيئ بسـبب عـشوائـية خـطة الاصلاح 
    وهـجرة الـفلاحين الى الـمُـدن . 
    أعـود فأقول شممتُ تلكَ الرائحة الزكية العطرة وأنا في السطح فـنـزلـتُ مُـسـرعـاً الى  
    أمّي لتضع لي قـلـيلاً منه في المِـقـلاتِ [ الطاوه ] أمـسكتُها بـيــدي الـيُـمـنى وإذا هي نـارٌ 
    ملـتهـبةٌ صـرختُ مـن الالـم فبـادر والـدي لأخذي الى المسـتـشـفى العام حـيـث كانـت 
    قِبالةَ السدّة وجوار دار المـتصرف/ المحـافـظ وهي تـمـتـد مـن شـارع الـنـهـر حـتّى الشارع
    الـوسـطي الـمُسـمّى بـشـارع الـمَشـروع وتطـلُّ بـبـابـين على الـشـارعين وهي من مُنشـأآت 
    الاتراك وقد يكون الانـكـليـز قد اضافوا لها عـند إنـشـاء الـسـدّة فقـسـمها الخلفي الآن 
    المقابل الى دائرة التربية هو مدرسة ثانويـةٌ للـبـنات بُـنِـيَتْ في زمـنِ حـكومة عـبـد الـسـلام 
    في الجمهورية[ الجـمهورية الـثـالثة ] بعد انقلابه على حلفائه البعثيين في 18 / تشرين
    ثاني / 1963  في هذه المستشفى تم تضميدي وعُدتُ وأبي الى مـسـكـنـنا في حـالٍ يُـرثـى 
    لـها وفي اليوم الثاني شاهدني [ قيس جاني ] أخو [ صاحب ] وهـو الأصغرُ و كان معي 
    لـطـيـفاً عندما أراهُ في الشارع وهو يختلف في تعامله معي بخلاف أخيه [ صاحب ] 
    وفي أثناء حديثي معه يخرج [ صاحب ] ليراني واقـفاً في باب المنزل أتكلم مع أخيه 
    فيهجم عليَّ لكن قيس إسـتـوقـفه ورأى ضماد يـدي فـأبـدى معي نـوعاً مـن الـتـعـاطـف 
    وعـنـدما تكلمتُ مـعهُ عن ديكي طلب مني أن أنـازلـهُ مع ديكه في بـيـتهم وهـذا من الخطأ
     لأنّ أي حيوان يـسـكن في مكان تعوّدَ عـليه يكون دفـاعه غـريـزيّـاً أقوى وأشد فلما تنازل
    الديكان أبدى ديكي بـسـالةً بعـدها تـراجعَ ولاذ بالـفـرار فـأخـذتُـهُ وأنـا كـسـيفٌ حزين وكان 
    ديك [ صاحب جاني ] من النوع الهراتي أي الهـنـدي وهـذه مِـيـزةٌ على قـوّته وجَـلَـدهِ في 
    الـعـراك أمّـا ديـكي فـمن الـنـوع الاوربي الـذي نـقـول عـنهُ عـربي ومن هـنا أصبح بـيـننـا شـيءٌ
    من الـوفـاق الى أن جـاءني يـوماً إبن خالي محسن وحـصل بـيـني وبـيـنه نـقـاش تطور الى
    شِجار  بالايدي وكانت معي عصا اضربه بها وفي هذا الاثناء خرج  صاحب مـن دارهـم
    وبـدلاً مـن أن يكون مـتـفرجاً أو مُـصـلـحاً صار طـرفـاً مع محسن وفي فـورة غـضبي تركتُ 
    محسن وصار غـريـمي صـاحبـاً فـأفـرغـتُ جـام غـضبي عـلـيه وأخـذتُ أضربُه بالعصا الى
    أن تكسرت ودخل منزلهم هارباً وكيف لا اُهـزمُـهُ وأنا [ عنترة العَـبْـسي ] ومن هذا اليوم 
    بدأتْ إنتصاراتي عليه وأخذ يتحاشاني ولا يتعرض لي وأصبح الطريق سـالكاً . 
    في هذا السن أو العمر كانتْ أمّي وأبي يصطحبونني الى زيارة الائمة الاطهار عليهم 
    السلام ولي في هذه الزيارات أحداث ما زلتُ أتذكرها منها في إحدى الزيارات وفي 
    سِـنٍّ لا تتجاوز الثلاث سنوات إستأجرتْ أمي مع والـدي حُـجـرةً في منزلٍ ينزله الزوار 
    في مدينة الكاظمية والـمُـعَـدّةِ للإيـجارِ وهي ضمن حُـجـرات جمـيعها مَـخـصوصة إمّـا
     للنـسـاء فـقط وإمّـا أن تـكـون مختلطةً للعـوائـل وغـالـبًا تـكونُ قـريـبةً من الامام مـوسـى 
    الكاظم عليه السلام نزلت أمي وعمّتي خميسة وانا برفقتهم في ذلك المنزل أمّا ابي
    فذهب الى احد الفنادق ، دخلنا صحن الدار فكان واسعاً يتوسطهُ حوض مـاء
     كبير أو شـذروان تتوسطه نافورة يتوضأُ منها النزلاء وفي داخل الحوض مجموعة 
    من الاسماكِ الصغيرة الملونة تلعب بداخله ولأني لا أكتفي بالمـشاهـدة دفعني فضولي 
    بمحاولة الامساك بإحداهنَّ وكانت بجنبي أمي فـنهـرتني ولكن بقـيتْ في نفسي الرغبة 
    وجاءت الـفـرصةُ وهي خلو صحن الدار وانشغال امّي في الحجرة . 
    عُـدّتُ الى الحوض كي ألعب مع السمكات فصعدتُ حافّة الحوض فرأيتُ الاسـماك
     الـتي أبهرني الوانها تـلـعبُ في الحوض فأغـواني الشيطان  أن اندفع لأمسك
    إحداهُـنَّ فانقلب المشهد وكان الحـوضُ عـمـيـقاً فانتكستُ على رأسي ولا أدري كيف 
    جاءت عمتي خميسة ومن اين في تلك اللحظة وهي تركض نحوي وتصيح الولد
    غرك فترفعني من ثـيـابي وتنادي على أمّي وين إنتوا من الولد ثـم يخرجن بعض
    النـسـوة من حجراتهن ويـبدأ القال والقيل ، وبهذا أكون قد نجوتُ من الموتِ للمرةِ 
    الثانية بعدها قام أبي بدفع تعويض السمكات لنفوقهن وقـد انـتـقـلنا الى منزل آخر . 
    وفي زيـارة أخرى كانت أمي وأمّها وعم أمّي [ الحاج أحمد ] في زيارة الى الامام موسى 
    الكاظم عليه السلام وكان عم أمي يـمـلكُ سـيارةً لـنـقل الـركاب وكانت غـالـبية سـيارات 
    نـقل الركاب يُعـمل بـدنها الخارجي من الخـشب يُطلق عليه اسم باص أبو ضلوع وهي 
    الواسـطة الـوحيدة لنقل المسافرين بين بغداد و المحافظات ، كانت أجرة النقل هي
    ديـنـارًا واحـدًا وهـذا مـبلغ كبير لا يتـمكن عليه إلّا ذو دخلٍ جـيدٍ  أو حـالٍ مـيسـورٍ وأمّـا 
    الاولاد فيكون جلوسهم على أرضية الـسيارة وأجرتهم نصف دينارٍ والطريق بين مـدينة
    الكوت وبغـداد غـير معبـدٍ وقـد تستغرقُ الـسـفرة يوماً كاملاً وأحياناً تستغرق يومين إذا
     ما كان الطريق ممطوراً وإذا ماعَـلَـقَـتْ الـسـيـارةُ بالطـين فهـذا ما كـتـبه الله عـلى عـبـاده
     الى أن تـأتي الـنجـدةُ إمّـا بمـساعـدة آخـريـن أو بتعاون الـسائق والـركاب لاخـراجها اذا ما 
     تـوفـرت لـديه المعـدات وهي ألـواح خـشـبـيةٌ أو أعـمدة أورافعات مثل جك والشاطر 
    من أصحاب الـسيارات يـلـفُّ على دوالـيب الـسـيارة سـلاسـل حـديدية جنازير تُـسـاعـد
    على تـثـبـيتها بالارض الرخوة أو الممطورة كـما يعـتمد هذا على نشاط ماكنة السيارة
    ونباهة السائق والله هو الـمُـيـسّـر في كلّ الاحـوال . 
    محطة رقم 2 الفرزة السادسة 
    أقول أخذنا الحاج أحمد حبيب الوائلي عـم والدتي وكُـنّا [ أبي وأمّي وأمها والعمة أم 
    صادق وانا معهم ] ومعنا عائلته وآخرون من الأقارب أخـذنا الى بغـداد وكان 
    وصولنا المغرب فقصدنا زيارة الامام الكاظم عليه السلام والصلاة ثم قضينا ليلتنا 
    في مـنزل للزائرين وفي نهار الـيوم الـتـالي توجهنا لصـلاة الظهـر وفي الطـريـق توقـفت
    عند بسطة أحـد باعـة لُـعَبٍ للاطفالِ حيث أخـذ زاويـةً في فرعٍ من فـروع الـشـارع
    الـرئـيـسي وعـنـده تـسـقط عيني على طائرة صغيرة تـسـير بواسطة مفتاح زُمْـبرك يقوم 
    بدفع الطائرة الى الامام فـتـتحرك مروحـتان معلـقـتان بـجـناحـيها إسـتهوتني فطلـبتُ من 
    والـدي شـراءها إلا أنّـهُ رفض وبـدأ مـشـوار الاصـرار على شـرائها فهم يحـاولون سـحبي 
    وإقـناعي بـشـرائها بعـد إداء الصلاة وأنا أزداد عـنـادًا مع الـتهـديـدِ بالهـرب عـاد أبي وأمي
    وعمّها لـيُـسـاومـوا صاحب الـبضاعةِ فـأعـطاهم سـعراًعالياً وهو 250 فلساً أي ربع
    الدينار وهـذا مـبلغ يـكفـيهم إيـجـارَ حُـجرةٍ لإسـبـوع في تـلكَ الايـام [ أربعينيات القرن 
    العشرين ] طالـتْ المـسـاومة مع إصرار الـبائع على نـفـس المبلغ فاقـتـرحوا سـحبي 
    بالاكراه وصُراخي وبكائي بمـرارة ، أمسكني الـعم أحـمد من يـدي بقـوةٍ لكني إسـتعملتُ
     ما لم يتوقعوا وهي أسـناني فأطبقتُ بها على يده فـتـركني لأفـلـتَ من يده راكضاً 
    من أحـد الفـروع حيث تَـبـيّنَ أنّـهُ يـؤدي الى مـقـبـرةِ الـهـبـنـةِ التي اُزيـليتْ وهي الآن
    منطـقـةٌ  سـكنـيـةٌ ، إنطلقتُ وهم يركضون ورائي ويستغيثون [ تعال نشتريها إلك ] 
    ولأني لم أصدق أو لم أثق في تلكَ الـسـاعة واصلتُ الجـريَ الى داخـلِ الـمـقـبرة حيث
    بلغـتُ بـدايـة الـقـبور فـقابـلـني شــابٌ حـاولـتُ الـزوغان والـتخلص مـنه لـكنّي لم أفـلح 
    وقـدأمـسـكَني من ذراعـيَّ من الخلف وسـلمني الى جماعتي وأنا مُصرٌ على شـراء الطيارة
    مما دفعهم الى الموافقه فذهبنا الى بائع الالعاب وتـمّ شـراءُها وكانت فرحتي ودخـلـنا 
    الى صحن الامام موسى الكاظم عليه الـسلام وبعـد أن سـلّـموا الكـشـوان أحـذيـتهم 
    تـركوني في الـصحنِ الـخارجي الطارمة جـلـسـتُ مـبـتهجـاً وحرّكتُ المفتاح الزنبرك حتى
    إمتلأ  ثم وضعتُها على أرضية الكاشي للطارمه وإذا بالطائرة ترتفع عن سـطح الارض 
    طـارتْ الطائرة بارتـفاع أكـثر من شـبرٍ فـدفعـني الخوف عـليها بأن ألـقـي بـنفـسي عليها
    بـقـيتُ ممسكاً بها وهي في حِجري ، والغريب أنّ المكان قـد لفّه الـسكون ولم يدخل 
    أو يخرج أحـدٌ من الناس لِـوقـتٍ لا أسـتطيع الآن تـقديرهُ ، بـقـيتُ محـتضناً طائـرتي 
    ومنـتـظراً خروج جماعتي وما أنْ خـرج والـدي ووالـدتي حتى بادرتُ لأخبرهما بماحصل 
    فاسـتخـفوا بقولي وعلى وجوههم ضحكة ساخرة ولكن كل هذا لم يُغير عندي حقيقةَ
    ما حصل وأنا مُصِرٌ على قولي والى الآن بأن الطائر طارت عن الارض وهي كرامةٌ أرانيها 
    الامام عليه وآله افضل الصلاة والسلام فَمَنْ صدّقَ فهو الواقع ومَن لم يُصدق فلا 
    لوم عليه لأن القناعة لا تُفرض .
    عُدتُ مع العائلة الى مدينتنا الكوت والطائرة معي وسارعتُ بالذهاب الى إبن خالتي
    نصرت صديقي الحميم وحكيتُ له عن الطائرة وكيف أنها طارت ومن خوفي أمـسـكتُ
     بها فقال لي تعال الى بـيـتـنـا لنرى كيف طارت وفي الـبيت حاولتُ معها مرةً ومرتين
     وثلاث إلّا أن الطائرة بقيتْ تـنـساب على الارض المرصوفة بالقاشي مما دفـع إبن
     خالتي بالـتهكم والضحـك مـن قولي الذي لا يُـصدقه أحدٌ غيري ، والى الان حين 
    أروي لبعض الاهل أو الابناء هذه القصة منهم من يسكتْ بين مصدق ومكذب 
    ومنهم من يُعلق على الموضوع ساخراً بقوله الظاهر الامام كان يعجبه يلعب معاكَ
     بالطائرة فأضحكُ من قـوله الساخر لأنّـه لـم يُصدقـني فيـما شـاهدتُ وأردُّ عـليه وعلى
    المـتشـككين قائلاً لهم هـذه هي الحقـيقة لا اُماري فيها ولا احتاج الى مَنْ يُصدقها . 
    وفي بيت جاني كاد ينشب حريقًا في السرداب وكان عندنا طاقم قنفات موضوعٌ فيه 
     كنتُ ألعب عليها أصعد وأطفر وأبي مضطجع على حصيرة البردي على الأرض وهو 
     يقـول لي لا تطفر ستصبح عندكَ فتوق فأجيبه [ شو ما صارت فتوق ] وبعد أن 
    فرغتُ من اللعب وجـدتُ أبي يُـخـرجُ أوراقًا ويُـشـعلها تحت القنفة الكبيرة وقد أخذت 
    النار بالصعود صعدتُ خائفًا وأخبرتُ أمي الى السرداب ولولا وجود طاسة ماء كبيرة
    مليئة تداركتْ بها أمي الموقف وسيطرتْ عليه وبعد أيام من الحادث تُـباع القنفات
     ولم يـشـترِ  أبي بعد الحادث غيرها ، لأن أبي إلتهى باقامة الدعاوى على ابن خالته 
    عديله وصديقه الاعز الحاج حسون والتي خسر بها ابي كما يقولُ مثلنا الدرج العيش
    والطبشي وسـوف أتناول أسباب هذا الخصام في محطة أخرى تأتي مناسبتها إن شاء
    الله كما أني لم أنسَ ذلكَ الموقف من أبي وهو ينزع من يد أمي وهي عند باب السرداب
    بالقوة سوارها الذهبي الذي كان يُـسمى دبابه وهي تقول له إشـترِ بفـلوســه لنا بيتًا 
     أحـسن ما تـخـسـر الدعوة وتروح علينا مثل ما راحت فلوسنه السابقه فـيُـجـيـبُها
    هـذي آخـر دعـوه وَعَدَني المحامي أنها مصوكره اي كاسبها ميمه بالميه  . 
    محطة رقم 2 الفرزة السابعة 
    كان المحامي علي السلبي هـو وكيل أبي في دعـاواه الخاسـرة التي يُـقـيمُها على ابن
    خالته الحاج حسون وكان المحامي سـلّابًا كاسمه وإني أتذكرُ هيأته فهو طويل منحني 
    قليلاً ومائل الكـتـف بـسب حَـمْـلِهِ لحقـيـبته يرتدي بـدلةً لونها  قهـوائي ويضع على رأسه 
    سـدارةً  ومن خلال عـمل هـذا  المحـامي مع والـدي أخـذتُ لا أصدق قـول المحامين لأن
    غالبيتهم لا يملكون ضميراً حـيّـاً ولا يُعطون للمهنة شرفها وكل غايتهم هـو أن يجعـلوا 
    من موكليهم مصدرَ رزقِهـم وتـحـقـيق موارد ماليةٍ لهم رغم علمهم بخسارة الدعوى . 
    ومـن ذاكـرة الـطفولة في بيت جـاني أنَّ في ضحى أحد الايام طـرق بـابـنـا رجـل يـسأل عـن
     أبـي يُـريـدُ مـنه مـبـلغ الـسَـمَـك الذي اشتراه ابي  منه ، خرجتُ له وأخبرتُه أنّ أبـي خـارج 
    الـبـيت قـد يكون فـي إحـدى الـمـقاهي التي على الـشـطّ فأجابني أنّه لا يعرفها وكانت   
    أُمّـي تـسـمعُ قـولَـهُ بأنّه لا يعرف هذه المقاهي ، طلبتُ منها الاذن بمساعـدته فوافقتْ 
    فكان هدفي الاول مقهى رحماني وهي داخل الـسوق الكبير ويـجـلـس بها غالبية الـتجار 
    دخلت اليها فـلم أجـد أبي فانطلقتُ بـه الى مقهى سـوزي والتي تقع في ركن فندق جبهة 
    النهر  وهي ركن تُـقـابـلـها المدرسة الـمـركـزيةُ للـبـنـين وأكثر زبائـنها عـصـراً هـم الموظفون 
    المعلمـون فلم أجـدهُ أيـضاً ثـم وصلتُ السير الى مقهى صــادق وهي على نفس الامتداد 
    وابنيتها قديمة مازالت قائمةً ثم مقهى شاكر سعودي وهي في الركن الآخر الى نهايــتـهِ 
    وهي بـداية شـارع العـلوة وسُمي بـهـذا الاســم لأن غالبية البيوت كانت عنابر  للحبوب 
    وخاصةً حبوب الحنطة والشعير .
    أعود الى كلامي الاول وهو أنّي واصلتُ السير وهو معي الى مقهى صادق وهنا يقع ما 
    ليس في حسباني وهو وجود خالي عبد الامير فيُناديني وما هو إلّا سؤالٌ منهُ ونـصفُ
    جوابٍ مني حتى قام لي مُـسـدداً ركلةً برِجْلِهِ [ جلاق ] في مؤخرتي رفعتني بحدود المتر
    ثم أسقط على ظهري مما حدا بالجالسين بالمقهى أن يهبوا صائحين على كيفك ويه 
    الطفل فأركضُ هارباً وأنا أصرخ من شــدّة الالـم ويلحقُ بيَ بائع السمك محاولاً إسكاتي
    إلّا أنني لم أتوقف عن البكاء فـحاول إسكاتي بـشـراء بعض الحـلوى من بائع يتجول في
    شـارع العـلوة ولم يفلح لأن الضربة كانتْ قاسـيةً عـنـدها عـادَ بيَ بـائعُ الـسـمكِ للبيت 
    بـاكـيًا وأخبرتُ أمي بما حصل وعاد بائع الـسـمك خـاسـراً الـنتـيـجةَ وبائع السمك يُدعى
    سيد محمد إلـتـقـيتُ به بعـد سـنين طويلـةٍ في ثمانينات القرن العشرين وهو يعمل في
    كراج الكوت دلالًا للركاب وأكثر المسافرين كانوا الى بغداد والكراج الآن قد انتهى 
    وانـتـقـل الى خلف المـستـشـفى العام قرب معملي الحياكة والنسيج . 
    أقول إلتقيتُ بسيد محمد بائع السمك عـدّة مَـرّات في الكراج فأبـتـسـمُ لـه وأقـدم ما
    يـتـيـسر من نـقـود عِـرفاناً مني لذلك الجمـيل كان ذلك بعد انتقالي الى بغداد والسكن 
    فيهاعام 1983 ولا أدري هل يتذكر الحادثة ويـفـهم مـعـنى ابتسامتي ؟ . 
    وبعد وفاة والدتي في الثامن منأكتوبر عام 1983 كان انتقالي لكي أتخلص من 
    منافقي مدينتي الذين مَردوا عليه والابتعاد عن اعين الجلاوزة   .
    وذكرت لي أمّي حادثةً حدثتْ معي تقول فيها كنتَ في عمرٍ أقل من السنتين وكُنّـا 
    في زيارة الى كربلاء ونحن في داخل الحضرة العباسية المباركه تركـتُـكَ مع عـمتكَ 
    أم صادق للصلاة وبعـد الانـتهاء من واجبات الـزيارة عُـدتُ إلـيها كي آخذكَ منها لكنّي 
    تفاجأتُ بأن عـمّـتـكَ مربوطة الرأس الى شبّاك الامام  وعلى رأسها أحـد الـسـادة يقرأ  
    ادعيته فـسألـتُها عـنكَ فـتـفاجأتْ بعدم وجـودكَ بجانـبها وأخذنا نبحث عنكَ وبعد أن 
    أخذ الفزعُ مِنّـا مأخذهُ سَـمِعـنا صوتك  فرفعـنـا رأسيـنـا وإذا بـكَ فـوق الـقـفص الـشريف 
    فـأنـزلوكَ ووجـدناك مَـبـلـولاً بـالـبـول فـسـلامٌ عـلـيـكَ سـيدي ومـولاي أبي الفضل العـباس
    وسـلامٌ على العُـتـرة الـطاهـرةِ وصلى الله وبارك وسلم على نـبـيه المصطفى محمدٍ وآله 
    الطيبين الطاهرين ما تعاقب الليلُ والنهار .  
    وأتذكرُ أني في عـصر أحـد أيـام صيف عـام 1948 كنتُ ذاهـبًا الى بيت جدي الحاج 
    حمادي وإذا بيَ أتفاجأ بوجود نـسـاء وزغـاريد وهيصة وقـد نادت إحدى الـنـساء الى
    المشرفة على تـوزيع الـشـربت هـذا [ عطا إنطيهِ شربتْ ] فـناولـتـني كأسَ الـشربتِ
     فـشـربـتُـهُ ثـم خـرجـتُ دون أن أفهـم الـمـوضوع وغـادرتُ بـيـت جـدي للعـودةِ الى بـيـتـنا
    وعلى مَـقْـرُبـةٍ من منزلنا وجدتُ عمي نوري ورجـالاً لا أعـرفهم يُحاولون فتح بابَ بيتٍ 
    قـريـبٍ من دارنا وبعـد أن عـجـزوا إسـتـقـرَّ رأيُـهم على أن يُـدخلـوا طـفلاً لينزل عن طريق
     الجيران كي يفتحَ البابَ من الداخل فلم يتبرع من الاطفال الموجودين غيري فوافـقوا
    على ذلكَ ودخـلتُ من سـطح بـيت الجـيران الى سـطح الـبـيت الـمغـلق إلّا أنّ الـموقـف
    ليس كما هو متوقع حيث كان للسـلم بابٌ مـغـلق فاقـتـرحوا انزالي بالحبل من السطح 
    الى فناء البيت ، أنزلزني من السياج المحجر الى أن وصلتُ الى الصحن فخلعتُ الحبل 
    واتجهتُ الى الباب وفـتحـتـها، دخل عمي نوري المنزل واتجه الى إحدى الحُجر وأخـذَ
    بإخراج الـقـنـفات الى فـسحةٍ أمام البيت في الـشارع وزاد على ذلكَ بكراسي وطبلات وما
    يتطلبه حفل الزفاف لأخيه عبود على كريمة الحاج حمادي خـالتي فـطّـومـه البنت
     الثالثه في تـسلـسل البنات ولا أدري مَنْ أخبر أُمي فجاءتْ الى البيت وهي في حالةٍ من
    الغضب والانفعال فأعـادت الـقـنـفات الى مـكانها وكلَّ ما أُخرجَ وبعد ساعةٍ أو ساعتين
    حضرَ عمي وهو في ثورة وأخـذَ يُـكـسر في القناني ويضربها ببعضها وكانت في طـشـتين يُـغـطيهـما 
    الـثـلجٌ وهـو يُـزبـدُ ويُـرعـد بـكلامٍ لم أفـهـمـهُ وأمي مع نِـسـوةٍ جـالـساتٍ كأن الامرَ لا يعنيها وبعد  
    أنْ أكمل تكـسـير كل ما في الطَشتين خرج ولم يَعُــدْ ، وأنـا أُشــاهـدُ هذا الحَـدَثْ من
    السـطح ولم أفهم شـيءً وبعـد أنْ إنـتهى المشهـد الـدرامي الحـزين نـزلتُ وجلستُ الى
    جانب أمي حيث سـادَ الصمت والوجوم لكن زوجة الخال الحاج سلمان واسمها نجيبة 
    سلطان كـسـرتْ ذلك الوجوم وقامتْ تـرقص وتُـزغـرد وبـعـد سـاعة أو أكثر بـقـلـيـل تـخرج 
    اُمّي وأنا معها الى مـسـكـنـنا بيت جاني وهو الـقـريب من مـسـكن العـريـسين  . 
    وبعد زمنٍ راجعتُ شـريطَ الـذاكرةِ عَـمّـا حصل مع أمي في ذلك اليوم فتَـبَــيّـنَ لي الموضوع
    هو زواج عمي عبود من خالتي فطومة وان القناني هي قناني بيرة كان قد أعدّها عَـمّي 
    نوري الى المدعوين من اصدقائه الموظفين واصدقاء العريس من المعلمين وهنا ارى
     أن تصرف امّي كان غير صحيحٍ وكان بامكانها التدخل بطريق غير مباشر عن طريق
    ابي أوعن طريق أخيها وهـما أولى بالـتـصرف في هـذا الموقف من والـدتي لكن الـدافعَ
    الـديني لدى والدتي كان أقوى من الـسكوت أو تـكليف الاخرين فتصرفت بطريقةٍ غير
    مقبولةٍ في نظر عمي نوري والآخرين .
    وأذكرُ أنّ الحكومة العراقية في عام 1948 بـدَأتْ بتـسـفير العراقـيين الـيهود وكُنتُ مع 
    مجموعـةٍ من الاطفالِ نجـوب في سـيارةٍ باص خشبي أعـدتها الحكومة وكان الشرطي
    راضي جاني ملكشاه يقود هذه الحملة ونحن نهتف بهتافات لا نفهمها ولكني أتذكر 
    منها هـذا المـقطع خلاله صفره حمره من الطبق فُـرّي ومعنى هـذا كما أفهـمه اليوم 
    هو أنّ اليهودَ العراقيين كانت سِحنتهم أي بشرتهم صفراء ويحملون الافكار والمبادئ
    الحمراء أي الشيوعية الـمُحَرمةِ فعلى هـذا الاساس على الخَـلالة الصفراء  أن تَـفُـرَّ من 
    العراق وهذا ما تهدف إليه الصهيونية العالميةِ لتأسـيـس الدولـة الـيهـوديه التي تُدعى   
    الـيوم دولـة إسـرائيل في فـلـسـطين وبـسـبـب جهل الحكومة العراقـية وربما هو اتفاق 
    سِـرّي مع الدولة الحاضنة للصهـيونية بريطانيا العُظمى لتأسـيس دويلة إسرائيل وهي 
    اليوم الابن المُدلل لأمريكا . 
    محطة رقم 2  الفرزة الثامنة 
    وفي عام 1949 يـتـقـدم إبن خالتي وصديقي الحميم  نصرت الى التـسـجـيل بالمدرسة 
    المركزية للبنين الـواقعة على دجـلـة وهي كما أتـوقع كانت ثـكـنةً عـسـكريةً للـقـوات 
    الانكليزية وبـجـنـبها كان مـسـتـشـفى عـسكري والمـسـتـشـفى الآن هـو مصرف الرافـديـن 
    أمّـا المـدرسـة فـقـد هُـدّمـتْ في أواخــــــر الـسـتـيـنات من الـقرن الـمنـصرم وقـام مكانها بـنـاءٌ
    لـمـدرسـة حـديـثـة البناء إلّا أنها ليـسـت بـتـلكَ الجـمـالـية للمـدرسـةِ الـقـديـمـة أقول تقـدم
    ابن خالتي نصرت وسُـجِّـلَ في الصف الاول الابتـدائي فدفعـتني الرغبة للضغط على أبي 
    لتسجيلي مـعـهُ فأخـذني بعـد يـوم أو يـومين الى المـدرسة ودخل الى إدارتها وكان المدير
    آن ذاك السيد هاشم الخطيب وكانت معهُ مجموعةً من المعلمين فقـدّم والدي هـوية
    الاحوال المدنية أي الجنسية الملكية وكان مذكوراً فيها يوم الولادة والشهر والسنة 
    ولمّا أجروا حساب عمري ظهر أنّي دون السن القانونيه وأنّي لم اُكملِ الخـامـسـةَ وهـذا
    الـسـنُّ لا يُـؤهـلني للـدخول وبعـد إلحاح من أبـي وضعوني تحت الاختبار فأظهـرتُ براعـةً
    بـحـسـابِ الارقـام من الواحـد الى العـشـرة دون تـلكُّـؤٍ أو تلعثم وطلب مني أحد المعلمين
     قراءة أحـد الاناشـيد المتعارف عليها فقرأتُ وبكلّ ثقةٍ  نشيد [ يا بط يا بط إسبح
     بالشط ] وهـنـا أذعـن المدير وتـمَّ قبولي مُـستمعاً وواجبي الحضور والإسـتماع فـقط . 
     دخلـتُ الصف الاول مع ابن خالتي نصرت مـسـتبـشـرًا بعـد قـرع الجـرس وجلسنا
    على نفس الرحلة وهي الرحلة الاماميه وبعد قليل دخل أحد المعلمين الـذي رأيتُه في 
    الادارة وهو واحدٌ مِمَنْ سألوني وكان إسمه عبد المنعم دخل علينا بكرشه وقامته 
    فوق المـربوعة وبوجهه الاحمر  دخل الى الصف وتوجه بالـسـؤال للطلاب بفتح 
    كُـتُـبِ القـراءةِ ثم سألَ مَـنْ مـنـكم يـعـرف يـقـرأ لم يرفع أحـدٌ يـدَهُ غـيري فأشار لي فأخذتُ 
    قـراءةَ إبـنِ خالتي وبـدأتُ أقـرأ متـهجيًـا إزْ إي زيْ ، إزْ إي إزْ زيزْ قرأتُ الصفحةَ بكاملها وأنا 
    لا أعـرف ما هـو الحرف الـذي أتهجاهُ ولا  المعنى كل قراءتي كانتْ حفظاً على الغيب أي 
    عن طريق سـماعي لأختي رفيعه التي تكبرني وبعــد أن فـرغـتُ مـن القِـراءةِ قـال لي آمِـرًا 
    قُــمْ الى الـسـبـورة واكـتـبْ [ زيز ] أمـسـكـتُ بالطـبـاشـيـر وأنا لا أعـرف شيءً فـوقـفـتُ مُـتـحـيـراً 
    فـأخـرج الـمـعـلــــــم عبد المنعم لوحاً خـشـبـيًّا سـمـيـكاً مـسـقـولاً من الساج وقـــــــــــال لـي إفـتـحْ يـدكَ 
    فضربـني على يـدي الـيـمنى ولـم يكـتـفِ فـأتـبعها بـضرب الـيُـسرى وكانـتا ضربـتـين مُـؤلِـمَـتـيـن بـحـيـث 
    تـركَـتا في نـفـسي وجـسـدي ألـمًا بليغًا بـقـيـتُ أتحـين الـفُـرصةَ للأخـذ بـثـأري مـن هـذا الـمـعـلـم الـظـالـم .
    إتـجـه المعلم [ عـبـد المنعم ] صَـوْبَ خـزانـةٍ كانـتْ مـركـونـةً فـي زاويـة الـصـف ففـتحها وانحـنى لإخـراج 
    شـيئٍ لا أعـرفـهُ وهنا جاءتْ فـرصـتي للأخـــــــــذِ بـحـقّـي مـنـه فـقُـمـتُ مُـسـرعاً وركـلـتُـهُ بـرجلي بجـــلّاق أدخَـلَـتْـهُ 
    الـخِـزانَـة وأنـطلـقـتُ راكـضًا بـمـا أُوتـيـتُ من قُـوّةٍ وسـرعةٍ وهـو يـركض ورائي ويصيح كـضـوه أي أمـسـكـوه . 
    كان لـمـدخل الـمـدرسـة الـمُـطِلِّ على شـارع الـنهر قَـمَـــــــريـةٌ يـجـلـس تـحـتـــهـا فـرّاشـوا الـمـدرسـةِ للإسـتراحـةِ 
    ومراقبة الـداخل والخارج منها وعـند وصولي اليه كان الفرّاش مُخـيف أبـو غانم و الفرّاش كاظم أبو جـواد 
    جالـسـين عـلى الـمـصـطـبـة ولـما ســمـعا صياح المعلـم لـم يـفهـما المـطلـوب منهـمـا ولكـنهـما إعـتـرضـاني 
    فـراوغـتُـهما وزِغـتُ من بـيـنـهما خارجـاً الى الـشـارع باتـجاه المنزل لائـذاً بأقـصر الطُرق وعند بلوغي الــمنزل 
    كلمتُ والـدتي بـما جــرى على يــد المعلم عبد المنعم وبهـذا الـفعل إنـقـطعـتُ عـن الدوام في الـمـدرسـة بعد
    ما حصل لي مع الـمعـــلـم ولقبتُه فيما بعد بـالفـقـمة وشاع هذا اللقب بين طلاب الصف  . 
    وأتذكـر أيضاً أن العـراق مـرّ بـشـتاءٍ قـــارسِ البرودة عام 1948 حيث تجمدتْ حتى انابيب إسـالة الـماءِ 
    الـمـدفـونة في الارض لكني شـاهـدتُ أختي رفيعه تُـخرج ما تجمد من ماء الحُبِّ خِلـسـةً وفي غفلةٍ عن  
    والدتنا ثم ترتشـفـه بتلذذ فطلبتُ منها إعطائي شـيءً مـنـهُ فرفضتْ وكانتْ خائـفـةً من انكشاف أمرها 
    فصعدتُ علىكرسي حبّ الماء لأسـتخرجَ منه بعض الثلج الطافي على وجه الماء لكن أختي ذهبت 
    وأخبرت أمَّـنـا فانهزمتُ خارج البيت لكنها أخذتني الى ساقية المياه القذرة في الشارع فوجدناها 
    مغطاةً بـصـفائح الثلج وهـو ما أتمناهُ  وأنا في غاية الفرح فأخذتُ ألتهم الصفائح الجليدية إلّا أن 
    اختي عادت ووَشتْ بي ثانيةً الى والدتي ففزعت أمّـنـا خوفاً من حصول مكروهٍ جَـرّاء أكلـي الـثـلج 
    الملوث فاخذت تناديني من خلف الباب وتحاول اقناعي لكني لم التفت الى كلامها ولم اعد حتى 
    اخذتُ كفايتي وعند رجوعي أخذت تـشـرح لي ضرر هـذا الماء الآسن المتجمد  في الـسـاقـيـةِ ولـكن 
    بعـد فـوات الاوان وكان المطلوب من والـدتي أن تُـشـبع رغـبـتـنا من هـذا الثلج المتجمـد في الحُب 
    بـدلاً من أن تطردنا لـنـذهب الى ما هـو أسـوء وللأطفال تصرفات لا تخضع لمعيار الـعـقـل وعلى الآبـاء 
    والامهات الانـتـباه إلـيها قـبـل وقـوع الاطفال بما هو أسـوء  .     
     كَـثُـرتْ مـضايقات [ جاني ملكشاه وزوجته ] فكان القرار انـتـقـالـنا الى بيت جـدي الحاج حمادي 
    حبيب الوائلي بـعـد مُـضيِّ زُهـاء خمـس سـنوات في مـنـزل جـاني وبهـذا تـنـتهي الـمـحطة الـثـانية  . 

      محطة رقم 3  الفرزة الاولى 
      كان انـتـقـالـنا الى بيت جدي [ الحاج حمادي حبيب الوائلي ] عام 1949 أي بعـد حادثة المعلم 
    عـبـد الـمـنعم بأشهر حيث حملنا ما يـفـي الحـاجة مِـن [ الـعـفـش ] وباع أبي ما فاض من سجاد وأغطية 
    وغيرها لأن بيت جدي لا يستوعب إلا الضروري من حاجاتنا .  
    يقع بيت جدي في بداية شارع الاكراد الفيليه مقابل الشارع الذي يُوصلني الى بيت جاني ويمتد الى 
    السجن ومحلة المشروع ويُحيط ببيت جدي جيران هم من الاكراد الفيليه فمن الجانب الايسر بيت 
    عابدي وأبناؤهُ مجيد عابدي إشـتغل موظفاً في مصرف الرافدين في الكوت و أخـتُـه مـديـنه بقيت عـانـساً 
    ولم تـتـزوج وأخٌ لم أعرف إسـمه كان يُـديـرُ معمل الثلج العائد لهم وجارُ بيت جدي من الجهة اليُمنى بـيت 
    الحاج لاجي وأتذكـر من أبـنائه خضير الحاج لاجي الـذي كان يـسـكنُ مع أبـيه وكان يفصلُ بـين بـيت جـدي 
    وبـيت الحاج لاجي زقاق مـغلق في نهايـتـه مـسـكنان من الجهة اليسرى  للداخل فيه مـسكن الملا إسماعيل 
    واصلهم من دزفول الايرانية نزحوا للعراق بعد الحرب العالميه الاولى وهذا القول منقول عن بسهن زوجـةِ 
    الـمـلا إسـماعيل التي كنّا نناديها بأم جمعه وجمعة بالحقيقة ابن زوجها فغلب اسم جمعة على اخوته . 
    وأكـبرأولاد المُلا إسـماعيل من زوجته بسهن هـو عبد الله يمتهن الخياطة ولـه أولاد اكبرهم نـجـم  
    وهو مُـعلم ويــاس وهو مـعلـم وكلهم يـسـكـنون محلة الـمـشــروع وبـعـده يـأتي علاوي وهو خياط يـسكن
    في عـكد نوكرنـازر ومعنى نوكر نـازر [ خَـادمُ الناظـر ] اي المـسـؤول عـن أراضي الاغـا الـتركي آنَ ذاك متزوج 
    ولا أعـرف أحـداً مـن أبـنـائه والابن الثالث هـو محـمـد  يعـمل في الريـف سائقًا لماكـنة ماء لسـقي المزارع وهـو 
    مـتـزوج وله أولاد منهم حسن ومحسن ولا أعرف الباقين وفياض وهو أصغرهم يـشتغل خياط ومتزوج من 
    فخريه هادي وهي اخت زميلي في الابتدائية  مهـدي هـادي ويُلَقبون بـبـيـت واوي كانـوا يـسـكنون أطراف 
    عـكـد الجديدة قرب المقـبرة التي كانت في بداية الخمسـينات تمتد من بداية المدرسة الشرقية الابتدائية 
    للبنين الى نهاية ظهر السجن طولاً  ويـسـكنون حالـياً في الـداموك ولـفـياض أولاد أولهم إسماعيل إحترق 
    وهو بعمر ثلاث سـنوات أثـناء لِعْـبهِ بالـنار خارج البيت في يوم عاصف تُـرابيٍّ وهـذه العواصف كانت تـحـدث 
    في جنوب العراق ووسـطه لمرتين او ثلاث مرات ايام الربيع وايام الخريف وهذا ما يُقال عنه بالانقلاب الصيفي
    والانقلاب الشتوي ولكن اليوم وبعد قيام صدام بتجريف بساتين شط العرب وابو الخصيب في حربه على 
    ايران واثارة رمال حفر الباطن في غزوه للكويت خسر العراقيون أجمل لياليهم الصيفية التي كانت على سطوح
    منازلهم ، اعود فأقول ومن بعده مناضل ثم صادق وهـما مـتـزوجان ويسكنان في هولندا بعد طلبهما اللجوء
    وكان عبورهما عن طريق ايران، فمـناضل مـتـزوج من إحـدى بنات مُـلّا هـوبـي وله أولادٌ منها وصادق مـتـزوج مـن
    سجى حسين إبـنـة بنت أخـتـي إتـحـاد خـضـر ولهما ولـدان هما جعفر وبنت لا أعرف إسمها إنفصلتْ عنه 
    لـسـوء أخـلاقه وبخـلهِ ومن بعده جـاءتْ أختُهم أسـماء ثـم آدم ونـوح وسـكن فـياض مـع أخـيـه جمعه غـيـر 
    الـشـقـيـق  في بـيـت أبـيـهـما مع أمّـه بـسـهـن الذي يعمل عـامـلاً في مطحـنة مُـلّا فِـزع اللامي التي إشـتراها الحاج 
    إبراهيم الـعـقابي ولجمعه إبنان الكبير صاحب تخـرج معلماً ويـسكن بغـداد حالـياً والآخرحبيب تخرج مهندساً
    في جامعة البصرة وتعين وتزوج فيها ولا اعرف عنه سوى أنّ له ابنةً اسمها وســن .
    ولجمعة بنات مـتـزوجات فصبـيحـه وهي بِكرُ ابيها مـتـزوجة من إبن عمها مُـلّا هـوبي يعـمل تورنجي ويسكن
    عكد الحَمّام وليلى متزوجه من معلم يُدعى غـنـي الجصاني يسكن الآن بـغـداد  وله محـل في أسـواق بغـداد 
    الجديدة ثـم سجوده التي تُوفيتْ وهي شابة بمرض غامض أصاب إحدى سـاقـيها تقول عنه جـدتُها بـسـهـن 
    أنه يُـسـمّى الـباد ولا أعرف هذا الاسم الى يومنا هذا وأظـنُـهُ سرطان ولها أخت تَـوأم توفـيت في أيام الرضاعة 
     ثم آخـر أولاد جـمعه تأتي فـاطمه وهي متزوجه من إبن عمتها فاضل وحـيـد وهـو معلم إنـتـقل الى بغـداد 
    بـعد أن صار عضو فرقة في حزب البعث . 
    وللملا إسماعيل بنات من زوجته بسهن أكبرهن شَـنّو أو شـفـيقه وهي زوجة عـبـد الحـسن خال المحامِ 
    تـقي يـونـس الـوزان وكريم الـقـيادي الـشـيوعي والمهندس جابـر ونَصّـار ،  ولعبد الحسن نافـع وهو معلم 
    وعـطا يعمل خباز وعزت موظف وله بنتان كـوثـر تخرجت مـعلـمة وآمـنـه تخرجت مُـدرسـة لم يتزوجن 
    وقـد طلّـق عـبد الحـسن زوجـتهُ شـفـيـقـه أوشَـنّـو في منتصف الـسـتـيـنات ومـاتَ على طريق الكوت / العماره 
    بحادث صدمته فيه سيارة اثناء عبوره وبقيت الحادثة مسجلة ضدّ مجهول . 
    وللملا إسماعيل من زوجته بسهن إبنة إسـمها نسيمه متزوجه من عواد وهو حارس ليلي وله  دكان يعمل 
    به نهارًا  في السوق مع عديله وحَيّد أبي فاضل وقد تشاجرا وقد افضى الشجار الى سجنه خمس سنوات كان 
    ذلك في عام 1960 ولمّا خرج من السجن فتح له محلّاً في مـحلة سيد حسين ولـه مـنها أولاد أكبرهـم فـوزيه 
    وبعـدها فـوزي وهـو موظـف في سـايلوالكوت وسـعـد يعمل موظفًأ وعلي وصباح  وهما الاخيران إسـتـشهدا في
    الحرب العراقية الايرانيه في ثمانينات القـرن الماضي وللملا إسماعيل إبنة متـزوجه من وُحَـيّــد او عبد الواحد 
    وهو والـد المعلم فاضل زوج فاطمه بنت جمعه والمدرس أبـا ذر . 
    وجـميع بيت ملا  اسماعيل وأصهارهم  بالاصل من الاكراد الفيليه الايرانيين كما ذكرتْ جدّتهم بسهن 
    وقد دخل كل من وحَـيّـد أبو فاضل وعـبد الله أبو نجم في عشيرة الخزرج أمّا عـوّاد فدخل عشيرة القيسيه   
    والى جانب بيت الملا إسماعيل بيت غـلام لـفـته وهو رجل ضرير أصـلُهُ من قـضاء بــدره من الاكراد الفـيـليه
    مـتـزوج ولـه إبـنٌ وحـيـدٌ إسـمُهُ جــابــر كان مُصاباً بـشـلل أطفال في سـاقه الـيُـمنى كما في عـينه الـيُـمنى غـشاوة 
    بـيضاء أظنها بـسبب مـرض الـتـراخوما وجابر من أصدقاء خالي عبد الامير تـزوج بـابنة عَـلَـم وإسـمها زكـيـه وهو 
    من الاكراد الفـيلـيه ايضًا ولعَلَم أخٌ يُـدعى عَــرَب أعرف إبـنهُ عـبد الامـير كان معلمًا  سُــفّـرَ هو وجميع عـائـلـته 
    الى إيــران في حملةٍ لحزب البعث في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي لتعريب المناطق الجنوبية 
    وتغيير الطابع الديموغرافي بتوطين الفلسطينيين والمصريين وغيرهم من العرب وهي خطة لتطويق الشيعة 
    وتقليص النفوذ الايراني الشيعي في المناطق الوسطى والجنوبية خطة مرسومة بين حكومة البعث وحكومة 
    ال سعود الوهابية والغريب أن العرب السنة الى الان يقولون ان الحكومات السنية التي حكمت العراق لا 
    تحمل روح الطائفية، والطائفية هم اصلُها وفرعُها في العراق .  
    محطة رقم 3 الفرزة الثانية 
    أعود الى كلامي وأم جـابر هي أختْ سُـليمون الذي قـتـلهُ الانكليز في حـادثـة سـطوٍ على مُـعـسـكرهم أثناء 
    حصار الكوت في الحرب العالميه الاولى أمّا غُلام أبو جابر فلا أعرف عنه شيءً وهو من بدرة كان يعمل 
    ببيع التمور والزنابيل والَمهافـيـف التي تُعمل من سـعف النخـيل حيث يأتي بها من قضاء بدره ليبيعها في 
    الكوت وهي تجارة رائجة في ذلك الزمان . 
    أمّا جابر فكان في بداية حياته يبيع المواد المنزليه في محل يقع في وسط السوق الرئيسي يعود الى الحاج 
    عيسى عباس الجـشعمي ثم عـمِلَ وكيلاً لـبيع الـسيارات الامريكيه في مـنـتصف الخمـسـينات وكان له معرضٌ 
    في أملاك الحاج حسون محمد الناصر وقد انتهتْ الوكالة بعد قـيام حكومة عبد الـسلام عارف بتأميم الـشركات
    والمصارف حاذيًا حـذوَ رائد العروبة وحامل شعارها الاول الرئيس المصري جمال عبد الناصر  في تطبيق
    الاشتراكية  العربية التي ابتدعها . 
    ثم عَـمِـل جابر بعد ذلك في بيع المواد المنزليه وكان مـحـله بين مطعـم الصادق والـبـريـد الـقـديم كما كانت لديه  
    وكالة عامة للمعجون والمُربّى في الكوت حصل عليها من معمل المعجون والمربى في النعمانيه وهو  آخر عملٍ
    له ثم سُفّرَ هو وعائلتُهُ الى ايران في بداية الثمانينات . 
    أنجـب جابـر من زكـيه بـنت عـلم خمـسَ بـنـاتٍ وكان المـولـود الـسادس ذكـراً أسـماهُ حسنين أو محمد حسين 
    أما بِكرهُ فهي إبنتُهُ فائزه تـزوجـها كامل الحكيم وهو من أقاربهم وبـعـدها سُـعـاد تزوجها مهدي الحكيم  أخو
     كامل وتُـوفّي جـابر غـلام  لفـته بحـادث سـقـوط من مـنطـقـة جبلية بعد خروجه من اجتماع للمعارضة العراقية
    في شـمال العراق كان ذلك في فصل الـشـتاء أمّا عائـلـتُـهُ فهي الآن تعـيش في الـسـويد عـدا إبـنـته فـائـزه وزوجها 
    كامل فـقـد عـادا الى إيـران وتُـوفّـيتْ إحدى بناته في الـسـويـد وهذا كل ما اعرف من معلومات .
    أعـود فأقـول في عام 1949 إنـتـقـلنا من دار جاني ملكشاه الى دار جدي حمادي وقد أفرغوا لنا حـجرة 
    الضيوف الديوانيه وجدارهامع الجدار الخارجي للبيت شكل مجازًا يترابطان مع الباب الخارجي وهذا 
    المجاز يـنـتهي بفـتحةٍ الى داخـل الـبيت وبجانـب هـذه الفـتحة دَخْـلَه وهي مـساحة صغـيرة موضوعٌ فيها 
    حُبُّ الماء أذكـرُ أنّـه كان يملأهُ رجل يَعـمل بجلب الماء من النهر يُـسمّى بـالـسـقّـة مقابل مبلغ نقدي 
    لأنهم يستشكلون شرعًا من مياه الحنفية رغم وجودها وكذلك وجود بئر بجانبها تحت الـسُـلّم يُستعمل
    سابقًا تركوه ايضًا وأصبح خزانًا لمياه الغسيل وللحفاظ على ماء الحُبِّ جعلوا له غطاءً من قماشٍ أبيض  
    وفوقه غطاء خشبي دائري على فوهته زيادةً بالعناية وعند دخول البيت تمتد طارمة امام حـجرة الضيوف 
    اي الديوانيه وعلى اليـمين كما ذكرتُ يـوجـد البـئـر ثم تـليه باب الـسُـلّـم وعند صعـود ثـلاث درجـات يـقـع بـيـت 
    المُـسـتراح أو الـخَلْوة وتـسـتمر الـسـلالِم من الجهة الـيُـمنى الى الـسـطح حيث يـنـقـسم الى سـطحـيـن و سـياج من
    خـشـب يُـحـيـطُ بـفـتحة الـبـيـت يَـحـولُ أويَـمـنعُ دون الـسـقـوط الى صـحـن الـبـيـت كما يوجد سـياج حــول فـتحـة
    الـسُـلّـم أيضاً والى جـانـب بـاب الـسُـلّم باب الحَـمّـام ويُـسـتعـمل للإسـتحمام و للطـبخ  ثـم تـأتي طـارمـه عـلى امـتـداد
    حـجـرتـيـن ويـأتي الـتـنـور من الجهة الـيـسـرى في فـنـاء الـبـيت وبهذا هوالشــكل العام مـسـاحـتـهُ حسب تقديري 
    بـحدود مـئـتي  مـتر مربع .  
    سكنا في بيت جـدي زُهـاء عــامٍ وفيه كان دخولي المدرسةَ الابتدائية المركزية وهي السنة الدراسية 1949
    و1950 وقـد سـبـقـني إبـن خـالي محـسـن في دخـوله مـدرسـة الـنجاح لأنّه أكبر مني سـنّـاً وإبن خالتي نصرت 
    وقد سبق ان تـكلمـتُ عـنه وعن حادثة المعلم عـبد المنعم سـابـقـاً .
    وأتذكر أني في أول يوم من ذهـابي الى المـدرسـة وفـي الطـريق خلعتُ أوّل سِـنٍّ لَبنيٍّ وكان اول زميلٍ رافقني 
    الى المدرسة هو أسـد حـسـوني الحـمراوي جارنا فـقـال لي إرمِ  بـسنّكَ الى الـشـمـس وقُلْ لها هاكِ سِنَّ 
    الحُـمار واعطني سـنَّ الـغـزال فضحكتُ ورميتُهُ على الارض وتابعـنا السـير الى المدرسة.
    كان مـسكن أسـد حسوني الحمراوي واهله هو مسكن خضير لاجي الـذي انـتـقـل مع عـائـلـته الى مسـكنٍ 
    قـريبٍ وهو من أملاكهم لا يـبعـد أكـثر من خمـسـين مـترًا عن مـسـكنهم الاول المجاور لبيت جدي  . 
    سكنا في بيت جدي وعلى أثـر شـجارٍ حصل بين أمّـي وزوجة خالي الثانيه زكـيه سـيـد مهـدي الحـكيم 
    إنـتـقـلنا الى مـسـكنٍ تملكه إمـرأةٌ  تُـدعى أم إبراهـيم وإبـراهـيم لا أعـرف إسـم أبـيه ولكنه يُـلـقـب بالـركابي 
    يـقع المـسكن في زقاق طـويل أو [  دربـونـة ] له مخرجان مخرج الى شارع السجن مقابل مقبرة الانجليز وآخر
    الى الساحة التي وسط السوق وما زال الزقاق قائمًا على ما هو عليه الى الآن وفي ركنه للداخل يـقع بـيت 
    رحماني صاحب المـقهى الكبير في الـسـوق الـكـبـير وهـي مُـلـتـقى تُـجـار الكـوت والـمـقهى الآن دُكّـان لـبـيع الـمـواد
    العـطارية والاعـشاب يُـديرُهُ عـبد الامـير أبـو الهـوا والـد زميلي في الـدراسـة الابتدائية محـمد سـعـيـد الذي
     تخرج معلماً وفي زيـارتي للكوت في 2004 سـألتُ أحـد اخـوتهِ عنه فـقـال قد تمّت تصفـيـتُهُ من قبل جهاز 
    الامن دون أن يوضح الـسـبب في حـين أنّـي كُـنتُ أعـرفـهُ بـعـثـيًّـا من تنظيمات 1968 . 
    ورحماني من الاكراد الفيليه لا أتذكر صورته بدقةٍ لكني أتذكرُ  ملامحه العامة كان قصيراً وغـليظ الصوت 
    وبيت رحماني يقابل بيت مُلاصق لـمقبرة الانكليز كانت تـسـكنه بدريه العوره واني لا اتذكر  ملامحها ولا
    أعرف لماذا سُميت بالعورة ربما تكون كريمة العين ثم الى جانب بيتها دُكان ومسكن مامكه وهو من 
    الاكراد الـفـيـلـيه والـدُكان هـذا من ضمن المـسكن ثم يأتي زُقـاق مُغـلق فـيه بـيـت طالب الـسـماك أعـرف من 
    أولاده إبـنه الكبير مـاجـد تخرج ضابطاً وعَـمِلَ في المخابرات العسكريه والابن الآخر علي تخـرج مُعـلماً وسـكن 
    بمحلة دور المعلمين وآخرهم حـامـد كان موظفاً في دائرة زراعة الكوت توفي في تـسـعـينات الـقـرن الماضي وهم 
    من بعثيي عام 1968 وأعرف من بناته عـلـيه وهي مُعلمة تزوجت من المعلم غـازي وهوشيوعي من سـكـنة 
    العـزة / الفيصلية سـابـقاً توقف معي في سجن الكوت عام 1963 أمّا إبـنـةُ طالب السماك الكبرى فهي متزوجة 
    من المعلم عـبد شـكيح وهو كادر شيوعي من سـكنة العـزة / الفيصلية سـابقاً توقف معي في سجن الكوت عام 
    1963 ايضًا أمّا إبـنـتـه الصغرى فهي متـزوجـة من شـاكـر عـباس الـدعـج ولا أعـرف عـنها شـيءً ويوجد في الزقاق
    بـيت آخر لا أعرف سـاكـنـيه ثم يأتي في ركن الزقاق بيت جاني ملكشاه وبناءُهُ كان من طابقين ثـم يأتي دُكان
    قاسـم محـسن علي الـداغر وهـو من ضـمن مـسكن الـمُـلّا نـعـيـمه و يـنتهي الشارع بمسكن المله نــعــيــمـه .
    وعلى إمـتـداد بيت رحـمـانـي النازل الى محلة سيد حسين بـيت المعلـم زيـنـل وهو يقابل دكان مـامـكـه وعلى مـا 
    أتذكـر أنّ المعلم زينل طويلُ القامـةِ ضخم الجـثـةِ من اكراد الـشمال وإبنه بـهـجـت زاملني في المركزيه وكُـنّـا إذا 
    أردنـا السـخرية به نـقولُ له زيـنـلي مُـخَـبَّـلي وبـهـجةٌ مُـعَـقّـلي سكن مدينة الكوت لـسـنوات ثم انـتـقـلوا ولا أعـرف 
    عنهم شـيءً ومن طريف المصادفات ما حصل هو أنّي راجعتُ طبـيـبًا للعـيون عام 1985 في الـكوت فـذكر لي 
    أنّـه كان في مدرسة غازي الابـتـدائـيـة وكان معلمهم زينل فقلتُ له تلكَ المقولة زيـنـلي مُـخـبلي وبهجةٌ 
    مُعَـقّـلي فـقال لي [ إي هـذي هـي الـنَـبّـه ] فضحكنا وأعطاني العلاج ثم خرجتُ ولم اعد له ثانيةً ولا اتذكر
     إسـمه اليوم بعـد أن تفرقت بنا الـسُـبُل . 
    وبعـد بيت المعلم زيـنـل مـسكنٌ لا أعرف سـاكنيه ثم يأتي زقاق أعرف فيه مـسكنين الاول بيت ذيبان 
    ومسكن الشيوعي كاظم خلاوي ومن هذا الزقاق يخرج زقاق جانبي يربط بين الزقاقين حيث
    يقع في ركنه مسكن زميلي شاكر ذيبان ومسكننا العائد لأم إبراهيم الركابي بحيث يكون بيت شاكر 
    ذيبان ظهرًا لمسكننا وأعرف من بيت ذيبان شـاكر الذي زاملتُه في المدرسة المتوسطة والـثـانوية 
    وقد التقيتُهُ مُصادفةً في بـداية الـتـسعـيـنات وهـو يرتـدي الـبـزه العـسكريه بـرتـبة عـقـيـد كان ذلكَ على 
    شارع الخط الـسريع الممتد على طول حي اجنادين التي تقع العمارة التي فيها شـقـتي وحي اجنادين يقع 
    بين حي السيدية وحي الاعلام .
    المحطة رقم 3 الفرزة الثالثة  
    أقول إلـتـقـيتُ زميلي شاكر ذيبان بعد أن تفرقنا وفرّقتنا السياسة فهو البعثي زمن البعث والقومي سابقًا 
    وانا الشيوعي المتهم والمراقب دائمًا أقول التقيتُه وانا واقف على الرصيف انتظر مرور احدى سيارات 
    الركاب المسماة بالصاروخ للذهاب الى بغداد الجديدة عن الطريق الذي يمر بمعمل الدورة وقفت انتظر 
    واذا بجانبي سـيارة شوفرليت كنديه مالـيـبـو كانت توزع على العسكريين في الحرب العراقية الايرانية مجانًا
     كهدايا من صدام للجيش العقائدي ، وقف شاكر بسيارته وهو يناديني وطلب مني الصعود معه فاعتذرتُ 
    وقـلتُ له إن لي عـملاً يخـصُ زوجـتي في وزارة التربية فـقـال لي وأنا لي عـملٌ في نفـس الوزارة حاولتُ الاعـتذار إلّا 
    أنّه تمسّـكَ بأن أصعد معه فركبتُ و أخذنا نتجاذ أطراف الحديث كما يقولون ومن لطفهِ وحُسنِ أدبه أنّـه لم 
    يتطرق الى حـادثةٍ وقعـت بـيـني وبـيـنه كان سـبـبها طالـباً يُـدعى يـحـيى عـنـاد من الـعـزة / الفيصلية سـابقاً  ويحيى 
    هذا أقـنعني أن أشـاركـهُ الاعـتـداء عـلى شــاكـر بـخـطّـةٍ رســمـها هو وهي كـــلآتي ........... 
    بعد انقلاب 1958 وانقسام القيادة العسكرية الى طرفين طرف مؤيد للزعيم عبد الكريم وطرف مؤيد للعقيد 
    عبد السلام كان المؤيدون للزعيم هم الاغلبية من الشعب وعلى رأسهم الشيوعيون اما الطرف الاخر  وهم 
    المُعـادون للزعيم وطليعتهم الـقـوميـون والـبعـثيـون ومعهم الاقطاع والـرجعـيـة ومَنْ يقف وراءهم في الخارج 
    كل هؤلاء الطامعين بالـسـلطة وعلى رأسهم صاحب البيان الاول صبيحة يوم 14 تموز عام 1958  العقيد 
    عبد السلام عارف ومن خلال هذا كان طبيعياً أن تنعكس الصورة على الطلبة والانقسام والانحياز الى
    طرف منهما والدخول في تنظيماته وكان زميلي شاكر ذيبان من الفريق المُعادي للزعيم وأنا مع الغالبية 
    الموالية للثورة والزعيم ولأن الجهل هو سـيد الموقف والعواطف مشحونةُ والمنافـقون يـتلبسون بلباس 
    الوطنيه والنفعيون كل هؤلاء كانوا المحور الفاعل في إضرام الفـتنه جاءني يـحـيى عـنـاد وطرح عليَّ فـكرة 
    الاعـتـداء على شـاكر ذيـبان رفضتُ الفكرةَ لـم أوافـق أول الامر ثـم كـرر معي الطرح لـيـومـين مـتـتـابعـين حتى 
    أقـنعـني بـأن يـقـوم هو بالعـراك عـلى شيءٍ مُـفـتعلٍ مع شــاكر وأكون أنا مُـحاجزاً على أن أمـسـك شـاكر ذيـبـان
    وأتـرك يحيى عـناد يسدد ضربةً لوجه شـاكـر وهنا أقولُ معترفًا أنّـي انـزلـقـتُ في هـذا المُـنـزلق الغبي وحـدث 
    الـشِـجارُ وقـد انتهى بأضرار بسيطه لشاكر ذيبان وذلك لتدخل بعض الطلاب والامساك بيحيى عناد وانـتهى
    الشجار  بـقـرع جـرس الـمـدرسـة ودخول الصفوف لكن الغريب بالامر أن شاكر ذيبان عاتـبني بعد أسـابـيع وذكر
    لي كلَّ ما دار بيني وبين يحيى عناد بالـتـفصيل مما أذهلني إلّا أني أنكَرتُ ذلكَ جملةً وأكـدتُ أني كـنتُ مُـحاجزاً 
    ومُـحايـداً فانصرف عني وهو غـير مـقـتـنع بـقـولي كان ذلك في عام 1961 في المدرسة المتوسطة الرسمية . 
    أقف هنا لأحلل هذا الموقف كيف توصل شاكر ذيبان الى معرفة تخطيط الموضوع فأقول لا شكَّ في أنَّ أحد 
    الطلاب قد أخذ التفاصيل عن يحيى عناد على اقرب تقدير ثم نُـقِـلَ لـشـاكر ، ومعنى هذا أن يحيى وضع وزر 
    الـشجار على عاتـقي وخرج ومنها وكأنه مدفوعٌ من طرفي وبـعـد هـذا الـحـادث قررتُ مع نفسي أن لا أوافق على 
    أي إعـتداء من قِـبَـلِ أي شـخص أو أتـدخل في أي شـجار . 
    أعـود فأقول أنّ شـاكر ذيـبان لم يـتطرق الى هـذه الحادثة وقـد أوصلني الى الوزارة وفي الوزارة ذهـبنا سـويةً الى 
    معلم الرياضه سـابقاً جعفر علي حسن الريس وهو من بـيت الـشـبوط ومن أوائـل الـعـوائل التي سـكـنت الكوت
    فـجـدّه حـسـن كان أول رئيس لبلدية الكوت في أول حكومة للعـراق الملكي ومنه جاء لـقـب الـريس وأخـذ أخـوه 
    عـبـد الـهـادي وهــو الابـن الـبكر لأبــيـهِ رئـاسـة الـبـلـديـة بعد وفاة ابيه الى نهـايـة العـهـد الـملكي ولـه أخٌ ثالـثٌ وهو
    أصغـرهُم اسـمُـهُ عـبـد الـخـالـق تـخرجّ في كلـية الـحـقوق وسكن بغداد ومـا زال بـسـتانهـم قائمًا جنوب مـدينة 
    الكوت وإنْ تقلصت مساحتُهُ بأخـذ أجـزاءٍ منه ولا ادري ما حلّ به الآن . 
     أقـول إلـتـقـينا جعفـر علي الريـس وهو مـدير عام في وزارة الـتـربـية وبعـد جـلـسـةٍ قصيـرة وحديثٍ عابرٍ عن أيـام 
    زمان خرجـنـا من الـوزارة وقـد اسـتحلـفـني لمرافقتهِ الى شـارع 52 لإجـراء الصيـانة لـسـيارتـهِ فـانـتُـظرتُه عـنـد كـراج 
    إبـن خالتي نصرت الناصر  وبـعـد سـاعات عـاد لي وقَـفَلْنا راجعين في نفـس الطريق حيث نـزلتُ عند المكان
    الذي صعـدتُ مـنه وقد دعوتُـه لتناول الغـداء سويةً فاعـتـذر وطلـبتُ مـنه زيـارتي في شـقـتي التي هي في عـماره 5 
    وشــقـه رقم 5  فأجابني أنّـه يسكن في الشرطة الرابعه وهي لا تبعد عن شقتي كثيرًا وهي جزء من منطقة 
    المعالف التي تبعد عنّا قليلاً ثـم افـتـرقـنا والى الـيوم . 
    أعـود الى بيت ذيبان وأعرف كذلك أخـويه اللذين يـكبرانَـهُ فأخوه الكبير طالب والاخر إبـراهـيم وهما أصحاب 
    مقهى صغيرةٍ في الـسـوق الكبير تقع في الركن المقابل لمحل عبد الامير أبو الهوى مقهى رحماني سابقًا 
    وكان ابراهيم مُـصـابًا بـمرض الـوسـواس وأعرف أخـتًا لهـم اسـمـها حليمه تخرجت مُعلمةً تزوجها كـاظم جـواد 
    وهو من كوادر الحـزب الـشـيوعي كان موظفاً في وزارة الزراعه في الكوت ولهما إبنٌ اسـمه  نـصيـر يعمل طـبيـبًا في 
    مدينة الكوت  ولـكـاظـم أخٌ مدرس يُدعى صاحب وآخر معلم يدعى سـعـدون كان لاعـب كُـرةِ سَـلّةٍ مـتمـيز انتقل 
    الى الجزائرفي كمعلمٍ إلتـقـيــتُـهُ بالمصادفة أثناء حجي عام 2001 والان يـسـكن ألمانيا هو عائلتُهُ وتوقف سعدون 
    واخوه كاظم معي في سجن الكوت عام 1963 ولهما ثلاثة اخوة هما طـالـب ومـالـك و أخت لا اعرف اسمها  
     وفي زُقاق بيت أم إبراهيم أعرف بيت قـاسـم نَـفِـل كان طالباً معي في الابـتـدائـية وابوه موظف مأمور استهلاك 
     لا أعرف عـن قاسم شـيءً بعد أن دخلتُ المتوسطة وكنتُ أرى أختَـهُ الصُغرى أمَــل عـنـد ذهـابـها الى الـمـدرسـة 
    صباحاً كان ذلك في أواسـط سـبعينات الـقـرن الماضي وكان يقابل بابنا في الزقاق باب سيد جبار السراج وابنه 
    البكر تخرج معلمًا وبقي في بغداد اسمه كاظم لا اعرف عنه شيءً والاخر ثابت كان معي في الابتدائية تخرج 
    معلمًا ولهما اخ ثالث وهو اصغرهم يُدعى رياض يسكن المانيا منذُ عام 1971 و لا أعلم عنه شيءً . 
    وقـبل أن أتطرق الى الاحـداث في بـيـت اُم إبـراهـيـم أعـود مُـعَـرِّجـاً على ذكر بعض الاحـداث التي مَـرّتْ عليَّ في بـيت
    جـدي ومن أبـرزهـا هـو أني كُـنـتُ أتـردد لـشـراء الـزئـبق من صاحـب الـدُكّـان إرزوقـي الـصفـار الـذي غـيّـرَ إسـمه الى 
    عبد الرزاق الصفار وكُـنـتُ آن ذاك بين الخامـسـة اوالـسـادسـة وغـايـتي مـن شــرائـه هـي طــلاءُ الـفـلـس وهـو أصغر 
    عُـمـلةٍ عـراقـيـةٍ  بـمعـدن الـزئـبـق فـيـكـتسـي لــونُـهُ الـنـحُـاسـيُّ باللـون الفـضـي فيـحـسـبُـهُ الـناظرُ الـيهِ عُـمـلـةَ الـعشـرين 
    فـلـسـاً الـتي تُـسـمّى بـالـ  قران وهـو لا يـخـتـلف إلّا بـتـسـنـن حاشـيـتهِ وهي أسـنان ناعـمـة لا يَنـتـبهُ لـهـا ضـعـاف الـبصـر
    وهـؤلاء هـم غايتي وغـاية الاطفال في هذه الحالة   والزئبق لا يُـباع من قبل أصحاب الـدكاكين إلّا بعـد الـوثـوق 
    بعـدم إسـتعـماله للغـش ولا أدري كيـف تكون الـثـقـة بـالـطفل . 
    كان عـبد الـرزاق الصفار قـبل أن يـبـيعني الـزئـبق اول مرةٍ شـارطني على إيصال رسـالة صغيرةٍ لا أعرف ما كُـتِـبَ
    بـها الى باب بـيـتٍ يـقع في الجهة المُـقابـلةِ لـدُكانه وافـقـتُـهُ عـلى الـشـرط ورميت الرسـالةَ وهـو يُـشـاهـدني ثم بـاعـني
    الزئـبـق وأخـذَ العـانـةَ وهي أربعـة فـلوس تـأتي بعد عُـملة الـفـلـسـين بالـترتـيب  أخذتُ الزئبق وانـتحيتُ جانباً ثم 
    طلـيتُ الفـلـسَ بالزئـبق فظهر وكأنّـهُ الـ قـران بـعـدها توجهت قـاصدًا سـيـد محمـود وهوغايـتي لضعـف بـصره 
    وقـفتُ أمام باب الدُكان وأعطيتُـهُ الـقران الـمزيف وطلـبتُ حـاجتي تَـسـلّـمَـهُ ودقـقـهُ وقَـلّـبَهُ فاطـمَأنَّ وأعطاني 
    ماطلبتُ وأعـاد لي باقي المـبلغ فـانـطلـقتُ مـبـتهجـاً بأول عـملـيةِ غـشٍ أقـومُ بها .
    أخـفـيتُ الموضوع عـن أهلي خـوف مُعـاقـبتي ثـمّ مَـرّتْ أيــام على موضوع الرسـالةِ وإذا بأُمّي تَمـسـكُ بي وتـتـشـدّد 
    في تأنيبي وتُغلظ عـليَّ بـالـقـولِ وهـددتني بـإخـبار خـالي عـبـد الامـير إذا تـكـرر مني ذاك الـعـمل ، تجرعتُ التوبيخ 
    وبعد ايام  ركـبـتُ رأسـي لأعـود الى عـبـدالرزاق الصفار طالـباً مـنه الـزئـبق وهـنا عـاد الى شـرطهِ بـإيـصال رسـالة 
    أخـرى الى نـفـس الـبـيت وبعـد أخـذٍ وردٍّ ورفـضٍ مـنـي وتـوسـلٍ مـنـهُ  أغراني كلامُـهُ فـقالَ إذا تزوجتُ هـذه الامـرأة
    سـأسـمي أولَ إبـنٍ لـي على إسـمـك ، أفرحني قولُهُ وكأنه كـساني بهـذا طيلسان الملوك ولـو أردتُ شـيءً أكـبـر 
    لَـفَـعَـلَ كــما أتـوقـع للـحـالـة الـتي كان فـيهـا ولكــني لا غاية عـنـدي إلّا الـزئـبـق أخـذتُ الرسـلةَ ووجـدت الـبابَ مـفـتوحاً 
    الـى الـنـصـف فـرميتُها وهو يتابعني في نظره وبعدها عُدتُ له وأخذتُ الزئبق ودفعتُ العانة حقّه وذهبتُ الى
    صاحبي السيد محمود وعَـمِـلتُ كسابقتها فمَـرّتْ وحققتُ الغرض  .    
    كان سيد محمود من الاكراد الفيليه وله إبن يُـدعى هِـشـمتْ كريم العينِ اليُمنى أي أعـور أعـتـقـد أن الـسـبب هـو 
    مرض الـتراخوما فكانت جاحظةً وعليهاغشاوةٌ بيضاء كان هِـشمت يـتـردد أحـيـانًا على دُكان أبيه لِـيُـساعـدَه وفي
    أثناء وجـودهِ لا أتـقـرب الى الـدُكان وفي المَـرّةِ الـثـالـثـةِ مع ســيـد محمود إنكـشـف الـمَـلعـوب فـحـاول الامـسـاكَ بي 
    لكـنّـهُ لم يـفـلـح ونجـوت إلّا أنّي لم أعـدْ الـيهِ بـعـدها . 
    ثـم وجـدتُ ســيـداً آخـــراً يـبعـدُ دُكـانُـهُ عـن بـيـت جـدي بحـدود 150 مـتراً وهـو سـيـد عـبـد سـيـد حـمـيد الـشـديـدي 
    يـقع دكانه مـقـابل بـيت الـقـابـلـة / الـجـدة زهيه وتـسـكـنـهُ الآن إبـنـتُـها الـقـابـلـةُ شـمـعـه زوجـة الـمخـتـار مـحـمـود
    سـعـدون وهـو الـبـدايـة لـمـدخـل محـلة الـشـرقـيـة طلـبـتُ من الـسـيد عـبـد قـطـعةً من الـقـمـرديـن الـمـنـشـور على 
    خيطٍ أمام واجهة الدُكان وبعد طرد الذباب المتراكم عليه أعطاني القطعةَ وأعطيته القِران المُزيف وبعد ان
     نظر إليه ودققه بامعان أعاد لي باقي المبلغ فذهبتُ ألعب مـسروراً وما هي إلّا  أيــام وأعودُ إليه بـقْران مُـزيّـف 
    آخـر وإذا بـه يعـرفـني ويخرج من الدُكان وهو يُـريدُ الامـسـاكَ بي فـأطلـقُـتُ سـاقيَّ للـريح وهو يصيح أمـسـكوه لـكـنّي
    تخلصتُ وبهـذه العملية الفاشـلة أكون قـد ودّعـتُ آخر عملية غـش بـتـزيـيف العُـملـةِ مـدى حياتي . 
    أمّا عن عبد الرزاق الصفار فـقـد تزوج بالـمرأة التي كان يُـراسـلها وقـد وفّـى بـوعـده حيث أسمى إبنه البكر عـطـا 
    تـيـمنًا باسـمي و أصبح ضابطاً في الجيش ولا أعرف عنه شـيءً وهـو ما يـزالُ في الكوت على ما أتـوقع مع امه
    وأخـواته ولما سـألتُ إبـنَ خالي نــزار عـن خـالـتهِ أم عـطـا أخبرني بأنها مريضة بالزهايمر وقد توفيت في 
    شهر نيسان من عامنا الحالي 2015 وأن عـطـا ســكن بعـد زواجـه في بـغـــداد وله اخ يدعى سلام لديه 
    مختبر للتحليلات المرضية في الكوت ولهما اخوات لا اعرفهنّ . 
    وفي بيت جدي أيضاً تعرضتُ الى حادثٍ كُـدتُ أموتُ فـيه فـفي عـصر يـومٍ من أيـام لصيف كُـنتُ واقـفاً على
    حـديـدةٍ تـمـتـد بين الجـدار والباب تُـسـتعمل دُعـامةً لإحكام غلق الباب وفوق رأسي سِـلك كهربائي من الرصاص 
    مُدلّى مزلوغ من بعض جوانبه ومن خلال هذه الزلغات تتسرب قوة كهربائيه الى الجدار خرج خالي جبار من 
    البيت فرآني واقـفاً على هذه الحديدة ثم أقبل إبن خالي محـسن للدخول الى البيت فوقف الى جانبه وطلب 
    خالي جـبـار مني أن أمـسـك الـسلك الكهربائي وهو يبث تشجيعه وحاول خداعي فـمـرّر يـدهُ مـراراً  من تحـت
    الـسـلك وفـعـل مـحـسـن مـثـلهُ إلّا أنّي لـم أُخـدَعْ حتى يئسا من اقناعي فانصرفا وعاد محسن لي قبل ان يخرج  
    محاولاً إغـرائي الا انه لم يـنـجح وبـقـيتُ وحدي أنظر للسلك وكأنّه يُـكلمني و يُـغـريني بإمـساكه وما هـي إلّا 
    ثـوانٍ حتى وجـدتُ نـفـسي مُـتدلياً من لـسلك أصرخ مرعوبًا وبـعـد أن أكـمَـلت الـكهرباءُ  دورتَـها في جـسـمي 
    واخذت حقها مني ألـقـتـنـي الى الارض عندها سَـمِعَـتْ جـدتي خمـيـسه أم والدتي صُراخي  فهرعتْ  نحوي 
    مع أمـي وحمـلـتـاني الى داخل الـدار ووضعـتاني على منضدةٍ خـشـبـيةٍ للطعام وهـذا من حُـسن حظي ولو 
    نضـحتاني بالماء او سقيتاني منه  لـكان مـوتي مُـحَـقَّقـاً وذلك بـتجـدد الـشـحنة لكهـربائـية في جـسـدي ولكن 
    بـادرتـا الى ضربي بالخـشـب حتى هـربـتُ من الم الضرب خارج البيت وهذه معلومة قد تغيب عن ذهن 
    الناس باعطاء الماء للمصعوق بالكهرباء وهذه المرّةُ الثالثة التي أنجو بها من الموت بعد الملاريا وغرقي 
    في حوض الماء  . 
    وما زلتُ أتذكر عـندما  كُـنّـا نـسـكن في بـيت جـدي الحاج حـمادي الـذي يـقع في بـداية محلة سـيد حسين 
    كان يـقع قِبالتُهُ بيتُ والدِهِ حـبـيب حمادي الوائلي المسكون من قبل أولادِ عـلي حـبـيـب وهم حـسـن 
    وحـسـين وبـاقـر وجـواد مـع أخواتهم وملاصقاً لـهُ بيت القصاب محمـد فـضـه ثم يأتي بجواره التوراة 
    وهـو دار عبادة اليهود ويأتي بيت سـيـد صلّوحي الحكـيم ثم دار بائع الجـبن عـيـسى رجـب والـد المعلم 
    سـعـيد ومعـلم الرياضه حـمـيـد وكانا بعثيان ثـمّ تأتي الكـنـيسـة التي إنتهت بعملية فتح الـشوارع في زمن 
    المتصرف أو المحافظ عـبـاس الـبـلـداوي وقـد ذهـب أكثرها ولم يـبقَ منها إلّا ركناً إشـتراه جاسـم حـسن 
    وهو من ألاكراد الفيليه فابتناهُ طابقين الارضي محلًّا لبـيع الحنطة والـشعـير الطابق العلوي شقةً سكنت
    فيها عائلتُهُ وما زال الى الآن وتقع قبالـتها بـيـوت لا أتذكر سـاكـنيها قـبل قَصّها لتصبح حديقةً وسط شارعين  .  
    أعـود الى ذكر ما أتـذكره وهـو أن أمي كانـتْ تـقـولُ أن الـيهـود لا يقولون بسم الله عندما يذبحون الذبائح ولا 
    يـأكـلـون من ذبـائـح الـمـسـلمـين وإذا أرادوا أن يـذبـحـوا لا يـذبحون أمام المـسلمـين خـوفاً من إفـسـاد الذبـيحة 
    بقـول المـسلم أثـناء ذبحها بـسم الله حـيث يعتبرونها قد حَـرُمَـتْ عليهم ومن سـوء الحظ أن عالم الدين
    اليهودي والذي نسميه بالقزان شـاهـدتُـهُ في ظـهـيرة يـومٍ صـيـفيٍّ أمـام الـتـوراة شــاهـدتُـهُ خارجًا وبـيـده دجاجةٌ 
    فـتـذكرتُ ما قـالـتْـهُ أمي فـأخـفـيـتُ نفـسي بجانـب باب إحـدى تلكَ الـدور وأخـذ الـقـزان أي عالم الدين اليهودي
    الـدجاجة وهو يـتـلفـتْ يـمـيناً وشـمالاً مـتـخـوفاً من مُـشاهـدة  أحـدِ الـمـارّةِ  له ثم ينحني على الـدجـاجة لـيـذبحها 
    ثـم يعـود رافعاً رأسَـهُ لـيـتأكـد من خِلـوّ الـشـارع كرر هذه العملية مراتٍ حتى إطـمأنَّ وأنـا أنظـر إلـيه من طـرفٍ خَفيٍّ 
    وما أن أمَـرَّ الـقـزان الـسِكّـيـنَ وباشـر  بذبحـها صِـحتُ بأعـلى صوتي بـسم الله الرحمن الرحيم هنا ترك الـقـزان 
    الـدجـاجة داخـلاً  الى التوراة  والـدجاجة نـصفُ مـذبـوحةٍ وهي تركض أمامي فـركضتُ وراءها وإذا بـرجلٍ يظهر
    من الـسـوق ويَـسـمـكُ بها ويـأخذها وأنا أنـظرُ اليه وبذلك خرجتُ من المولد بلا حُمّصٍ إلّا أني تأكدتُ من 
    صحة ما قالته أمّـي  .
    محطة رقم 3 الفرزة الرابعة 
    وفي بيت جدي الحاج حمادي يقرر والدي ختان ولديه نافع وعطا وكان المقترح أن يكون في مدينة 
    سامراء عند الامام علي الهادي عليه السلام سافرنا الى بغداد ومن بغداد الى سامراء بالقطار وكان المسافرون 
    والدي ووالدتي وجـدّتي خمـيـسـه أم والـدتي وعـمـتي خمـيـسه أم صادق زوجـة عـمي عـساف وعـنـد نزولنا من
    القطار تـلـقّى أبي أحـدُ الـسامـرّائـيـين مـمن يـسـتـقـبـلون الـزوار لـيُـأجّـرَ لهم مسكنًا من المساكن المخصصة للزوار  
    إمّا تكون حجراتٍ أو غُـرفًا في المسكن  يعود ملكها للمؤجر و فقه أبي فذهـبـنا الى بـيـت واسـع مقـسـوم بـناءُهُ 
    الى قسمين  براني وفوقه غرف وجواني وفيه حجرات  أخـذنا الغُـرفةَ في الـبراني وبـتـنا تلكَ الليةَ وفي الصباح خرج 
    الجميع لزيارة الامام وبقـيـتُ وحدي أتطلع الى الشارع من الشباك وامامي بيت يقف في بابه صبي بعمري تقريبًا 
    بدأني هذا الصبي بكلمات نابـيةٍ وخادشـةٍ للحـياء فأعـدتُ عـليه كلامَـهُ تطورت المناوشـةُ الكلاميةُ الى التحدي 
    والعراك فـنزلتُ له وضربـتُـه ، دخل الصبي الـسامرائي بـيـتهم باكياً وعُـدتُ الى مكاني في الغرفـة اتطلع من الشباك
     وما هي إلّا سـاعـة ويأتي والد الصبي مهدداً ومـتوعـداً فـيـتـدخـل صاحـبـنا المؤجر  الـسامرائي ويـنـتهـي الموضوع بأن
    نـدخل الى البيت الجواني لنسكن احدى الحـجر وبعد يومين ودون سابق انذار أحضر أبي المأذون بالختان وفي
     مصطلحنا العامّي الزعرتي أحضرهُ عـند الضحى وما أن حضر حتى بـدأ أخـي نافع بالصراخ فـأمـسكوا به وكان 
    صُراخُـه عـاملَ ضَعفٍ عنـدي أدخل الرعب الى نفسي حيث جعلني أمـسـك حديدَ الـشُبّاكِ الذي بجانبي صارخًا 
    بالرفض حين جاء دوري وبـعـد جُـهـدٍ سحبوني وأبي يرتعش ولما سُـوئل عن سـبب إرتعـاشـه قال تـذكرتُ طهوري
    فضحـكَ الحاضرون وإنـتهى الخـتان لكن أخي نافع بـقيَ في حالة ألـمٍ تـسـبب في سـقوطه لـيلـتها مـن الـسُـلّم لأنـنا
     نمـنا في سـطح الـدار ويروي أخي فيقول : عـندما سـقطتُ مُـتـدحـرجًـا من دركات الـسُـلّم أمـسك به رجل 
    يرتدي لباساً أسوداً وصعـد بـي الى سطح الدار وقـد غاب عني بعد ان تـنـبه أبي وأمي ، صحونا فـزعين إلّا أننا
    وجدناه سـليماً مُعافى لم يُصبْ بأي ضرر ويُعـزي أخي سـبب سلامته للرجـل الـذي ساعده . 
    إنتهى موضوع الختان وعزمنا العـودة الى بغداد بالقطار وبـيـنما نحن بـانتظار القطار في إحـدى المقاهي القريبـة 
    من المحطة طلب أبي قـدحين من الـشاي واحـدًا له والآخـر الي نافع ولـسـوء الحـظ يـسـقـط قـدح الـشـاي من يـد 
    الـسـاقي أو من يـد نافع لا ادري بالضبط على سـاق نـافع فـتحترق مما اضطررنا للمبـيت لـيلةً أخـرى .
     وفي سـامراء أُتـيـحَ لـي مـشـاهدة جـامعِ الـمعـتـصم ومـنارتِـهُ الـملـوية وكانـت قـبـل عملية الخـتـان حيث جربتُ أن  
    صعـدَ لأبلغ قمتها فـلم أتـمكن إلّا لطـبقـتـين ثـم رجعـتُ أدراجي خائـفـاً من قوة الـريـاح الـتي كانـت تـهـبُّ كـذلك نـافـع 
    وصـل الى الـثـالـثـة ثـم تـراجـع ونـزل وبهـذا تـنـتهي مـحـنة الخـتـان وهو آخر عهدٍ في مشاهدتي سامراء المعتصم  . 
    وبعد عـودتنا كان عـلينا أن ننهي موضوع المسامير أوالخيـوط التي حصلت جَــرّاء الـخـتـان وذلك يقتضي بأن 
    نذهي  الـى الـنهـر ، ذهـبـتُ مع نـافـع يرافقنا إبـنـا عمـي صـادق وسـعـيـد الى نهـر دجلـة والـوقـتُ عـصراً دخـلـنا 
    الـنهـر فأوقـفـني إبـن عـمي صــادق بـاتـجـاه الـتـيـار وفي مـنطقـة  قـريـبـةٍ للجُــرف وحـذّرني مـن الـتحـرك يـمـيناً أو 
    شـمالاً خـوفـاً أن أقـع في إحـدى الـجِـنَـبْ وهـي حـفـرة عـمـيقـةٌ داخـل الـنهـر وقـال لي إني ســأعـبـر الـى الجـزرة ثـم 
    تـركـني وغـادر مع رفـيـقـهِ الى الجـزرة التي تـقع في منـتصف الـنهر وبعـد أن إبـتـعـدا عـني مـسـافةً إلـتـفـتُ الـى نـافـع 
    وســعـيـد وكانـا خـلفي فتحركت روح المغامرة بـأن أنـتـقـل إلـيـهـما ولـيس بـيـني وبـيـنهما إلّا مـسـافـة لا تـزيـدُ عن أمـتـار 
    ومـا هـي إلّا خـطـوةً و الـثـانـيـة واذا بي اسقط فـي الـجنـبـة وهـنــا تغير الـمـشـهـد فأخـي وابـن عـمي بـدلاً مـن أن يُناديا 
    على صادق أو يطلبا النجدة من الموجودين على الشاطيء أخـذا بالـضحك وكأنهما يُشاهدان فلمًا هـزلـياً لولا أن 
    هيأ الله واحـداً ممّـنْ كان على الـشاطئ فأخـذ يـنـادي على إبـن عـمي صادق الـذي صار على مقـربةٍ من الجزرة أمّـا 
    أنـا فكـنـتُ في كـل غـطـسـةٍ أنـزل بهـا الـى الـقـعــر تــأتي عـلى بـالـي أمّـي ومـا سـيـكون عـشـاءُنـا في هـذه اللـيـلة ثـم أعودُ
    الى سـطـح الـماء لأرى نــافـع وســعـيـد وهمايـضحكان وما أن ســمع الـنـداء صــادق ورفـيـقُـهُ حـتّى عـــــادا مُـســرعـيـن
    وأخـرجاني مـن الـماء وبـذلكَ أكون قـد نجوتُ من الموت للمـرّة الـرابعة بعـد الملاريا وغرقي بحوض الماء 
    والصعقة الكهربائية  . 
    إنـتقـلنا من بيت جـدّي الحاج حمادي  الى بيت أم إبراهيم في أوآخرعام 1950 وهـو بـيـتٌ قـديـمٌ بـابـه خـشـبيٌّ
     مـطـليٌّ بـلون الـبـويـة الازرق وهـو مـنخـفض عن جادّة الـزقـاق لـذلك وُضِـعَتْ للـبـاب عَـتَـبَـةً لـلـدخـول الـى الـبـيتْ 
    وللخروج ومـجـاز يـنتـهي بـمـدخل الـى الـبـيـت من الجهـة الـيُـمـنى يُـفـضي الى صحـنـهِ ومن الجـهـة الـيـمـنى حجرة
    لـها شُـبّاك يـطلُّ على الـزقـاق وحُـجرة أخـرى ملاسـقة لـها بـابها يـشرف على صـحـن الـدار ثـم مـطبـخ إصـطبـغـت
    جدرانُـهُ بـالـدُخـان وحُـجرةٌ ثـالـثـةٌ لـم أدخـلها مُـطلـقـاً تـتـقـدمُـها طـارمـة أمّـا من الـجهـة الـيُـسـرى تـأتي باب الـدرج أو 
    الـسُـلّـم وعـنـد صعـود درجـتـين يـقـع بـيـت الـخَـلوة أو الـمُـسـتـراح على الـيـسـار والـسُـلّـم عـلى جهـة اليـمـيـن حيث 
    الـسـطح محاط جانبه المشرف على صحن الدار بسياج وبـجـانـب بـاب الـسُـلّم حـوض الـمـاء لغـسـل الاواني 
    وعـلـيـه نُـصِـبتْ حـنـفـيةُ الـماء أمّا أرضـيـة الـبـيـتْ فمن حجارة الفرشي وهو الطـين المـفـخـور محليًّا والـبـيـت بـهـيـأتـهِ 
    وبـنـائـهِ قـديم لا يأتي بمستوى بيت جدي لـكن حصلت الـقـناعة لـدى والدتي بأن نسكنه فألقينا عصا التنقل 
    وفي هذا البيت أخذ الخط البياني لوضعنا المالي بالهبوط مما دفع بوالدتي التفكير في مُـسـاعـدة أبي بمصروف 
    البـيت بعـد أن سـاءت بسبب خيانة ابن خالته عديله الحاج حسون الثقة وتحايل المحامي علي السلبي الذي
    سلب آخر ما عند ابي على دعاوى فاشلة يعرفها مُسبَقًا والتي بلغت اثنتا عشرة دعوى كما ذكرها أمامي الحاج 
    حسون في احدى زياراتي له في ثمانينات القرن الماضي ولا انسى موقف ابي وهو يأخذ من معصم والدتي آخر 
    قطعة ذهبية وهي سوار يُسمى بالدبابه كنتُ أحيانًا ألبسُهُ في يدي فوالدتي تسحبُ يدها وابي يسحبها و يقول 
    هذي المرّه مصوكره يقول المحامي وهي تقول له اشترِ لنا دارًا أحسن ما يروحن مثل ما راحن السابقات
    ومعنى مصوكره اي مضمونه ميه بالميه والغريب أن والدي لم يُفكر بعمل آخر غير التجارة بالحبوب ولو فتح 
    دكانًا بالمبالغ المتبقية وبالذهب المباع لحقق موردًا يكفينا وقد يزيد لكن آخـر ما فعـله أبي هو إنـفاق آخـر مـا
    تـبـقى لـديـه من مال وهـو مائـتـا ديـنـار في تزويج اخاه الاصغـر  الـمـعـلم عـبـود مـن خـالـتي فـطـومـه مُـعـتـمـداً عـلى
    الـقـول الـمـأثـور إصـرف مـا بـالـجـيـب يـأتي مـا في الـغـيـب وكان بامكان أبي أن يـشـتري بـالمئتي دينار مـنـزلاً أفضل 
    واكبر من مـنـزل أم إبـراهـيم في ذلكَ الـزمن ولكن حُبَّ أبي لأخيه وإيـمـانـه بـالـحـكـمة الـتي يُـرددهـا على مـسـامـع أمّي
     أن بيت العنكبوت كافٍ على مَنْ يموت كل هـذه العوامل إنسحبت على وضعنا المعاشي فـلجـأتْ امّـي 
    الى خـوض معـترك الـحـيـاة من أجـل زيـادة مـدخول البيت فـقـررتْ شـراء ماكـنة خـيـاطـةٍ بـما إدخـرتـه خفيةً
    عن ابي مـن نـقـود مع مساعدة من والدتها جدتي خميسة . 
    كان الوكيل الوحيـد لبـيع ماكنات الخياطـة في الكوت هوعـبـد سـنجـر وسـنجـر لـقـب أخـذه من علامة ماكنة
    الخياطة الانكليزية سنجر وهو من الاكراد الـفـيليـة ومن سـكـنة الكوت بـعـد الحرب الـعالمية الاولى ولـه أولاد 
    نـوريـه وهي أكبـر أولاده معـلمـة تزوجها المعـلم نعـيم فـرحان وهـو من الـفـيـلـيـة أيضاً من قضاء الحي وقد سـكن
    الكـوت مع أخوته الثلاثة أتذكر منهم طـعـمه ورحـيـم وهما معلمان أمّا أخـوهم الـثالث فلا أعرف اسـمهُ وهو
    معلم ســكـنـوا الـكـوت بـداية سـتـيـنـات الـقـرن الـعشـرين ورحـيـم كان شـاعـراً شـيـوعـيًّا ثـم صـار بعـثـيًّـا وكـذلك
     إخـوتُـهُ كانو شيوعيين إنـتهـت حـيـاتُـهُ بحـادث إصطـدام سـيارتهِ على طريق الـحـي الكوت وهـو في حالة سُكر  
    وفد توقف معي في سجن الكوت عام 1963 .  
    ومن أولاد عـبـد سـنجـر إبـنـتـه بِكر أبيها نـوريـه ويـأتي بعدها نــوري كان موظفًا في شركة نِـفـط البصرة مـسـؤولاً إداريًّـا 
    والآن في بـرلـيـن بالمانيا وهـو مـديـر مـوقع الاخـبـار وأخـوه مـحـمـدعـلي زامـلـني في الصف الرابع والخامس اعـدادي 
    تخـرج مدرسًا يـسـكن كركوك مع عـائـلـته نـقـلاً عن أخـيـه نــوري وآخـرهم أنـعـم سـكن ألـمانيا في عام 1972 
    وافـاه الاجـل في تـسـعـينات القـرن نـفـسـه ، أعـودُ الى مـوضوعي فـأقـول : خرجتُ مع أمّـي ووالـدتِـها مـتـوجهـيـن الى 
    محـل عـبـد سـنجـر الواقع في بـدايـة محـلة المـشـروع والمجاور الى بـيت أول صاحب مـحـل للدراجات في الكوت
    وهو صـالح مـشـريه وبيتُهُ يـقابل باب المـشـرحة لمـسـتـشـفى الكوت والـمُـسـتـشـفى بـالـحـقـيقـة من إنـجازات الـعـهـد 
    الـمـلكي بُنيت هي والحافظة عام 1954ولـكن في الـعراق يـتغـير كلُّ شـيئٍ بـعـد أن يـتـغـير الـنـظام وهـذا عـيبٌ أخلاقي
    وتأريـخي مـازال قـائـمـاً في أخـلاقـيـة الـحُكام والـشعب الـعراقي . 
    وصالح مـشريه هذا هو أول مَنْ إتـخـذ من الـدراجات أي الـبايسكلات مهـنةً يـرتـزق منها في تـأجـيـره لـها واحـتسـاب
     ألـمبـلغ عـلى الوقت فالـدقـيقـةُ بـفـلـسٍ واحـدٍ والضرر محـسـوب عـلى المـسـتأجـر وأتذكـر هيأتَه فهو طـويـلُ الـقامةِ 
    محني الظهر قـلـيـلاً لِـكِـبَـرِ سِـنّـهِ مُـصاب في عـيـنـيه ويديه بأكزمه يقول عنها الناس أنها مرض الـسـفـلـس وهـذا 
    الـقـول لا اعتمدهُ لأن مَـرضَ الـسـفـلسِ مـرضٌ مُـعـدٍ  وزوجتُـهُ التي كانـتْ معـهُ تـتـمَـتّـعُ بـصحـةٍ جـيـدةٍ وعلى هذا 
    الظن المغلوط تحاشى الناس ركوب دراجـاته وأنـا من جُـملـتهم وليس له اولاد وأتذكرُ أني لعبتُ مَـرّةً بإحدى
     البشّات أو البطات اللـواتـي كُـنَّ يـسـبحن في حوض الماء الآسـن أمام منـزلهم وإذا بزوجتهِ تـمـسـكُـني مـن 
    اُذنـي وتقرصني قرصةً لـم أعـاود بعـدها اللعـب ببطاتها. 
    أعــودُ الى موضوع مـاكـنة الخياطة حيث شاهدت والـدتي مجـمـوعـةَ الـمكائـن فرســا الاخـتـيـار عـلى اختيار
    إحـداهُـنَّ بـمـبلغ 40 ديناراً  وكان هذا المبلغ كبيراً وباهظاً لكن الامر يتطلب المجـازفة والامـل بالله قـويٌّ 
    على أن يـتم الـتعويض بالعـمل .
    وصلـت الماكـنة المهـيوبـةُ واتـفـقـتْ والـدتي مع إبن حَماها أو سِـلـفها حـسـن كاظـم منصور الـذي يـتـعـاملُ 
    بـبـيع الـقـماش وأخـذ يـرسـلُ الـقـماش وهي تُـخـيط لـه حـسب طـلـبـهِ من الـدشـاديـش أو بـمعنى آخـر الجلابيات 
    واسـتمر العمل حتى تجمع لها بـذمـتـهِ مـبـلغ خمـسـة دنانـيـر فـأرسـلـتـني والـدتي بطـلـب الـمـبـلغ لأن أم إبـراهـيـم
    جـاءت لـتـأخـذ الايـجــار الـشـهـري فــمـا كـان مـن إبـن عـمـي حـسـن إلّا أن يَـنْـكُـرَ عـلـيـها الـمـبـلغ بالكامل ولـم تجد
    والـدتي غـيـر ربِّ الـعـالـمـيـن كي يـنـتصرَ لـهـا فـتوجهت بـالـدعاء عـلى ظـالـمها وكان هـذا هـو أول وآخـر عـمل للـخـيـاطة 
    بـعـد خـيـانـة الـثـقـة من قِـبـل ابن عمي حـسـن كـاظم وبـقـي اسـتخـدام الـمـاكـنة لأعـمال الـبـيـتِ حَـصـراً .  
    ومـن ذكـريـاتي في هـذا المـنـزل أن والـدي أقـام ولـيـمـةً الـى بعض معـارفـه الـقـدامى مِن عـشـيرة المكاصيص تـراوح
    عــددهـم الـعـشـرة أشـخـاص وبعـد أن أكـلـوا مـا طـاب من الطـعـام جـاء دور الـفـاكهـة فـأكـلـوا منهـا الـى أن انـتـهـوا مـنهـا 
    عـنـدها نـاداني أبـي لـنـقـل الـمـواعـيـن الـفـارغـة الى الـداخـل وبـدأتُ أنـقـل الـمـواعـيـن دفـعـةً بعـد أخـرى الى أن وصلتُ
    الى رجـلٍ بـطـيـنٍ يأكلُ الـمـشـمـش أكل الـناقـمـين عـليه فـانـحـنـيتُ لـرفع الـمـاعـون من أمامـه وفـيه مشمشات واذا 
    بـه يـزجـرني زجـرةً إهـتَـزّ لها بـدنـي وسـحبَ الـمـاعونَ الى حـضنـه ولـم يـتـركْـهُ إلّا خـالـيـاً وهنا تـذكـرتُ الـسـيـد أبـو 
    اقْــران وتـصـرفَـه الـغـريـب مـعي حين أبطأتُ بـمـلي الابـريـق وتـصرف الغريب . 
    وأتذكـرُ أنْ زارنـا إبـن عـمي  نـاصـر مـسـاء أحـد الايـام وبـقي الى فـتـرة العـشـاء وبعـد أن خـرج أخـذتُ مَـقعـدَهُ المطروح
    في الارض وأسندتُ رأسـي الى الـحائط ولأنّ والـدتي  كـثـيـرةُ الـحـذر وشـديدةُ الانـتـبـاه لكل شـيءٍ غـريـبٍ يـظهـرُ 
    أمـامـهـا عـنـد الـمـسـاء وهو  الوقت المناسب لخروج الهوام واخطرها العـقـارب و الحـيّات التي تـجـدهُ وقـتًا مـنـاسـبًا
    وبعد مُدّةٍ لا تتجاوز يضع دقائق انـتـبـهتُ الـى أمـّي وهي تُـحـدّقُ في وجـهـي فـسـألـتُـها فـقالـتْ إرفـعْ رأسـكَ بهدوئ 
    عن الجـدار وإذا بــعُـقْــرُبان أسـود لـدغـتُـهُ والـقـبـرُ كما يُقال بـاسـطًا ذَنَـبَـهُ وسـاكنًا لايتحـرك لكونِ رأسـي عـلـيـه ومـا
    أن رفعـتُ رأسـي حتى أخذ بالتـحـرك فـبـادرتهُ والـدتي بـضربـةٍ لا ثانية لها حيث أصبح بعدها خَـبـرًا .
    وهذه هي المرة الثانية التي أنجو بفضل الله من لدغة العقرب حيث كانت الاولى في إحـدى الزيارات مع والـدتي 
    ووالـدي في الـنجـف أو في كـربلاء لا أدري بالضبط حيث نـمـنـا لـيـلـتَنـا بإحـدى الحُـجـر الـمخصصة للـزائـريـن وفي
    الـصـباح بـدأنـا بِـلَــمِّ الـفـراش وجـمـعـهِ وإذا بعُـقْـربانٍ أسـودٍ مُـرعـبٍ يخرج من تحت مِخَـدّتي عـاجـلـتْـهُ والـدتي بـضربـةٍ 
    جـاءَ بـها أجـلُـهُ  . 
    كان بيت أم إبراهيم كـثـيرَ الهـوامِ وكانت أمّـي في كل مـسـاء تـأخـذ الـفـانـوس وتـدور بـين أركان الـمنـزل وفـي زوايـاه
    وكـثـيـراً مـا كانـتْ تعـثـر عـلى العـقـارب وغـيرهـا من الهـوام الـمـؤذيـة والـحـيـات وصادف فـي عـصـر يـومٍ صـيـفـيٍّ وأنـا 
    نـازلٌ من الـسطح شـاهـدتُ حـيّـةً وكان اليوم يـومَ جُـمـعـةٍ وهـو الـمخصص والمحبب للـذهاب مع أمّـي الى الـسـيـنما 
    أخـبـرتُـها عـن الـحـيّـةِ  فـجاءتْ مُـسـرعـةً ومعـها خـشـبـةٌ صغـيرةٌ وحـاولـتْ إخـراجـها مـن شـقـوقِ حـائـطِ الـسُـلّـمِ كي 
    يُـتـاحَ لأُمّـي ضربـها إلّا أنّ الـحـيّـةَ كانـتْ صعـبةَ الـمـنالِ حتى أسـقـطـتـها على عَـتَـبَـةِ الـسـلّـم فـتـهيـأت الـفرصةُ للـحـيّـةِ 
    بـدخـول ثـقـب قريب من حـوض الـماء الصغـيـر الـمسـتـخـدم لغـسـل الايـدي والاواني خـافـت والـدتي تـرك الـحـيّـةِ  
    دون أن تـضـع نهـايـةً لـهـا وقـد أوشـكَ وقـت الـذهــاب للـسـيـنما يقــترب حـيـثُ ذهـبـتْ جـمـيع الـمـحاولات لـقـتـلها 
    هـبـاءًا  ودخـلـت الـحـيّـةُ  ثـقـبـاً آخـراً قـريـبـاً مِـن الاول فـكـانـتْ تُـخـرجُ رأسَـهـا مِـن الاول فـتـبـادرهـا أمّـي بـضربـةٍ لا تـؤثـر 
    فـيهـا ويـبـقـى أثـرُهـا فـي الـطـيـن ثـم تـخـتـفي ثم تُـخـرجه مـن الـثُـقـب الاخر وكأنها تـسـخـر مـن مـحـاولات قـتـلـها 
    وتـتحـدّى والـدتي بحـيـثُ ضـاعت جهود محـاولـة قـتــلـها سُدى بعد مضي أكـثـرَ مـن ســاعـةٍ إلّا أنّ أمـي لم تـيـأس
    فاهـتـدتْ الى طـريـقـةٍ لِإخـراجها وهي أن تَـغـلي مـاءًا وتـسـكُبـهُ في الـثـقـبـيـن وكـنـتُ واقـفًـا ســاعـتـها قـرب الـحـنفـيـةِ 
    وأمـامـي حــوض الـغـسـيـل الـذي يـرتـفع عـن الارض قـلـيـلاً ومـا أن سُـكِـبَ الـمـاءُ الـمغـلي في الـثـقـب الاول وفي الـثـانـي 
    حـتّـى  إنـطـلـقـتْ وكأنـهـا سـهـمٌ خـــارق مُـصوبـةً هـدفـهـا نـحـوي فـتـلـقّــاهـا جـدار الحـوض ولقوة الاندفاع  أحدثت
    ثـقـبـاً بجداره ولـولا عـنـايـة الله  لكـنـتُ فـي عِـداد الامـوات وهـذه هي الـمَـرّةُ الــخـامـسـةُ التي انجو فيها من موت 
    محقق وبمجرد أن سـقـطتْ الـحـيّـةُ بالـحـوض انـتـهى فـلـمُـها فاطمأنت أمي وخـرجـنـا لـنـسـتـمـتع بـالـفـلـم الـعـربي 
    وكان اسمه [ بدر لامه / بطولة سراج منير وتحيه كاريوكا ] في سـيـنـما إبـراهـيـم عـطـروزي الوحيدة في الكوت . 
    وفي عـصر إحـدى الجُـمـعِ  الـصـيـفـيـةِ أيضًا أرسـلـتْني والـدتي لكيِّ عـباءتَها عـنـد المكوجي زغـيـر  لكـونه يُـتـقـنُ العـمـلَ 
    وبسعرٍ أقل ، حـملـتُ العباءة كـما أوصتـني وسـلّـمـتُـها لـهُ فقـال لي تـعـالَ بعـد سـاعـةٍ ، رجـعـتُ وأخبـرتُ والـدتي بـما 
    قـال وما أن إنـتهـت الـسـاعـة طـلـبـت والـدتي الـعــودةَ للإتـيـان بـهـا ، عُـدتُ الـيـه مُـسـرعًا وسـلّـمـني الـعـبـاءَةَ وحـذرني 
    مـن إســقـاطها فـصـرتُ أكـثـر حــذراً  وســيـري أكـثـرَ هـدوئً وصلـتُ الـى مُـفـتـرقَ الـطُـرقِ وهو الدوار او الفلكة 
    لـسـوق الـمـديـنةِ وهـي ســاحـة مــا زالـتْ مـوجـودةً  وإذا بـأربعـة صـبـيان بـعُـمـري يُـحـيـطـون بـي قـاصـديـن الـعِـراكَ
    وهـنـا لا بُـدّ من إسـتـلهام خُـطـةٍ سريعة أتـخـلّـصُ بهـا منهم فالمعركة بالنسبة لي خاسرة لا مُحالة والعباءة يقينًا 
     ستكون تحت الاقدام فألهمني الله الخِطّةَ فـقـلتُ لـمـتـزعـمهـم ... آني مـسـتعـد لـلعــراك ولـكـن أخــاف على
    الـعـــباءة أن تــقــعَ عـلـى الارض فـدعــوني أُوصـلـهـا للـمـنـزل ثم أعـودُ لـكـم فكّر متزعـمـهـم قليلاً  ثم وافق على 
    طلبي إلّا أنّ مُـسـاعـدَه شكك بعودتي ورفـض الـفـكـرةَ وحـذّرَ زعـيـمَهُ مـن هـروبي فـلم يـلـتـفـت اليه وعززتُ قولي  
    وتأكيده فقلتُ لهم حتى تتيـقنوا من عودتي خـطّـوا حولي خِـطّـة العباس كي تـكون التزامًا مني لكن  المـسـاعـدُ 
    وقف مشككًا ومعارضًا وبقي يؤكد لرئيسه على هروبي فـنـاشـدتُ زعـيـمهـم على تأكيد العودة بخـطـة الـعـباس 
    التي لا يُـمكـنـني الخـروج منها ، اقـتـنع الزعيم وطـلـب مـنهـم أن يـخِـطّـوا حـولي الخِـطّـة وتَــمّ لي مـرادي فسارعتُ
    وأسـرعـتُ الـخُطى غيـرَ مُصـدّقٍ فـنـادانـي مُـسـاعـدُ الـزعـيـم مـو تِـشـرد فـأجـبـتُـهُ مُـسـرعـاً لا هسه راجـع إلـكُـمْ وما أن 
    وصلتُ مَـدخـلَ الـزُقـاقِ حـتّى أطلـقـتُ سـاقَـيَّ للـريـح  ووصلـتُ الـمـنـزلَ لاهــثًـا فسـألـتـني أمي عن السبب فأخبـرتُـها 
    بـكلِّ ما حـصل معي وقبل حلـول مـوعـدِ  السينما خـرجـتُ وامي معي فلم أجـدْ مـنـهـمْ أحــداً ، إلّا أنّـي غَـيّـرتُ طـريـقي
    لـلـذهــــابِ الى الـمـدرسـة من حـيـثُ جـهـة مـقـبـرة الانكلـيـز مرورًا  بـبـيـت جـدّي ومـنـهُ الى الـمـدرسـة ومنه عودتي لكنّي 
    لـم أنـسَ صورهـم وأشـخاصهـم الى أن جاء الـعـاشــر من محرم يوم عاشوراء وفيه يتجمع الناس لـسماع قـراءة 
    الـمـقـتل عـند باب الحاج حسون محمد الناصرولأكـل الـطعام الـذي يُعدّهُ  للمُـناسـبـةِ وكُـنـتُ يـومـها فـي سـطح 
    داره مع ابن خالتي نصـرت فـإذا بـيَ أرى واحــداً مـنهـم فنزلتُ اليه وأمـسـكتُ بـه وأخـذتُ أضربه ضرباتِ إهـانةٍ 
    وأطلب مـنه العـراك فـيـتخاذل ثم أطلبُ منه أن يأخذني الى زعـيمهم وعملتُ معه مثلما عَمِلتُ مع صاحبه
    بالاهانات ويـنـتهي الامـر بالـمُـصالحة وعـدم الـتعرضع لي وبهـذا أكون قـد حققتُ نجاحًا بالعـودة الى طريقي 
    المعهود للمدرسة  وكفى الله المؤمنين الـقـتـال . 
    بـقـينا في منزل أم إبراهيم حوالي عاماً أو أكثر بقليل بعدها إنـتـقـلنا الى بيت الـعـلويه مـيّـاسـه حـيثُ الـمسَـكَـن الاول 
    لـوالـدي والـذي يـقـع فـي محـلة الـشـرقـيه كان ذلكَ أواخـر  عام 1951 حيثُ كنتُ قـد أنهـيتُ الصف الثاني
    الابتدائي ناجحاً الى الصف الثالث ، انتهتْ المحطة الثالثة من حياتي وقبل أن أنتقل الى المحطة الرابعة 
    أذكرُ حادثةً وهي أن ابن خالتي نصر اقترح عليَّ أن ننام في وسط جادة الشارع وكان مبلطًا حتى تَـمُرُّ من 
    فـوقنا احـدى السيارات التي نراها مناسبةً وافقتُهُ واشترط أن أكون بالمقدمة ويكون هو بعدي
    مرّتْ عـدّة سـيارات لم أتفق معه عليها لكونها قريبة الى الارض حتى جاءت سيارة ذات حمولة كبيرة وعالية 
    عن الارض فاستلقيتُ في منتصف الجادة على ظهري وفعل نصرت ابن خالتي مثلي بالاستلقاء خلفي وبعد 
    ان وصلت السيارة اغمضتُ عيني فمَـرّتْ في ثوانٍ  فوق رأسي وهي تئـزُ في أذني أزيزًا مرعبًا جمّدتْ له مفاصلي 
    وحبستُ انفاسي وبعد أن اجتازتْني سمعتُ نصرت يضحك على الرصيف ولما سألتُه عن سبب الضحك قال
    بأنه قام قبل وصول السيارة وتركني وحدي مُغامرًا وهي المرة السادسة التي أنجو فيها من الموت المُحَقّق 
    وهنا أتساءل مع نفسي  لتفسير هذا الموقف كيف فعل السائق هذا هل كان فعلُهُ عامدًا أم كان غير منتبّـهٍ 
    الى وجودي الى الان لا استطيعُ الاجابةَ عليه وأترك علمها عند الله جلّ وعلا ؟! 
     المحطة رقم  4  الفرزة الاولى    
    ألـقـيـنـا رحـالـنا وعصا تِرحالنا في بيت العلويه مياسه جـدّة والـدي من أمّـه والـذي ما زال قـائماً في محلة 
    الـشـرقـيه وهـذه الـمحـلّة هـي الـنـواة الاولى لـمـديـنة الكوت وموقعه في دَخـلـةٍ صغـيرةٍ  دربونـه حـملـنا المـوجـود 
    من عـفـش من بـيت أم إبراهيم الىبيت العلوية وفي هـذا الـزقاق يقع بيت جبار العطيه عن اليمين وبيت نوري 
    حطحوط عن اليسار وفي نهايته بيت العلويه حيث يجد الداخل إليه باباً من الخشب السميك الجاوي مرصع 
    بمسامير علاها الصدأ وكأنه بابٌ لحصنٍ من الحصون القديمةِ دلـجـتُ الى الـداخل فوجدتُ نفسي في مجاز 
    واسـع وزاويةٍ تُـشـير الى أنها كانت مكاناً لوضع حُـبِّ الـماء تُـرِكَتْ بعد أن أصبح الماء الـنـقي مـتـيـسـراً عن طريق
    الاسالة العامه مـوصـولاً  بالمواسـير الى البيوت وعن يـسار الداخل بابٌ لحجرةٍ أحسـبها حجرةً للضيوف ثم 
    يُـفضي المجاز الى فـتحةٍ واسعةٍ تنتهي الى باحـةٍ هي صحن الدار وعلى اليمين سُـلّـمٌ يرتقي بالصاعد الى السطح 
    وبصعود درجتين عن اليمين يوجد بيت الخلوةِ أو المُـسـتراح والذي لفتَ انتباهي هو أنّ سطح الدار لا توجد له 
    ستارة عالية كما كان في البيوت التي سكناها فسألتُ والدتي فقالتْ : هكذا كان الناس لا يبنون لهم الستائر 
    العالية لثقتهم بجيرانهم ولزيرات نساء الجيران عن طريق السطوح وفي وسط باحة البيت توجد حنفية الماء 
    مع حوض صغير تنساب منه مياه الغسيل الى حوضٍ يُـحـيـطُ بـنـخـلةٍ تـتـوسط الـبـاحـة وعلى إمتداد الحجرة التي 
    تطل بابُها على المجاز توجدُ حجرة أخرى ترتبط بالاولى ولها بابان واحدة تَطّلُ على باحةِ الــدار والاخـرى من
    الـداخل مع الحُـجـرة ألاولى ثم تأتي حُجرتان متجاورتان واحدة كانت لجـدتي زنوبه والاخرى ملاصقةٌ لها كانت
    لأمها العلويه وهي مُغلقـة ولا أعرف ***********************************
    ما بـداخـلها وذكروا لي أن فيها جــنّي فـتـركـتُها إلّا حُجـرة جـدتي زنـوبـه فـقـد دخلتُـها 
    عِـدّةَ مـرّاتٍ عـنـد مجيئ جدتي الى بـيت أمّـها الـعـلوية وكان فـيها سـريـرها وهـو من 
    الخشب الجاوي وتخت الملابس أي صندوق من الجاوي أيضاً مرصع بـنـجومٍ
    صُفـرٍ لحـفظِ الـملابـسِ والحاجات الـثمـيـنة مصبوغ باللـون الاسـود وفـيه زردةٌ صفراء
    وهي للـقُـفْـلِ و لا تـسـمح جـدّتي بالـتـقرب منه وهـذا الصنـدوق يُعـتـبر الاهـم في الحجرة 
    وهناك بعض المـنادر والـمخـدات مفـروشـة في الارض للـقـعود عليها .  
    والحجـرتان مـبـنيـتان من ألْـلـبـن أي الطـين غـير المـفـخـور أمّـا الحجرتان الأُولـتـان
    والـمرتـبطـتـان  بالـمجاز والـسُـلّـم مع بـيـت الخـلوةِ فـبناؤها بالطابوق وهو بناء يـبدو 
    أحـدث من الحجـرتـيـن الـسـابـقـتـيـن . 
    وعلى إمتداد الحجرتين الطينيتين يوجد سُـلّم متهدم يرتبط بسطح حجرة العـلـوية 
    وحـجـرة جـدّتي ويـقـع قُـربَ الـسُـلّـم تـنّـورٌ ومـن جانـبـهِ تـوجـد طـارمـةٌ  تـرتـبـط بحجرتين
    طينيتين يسكنهما أخو جدتي الحاج سـلـمان خـلـف الـمـنصوري وهما مـتـداخلـتان
    وتـرتـبطان بالـسُـلّـم وبهـذا يـكـون شـكل الـبـيـت قـد إكـتـمل من الـداخـل وهـو عـنـدي
    أفـضل من بـيـت أمّ إبـراهـيـم الـركابي الـتي هـي بالاصل من قـضـاء بـدرة ، وتـبـلـغ مـسـاحـتـهُ 
    أكثر من ألـف مـتر مربع أو أكـثر والذي لَفتَ نظري أن جميع البيوت التي تحيط ببيت
    العلوية لا توجد لها ستائر عالية وانما هي سياج من اللبن لا يزيد ارتفاعه عن مسطرةٍ 
    وحسب تـقـديري أن تـداخـل الـحُـجُرات هو لمـبـيت الضـيوف فللرجـال حجرة وللنـسـاء 
    الاخـرى وفي الـحـالـة الـعـاديـة فـلـلأولاد واحـدة وللأبـويـن الاخـرى والـبـاب بينهما للتواصل
    أمّــا الــجـيـران فـمن الجـانـب الملاسـق لـجـدارِ الـسُـلّـم بيت الـقـابـلة أوالـجـدّة دوخـة ومن
    واجـهة الـزقاق أو الدربونـه بيت نـوري حـطـحـوط وبـيـت الـسـيـد هـاشـم الذي يعمل
    مـأمـور اســتـهـلاك وهـذه الـوظيفـة تـرتـبط بمـديـرية مال الكوت وعـملها الـتـفـتـيـش
    ووضـع العـلامة الصحيه على الـذبـائح لـجـبـايـة الـرسـوم عـلـيها وعلى المزروعات
     وزوجـتُـه تُـدعى تــرواحه وأولادهُ مـنها هُـم يـونـس كان كاتـبًا فـي مـتـوسـطـة الكوت
    للبنين ثم إنتقل الى إعدادية الكوت وبـعـده موسى الملقب بمروان لـنـفـاقـه وهو 
    معلم ويـأتـي بـعـدهـما طالب تخرج من كلية الشرطه ولـسـيـد هـاشـم ولـدان من زوجته
    الاولى هما صادق كان يعمل في البلديه وبنت لا أتـذكر إسـمها .
    أمّـا من الجانـب الخلفي الملاسق الى حجرة العلوية وحجرة جدتي يقع مـسـكن  
    العلوية نـجـيـبـه وأخـتها العـلـويه ثـريـه وهُـنَّ بالاصل من الـبـصرة . 
    وكانت علاقـتـنا بالعـلويه نـجـيـبه مـتـيـنـةً فهي تـتـردد عـلينا كـثـيراً ولـها إبـنٌ يُـدعى 
    صـادق إشـتـغـل مُـخـبـراً في أواسـط الخـمسـيـنـات من الـقرن الـعـشـرين ومـن جـهـة 
    الـتـنـور كان مـنـزل بـيـت الـعـبـدان وهـذه الـتـسـميـة للـونـهم الاســود وبـهـذا تـكتـمـل
     صورة بـيـت الـعـلـويـه والـجـيـران . 
    كان سـكـنـنا في هـذه الـدار أربـع ســنوات أو أكـثـر بـأشـهـر انـتـقـلـنا مـنـه فـي شــهـر 
    تَــمــوز  من عـــام 1954 . 
    وفي هـذا الـبـيت أي بـيـت الـعـلـويـه إسـتـقـبلنا ضـيـفـاً جـديـداً ولادةَ مـولـودةٍ أسـمتها 
    والدتي آمـال فـاشـتـرى والـدي عـنـزةً لـتـوفـيـر الـحلـيـب الى الـمـولـودة لجـفـاف صدر
    والدتي وبـقـيـتْ الـمـولـودة في رعـايـة أمّـي ثم إرتـأتْ أن تـضعها عـنـد مُرضعـتها كِــزْرايــه 
    فأعـطـتها الـمولـولـدة والـعـنـزة وبـعـد أســابـيع تـعـود كـزرايه بـالمـولـودة في حـالـةٍ رثّـةٍ
    وبـوضعٍ صحيٍّ سـيّءٍ ومعها العـنـزة ثم بـقـيـت آمــال فـي رعـايـة أمّـي فـعـاد لها شيئٌ 
    من عـافـيـتها وبعـد فـتـرةٍ وجـيـزةٍ فـضّـلتْ أمّـي أن تضع آمــال عـنـد دايـةٍ أي مُـرضـعـة 
    أخـرى تـتـولّى رعـايـتها ، تـسـلمـتهاالمرضعة الجـديـدة مع العـنـزة وخرجتْ بها وكان 
    لهـذه المرضعـة عـددًا من الاولاد وعلى صدرها طـفـل بعـمـر أختي آمــال ومـا هـو 
    إلّا أسـابـيـع تـعـود الـداية بأختي وهي بالرمق الاخير ومعها العنزة .
    بـقـيـتْ آمــال في رعـاية أمّـي عِــدّة أيــامٍ ثــم ودعـتـنـا راحـلـةً الى جـوار إخـوتـها الذين 
    سـبـقـوها الى رحـمة الله فأخـذهـا والــدي الى الـمـقـبـرة التي تقع في جـانـب الفيصلية
    اي العـزّة في مـنـطقـة الـكـريـمـيـة وجـاءت تـسـمـيـة هذه المنطقة مـن إسـم الزعيم  
    عـبـد الكـريـم حـيـث تـــــمّ تـوزيـعـهـا فـي عـهـده عـلى الـفـلاحـيـن الـذيـن تــركـوا أراضـيـهـم 
    بـعـد فـشـل مـشـروع الاصـلاح الـزراعي لأســبـابٍ عــديـدةٍ مـنـهـا جهـل الـفـلاح الـعـراقي 
    وتـلـكُـؤ مــوظـفـوا الاصـلاح فـي الادارة والاشـراف لتـلـبـيـة احـتـيـاجات الـفـلّاح وبعـد 
    الانـقـلاب الـبعـثي في 8 شـبـاط 1963 غَــيّـروا إسـمها من الكـريـميـة الى الـنَـصِـر ولا أدري
    مـا هـو إسـمها الآن بـعـد سـقـوط نـظام البعث في 2003 وتـقـع هـذه الـمـقـبـرة خـلـف 
    سـايـلـو الكـوت وكـان الـدفّــانُ نـفـس الـدفّـان هـو الـشـيـخ محـمـود اللـذيـنـه  . 
    وبـعـد مـرور عـامٍ على وفـاة أخـتي آمــال وفـي أحـد الاعـيـاد زرتُ  قـبـرهـا عصرًا وقـبـل 
    عـودتـي تـوقـفـتُ عـنـد شـاب مـن الـريـف كان يعـزفُ على شــبّـابـتـهِ أي المطـبج وهي
    قـصبـتـان مـتـلاصقـتان وهو واقـفٌ عـنـد أحـد الـقـبـور يعزف فتوقفتُ لأستمع الى عزفه
    الـشـجيِّ وكان بعزفه سـاحراً بـقـيـتُ واقـفًـا وهـو ينـظـرُ إليَّ لـيـزيـدني من نغمه العذب ثـم 
    غـادرتُ الـمكان بعد أن أدركني الغروب تـاركاً ذلكَ الـشـاب يعزف ولا أدري لِـمَـنْ يعزف
    كانـتْ زيـارتـي هذه لـقبـر أخـتي آمـال الاولـى والاخـيـرة . 
    وفي نـفـس الـسـنـة الـتي تُـوفّـيـتْ بهـا آمـال سـافـرتْ أمّـي مـع والـدتـهـا الى إيــران لزيارة 
    الامام الـرضا عـليه الـسلام كان ذلكَ في صيف عام 1953 وأثـناء وجودهـن في إيـران
    حصل انـقـلابُ رئـيـسُ الـوزراء مُـصـدّق على الـشـاه محمـد رضا بهـلوي حـيـث كان
    الـبهـلـوي في سَــفَـرٍ خارج إيـران وكان الانـقـلابُ أبـيـضًـا لم تحـدث فـيه إراقـة دمـاء وبـعـد 
    أيـامٍ فَـشِـلَ بـسـبـب إجـراءات رئـيـس الـوزراء مُـصـدَّق بـتـأمـيـم شـركات الـنِـفـط وهـذا هـو 
    سـبـب ما عـانـاهُ العراق ويُـعـانـيـهِ الـيـوم حـيـث لا تـتـرك شـركات الـنِـفـط الـبـلـدان إلّا خـرابـاً
    إذا مـا تـعـرضتْ مـصالـحـها للـخـطـر .  
    الـحـالــة كانـتْ مُـقْـلِـقـةً لـنـا جِــدّاً ولـيـس أمــام والـدي مـا يـسـتـطـيـع فـعــلـهُ فـتـركَ الامــر الى
    مُـدَبّـرِ الامـورِ ربِّ الـعـالـمـيـن واسـتغـلَّ والــدي الـمـناسـبة لـيُـجـريَ بعض الـتحـسـينات على
    الـبـيـت فـكـشـف سـقـف الـحُـجـرتـيـن والـطـارمه الـمـمـتـدّة معهما وزاد في رفع الـسـقـف 
    وجـدد الاعـمـدة والـبـواري وهـي حُـصـران من قـصـب الـبـردي كل هـذا أجـراه مع شـراء
    الـمـواد دينًا أي بالـدفـع الآجـل الى أصحابهـا بحيث كـلّـفـهُ أكـثر من مائـة وعـشـرين دينارًا
    وهـو مـبـلغ لا يُـسـتهان بـه في ذلكَ الـزمـن ، ومـا زلـتُ أتذكـرُ أن أبي أرسـلـني مع إبـن عـمي 
    سـعـيـد صـبـاحـاً الـى مواقع عـمل الطابوق وهي الـكُـوَر وكانت مناطقها  أمام مفرق 
    الكوت / العمارة  وهي الآن منطقـةٌ سـكنـيَّـةٌ ،  كان صاحب الكُورة  يُدعى رحـيــم من 
    سـكـنة محـلـة الجـديـدة وهـو والـد كل من عـطـا سائق سياره وعـباس الموظف
    الذي كان زميلي بالمدرسة في المتوسطة وهو قومي الاتجاه  ثم بعثــيًّا  . 
    توقع والـدي أن هـذا العمل سـيـفُـرحُ والـدتي عـنـد عـودتها من إيـران إلّا أن الـنـتـيجة 
    جـاءت خلاف مـا تـوقـعـهـا وتـطـورت الاحـداث بـيـن أبـي وأمّـي حـيـثُ كانـتْ أمّـي 
    تـنـظر الى هـذا الـمبلغ الـذي صُـرِفَ عـلى الـبـيت مبلغًا مهدورًا لـو أضاف لـه أبي مـبلغاً
    مثله لاشـتـرى بـيـتًـا خاصًّـا بـنـا وهـي نـظرة فـيها الكثير من العقلانيه والوعي ولكن والدي 
    لم يُـفكر أكثر من كونه مسـكننا الآن وهـو يحتاج الى هذه ألإضافات ولا بُـدَّ من عـملها 
    أخـذ الخلاف بُعـدًا آخرًا وهـو زعـل والـدتي وذهـابها لبـيـت جـدي الحاج حـمادي وهذا
    زاد في الطـيـن بـلّـةً وبعد أيام أخذني أبي في ظهـيرة  ذلكَ الصيـف معـه الى الـسـوق وتوقـف
    عـنـد باب دُكان قَـمّاش وتكلم مع الـرجل فَهـبَّ ذلكَ الرجـل في وجـهه يصيح ولك هـذي
    بـنت حجي حـمـادي ثـم طـرد أبـي إلّا أنّـي لـم أفـهـم الـمـقـصـود لكـنّ أبـي ذهـب الـى دكان
    لشـخـصٍ آخــر ولـم يـسـتجـب لطلـبـهِ معتذرًا إلّا أنّ أبـي عـــاد أدراجَـهُ مـتوجهاً الى شخص 
    يـبـيع الـفحم وهـو الـمُـلّـه هـوبـي وهو أخو أو إبن عـم الـمُـلّـه إسـماعـيل جـار بـيـت جـدّي 
    حـمـادي فـما كان من الـمـلّـه هـوبي  إلّا أن كـتب ورقـةً ثم طـواها وأعـطاها الى والـدي وأنا 
    لا أفهـم ما في هـذه الـورقة ثـمّ أعـطانـيها والـدي وقال سَـلّـم الـورقـةَ الى والـدتـكَ ، رجـعـتُ 
    وأبـي من الـسـوق الى أن وصلـنـا الى مـفـتـرق طـريـق عـقـد العـلوة وافترقنا فاتجهتُ الى
    بـيـت جـدي واتجه والـدي الى إحـدى الـمـقاهي الواقعه على شــارع الـشــط ، دخلتُ 
    الـبـيـتَ وسَـلّـمـتُ الــورقــةَ الى والـدتي فـأخـذتـها ودخـلـت حِـجـرةَ والدتها وما هي إلّا دقائق
    حتى سـمعـتُ بـكاءَ والدتي وكلامًا ولَغَـطاً لم أميزهُ ولـم أتَـبـيـنُ مـغـزاهُ ثـم سـكتَ الجـميع
    وخرجتْ والـدتي لـتـقـولَ : لي روح يُـمّـه إلعـب خـرجتُ ولـم أعـرف مـا محتوى الـورقـة .
    إسـتـمرّ زعـل والـدتي طويلاً لا أسـتطيع تـحـديـدُ مُـدّتِـه قـد يكون شـهرين أو أكثر وكالعـادة 
    في إحـدى زياراتي لها في بـيـت جـدي عـنـد الـعصـر وقـفـتُ في صحـن الـدار  حتى تـخـرجَ 
    أمّـي من الـحُـجـرة وعـنـد خـروجـهـا وقـفـت أمـامي فـي الطـارمـة وكان وجـهـهـا حزيـناً والى
    جـوارهـا إمـرأةٌ لا أتـذكرهـا تـتـكلم معها عـنّي وعـن وضع اخـوتي الـذي تـغـيـر بالـرغـم من
    وجود عـمتي خميـسه زوجة عـمي عـسـاف الـتي تُـديـرُ شـأن الـبـيـت من طـبخ وتـنـظـيـف 
    كـانـتْ تلك الـمـرأةُ تـضـربُ عـلى وتـر العـاطـفـة ثم خـرجـتُ من بـيـت جـدّي لألعـب ومـا
    هـي إلّا أيـام وتـعـودُ والـدتي الى بـيـتـنـا بعد أن وضعت شروطًا للعودة مع أبي فعـادت
    الاشـراقـة الى بيتنا بـعـودتـهـا  . 
    مَـرّتْ هـذه الخاطرة على بـالي ولـم يـتحـدث بـها أحـد وتَـوضّح لي لماذا كانـت أمّـي 
    تـبـغـض الـمُـلا هـوبـي  في حـيـن لـم يـفـعـل الـرجـل أكـثـر من إسـتجـابـتـهِ لطـلـب شـرعي قـام
    بـه لأنها تـتـوقـع أن الـنـاس الـذيـن يعـرفـون والـــدها ســيـقـفـون بـوجـه أبـي ويردونه كما فعل
    الـقـمّـاش الـسـيـد حـسـيـن الـطـبـاطـبـائـي وكما فعل صاحـب الــدكــان الـثاني وهـذا الـتوقع
    مِـنْ أمّـي غـيـر صحيحٍ لأن أبـي سـيواصل البحث حتى يـجـد مَـنْ يـكـتـب تلك الـورقَـةَ
     الـمهـم أصـبح  الـمـوضوع  لأبـي درسًـا وأصبح لــنـا مجرد ذكـرى لـمـاضٍ مِـنـهُ نـسـتـفـيـد . 
    في بـدايـة عام 1954 يَـحِـلُّ عـلى العـائـلة مـولـودٌ ذكـرٌ أسـموهُ مـحـمـد رضـا تيـمنًا بـالامـام
    عـلي الـرضا عـليه الـسـلام وتـقـول والـدتي أنّـها طلـبـتـه من الإمـام  . 
    وفي هـذا العـام كانـت نـتـيـجـتي للـسـنـة الاولـى في الـصف الـرابـع الابـتـدائـي هي الـرســوب
    الـذي كـان وراءَهُ شــقـيـقُ أبـي وعـديـلهُ العم [ عــبـود ]الـذي زوجّـهُ والدي بآخر مبلغ
    من الـمال الذي بـقي لـديهِ بـعـد خـسـارتهِ مع إبن خالتهِ وعـديلهِ أيضًا الـحـاج حـســون 
    وهـذه الـعـمـلـيـة لـيـسـت الاولـى لـعـمي عـبــود فـقـد ســبـقـتهـا عـمـلـيــتـان أرسـب بـهـما 
    أخي نـافـع وإبـن عـمي سـعـيـد في الـرابع والخـامـس إبـتـدائي وهـذا ما عـلمـتُه من والـدتي
    عندما رأيتُها تبكي وهي تتكلم مع أبي بطـلب وسـاطـة عمي عبود لمـساعدتهـما فكان
    جوابه [ أنا طـلبتُ إرسابهما حتى يتـقويا على الـقراءة ]وقـد ثارت ثـائرة أمّـي حين 
    تـكررت في الصـف الخـامـس  وكـررهـا مـعي بطريـقة لا تُـثـيرُ الـشـبهـة وفي الـصفـيـن
    الـرابع والخامـس الابـتـدائي أيـضًـا وبأربعة دروس وليس بثلاثة كما في رسوب نافع
    وسعيد ولـو لـم يـنـتـقـل الى قـضـاء الـحي في نـصف الـسـنة الـدراسـية 1957- 1958 لكان
    رسـوبي في الـصـف الـسادس أكـيـدًا بعد أن أخبرني أحد الطلاب بذلك وسـأتـناول ذلك
     مُـفـصّلاً عـنـد وصولي الى مـحـطّـة الاشـخـاص الـذيـن تـربـطـني بـهـم صِـلَـةُ رَحِـــم .
    كانـتْ أمي كعـادتها لا تهـدأ ولا تـنـام إلّا بـعـد أن تـأخـذ جـولةً حـول فـراشـنـا خـاصةً في
    أوقـات الـصـيـف كي تـطـمـئـن مـن خِـلُـوِّ الـسـاحـة مـن الـهوام كالعـقـارب والـحـيّـات الـتي 
    يـحـلـو لـهـا الـخـروج في أول الـلـيـل وتـقــــوم بـهـذه الـدوريّـةِ أول اللـيـل وقـبـل أن تـنـام وعـنـد 
    صلاة الـفـجـر وقـد رَوتْ لي حِـكايـةً أنّها شـاهـدتْ صِـلاً وهـو فـرخُ الـحـيّـةِ كان هـذا الـصِـلُّ
    يـتحرك فـوق سـقـف على الكِـلّـةِ الـمـنـصوبـةِ عـلى سـريـرهم وهـو يـحـاول الـعـبـور إلّا أنّـه لا 
    يـتـمـكّـن لأن سـقـفـها ناعم ومُـقَـعّـر ،  تـقولُ والـدتي تـحيـرتُ كـيـف أُلـقي بـه وأنـتُـم نـائـمـون
    مـن جـانـبيّ الـسـريرِ على الارض ، بـقـيـتُ حائرةً أتـأمّـل كيف اجدُ حَـلّاً مُـنـاسـبـاً للـتـخـلصِ 
    مـنـه دون أن اُوقـظـكم وبعـد الـحَـيـرةِ أتـتْ الـفـكرةُ وهـي أن آخـذ عـوداً من الـباريـةِ التي
    هي من قـصب الـبـردي لأحـمـلَهُ بـهـا بعـيـداً عـنكم ثـم أجهز عليه وتقـول : ما أن وضعـتُ 
    عُـودَ الـقـصـبِ عـلى ظهـر الصِـلِّ حتى غــدا وكـأنّـهُ شـلـوٌ فحـمـلـتُـهُ بعـيـداً ثـمَّ وضعـتُـه على
    الارض وأخذتُ أضربه بنفـس العود الى أن إنتهى هالكًا . 
    ومن هـذا تَـبَـيّـنَ لي والقول لأمي أن القصب عدوٌ مميتٌ للأفاعي وبالفعل وجدنا مرّةً 
    حَـيّـةً كـبـيـرةً تحت الـباريـة وجـدنـاها مـيّـتَـةً وهذا اكتشاف لِمَن يُريد قتل الحيّات .
    وأتـذكرُ أيـضًـا أنْ جـاءتْ لأمي زوجـة الخـال الحاج سـلمان نـجـيـبه سلطان وهـم معنا في 
    الـقـسم الآخـر من دار الـعـلويـة مـيّاسه ، جـاءتْ صباح يـومٍ صيـفي تطلـب من أمّي أن 
    تأتي معها لـتُـشـاهـد عـقـربـين صغـيرين مـنـبـسـطـين على فـراش إبـنها عـمـران ، ذهـبـتُ مع
    أمي وكان الـفـراشُ على سـريـرٍ عـالٍ عـن الارض فـشـاهـدتُـهـما مـثـلما وصفتْ عـقـربــين
    صغـيـرين يـضـربُ لـونـهـمـا الـى الـخُـضـرةِ قـد انـبـسـطا فــوق الـمـنـدر لـم يـتحركا الى أن 
    جـاءت أمّـي وقـتـلـتهـما . 
    ومن ذكـريـاتي في هـذه الــدار أنّـي كـنـتُ ذاهـبـاً في لـيـلـةٍ شـتـويّـةٍ الى جـهـة مسـكن الخال 
    الحاج سـلمان ومعي فـانـوس لطلـب حاجـةٍ مـنهـم وعـنـد وصولي الى الركـن الـقـريـب 
    للـنـخـلـة رأيـتُ أمـامـي رجـلاً مـتـوجـهاً الى حُـجـرةِ الـعـلـويـة فـتـهـيـأَ لي أنّـهُ إبـنْ خـالـي ســالـم 
    نـاديـتُ عـلـيـه عِـــدّة مـرّات سـالـم سـالـم سـالـم وفـي كـل مَـرّةٍ أرفـع صـوتي أعـلـى إلّا أنّــهُ 
    لـم يـلـتـفـتْ إلـيَّ ولـم يُـجـبـني ودخــل حـجـرة العـلويـة مـيّـاسـة وهـي مُـغـلـقـة  كما أعـرفها
    مُـغـلـقـةً لـيـلَ نهـارَ ولـمّـا لــم يُـجـبـني ودلـفَ الـحُـجرةَ المغلقة داخـلـني الـخـوف بـحـيـث 
    عُـدتُ مُـهـرولاً الـى والـدتي وحكـيـتُ لهـا ما حـدث فأفـرخـتْ روعـي وطـمـأنـتـني بـكـلـمـاتـهـا
    الـهـادئـة وقـالتْ لا تَـخَـفْ هـذا مَـلَـكٌ صالحٌ  وعلى أثرها لم أقترب من تلك الحجرة  .
    ومن ذكرياتي أيضاً ما حصل لي في إحـدى اللـيالي الـشـتويـةِ الـمطـيرة وهو أنـنا إحـتجـنا 
    شـراء بعض الحاجات من تـمـر وبـيض ومـواد أخرى لا أتـذكرها فـإصطـحـبـني أبـي مـعـه 
    الى الـسـوق واشـتـراهـا من الـبـقـال كـاظـم عـبـد عـلي الـمـلـقـب بـكـاظـم إرديـحـه وبعـدهـا
     كان عـليَّ أنْ أعـودَ لـوحـدي لأن أبي يُريد قضاء بعض الوقت مع أصحـابـه في الـمـقـهى
     ومـا أن وصلـتُ الى مـنـتـصـف الطـريـق حـتى خـرج كـلـبـا شـرطي الـخَـيّـالـةِ عـبـد الرضا 
    فكانت مفاجأةً لـم أسـتـوعـبها إلّا بأن أطلق سـاقيَّ للـريح وزنـبـيـل الـمـواد فـوق رأسـي
    والارض مـمطـورة والـطـريقُ مـظلِـمـةٌ نـجـوتُ مـن الـكلـبين وصرتُ قريبًا من المنزل 
    ولـكن وقــع مـا هـو أسـوء حـيث تـكومـتُ  في حُـفـرةٍ للـماء الآسـن أمام بـيت مـحـمـد 
    حـويـتـم الـقـريـب من مـدخـل الـزقـاق ويـذهـب الـزنـبـيـل بـما فـيـه بـالـطـين ويتكـسـر الـبـيض 
    دخلتُ البيتَ بحالـتي الرثةِ فتـلـقـتـني أمّـي وهي بـيـن ألَــمين مـشـهـدي و خـسـارة الـمـواد
     ولكنها أخـذتْ بـالـتـخـفـيـف عـني بـكـلامهـا وبقيت هذه الحادثة ذكرى لا تُـنـسى .
    وهـنا أقـول عن وضعٍ خـطيـر مـوجـودٌ الى الآن في مـناطـقـنـا الـشـعـبـية هـو وجـود 
    مـثـل هـذه الـحُـفَـرِ أمام بعض الـبـيـوت للـتـخـلص من مـياه الغـسـيل وهي مـكـشـوفةٌ
    دون غـطــاء حـيـثُ تـتـسـبـب في كـثـيـر مـن الاحـداث وقـد تُــؤدي الـى الـمـوت خاصةً في 
    اللـيـل ولا أدري لـماذا يـتـغاضى عنها مـراقـبـوا الـبلـديـةِ دون إتـخاذ إجـراء قـانـوني بحق  
    هــؤلاء ولو بالـطلب من أصحاب تـلك الـبـيـوت تـغـطـيـةَ حُـفـرِهـم لسلامة الناس  .  
    ومما اتذكره فـي ذلكَ الـبـيـت أني ذهـبـتُ مع عـمـران إبـن خـالي الحاج سلمان الى نهـر 
    دجـلـة الـذي لا يـبـعـد عـن بـيـتْ العـلـوية مـيّـاسـة أكـثـر من مـئـتـي مـتـر ذهـبـتُ معه الى
    الـنهـر وأنـا لا أعـرف الـسـباحة أمّـا عـمـران فـكان يـسـبح بـمـسـتـوى الـواثـق من نـفـسـه نـزلـنـا 
    الـسـدّة الـتـرابـيـة الـمـرصوفـة بـالـحَـجَـر مِـنْ جـهـة الـنـهـر جـلـسـتُ عـلى الـرصيف الـمـعـمـول
    مـن الاسـمـنـت لحـمـايـة الـكـتـلِ الـحـجـرية مـن الانـزلاق الـى داخـل الـنهـر فوضع عـمـران 
     ملابـسـه بـجـانـبي ونـزل الى الـمـاء بـقـيَ يـسـبـح وأنـا أنـظـر إلـيـه ورجـلـيَّ في الـماء والى جانبي 
    مجموعة من القُـفـف والـقُــفّـةُ هي وعـاء مـصنوع من الـقـصب الملفـوف بإحكام مع
     بعضها فـتُـشـكلُ شـكلاً كـطـاسـة الـمـاء إلّا أنّ حـاشـيـتَها مـعـقـوفـة الى داخـلهـا حـتى لا 
    يـدخـل لباطنها الـمـاء وتُـطلى بالـقـار من الـوجهـيـن الـخـارجي و الـداخـلي لـمـنع التـسـرب
    أعـود الى عـمـران وهـو يـتـبـاهى بـسـبـاحـتـهِ أمـامـي ثـم خـاطـبـني آنـي أسـتـطيع الـغـوص 
    من تـحـت الـقُـفـف وأخـرج من طـرفـهـا الآخر فـقُـلتُ لـه أرنـي ؟ فـغـاص في الـمـاء ومضى
    وقـتٌ لـم يـظهـر فـخالجـني الـخـوفُ عـلـيـه لـطول الـوقتْ فـدفـعـتُ الـقـفـةَ التي بـقـربي كي 
    تنزاح الـقُـفـفُ الاخرى بـعـيـداً عـسـاهُ يـخـرج وبـالـفـعـل خَـرجَ وهـو بالـنَـفَـسِ الاخـيـر وقـال 
    لي لـو مـا تـدفـع الـقـفّـة كـان إنـتـهـيتُ وهنا أقول : لا بُدّ أن يكون هذا الدافع الذي حركني
    هو ايحاء ربّاني كي ينجو عمران من الموت وهكذا هي الاسباب الربانية  . 
    كما أتذكـرُ يـومًـا أن مجـمـوعةً من نـسـاء جـيـرانـنـا كُـنّ يـأتـيـنَ لـمَـلـئ دوارقـهـن وهي مساخن
    لـنـقــل الـمــاء مـن حـنـفـيـتـنـا  وكُــنَّ بـيـن الاربــع أو الـخـمـس ، ســألـتـني إحـداهُـنَّ منو إلبينه 
    حـلـوة بـيـنـاتـنـا فـأشـرتُ الى إحداهن إسمها نَـشَــم أو نشميه فـتـضاحكن وتـكلـمـن فـيـما
    بـيـنهـن و لـم أتـبـيّـنُ مـا تـهامـسـنَ بـه مـن كـلام ثـم ذهـبـتُ عـنهـنَّ للألـعـب وخـرجـن بعـد أن 
    أخـذن كـفـايـتَـهُـنَّ مـن الـمـاء كان عُـمُـري آن ذاك أقـل من عـشـر سـنـيـن وبـعـد أيـام طُـرح 
    عـليَّ نـفـس الـسـؤال ثـم تـكـرر لـعِــدّةِ مَــراتٍ وكان جـوابي أن نَـشَـم أو نـشـمـيـه هـي أحــلاهُـنَّ 
    عـنـد ذلـك إنـقـطعـتْ نَـشَــم عـن أخـذ الـمـاء ولـم أرهـا الى يـومـنـا هـذا ويـتـبـيّـنُ لـي أن سؤالي 
    هـو امـتحـانٌ لِـمَـداركي الـعـقـلـيـة لـتـحـديـد الـمـوقفِ الـشـرعي . 
    وعَـلِـمـتُ بعـد سـنـيـن أن جـارتـنـا نَـشــم بـنـت حـطـوط وهي أخـت الـبـنـاء نـوري مـتـزوجـةٌ 
    من شـخص كان مـسـجـونًـا لا أعـرف سـبب سـجـنـه وأنها عـادت لـهُ بعـد أن خـرجَ مـن
    الـسـجن ثـم انـتـقـل أخـوهـا نـوري الى بـغـداد وانتهى علمي بهم .
    ومـما أذكـرُهُ أيــام كُـنّـا في دار الـعـلـويـه أنّـي عُـدتُ قـبـل الـغـروب مـن لَـعِـبي في محلة
    الـحُـسَـيـنـيّـةِ قُـرب بـيـت جــدي الـحاج حـمّـادي وهـو مـكاني المفضل فوجـدتُ جـارنـا 
    وهـو أحـد أبـنـاء الـسـيـد هـاشـم يُـدخـلُ الـصـبـيان مِـمَـنْ هـم بـعـمـري أو أكبـر الى دارهـم
    ويقـول : أكـو أكـل إدخلوا لبيتنا دخـلـتُ الـبـيت وأنـا مـتـشـوقٌ للأكـل لأني جـائـع وإذا
    بـمـجـمـوعـةٍ مـن الـصـبـيـان قـاعــدون عـلى بـاريـةٍ مطـروحـة على الارض يـنـتـظرون الطعام 
    فقـعـدتُ معـهـم وإذا بـشـيخ في الخمـسـين من الـعُـمُـر يُـخـرجُ رغـيـفاً أو رغـيـفـين من الـخـبـز 
    ويـقـرأُ عـلـيهـما مُـتَـمْـتِـمًـا ثـم قــال: بـصـوتٍ جهــوريٍّ سـأعـطي كـلَّ واحــدٍ مـنـكم قـطـعـةً 
    فــإذا أكـلهـا الـسـارق سـيـغـصُ بـهـا ويقول أنا السارق داخلني الـخوفُ أول الامـر ثـم قُـلـتُ
    لـنـفـسي لِـمَ الخـوفُ وأنـا لـم أسـرقْ فوضـعـتُ قـطعـةَ الـخُـبُـزِ في فمـي فضاعت بـيـن أسناني 
    وأردتُ أن أقـول أعطـوني قـطعـةً أخـرى لكني آثـرتُ الخروج لأسـتـكمل عـشـائي الشهي 
    الـذي يـنـتـظرني من يد والدتي والـمـشـهـود لها بـنـفـاسـةِ أكلـها .  
    وأتذكرُ أنّ في شـهـر مـايـس من عـام 1953 حـصل لي حـادث تـرك بصـمتَـهُ في وجـهي
    وكـاد أن يُنهيَ مـسـيـرةَ حـيـاتي وهو الحادث الخامس والتـفـاصـيـل كالاتـي : 
    كـنـتُ في الصف الـثـالـث إبـتـدائي وكـان الـدوام مُـزدوجًـا أي فـي الـصـبـاحِ وبـعـد الظهر
    يـبـدأ من الـثـانـيـةِ الى الرابـعـةِ عـصـراً وعـنـد عـودتي ظـهـراً الى الـبـيـت وجـدتُ ضيوفاً وهما 
    إمـرأتـان من معارف جدّتي زنوبه الـمُـلّـه نـجـيـبـه وإبـنـتها الـمُـلّـه وزيـره والـمُـلـة نـجـيـبـه
    كـانـت شـريـكـةً لـهـا زوجـتـها من جدي منصور ولم أعرف السبب وجدتي في عِـزِّ 
    شــبـابـهـا وقـد بـقـيـتْ مـعـه فـتـرةً ثـم طـلـقـهـا ولـم تُـنـجـب لـهُ وبعد ذلك سـكـنـت وابنتها
    قـضاء النعمانيه [ البغيله سابقاً ] . 
    كان الطعـام مـتـنـوعًـا وشـهـيًّا مع فاكهـة الصيف الـبـطـيخ والـرقّـي تـنـاولـتُ الـطعـامَ
    والـفـاكهـةَ  حتى أُتْـخِـمـتُ من الاكـل وفي ذهـني أن أعـود مُـسـرعـاً الى المـدرسـة لألـعـب
     لُـعـبـتـي الـمُـفـضـلـةِ هي لـعـبـةُ  الـجَـمَـدان . 
     كان اليوم هو الثلاثاء والحصتان الدراسيتان هما [ الرسم والدين ] وكان الرسم هو 
    الحُـصّـةَ المفـضلةَ عـنـدي وأفـضل الالعاب عندي لعـبة الجَـمَـدان التي تتـألـف من  
    مجموعـة من الاولاد عـددهـم لا يـقـل عـن خـمـسـةٍ يـعـمـلون على فـرز إثـنـيـن وذلك 
    بـتصـافـق الـيـديـن  في بعـضها فـإذا إخـتـلـف إثـنـان يـكون عـلـيهـما مطـاردة الـبـقـيّـةَ فـإذا
    أمـسـكَا واحـداً من الـثـلاثـة يـتـوقـف عـن الـركـض ويـصـبح أسـيـر الاثـنـيـن ويـبـقـى تـحـت 
    نـظـرهـم حـتى لا يـنـقـذه صـاحـبـاهُ ويـبـقى الاثـنان في حـالـة الطـراد حـتى تـنـتهـي بـخـسـارة 
    أحـد الاطـراف إمّا بامساك الثلاثة او بتنازل الاثنين وترك اللعب وهـذا يـتـطـلّـب الـسـرعة 
    مع الـقـابـلـيـة الـبـدنـيـة عـلى الـمُـنـاورة  . 
    أعـود لأقـول تـناولـتُ طعـامي وخـرجـتُ عـائـداً الـى الـمـدرسـةِ فـوجـدتُ زمـيـلين من صفي
    هما جـمـيـل يـوحـنّـا وأخـوه فـؤاد طرحتُ عـلـيهـما فـكرة اللعـب فوافـقاني ثـم أضفـنـا 
    إثـنـين من الصف الـثـالـث الآخـر فـاكـتـمـلـنا خـمـسـةً وبـيـنما نحن نـريـدُ الـتصافـق على فـرز 
    إثـنـيـن دخـل عـلى الـخـط  تـلـمـيـذ مـن الـصف الـسـادس إسـمُـهُ فـائـز كـسـار ضـخـم الـجـثـة
    كان مـحـطةً للـسُـخـريّـةِ مـن تـلامـيـذ صـفّـهِ ويـطلـقـون عـليه لقب [ أبـو الـفـسـو ] ســمـعـتُ
    هـذا من أخـي نـافـع حـيـث كانـا في صـفٍّ واحـدٍ فَعَـلِـقـتْ الكـلمـةُ فـي ذهـني وتزمتَ هــذا
    الـتـلـمـيـذ الــذي لا يـتـنـاسـب وأعـمارنا وأراد فـرض نـفـسـه ، حـاولـنـا صرفـه بالحُـسـنى فلم
    نفلح وأبـى إلّا مُـشـاركـتـنـا الـلعـب فخـطـرتْ عـلى بـالي كـلـمة أبـو الـفـسـو كي أسـخر منهُ  
    فقُـلتُ له روح أبو الفـسـو فـشـاط غـضبًـا وأطلـقـتُ سـاقـيَّ راكضاً وأنـا أضحـكُ وهو
    يـعـدو ورائـي الى أن وصلـتُ الى الجـدار الخـلـفي لصفيّ الـثالـث وأمام هـذا الجـدار توجـد
    جـفـرة فـيها رمـل تُـسـتعـمل للـقـفـز العالي وللطـفـر العـريض فـكرتُ أن أدخل الـجُـفـرةَ 
    قـبل ركن جـدار الـصـف لكـنّ طفرت الى ذهني فكرة غـيّـرتْ اتجاهي وهي أنّ الـرمـل
    سـيُـقـلل سـرعـتي وأن أبـا الـفـسـو سـيـتـمكن من إمـسـاكي وضربـي ولـكي يـرســم الـقــدر 
    الـمَـقــدورُ الـحَــادث واصلتُ الركض مـع الـجـدار ومـا أن وصـلـتُ رُكـنَـهُ واســتـدرتُ الى
    الـجـانـب الايـمـن وإذا بـتـلمـيـذٍ يـأتـي راكـضًــا فـي الـوقـتْ نـفـسـهِ الى رُكن الـجـدار لِـيَـسـتـديـرَ 
    الى جـهــتــهِ اليُـسرى الـتى نـلـتـقي فيها فـأرتَـطِم بـه ولـتَـكـتَـمِـلَ مـأسـاتي كان رأسـه بمـسـتـوى 
    عـيـني الـيُـمـنى عـنـدها صـرخـتُ صرخةً لـفـتَـتْ إنـتـبـاهَ جـمـيع مَـنْ كــان في الـسـاحـة ثـم 
    سـقـطـتُ عـلى الارض فـبـادر الى حـمـلي أحـد الـتـلامـيـذ وهـو من الـصف الـسـادس اسـمـه
    قـيـس طـاهـر الـقيـسي إبـن مـتصرف الـكوت وقد شـاركه تـلمـيـذ آخـر وحـملاني من ذراعيّ 
    الى الإدارة  مـغـمـيًّا عـليَّ ثـمّ أدخـلاني حـجـرة اسـتـراحة الـمعـلـمـيـن ووضـعـاني مُـسـتـلـقيًا عـلى
    كـنـبـةٍ قـام عـنها الـمعـلمـون أتـذكـرُ أن مـديـر الـمـدرسـة الـسـيـد هـاشـم الـخـطـيـب حـضـرَ 
    لـيـرى وضعي ويـتـصرف عـلى ضـوئـه وإذا بـالـطالب الـذي صـدمـني يـدخل شـاكـيًا فسـألـهُ 
    المـديـر مَـنْ الـذي إعـتـدى عـلـيـك فـقال لـه هـذا اسـتـاذ وأنا أسـمـعـهُ وهنا إنـفعـل الـمـديـر
     وهو يـصيح في وجـهـه إطـلع بَـرّه كـان هـذا الـطالـب أخـو زميلي مـوئـل يـحـيـى الـذي كـان
    أبـوه مـفـوضَ شـرطـةٍ وهو المـسـؤول عن مـركـز شرطة الكوت آن ذاك وهذا المركز  ما
    زال في الـمـديـنـة وبـعـد زمـنٍ سـألـني اخوه موئل يحيى إذا ما كُـنتُ أحـملُ ضغـيـنـةً عـلى
    أخـيه بـعـد الـضرر الـذي تـسـبب لـعـيني فـكان جـوابي بالنفي لأن الـحـادث غـير مَـقـصود  
    والـقـدر هو الـمـسـؤول . 
     قُـرِعَ الجَـرسُ وفيه انتهى درسُ الـرسـم الـذي كـنتُ شـغـوفًا بـه وحـضرَ الـمعـلمون
     لـيـأخذوا قـسـطًـا من الـراحـة وأنـا ما زلـتُ مـسـتـلـقـيًّا وإذا بـالـغـثـيـان والـتـقـيّـؤ يأخذني 
    فيخرج الـمعـلمون وهم يتـقـززون ولـم يـبقَ منهم إلّا واحـداً هـو الـمعـلم الاب عـبـد
    الرحمن بقي واقـفًـا يُـهَفّي بـدفـترٍ بـيـده فـوق رأسـي  وما زلتُ أذكـر حـادثـةَ إبـنـهِ الـشـاب
    فـي صـيـف عـام 1955 الـتـي هَـزّتْ مـديـنـة الكوت في ذلـكَ الـوقـت وتـفـاصـيـلهـا كـالاتـي : 
    كان إبـن الـمعـلم عـبـد الـرحـمـن سـبّـاحًـا مـاهـراً في الـعـشـريـن من عُـمُـرهِ يـزاول الـسـباحة 
    دائمًا في اوقات الصيف قـرب الـسـدّة وكـثـيراً ما يـصعـد أبـوابها ويـرمي بـنـفـسـه الى الـماء
    عـلى رأسـه أي الــزرك ولأنّ الـمـكـتـوب مـا مـنـهُ مَـهـروب وفـي إحـدى إرتماآتـهِ إرتـطـمَ رأسُــهُ 
    بـحـجـر أو بـقـضـيـب حـديـدي من مُـخـلـفـات إنـشـاء الـسـدّةِ إنـتـهتْ بـه حـيـاتُـهُ وبـقيَ عـالـقًـا 
    تـحـت الـماء لـعــدّة أيّـام ثـم أُخـرجَ وقـد شُــيّـعَ بـحـزن وألــمٍ مـن أبـنـاء مـديـنـةِ الكوت . 
    أعـودُ الى مـوضـوعي وهـو أن المـديـرأمـرَ الـفـراشَـيـن كـاظـم ومُـخـيـف أن ينـقـلاني الى
    الـطـبـيـب الـخـاص بـالـطلـبـة وهـو الـدكـتـور فـاضـل الـسَـعِـيدي .
    حـملاني وخـرجا وهما يـتـنـاوبـان على حـمـلي لوزنـي الـثـقـيل وإن كانت عـيادة الـطبـيب لا 
    تـبعـد أكـثر من مائـة مـتـر إلّا أني أتعـبتُهـما وبـعـد أن وصلا بِيَ الى العـيادة حصلت الصدمة 
    لهـمـا فـالعـيـادة تـقـع في غُـرفـةٍ بأعـلى الـبـنـايـة ولـها سُـلَّـم ضـيـق لا يـتسـع إلأ لـشـخـص واحـدٍ 
    وبـارتـفاعِ أربـعـة أمـتـار بحـيـث تـبـدو وكأنّـهـا مُـعـلّـقـة وهـنا بـقـيـا حـائـريـن كـيـف يـصـعـدان 
    بـيَ الى الطـبـيـب ولا بُــدّ مـن الـصـعـود فـتَـجـبـر الفراش مُخـيـف بالله وحملني لأنـهُ أفـتى
    وأقـوى من الـفـراش كاظم وأخـذ يـصـعـد الـسـلّـم وهو يـلـعـن اليـوم الـذي صـار بـه فرّاشًـا .  
    كان الاسـم مـطـابـقـاً فـالـفـرّاش مُـخـيـف طـويل قـوي الـبُـنـيـةِ  واسـع الـعـيـنـيـن لونهما
    يـضربُ بـيـن الـزرقـة والـخُـضرة أمّــا مُـقـلـتـاهُـما فـكـانـتـا حـمـراوتـيـن وهـو من أبـناء الريف
    أقـدرُ عُـمُرَهُ في الـثـلاثـيـن والغـريـب أن إبـنـه غــانـــم لـيـسَ فـيـهِ من أبـيـهِ شـيـئٌ فهـو قـصيـر
    أفـطـس الانـــف أقــرب فـي شـكله الـى الـقـرد ، أقـول حـمـلـني مُـخـيـف وصعَـدَ الـسُـلّـم وقـد
    أوصلـني الى غـرفة الطبـيـب وإسـتـلـقـيـتُ عـلى مـنـضدة الـتـشـخـيص للـمُـعـايـنـة وبعـد
    دقـائـق طـلـب الـطـبـيب إعـادتي الى الـبـيت وقـبل أن يحـمـلـني الـفـرّاش مُـخـيف طلـبـتُ 
    مــاءً فـرفـض أن يعـطـيـني وكـررتُ الطـلـب فأعـطـاني جُـرعـةً من سـائـل أبـيض فـيـه طعـم
    الحَـبّـة الحـلوه فـشـربـتُـها وكررتُ الطلب فلـم يُـعـطـني وحمـلني مُـخـيـف وكرر الطبيب 
    الوصية بأن يُـخـبـرا أهـلي بعـدم إعـطـائي الـمــاء . 
    حـمـلاني وخرجا قـاصدان أقـرب الـبـيـوت لي وهـو بـيـتْ جـدّي الـحاج حـمّـادي وهـما
    يـتـكلـمان الطـريـق كـلَّـهُ عـن مِـحـنـتـهـمـا الـتي حـلّـتْ عـلـيهـما حـتّى وصـلا وسـلّـمـاني لِـمَـن في
    الـدار وأوصـيـاه بـعـدم إعـطـائي الـمـــــاء  أدخـلـوني حـجـرة جـدتي وفـي الـمـسـاء نـقـلـوني الـى 
    حـجـرة خـالي عـبـد الامـيـر وأحـضـروا لي طـبـيـب الـعـيون عـبـد الـمجـيـد الـشـهـربُـلّـي وهو
    طبيب العيون الوحيد في الكوت وبـعـد أن فـحـصـني عَـيّـن لي إثـنـتي عـشـرة إبــرة من 
    البـنـسـلـيـن وهـي دورةٌ كاملة فـي كـلَّ ســاعـةٍ آخـذ واحــدةً منها ثم قـال لهـم أنّ وضـعي 
    في خـطـرٍ لـمـدّةِ 24 سـاعـةً والامـرُ بـيـد الله وقد تـولّى زرقي الإبـر الـمـضـمـد طه أبـو 
    الـفـنـانـة أمَــــلْ وهم عائلة سكنت الكوت اصلها من الـعـمارة في اول الخـمـسـيـنات وإبـنـتُـهُ
    لـيـلى هـي أكـبـر أولادهِ تـزوجـها المُـدرّس عـبـد الـرزاق حَـسـنْ مـنصور ولـلـيلى مـوقـف
    إنـسـاني معي لا انساه سـأتطرقُ إلـيـه إن شـاء الله  .
    تـولـى الـمـضـمـد طــه الـمـهـمـةَ وهـو الـى جـانـبي الى مـنـتـصف الـلـيـل ثـم أخـذ يـتـردد كـل 
    سـاعـةٍ فـي نـهــار الـيـوم الـتــالـي الـى أن أنـهـى جـمـيـع الإبــر وعـنـد الـمـساء جــاء طـبـيـبُ
    الـعـيـون عـبـد الـمجـيـد الـشـهـربُـلّـي وأخـبـر أهـلي عـن زوال الـخـطر فأعـادوني الى حـجـرة 
    جـدتـي وبـقـيتُ عـنـدهم زهاء اسبوع ولا أتذكــرُ أنّـي أكـلـتُ شـيءً طـيـلـة هـذه المدّة
    إلّا شرب الـمــاء عـنـد طـلـبي لـــه . 
    كانـت أمي من الـسـاعـات الاولى مُــلازمـةً لـي وفي عـصر الـيـوم الـسـابـع  تـاقـتْ نفسي  
    الى الـلعـب فـخـرجـتُ لـلطـريق وما هي إلّا دقائق حتى تُعاودني حالـة الغـثـيان فأعـودُ 
    الى بـيـت جـدي مُـسـرعًـا لأتـقـيّـأ دمًـا عـبـيـطًـا . 
    بـقـيـتُ تـلكَ الـلـيـلة في بـيـت جـدي وعـنـد الـصـباح تـبـدأ شـهـيـتي لـلطعام فأطـلـبُ من 
    امّي حـسـاءَ الـشـوربة وهـو من الـرزِّ وعـصيـر الـطـماطـة  فـأكلـتُ مـنهـا قـليلاً ثـم تـركـتُها
     كانـتْ فـرحـة أمّـي كـبـيـرةً وقـررت الـرجـوع الـى بـيـتـنـا دارالعـلـويـة ميّاسه كان ذلكَ عـصر 
    يـوم الخمـيـس أي الـيـوم الـعاشر مـن الحادث وأذكـر أن جدتي خـمـيسـه قـد ذهـبـت الى
    خـالي عـبـد الامـيـر في حـجـرتـه ثـم أدخـلـتـهُ عـلـيَّ في حـجـرتهـا وهي تـقول له : تـعـال
    شـوفـه واحـجـي ويـاه ، بـقي صامـتًـا يـنـظر إلـيَّ وقـد أعـادتْ عـلـيه الـطـلـب فـسـألـني وانا
    منطرح على الفراش بـكلـمـتـيـن هـا شـلـونـك فـأجـبـتُـهُ بـزيـن خـالـو ثـم  خـرج ولـم أرهُ  
    ثم خـرجـنـا وأنـا مـحـمـولٌ عـلى ظهـر والـدي وبـهـذا أكـون قد كُتِبَ لي أن أعيش للمرة 
    السادسة وهنّ [ الملاريا والغرق في حوض الماء والصعقة الكهربائية والغرق في دجلة 
    عند ختاني وحادثة مرور السيارة وآخرها هي حادثة عيني  ] .  
    وأتذكرُ ايضاً موقـفاً غـير صحيحٍ لأُمّي حين وصلـتـنا من بيت عمي نوري كمية من
    العـنب في زنبيل كان ذلكَ في أحد أيام الصيف تـحـمـلُـهُ إبـنة عـمي سـامـيّـه عمرها
    آن ذاك العـاشـرة ومـعـها أخـوها ســامي وهـو بـعُـمُري كان بـيـت عـمي نوري [ بلور ] 
    يـسـكن مـحلة المـشروع أي شـمال المـدينة ونحن نـسـكن محلة الـشرقـية جـنوب 
    الـمـدينة وهي الـنــواة لـمـدينة الكوت والـمـسافة طويلة بالـنـسـبة لـطـفـلـين قـد يـسـتغـرق
    وصـولهـما أكـثر مـن سـاعة ، دخـلا عـلـيـنا بزنبيلٍ في تـلكَ الظهـيرة اللاهـبـة يحملان عنبًا
    كُـنتُ وأمّـي واقـفـيـن أمـام حـنـفـية الـماء وبعد أن سَـلّـما على أمّي أعـطت سـامـيـةُ الـزنـبـيـلَ 
    لأمّـي فنـظرتْ الى العـنـب وهـو في الـزنـبـيل فـوجـدتْ أن غـالـبـيـتَـهُ قـد تَـفـقّـع وأصـبح تـالـفًـا
    وعـنـدمـا أردتُ أن آخــذ شـيءً مـنـه نَهَـرتـني أمّـي فابتعدتُ وأخـذتْ تـتـكلم بـحـدّةٍ وانفعال 
    مع سـامـيـه وتـقـول لها أخـبـري إمـرأةَ أبـيـكِ وهي إبـنـتُ عـمّها كـذا وكـذا من الكلام الجـارح 
    الـذي لا داعـي لـقـوله وتُـؤكد على سـامـيـة الـقـول بأن تُـخـبـر زوجـة أبـيها بما قالت وأمّي في
    حالة من الغضب ، أقول كان موقف أمي غير صحيحٍ ولا يـوجبُ الانفعال والتهجم 
    على شخص أراد أن يُقدم شـيءً عـن حُـسن نِـيّـةٍ وطـيـبِ خـاطـرٍ وبـسـبب حـرارة الـجـوِّ 
    وبُعـدِ المـسافة ونوعـية العـنـب الـتي لا تـتـحمل الـحرارةَ وصـلَ لـنـا بـالـحـالـة الـسـيـئـة  . 
    وقـد فـسرتْ أمّي الموقف أن ابنةَ عمِّها تُريد إهانتها بارسال هذا العنب التالف ولو 
    فرضنا جدلاً صحة تصور امي لهذه الهدية على أنها إهانة فأرى من الواجب على أمي 
    أن ترد الهدية دون كلام جارح أمام أطفال يـنـقـلون القـول وهم لا يفهمون مغـزاه وقـد
    يُـحرفـونـهُ بـعـبـارات أخـرى ، وكـان على أمـي أن تـقـوم بـزيـارة الـى إبـنـة عـمـهـا لـتعـاتـبها على
    هـذا الـتصرف فكان تـفـسـيـرهـا بعـيـداً عـن واقـعه بـسـبب حـسـاسـية أمّي الـمُـفرطـة بعـد
    هبوط الـوضـع الـمـادي لـوالـدي الى دون الصفر بحيث كان يتعذر على والـدي تـوفـير 
    مصروف الجيب لـنا عند ذهـابنا الى المـدرسـة وأحيانًا يـتعـذر عـلى أبي تـوفـيـر الاكـل 
    لهـذا كان الموقف لأمي انفعاليًّـا .
    وعلى ضوء تلك الحادثة أتذكر موقفًا لإبنة عمها الحاجة مسالك الحاج محمد 
    زوجة عمّي نوري وهو في ظهيرة أحـد ايام الصيف دخـلـتُ الى بـيـت عـمي الواقع في
     محلة المشروع ومعي إبن خالي مـحـسـن الـذي بقي يـنـتظرني في الـشارع دخلـتُ عليهم
    وبعـد الـسـلام أردتُ الخروج فنـادتـني زوجـة عـمي الحاجة مسالك وأدخلـتـني إحـدى
    الـحجـر وقـالـت خُـذْ أكـبرَ بـطـيخـةٍ من الـبطيخ الذي كان تحت أحـد الأسـرّة ، إنـبطحـتُ
    ثم انـتـقـيـتُ أكـبرهنَّ وبعـد أن أخرجتُها وأردتُ الخروج حَـمّـلَـتْـني تحياتها الى والـدتي . 
    خـرجتُ حاملاً الـبطـيخة وما هي إلّا مـسـافة أمـتار عـن بيت عمي طـرح إبـن خالي
    محـسـن فـكرةً هـي أن نكـسـر الـبـطـيخةَ ونـأكلهـا رفـضتُ بادئ الامـرِ الفكرة وبعـد كـلام 
    معـي استجبتُ فـجـلـسـنـا عـلى عـتـبة بـيـت الـمعـلم جـواد نـوروز وأخـذنا نفـتـش عـن شـيئٍ 
    لـكـسـرها وبـعـد الـبحث وجـد مـحـسـن صفـيحـةً صـدئـةً فكـسرناها بـهـا وأكـلـنا شـريـحـةً 
    بـعـدها إشـتـكى مـحـسـن من الـمٍ في أسـنـانهِ وهـو يأكل ويـتـذمر ولا يـهـون عـلـيه تـركـهـا لأن
    الـبـطـيخـةَ كانـت غـايـةً بـالـحـلاوة أكـلـنا ما اسـتـطعـنا وتـركـنا قـسـمَها الاكـبـر مـرمـيًّا . 
    وعـلى ذكـر الـمعـلم جــواد نــوروز فـهـو والـد زمـيلي في الابـتـدائـية بـاسـم كان قـد اُعْـتُـقِـلَ 
    مـعي بـعـد الانـقـلاب الـبعـثي عـام 1963 في سـجـن الـكوت وكُـنّـا في قاووش واحد .  
    أعود لأقولَ تركنا الـبطـيخةِ حتى لا يـنكـشـف أمـرنا وهـذه الواقعة لم أذكرها إلّا الآن  
    وما ذكري إلّا مـن بـاب الاعـتـبار  بأن كـثـيراً من الـحـقائـق تـبقى مخفيةً ويـكونُ الـطـرف 
    الآخـر ضحـيّـةَ الـتصور أو التحليل الغلط ولو تـلاقى الطرفـان وتـكاشـفا لـذابـت الـكـثـير 
    من الـحـزازات والـمـشاكل العائلية .  
     
                                        الـمـحـطّـة  رقم [ 5 ] 
     سـأتـناول في هـذه الـمحطة الـفـترةَ الـزمـنـيـةِ من شـهـر تـمـوز 1954 وهو تأريخ انتقالنا 
    من بـيـت العـلوية لبـيـت جـدي الحـاج حـمـادي ولـغـايـة يـوم 14/ تموز/ 1958 الـيـوم 
    الـذي إنـتـقـل فـيـه الـعــراق مـن نـظـامـه الـمـلـكـي الـى الـنـظام الجـمهـوري بـانـقـلاب عـسـكري
    آزرهُ الشعب سـاعة اذاعة الـبـيـان الاول فـسُـمّـيـت ثورةٌ . 
    كان مـتصرف الكوت أو المحافـظ من نيسان عام 1948 ولغاية كانون الثاني 1952 
    هـو عـبـاس الـبـلـداوي وقـد أجـرى تـنـظـيمًا وتـوسـيعًا للـشـوارع وتـبـلـيـطها وهوالـمـتـصرف 
    الـوحيـد الـذي وضع بـصمـتـه في هـذه الـمـديـنـةِ طـيـلة الـحـكم الـمـلـكي .
    وهنا اقول أن تعديل الشوارع دخلت عليه المؤثرات من وساطات ورشاوى لذلك 
    لم تأتِ الـشـوارع مـنـتـظمةً كالـمـخـطط  لـها فالماشـي يرى فيها دخولاً وخروجًا مما
    تَـسَـبّـب في تـشـويه تناسقها ولكن على العـموم هـي أفضل وقـد شـمل الـقص بـيـت
    جـدي الحاج حـمـادي بحيث ذهـب أكـثر من نـصف من مـسـاحـته ولـم يَـبـقَ مـنه إلّا 
    ثـمـانـون مـتـرًا مـربـعًـا وبعد اشهر من قصّـهكـلّـمتْ جـدتـي خـميـسـه خـالـي بعـد أن
    إنـتـقـلوا الى الـمـشـروع  بأن يـبني الـواجهةَ الـمـتهـدمـةَ ويـربـطهـا بـالـحـجـرتـيـن ويـبـني الـسُـلّـم 
    والـمـرافـق والـحَـمّـام ويـبـقـى الـقـديـم عـلى حـالـه . 
    تـولّى أبي الاشـراف على الـبـنـاء وأول مـا قـام بـه هـو هـدم الـحـجـرتـيـن القديمتين وبهـذا  
    الـعـمل خالـف أبي الاتـفاق مما أثـار لـغـطًا لكن خـالي عـبـد الامـيـر ظلَّ سـاكـتًا وأخـذ يَـمُـدُّ
    أبي بـالـنقود لـتـغـطـيـة نـفـقـات مـواد الـبـنـاء وأجـور العـمـال . 
    كان الـمـشـرف الـفـني الـذي رسـمَ خـارطـة الـبـيت الاسـطه حـسـن بـيـك وهو بناء قديم 
    من الاكـراد الـفـيـليـه يـسـكن في نـفـس مـحلـتـنا سـيـد حـسـين وقـد كَـلّـف الـبِـنـاءُ مـبلغًا
    كـبـيرًا في ذلك الـزمن بـلـغ ألـف وخـمـسـمـائـة ديـنـارٍ وهو مـبلغ كان بامكان أبـي شــراء
    دارٍ جاهزةٍ للسكن بـها وبـمـسـتـوى مـتـوسـطٍ ومـسـاحةٍ أكـبـر  .  
    أقـول سـكتَ خـالي وتـحـمّـل كامـل الـمـصاريـف الـى نهـايـتها وتَـمّ شـكلُ الـبـيـت حجـرتان 
    في نفـس مكان الحجـرتـين الـقـديـمـتـين إلّا أنهـما أعلى من الـسـابـقـتـين بـمـتـر ونـصـف مع
    حـمّـام صغـيـر يـتـداخـل مع الـحـجـرة الـتي تـقـع على يـسـار الـداخـل لـلـبـيـت من الـباب
    الـرئـيـسي ثـم صحـن الـدار أمّـا الـباب الخـارجي فـقـد تـغـير من جـهـة الـيـمـين الى الـيـسـار ثـم
    دخـلـة بـمـسـاحة مِـتـرٍ مُـربـعٍ وتـأتي باب الـسُـلّم على يـسـار الـداخـل وعـنـد صعـود درجـتـين 
    يـقـع بـيـت الـخَـلوةِ أو الـمسـتراح ثـم بـاحـة أو صحن الـدار وفـتـحـة تـحـت الـسُـلّم تُـسـتـخـدم 
    لـغرض حَـمـي الـحَـمّام عـنـد اسـتعـمـالـه ولا شـيء غـيـر هـذا وفي الـسـطح غـرفة مُطـلّـة على 
    الـشـارع بـارتـفـاع أكـثر من ثـلاثـة أمـتار فتصبح واجهة المنزل معها ثمانية أمـتـار  وهذه 
    الغرفة مـقـطوعـة بـجـدار الى غـرفـتـيـن كـبـيـرة وأخـرى صغـيـرة ولهـما بـابـان تطـلّان على
    الـسـطح وفي الـسـطح يـرتـفع جـدار الـسُـلّم حيث تـوجـد فـجـوة لـخـزّان الـمـاء وبـين الـغـرفة
    وجـدار الـسُـلّم فـتـحة اسـتُـغِـلّـتْ لـخـزن الـحطـب والـبـعرور الـذي يُـسـتخـدم لـلـتـنور وهـو 
    يـقـع في الـسـطح أيـضًا وعـنـدما إكـتـمل الـبـناء قـال أبي لـوالدتي : هسه من تـصعـدين الى 
    الـسـطح إتـشـوفـين هـوا لـبـنـان ضحـكـنـا يـومـهـا على هـذه الـمُـقارنـة الـبعـيـدة عـن الـواقـع 
    والغـريـب أن والـدي عـلى صـغـر مـسـاحـة الـبـيـت أخـرج من واجـهـتـهِ دُكانـين صغـيرين 
    وعـنـدما سـألـتُ أبي عـن الـدُكانـين قال لي أن الـقـمّـاش سـلـمان الـبـدراوي والـد المعلم 
    عـلي الـذي تُـوفيّ في أحـد قـواطع الـجـيـش الـشـعـبي لـمـرضـه بـالـقـلب في بـدايـة الـحـرب 
    الـعـراقـيـة الايـرانـيـة عــام 1981 وهـو والـد المحامِ عـبـد الالـه وعبد النبي الـمـوظف في 
    وزارة الـتـجـارة فرع الاجـهـزة الـدقـيـة في الكوت ، والطـريـف أن عـبـد الـنـبي كان مـسـؤل 
    الـمـخـزن ويـتـسـلم الـمـواد الـمـسـحـوبـة مـنْ بــغــداد عن طـريـق لَـجـنـة تـتـسـلَـمُـها مني ثم  
    تُـسـلِـمـها له وكـنتُ يـومـها وكـيلاً عن مـديـرهـا ســيـد قـاسـم وذلـك في عـام 1982 لكونه
    في دورة تـرقــيـة حـزبـيّـة لـمدة أربـعـة أشـهـرٍ في شـمالِ الـعـراق .   
    والـلـجـنـة مـؤلـفـة من عـادل مـدقـق ومـوريس مـحـاسـب وحـسـن مـحـاسـب وهم 
    مـصريـون وهو معهم وبعد الـجـرد يتم التـسـلـيم فيـوقّـع وتـبـرأ ذمـتّي منها وبعـد 
    اسـتـقـالـيـتي مـن الـوظـيـفـة التي لا مَناصَ  منها تـخـلـصًا من مـلاحـقـتي للإنـخراط في
    الجـيـش الـشـعـبي ومن الضغوط الـتي كانت تُـمارس عـليَّ من الحـزبـيـين والـساعين لهم
    لأجل الثواب قدمتُها متجاوزًا التسلسل الاداري  الى الوكيل العام المدعو علي حسين
     الظاهر وتـركـتُ مـوضوع بـراءة الـذمة من الـدائرة وذلك لـتـفادي المَـشـاكل وما تثيرها
    ولـعلمي أن الـوكيـل العام كان يـتـمـنـاهـا لأسـبـاب سـأذكـرها لاحـقًـا وكانت اسـتـقـالـتي
    بـعـد الـتـحـاق مـديـر الفرع سـيـد قاسم بـعـمـلـه بالـفـرع بأيـام ، وكانت مباشرتي في فرع
    الاجهزة الدقيقة في الكوت في 18 / شـباط / 1982 ولـغايـة  كانـون أول 1982 وفي
    هـذه الـسـنـة بـدأت بـوادر الانـكـسـارات للجيـش الـعراقي أمام قـوات الـحرس الـثـوري 
    الايـراني حـيـث خـسـر مـوقـعـه في الـبـسـيـتـيـن وفي مـنـطقـة الـرادار الـتي كان يـقـول عـنـها
     الـمجرم صـدام :
    اذا أخـذ الايـرانـيـون مـنـطقـة الـرادار أُسَـلّمُهُم مـفاتـيح بـغـداد والـذي حـصل ان اثناء
    الهجوم كان المجرم هُـناك ونـجـا مـنـها بـمصفـحة للصليب الاحمر لـنـقـل الـجـرحى 
    أرشـدهُ الى ذلك  أحـد الـضـباط لأن الايـرانـيـيـن لا يـسـتهـدفـون ناقلات الجرحى للصليب 
    الاحمر وبهذه الطريقة خـرج هاربًا لا يلوي على شيء حتى بـات لـيلتَـهُ تـلـك في مـديـنـة
    الـكـوت في زاوية بحي الـمعلمين قرب فـنـدق الـمصايـف . 
    أعـودُ الـى موضوع عـبـد الـنـبـي سـلـمـان فـفي عـام 1985 مـرّ من أمامي فـنـاديـتُهُ وقدمتُ 
    لـه قـدحًـا مـن الـموطة وكان محلي لبـيع الـمـرطـبات في بداية السوق وهو الان استوديو . 
    أكـل الـمـوطـة وهَــمّ بـالـذهـاب فأخبرتُهُ عن كـتاب بـراءة الـذمّـة فقال بشيء من الانفعال : 
    أنا لا أوقع وارفـض إعطاءك براءة الذمة ولـمّـا نـاقـشـتُـهُ وقُـلـتُ لـهُ بأنّـي كـنـتُ أسَـلّـمـهُ 
    الـبـضـاعـةَ عـن طـريـق اللَـجـنـةِ ولا مـوجـب لـرفـضـهِ فاجابني أنتَ تـتحـمّـل كل ما عـنـدي
    مـنْ نـقـصٍ في المخزن فـأضحكني جـوابُـه ورددتُ عليه لإغاضـتِـهِ سـتـعـطـيـنـي الـكـتـاب
     غـصـبًا عـنّـك وذهـب من عندي ولم أرَ صـورتَـه ليـومـنا هـذا . 
    والـذي حَـصلَ مع أبي وابيه القماش سـلـمان الـبـدراوي هـو أنّ والـدي إلـتـزمَ بـاخـراج
    دُكانين مِـنْ البـيت وكانا صغيرين ظنًا من والدي أنّه سيخـتار أحـدهـما ولـكنّـهُ تـنـصل 
    بحـجّـة أن الـدكان صـغير وفي هـذا أرى لـه بعض الـحق وكان على ابي ان يسأله عن 
    المساحة المطلوبة قبل ان يتصرف في مساحة البيت التي هي لاتكفي أصلاً لصغرها
    وكان على سلمان البدراوي ان يذكر لأبي المساحة التي يُريدها وقد فاتت على الاثنين
    والصحيح كانَ عـلى أبـي أن يعـتـذر لـضـيـقِ مـسـاحة الـبـيت ولكن الضيق المالي على 
    أبـي كان اكبر وهو الـدافع بـعـد أن نـزلتْ بـنا الـحـال الى الصفر  .     
    أعـود الى موضوع الـبـيـت فـأصـبح ارتـفـاع سـقـف الـحُجـرتـين الى ثـلاثـة أمـتار ونصف ولو
    كان الاسطه حسن بيك ذو عقلية وخبرة في البناء لجعل مكان الغرفة التي على الشارع 
     مكانهافـوق الـحجـرتـين ويـكـسـب غُـرفـتـين كـبـيرتـين بـأقـلِّ كُلـفـةٍ ونتحاشـى انـزعـاج جيراننا
    بـيت غـلام لـفـته ابو جابر وبـيت الـملا اسـماعـيل لأن الـغرفـتيـن سـتـكونان ستارًا مانعًا
    من الاشـراف عـلـيهـما وكما يقولون ما بين حانه ومانه ضاعت مصاريف كثيرة وهـذا 
    ما حـصـل وقد تـحـمـلها خـالـي عبد الامير  .  
    إكتمَلَ بـناء بـيت جـدي وانـتـقلنا لـه منـتصف شـهر تـموز  عام 1954 كما أسـلفتُ . 
    كان الـبـيتُ على صغره إلّا أنّـهُ مَـنَحـني شعـورًا وكأني في قـصر مُـنـيـف وجدتُ فـيه كل 
    مـسـتـلزمات الـراحة الـنـفـسـيةِ لا أعـرف أسـبـابـها ولكـني أعـزيـها الى روح جـدي الـحاج 
    حـمادي الـذي كان مـثـالاً للـرجـل الـمـؤمـن الـمـلـتـزم بـديـنـه وقـيـمـه .  
    وقـد ذكـر الاسـتـاذ مـثـنى حـسن مهـدي الـدُبَـيّـن في كـتـابه عـالمـية مـديـنة الـكوت
     وقصة الحصار أن الـناس يُـطـلـقـون عـلى جـدي الـحاج حـمادي لـقـب الـمـؤذن وهـذا 
    ما قـالـتـهُ لي والـدتي حـيث كان والـدها يـتـمـتع بـصوت عـذب وغـالـبـيـة الـناس في المحلة 
    ينتظرون وقت أذانهِ لِـيُـصـلّـوا   . 
    إسـتـبـدلـنا الـفانوسَ والـلالـةَ في بيت جـدي بـمـصباح الكهرباء وهـذه طفرة نوعـية رغم 
    وضع أبـي الـمـالي المنهك وذلك لمتطلبات الحياة  .  
    وفي هـذا الـبـيـت ألـقـيـنـا عـصـا الـتـنـقـل والايـجـارات الـى آخـر يـوم مـن حـياة والـدتي وهـو 
    15 آب 1983 حيث إنـتـقلت الـى بـارئـها أمّـا عـن مـوضـوع الـدار فـلـه حـديـث سـأتطرق
    الـيه إن شـاء الله . 
    وفي هـذا العام 1954 كُـنـتُ في الـصف الـرابع الابـتـدائي والـمفروض أن أكون في الصف
    الـخامـس ولـكن كما أسـلـفـتْ كان عمي عـبـود وراء رسـوبيكما حصل مع أخي نـافع وابن
    عمي سـعـيـد اللذان كانا قـبـلي وفي نـفـس الـمرحـلة  والحـديث قـادم ان شاء الله   . 
    ذكـرتُ سـابـقًـا أن وضع والـدي الـمالي وصل الى الـصـفر ولـتحـقـيق مـورد يُـغـطي بـعـض 
    حـاجـاتـنـا كُـنـتُ وأخي نـافـع نـعـمـل أثـنـاء الـعـطلـة الـمـدرسـية الـصـيفـية إمّـا في أعـمال الـبـنـاء
     أو عـنـد صـديـق أخي إسـكـنـدر عـلـي الـذي غـيّـر اسـمـهُ الى زيـد علي وهـو كردي فيلي 
    مـن سـكـنة مـحـلـتـنا لـه محـل في مدخـل الـسـوق وقـريب من بيت جـدّي يـبـيع فـيـه 
    الـدونـدرمـه والـثـلج وقت الصيف  .  
    يـبـدأ عـمـلـنـا من الـسـادسـة صباحًا وحتى الـعاشـرة لـيلاً تـتخـللها فـتـرة فـطور في الـبـيـت
    وفـتـرة غـداء وقـتُـهما لا يـتـجـاوز سـاعـةً واحـدةً وأجـوري في عـمـلي طيـلـة هـذا الـوقـت لا 
    تـزيـد عـن مـائتي فلـسٍ أمّـا نـافـع فـيـقـبض ثـلاثـمائة فلـس وأحـيانًا يـتـنازل عـنها إذا ما شـكا
    صـديـقُـهُ إسـكـنـدر مـن قـلّـة الوارد في ذلك الـيوم ولا يُعـوضه في الايام التي يتحسن فيها
    البيع وهـو يـدري أنّ أهـلـنا بحـاجةٍ مـاسّـةٍ ولـو بـتعويض نصف الاجور .  
    وإسـكـنـدر أو زيـد تـزوج أكـبـر بـنـات عَــلَـم واسـمهـا رضـيـه وهـو وجـابـر غـلام لفته 
    عـديـلان وعـائـلـة اسكندر تـتـألّـف مـن امهم واخـوتـه عـلي عـسـكر وعـلي أكبر  وعلي
    عباس وهـو أصغـرهـم تـزوج هـو الآخـر من أصـغـر بـنـات عَـلَـم واسـمها خيريه وهـي 
    مـعـلـمـة وعَــلـم وأخـوهُ عَـرَب من الاكراد الفيليه . 
     وأمّـا عـنعـلـي أكـبـر فـقـد قُـتِـلَ في نـزاع لا عـلاقـة لـه بـه حـيـث كان مُـحاجـزًا في عـراك 
    نـشـبَ بـين عـبـد كـور شـريـكهِ في الـمـحل وجـارهـما عـلـيوي سـلمان نـهابه وفي حالة
    شـجـارهـما والانفعال رمى عـلـيوي نـهـابه عـيـارًا بـخـمـسـة كـيـلوات من الخـلـف أصـاب
    بها عـلي أكبـر تـسـبب بــكــسـر عـمـوده الـفِــقَـري وانـقـطـاع الـحـبـل الـشـوكي فـسـقط على
    الارضِ وقـامت احـدى أخـوات عـلـيـوي بـسـحـله من أعـضائه الـتـنـاسـلـيـة وكأن الـشـجار 
    والعـراك مُـبـيّـتٌ لـيـكون عـلي اكبر هو الـضحـيـة ولـيـس شـريـكهُ عـبـد كـور وتـسـربت 
    أقـوال أن هـناك غـرضًا من وراء هـذا لا أسـتـطيعُ تحـديـده والغريب أن عبد كور 
    وعليوي بقيا متجاورين الى يوم خروجي من العراق وربما الى الآن .  
    وقـد كنتُ حـاضرًا في المـسـتـشـفى الـتي كانت تـقـع قـريـبةً مـن الـسـدّة فرأيتُـهُ مُـسـجّى 
    فـاقـدًا للـوعـي وفوق رأسـه أخـوه إسـكـنـدر يـبكي بعـد أن أبـلغـه الطبـيب بأنَّ أخيـهِ
    مـيـؤسٌ مـنـهُ ، حـصـلت هـذه الـحادثـة في صيف عام 1953 وقـد تركت ألـماً في نـفـوس
    أهل الكوت لكونـه شـاب بعـيـد كل الـبعـد عن الـمـشاكل أمّا عـليوي فـقـد سُـجِـنَ خـمـس
    سـنوات وكذلك أخـتُـهُ مع غـرامـةٍ أو دِيّـةٍ مالـيّـةٍ دُفِـعـتْ لأهل عـلي أكـبر . 
    وفي صـيـف عـام 1955 حضر نـفـرٌ من أعـمـام والـدي وأولاد عـمّـه عــددهـم خمسة 
    أفـراد الى بـيـتـنا عـنـد الـظهـيـرة دون سـابـق عـلـمٍ فـرحّـبَ بهـم أبـي واسـتـقـبـلهـم بـسـعـادة
    غـامـرة وهـو لا يعـلم ما دواعـيها وكـل تـوقـعـه أنّـهُ دفـع مـبـلغ لـتـسـديـد ديّــةٍ كـمـا هـو دأبُـهـم 
    أدخـلـهـم الـحـجـرة وقـعـدوا قـلـيـلاً ثـم دارَ بـيـنهـم حـديـثٌ ونـقاشٌ تصاعدت حِـدّتُـهُ بـعـدهُ 
    أخـرج أحـدهـم وهـو أكـبرهـم سِـنًّـا عـصًا كان قد وضعها تـحـت الفراش الجالس عليه 
    وقـال مُـهــدّدًا إذا لـم تـوافـق عـلى طـلـبنا سـنكـسـر الـعـصا وهـذا بالعُرف العشائري تـخـلي 
    العـشـيـرة عـن ابي ، خـرج أبـي من الـحُـجـرة لـيـتـشـاورَ مع والـدتـي وبعد مناقشة قصيرة 
    دخـل عـليـهـم وأخـرج الـعـصـا وكـسـرهـا أمـامـهـم وقـال لـهـم أنـا كسرتُ العصا معكم ولا 
    أعـرفـكم بعـد الـيوم فـخرجوا مخـذولـين لم يكن يـتوقعـون هـذا الـردّ ولـم أرهـمْ الى يـومـنا
    هـذا وقـد تـبـيـن فـيـما بعـد أنهـم يُـريـدون من أبـي تـزويـج بِـكـرَ أولادهِ أخـتي لـمـيعـه من
    إبـن أخـيـه عـباس كـاظـم مـنـصـور ولكن ما حـصـل مـن أبـي وبـدافـعٍ مـن أمّـي حـسـم 
    الـمـوقـف بكسر العصا والخروج من الدوامة  . 
    وهنا أقول : كان عـلى الـعـم كاظـم أن يُـمَـيّـز واقـعـنا الـذي نعـيـشـه في الـمـديـنةِ وواقـعهـم
    الـذي يـعـيـشـونـه في الـريـف الـذي يـفـتـقـر الى أبـسـط وسـائـل العـيـش كالـمـاء والـكهـربـاء
    وسـكنـهم في بـيـوت الـطـين في حـيـن كان مـتـقـدّمًا لـخطبـتها بنـفـس الـوقـت مُـدرّس من
    عـشـيـرة الـعـبـوده يـسـكن مـحـلـة الـمـشـروع وكـان على الـخـط أيـضًا إبـن عـمـها صـادق 
    عـسـاف الـذي كان يـعـمل كاتـبًـا في الادارة الـمـحلـية إسـتـمـرّ الـمـوضوع يدور وسـط 
    الـعـائـلة الى أكـثـر من عـامٍ حتى رَسَـتْ الـقِـسـمـةُ عـلى الـمُـدرس خَـضِـر محـمـد جـوده 
    الـعـبودي عـام 1957 وهـذا أول زواج لأولاد يـوسـف مـنـصـور . 
    في عـام 1952 قامـت حركة الـضباط الاحرار بانـقـلاب بـمصر زمن الملك فاروق من
    قِـبَلِ مجموعة من صِـغـار الضـباط أسمت نفسها بالضباط الاحرار يتزعمها اليوز
     باشي جمال عبد الناصر ورتبة اليوزباشي هي رتبة الملازم أول الذي يحمل فوق
    كتفه كوكبتين ولأنّ الموقف يحتاج الى قائد له رتـبـة وموقع قيادي في الجيش 
    أدخلوا عند انقلابهم كرئيس لهم الـفـريـق الـركن مـحـمـد نـجـيـب وهو لا يعلم وقـد 
     نُـحـيَّ عن منصبه بـعـد عِـدّة شـهـور حين إسـتـقـرت الامــــور الى الانـقلابـيـين وهـذا العـمل
    لا يـنـسـجـم مع معايير الـقـيـم والاخـلاق لأنهم عرّضوا مصير إنسـان  الى الموت دون 
    علمه وخراب بيته في حالة الفشل لكن الغاية تبرر الوسيلة ووجود مثل هذه الرتبة 
    مـهـمٌ في إنـجـاح الانـقـلاب ولولاه لتعرض الانقلاب الى الفشل ولكن الانـقلابـيـين عملوا 
    بـالـمـفهوم الـمـيكافـيلي الي يقول : الغايةُ تُبررُ الوسيلةَ وهو منهج لا يعمل به أصحابُ 
    المبادئ ولكي يـتـماشى الوضع مع الانـقلابـيـين مـنحو انـفـسهم رُتَـبـًا عـالـيةً مـتـجـاوزين بها
    عـلى التسلسل الزمني في الـقـانون العسكري ويبقى الـقـانون لُـعـبـةَ القـابض عـلى الـسـلـطة 
    كان إتـجاه الانـقـلابـيـين هـو الاتـجاهَ الـقومي الـعـربي المُـناوئ للـسـياسـة الاسـرائيلية
    الـبريطانـية الـفـرنـسـية الامـريـكـية وشـعـارهـم وحـدوي وهـذا مـا لا يـروق للغـرب وخططه 
     فحاصرها الغرب مما دفع الـحـكومة الـجـديـدة في مـصـر الى التوجه للـكـتـلة الـشـرقـية
     التي كانت بـزعـامة الاتـحــاد الـسـوفـياتي وحلفـائهِ من الـدول الاشـتـراكية آنَ ذاك  .
    وقـد قامت حكومة الانقلابيين بعمل أثار ثائرة الغرب وهو تأميم قناة السويس في 
    عام 1956  واصبحت القناة تحت ادارة الحكومة المصرية .  
    من هـنا خـطط الـغـرب لـعـمل عـسـكري لـلإطـاحة بهـذه الـدولة الـولـيـدة فـقـامتْ كل من 
    إسـرائـيـل وبـريـطانـيـا وفـرنـسـا بِـشـنِّ الـحـرب دون سـابـق إنــذار عـلى مـصـر صـيـف عـام
    1956 مـمـا أثـار هـذا مـشـاعـر الـوطـنـيـين بالـوطـن الـعـربي والـعـراق في مُـقـدمـتها فخرجت 
    التـظـاهرات الشـعـبـيـةِ بكل الـمُـدن وأبـرزها إنـتـفاضة السجناء السياسيين الدامية في
    سـجن الـكوت في آب من نـفـس العام وكُـنتُ وقـتَها واقـفًا أمام دارنـا ظهـيرةَ ذلك الـيوم 
    شـاهـدتُ الـشـيخ هــادي الاسـدي عـالم الـدين الـشـيعي في مـديـنة الكوت ومعه رجـلٌ 
    يـتـبعه وهما عائـدان من شـارع السـجن وسَـمعتُ بعـد ذلك إطـلاقاتٍ ناريـةً ثـم خَـيّـم 
    الـسـكون في الـمـدينـة كُلِّها وتَـسـرّبَ بـعـدها في الـيوم الـثـاني للحـادث أن الـشـيخ هـادي
    قـد أفـتى بـتـكـفـير الـمـنـتـفـضـين وإبـاحـة قـتـلهـم وبهـذه الـفـتـوى سقط سـبع ضـحـايا وتم
    دفـنـهـم من قِبَـلِ الـحـكومـة في مـقـبـرة الـيهود الـواقـعـة اليوم قرب الملعـب الرياضي في 
    حي الحاوي أو حي الـربـيع وبهـذه الـفـتوى خَـسِــر الـشـيخ هـادي محـبّـةَ كثـيـرٍ من الـناس
     وتـبـين بعد زمنٍ أن الـشـيخ هـادي قـد وقـع في فَـخٍّ أو مُـنـزلـقٍ قام به جهـاز الامـن وهـو أنّ 
    الـشـيخ هـادي طلب مُـقـابـلة أحـد الـسـجـناء فـجـاءوا لـه بـشـخص مُـتـفـق مـعـه مُـسـبـقًا لا
    عـلاقـة لـه بالمنتفضين السياسيين يُـقـال أنّـه شـخص سـاقط أخلاقـيًّا أي بمصطلحنا هو 
    بايع ومخلص قـد قابـل الـشـيخ مُـدّعـيًّا أنّـه مِـن الـشـيوعـيـين ولا يعـترف بالله ولا بـالاسـلام 
    مـما أعـطى للـشـيخ كـونـهِ مُـلـحِدًا وان المنتفضين على شاكلته وعـلى هـذا بـنى الـشـيخ 
     فـتـواهُ بـتـكـفـيرهم وهنا لا أعطي للـشـيخ هــادي العذر وعليه في مثل هـذا الـمـوقـف 
    أن يـدخـل الى داخـل الـسـجـن ويـرى ويَـتَـبـينَ حـقـية الـمـوقـف بـنـفـسه وأن لا يـذهـب
    لوحـده كعـالم ديـن شـيعي من غـير أن يـصـطحب معـهُ عـالم الـديـن الـسـنّي الـمـوجـود في 
    الـمـديـنـة ولكـن بـسـاطةَ الـشــيـخ وحُـسـنَ الـنـيّـةِ أوقـعـتـه في الـفـخِّ بـحـيـثُ جـعـلـوا مـنـهُ أداةً 
    لـتـنـفـيـذ غَـرضـهم مـما جـلـب الـنـقـمـة عليه وخسارته الكثير من سمعته . 
    والـشـيئُ بالـشـيئ يُـذكر عـنـد قـيام الـثـورة الـشـعـبانية في الـعراق عـلى الـساقط صـدام قام
    باحضار الـسـيـد الامـام الـخـوئي وكُنـتُ أشـاهـد الـتـلـفـاز وقد ظهـر لي أنّ الـسـيد الخوئي 
    قـد تـعرض الى نـوع من العُـنـف وذلك بمـشـاهـدتي يـاقـة الجـبة معـقـوفـةً الى الداخل وبعد 
    كـلامٍ قـلـيـلٍ مـن إبـن الـعـوجـة مع الـسـيـد ســأل صدام السيد : مـا تـقـول سـيـد بـحـق 
    هــؤلاء الـمـجرمـيـن فـأجـابـه الـسـيـد : أن حـكـمهـم هو  التوبـةُ عـنـدهـا انـتـهت الـمـقـابـلـة 
    بجـواب الـسـيـد الـخـوئي الذي لـم  يُـعـجب الـسـاقـط ابن العوجة .   
    أقـول بهـذه الـحـادثـة يـكون سـجـن الـكوت قـد شَـهِـدَ آخـر حـادثـةٍ بـيـن جـدرانـه . 
    وعلى أثـر الانـتـفـاضة في سـجن الـكوت إنـتـفـضت مـدينة الـحي وسـيطـر المواطنون 
    عـلى مـرافـق الـمـديـنة الـحـيـويـةِ وبـقـيـت الانـتـفاضة زُهــاء شـهـر مـما تـطلّـب من الـحكومة 
    الـملـكيةِ إرسـال فـرقـة مـن الـشـرطة الـمُـسـمّاة بـالـقــوة الـسـيارة وهي فـرقـة طوارئ مجهـزة 
    للـحـالات الـصعـبـة مع قـرار بـمـنـع الـتجـول داخـل الـمـديـنة واعلان الاحكام العُرفية في 
    العراق ، بـقـيـت هذه القوةُ فـي الحي الى أن إسـتعـادت الـسـلطة سـيـطرتها وقد انـتهـتْ
    الانـتـفاضة بـاعـدام إثـنـيـن هـمـا عــطـا الـدبّـاس وعـلـي الــشــيـخ حـمـود شـنـقًـا فـي وســط 
    مـديـنة الـحـي وكـان ذلك فـي تـشـرين الـثـاني من نـفـس الـعـام وفي ذلك الوقت كان
     أخي نافع يعمل مراقب بعد فصله من الدراسة لأسباب سياسيه في عمل خالي 
    عبد الامير لبناء مُسـنّاة على ناظم نهر الغراف ولتخلصهِ من هذه البلوى حديث. 
    وبخصوص العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 سمعتُ من الاذاعة البرطانية 
    البي بي سي خبرًا الى الآن لا أعرف مصداقيتَهُ ولم تؤكد أو تنفي اذاعة موسكو
    العربية الخبر وهو أن ثلاثة أجسام ظهرت في سماء ولاية تكساس عَـطّـلـتْ جميع
    الاجهزة الكهربائية لساعات وقام سلاح الجو الامريكي بمطاردتها ولكنها اختفتْ
    ولم تحقق الطائرات الامريكية غرضها ولكنْ أُشيعَ أنها أسلحةٌ سريّةٌ روسيةٌ . 
    وفي بداية الـسـبعـيـنات من الـقـرن الـماضي تحـول سـجـن الـكوت الى مـسـتـودع لـخـزن 
    الـمـواد الـغـذائـيـة من قِـبَـل وزارة الـتجـارة وفي عــام 2004 وجـدتُـهُ قـد تـلاشـى وأصـبح
    دكـاكـيـنًـا هـو والـبـيـوت الـمـلاصـقـة لـه ويـعـودُ تـأريـخُ بـنـائـهِ الـى الـعـهـد الـعـثـمـاني . 
    وهـنا أودُّ الاشـارة وتـوضـيح مـا اخـتـلـط عـلى كـاتـبـيـن كـتـبا عن مدينة الكوت هما 
    الـدكـتـور عـادل الـبكري والـمحـامي مـحـمـد عـلي الـصـوري اللـذانِ ذكـرا في كتابيهما 
    أن انـتـفاضة الـسـجناء في ســجن الكوت هي في عــام 1953 والصحيح هـو مـا ذكـرتُـهُ 
    اي في آب عام 1956 ، أمّـا عـن الحَـدَثِ الـذي حَـدثَ في سـجـن الـكوت عـام 1953 
    هـو هـروب مجـمـوعة من الـسـياسـيـين عـددهـم  أربـعـة عـشـر سـجـيـنًـا وقـد تَــمَّ 
    الـقـبـض عـلـيهـم وإعـادتـهـم الى الٍـسـجـن وكـان هـروبـهـم عـن طـريـق حـفـر نـفـق من 
    داخـل الـسـجـن الى خـارجـه حـيـث الـمـقـبـرة الـتي تـقـع في ظـهـره وجـاء هـذا الـخَـلـط
    مـن الـكـاتـبـيـن لأنـهـمـا لـيـسـا من أبـنـاء مدينة الكوت الاصـلـيـيـن وأنهما لم يـتـحـريا عـن 
    الـمـوضوع مـن مـصـادرٍ رسـمـيّـةِ فـاخـتـلطت عـليهما أوراق الحادثين . 
    أمّـا عـن وضعي مـن هـذا الـحَـدَثِ الكبير فـقـد كـان لـي شـرف الـمـسـاهـمـة بــه وهو كالآتي  
    : يــومـها كنتُ بالـصف الـخـامـس الابـتـدائـي ومـحـور التحريض للخروج بالـتـظاهر
    هـما مـحـمـد سـعـيـد عـبـد الامـيـر أبـو الـهـوا وقـريـبه زهـيـر مـحـمـد أبـو الـهـوا .  
    جـاءني مـحـمـد سـعـيـد الى الـصـف وطـلـب مـني أن نـقـوم بـتـظـاهـرة عـنـد انـصـرافـنـا من
    الـمـدرسـةِ وأبـلغـني أنّـهُ قــام بـتحـشـيـد الـطـلـبـة للـتظـاهـر وتـبـدأ مـن الـشـارع الـمـؤدّي الـى
    الـسـوق وبعـد أن أنهـيـنا الدوام وانعطفـنا الى الـشـارع أعـطاني محـمـد سـعـيـد اشـارةً 
     بالـبـدئ فصـدحَ الـهُـتـافُ من حُـنجرة زمـيـلـنا صاحـب الصوت الـجهـوري ولـيـد نُـعـمــان 
    بـســقوط حـكـومة نـوري سـعـيـد وتـوقـعـتُ أن يُـردد لـفــيـف الـطـلـبة الذين معي سـويّـةً
    بهتاف يـســقـط إلّا أنّهُ لم يـحـصل حـتى زمـيـلـي مـحـمـد ســعـيـد وقـريـبه زهـيـر اللـذان
    حـشـدا لـلـتـظاهـرة لـم أجـد لـهـما أثــرًا وخـيّم الـسـكـون وانـتهـتْ الـتـظاهـرة بهـتاف يـتـيم 
    وبـرد واحــد مـنّي ثـم أكـمـلـتُ وزمـيـلي ولـيـد نـعـمـان  طـريـقـنـا الى بـيـتـيـنا وكأنَّ شـيءً لـم 
    يـكنْ واني الى الان لا أدري كـيـف وصـلَ إسـمي مع إسـم ولـيـد الى إدارة المـدرسـة حـيـث 
    أرسـل في استدعائنا عند دوامنا في اليوم التالي مـديـر المـدرسـة هـاشـم الخـطـيـب وقد
    اغلظ في معاقبتنا بـاللوح الخـشـبي الـسـاج الـذي يحتـفـظ بـه لعـقاب المـذنـبـين
    والمـشـاغـبـين وهـددنـا بـالـنـقـل الى المـدرسـة الـشـرقـية الـسـيـئة الـصيـت بـسـبـب مـديـرهـا 
    عـبـد الـقـادر حَـمـد الـجـبـوري الـمـشـهـور بـقـسـوتـه . 
     وهنا أقـول : أنّ المغـفـلين هـم مَنْ يصـدقـون كلام الاخـرين للـتغـريـر بـهم وزجـهم باسم 
    الـوطـنـيـة وشـعـاراتها الـتي يا ما تُـخـفـي وراءهـا من غـايـات ومـطـامـع مـثـلـمـا هــو حـاصـل في 
    الـعـراق بعد سقوط الساقط صدام وانخداع شـعـبـه بـالاحـزاب الـتي تـدّعي الـوطنيةَ وما 
    هي في الحـقـيقة إلّا تـكـتلات للـصوص وصـلتْ الى الـبرلمان والحكومة وتـواطأتْ فـيما
    بـينها على نَهْـبِ مـوارده بـدئً من تـسـلـمها الـسـلـطةَ في نـيـسـان عام 2003 والى يـومـنا
    هـذا في آب 2017  ولا أدري مـتى سـتـنـتهي مـأســاة شـعـبـنا  هذا .
    ذكـرتُ سـابـقًا أنّي وأخي نـافع نـعـمـل أثـناء الـعـطـلة الـصـيـفـية إمّا في الـبـناء أو الـمرطـبات
    عـنـد إبن محلتـنا وصـديقـنا إســكنـدر بـعمل الـدونـدرمه وذلـك بـسـبب وضعـنـا الـمـادي
     السيئ وكان عُـمُـري لا يـتجاوز الـثامـنة حيث يـبـدأ الـعـمل من الـسـادسـة صـباحًا وحـتى 
    الـعـاشـرة لـيلاً تـتـخـللهُ نـصف سـاعـة أفـطر فـيـها في المـنـزل ومثلها لـلغـداء ثم اعود الى 
    عـملي وهـو إعـداد الـدونـدرمه وتـجهـيزها للـبـيع وبـعـدهـا أقـوم بـخـدمة الـزبائـن وعـنـد 
    ذهـاب نـافـع أقــوم بـالـبـيع مكانـهُ وفي المـسـاء واللـيـل أدور بكؤوس الدوندرمة بين 
    الـمـقاهي الـتي قُـربُ الـمـحـل .
     كان سـعـر قـدح الـدونـدرمة عـشـرة فـلـوس وهـو مـبـلغ مـناسـب في ذلك الوقـت وفـي 
    عـصـر أحـد الايـام أرسـلـني أخـي بـقـدح دونـدرمـه الى شـخـص يـجلـس باحــدى الـمـقـاهي
    الـمـجـاورة للـمـحـل وعـنـد وصـولـي قـدّمـتُ الـقـدح لــهُ إلّا أنّـهُ رفـض أخـذه وبعـد الـنـقـاش
    واصـراره عـلى الرفض قُـلـتُ لـه الـذنـب لـيـس ذنـبـك ولـكن الـذنـب ذنـب مَنْ قـدّرك 
    فـما كان من هـذا الـشـخص إلّا أن يـذهـب الى أخي نافع ويـقـول لـه أخـوك شـتـمـني وقـال
    لي : ألعـن أبـوك يـا بـو كـرادك ، بهذه الكذبةِ صدمـني لأني أجهل أصلاً قوميته ولـم
    يخطر  يومًا على بالي أني شتمتُ قومية أحد من الناس ولـم أســمع من عـائـلـتي مَـنْ
    يـتكلـم أو يسب أو ينتقص قـومية شـخص أو عـائـلـة والـذي يُــؤكـد ذلك هو وجـودنـا 
    فـي مـحـلـة الاكـراد الـفـيـلـيه الـمهم أنّ الـكـذبـةَ انـطـلـت على أخـي فشاط غـضـبًـا ودافـعـتُ
     عن نفسي بـطـلـب شــهـادة الرجل الـجـالـس الى جـنـبه وكان يلبس حزام من القماش
     اخضر يُـدلل على أنّـهُ سـيـد عَـلَوَي وعُـمُرُه فوق الاربـعـين لـه مـحل ملاصق الى المقهى 
    ذهـبـنـا نحن الثـلاثـة الى الـشـخـص المعـني وإذا بـه يـؤيـدُ قول الـمُـفـتري ويـقولُ نـفـس 
    الـعـبـارة وكأنّ الموضوع متـفـق عـلـيه مُـسـبـقًامـما جعـلـني أسـتـشـيـطُ غـضـبًـا وأخـذتُ 
    أُقـسـم بـالله أنّ الاثـنـيـن كـاذبـان إلا أنّ أخـي لم يُـصدقني وكيف يصدقني والاثنان
    مصدقان لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم عند اخي نافع فاخذ بقولهما 
    وضربني عِـدّة ضربات وركلات حتى انقذني منه اسكندر ولا أدري كم هناك من
    الناس الابرياء يذهبون الى المجهول بتهم باطلةٍ وشهاداتٍ مُلَفَّقـةٍ ويبقى الحكم لله .  
    هـذا الموقـف ما زال صداه في نـفـسـي مؤلمًا ولكنه أوضحَ لي أنّ هـناك ناسًا لا ضمير
    لهم غايتهم خـلق فـتـنـةٍ او مُشكلةٍ لحـقـد او لحسدٍ وذلك لفساد سريرتهم والله اعلم  
    وكانت هـذه الـشـهـادة أول شـهـادة زور أسـمعها من رجل ينتسب للسلالة العلوية 
    إنـتهى الـموقـف بضربي وتـركي العمل في عـصر ذلك اليوم وهو  13/ تـمـوز/ 1958.  
    نِـمـتُ لـيـلـتي وأنـا في حالـة من الالـم الـشـديـد وفـي صـباح الـيـوم الـتـالي إذا بـأخي نـافـع
    يـوقـظـني لـيـقـول لي صـارت ثـورة بـالـعـراق إنـهـض حـتى نـذهـب للـشـغـل فـكـان جـوابي
     هو شـتـم الـثـورة ومَـنْ قــام بهـا ورفـضـتُ الـعـودةَ للـعـمل وبعـد سـاعـة نـزلـتُ السـطح 
    الى الـدار لأن الـعراقيين في ذلك الوقت لا يـجـدون غـير الـسـطوحِ مَلـجـأً لهم من الـحـرِّ 
    ومن الحشرات والـهـوام الـمـؤذيـةِ  وقـد خـسـر العـراقـيـون أمـتـع اللـيـالي وألـذ نـوم بـعـد أن 
    جـعـلـوا الـمـبـردات هـي الـبـديـل عن الـنومِ في سـطوح الـمنازل .
    أقـول نـزلـتُ وتـناولـتُ فـطوري ثـمّ خرجتُ لأســتـطلع الوضع الـعـام وإذا بـالـمـقاهي
    الـقـريـبـة تـزعـق مـذيـاعـاتُـها بـالـبـيانات الـصادره من الانـقـلابـيـين وكل بـيانٍ وآخـرٍ تـصـدح
    أناشـيـدٌ حـماسـيّـةٌ مـصـريّـة ســبق أن كانت تُـذاع من إذاعـة مـصـر أيام الـعــدوان الـثلاثي 
    [ اسـرائـيـل / بريطانيا / فرنسا ] عـام 1956 وكان أبـرزهـا نـشـيـد الله أكـبر ووحـدة
    مَيغـلبها غـلاب وإذا الـشـعـب يـومًا أراد الـحـياة وغـيرها مـن الانـاشـيـد وكان بـين فَـيـنةٍ
    وأُخـرى يُجلجلُ صوت الـعـقـيـد عـبـد الـسـلام عـارف من خلال المـذياع في قـراءة بـيانٍ 
    أو بلاغٍ عـسـكريٍّ وبين وقـتٍ واخـر يُكرر الطـلـب على الـمواطنين الـمـسـاعـدة بالـقـبـض 
    عـلى رئـيـس الـوزراء الـبـاشـا نـوري سـعـيـد الـذي إخـتـفـى .
    وهـنا أوضـح وأقــول إنّ مـا حـصـل هـو إنـقـلابٌ ولـيـسَ ثـورةً كـما يُـقـالُ عـنـها نجحت 
    بـمـؤازرة الـشـعـب الـذي عزز موقفها من اول سـاعة لانـطلاق الـبيـان الاول على  
    العـمـوم انّ المـدلولَ واحـدٌ وهـو تـغـيـيـر الـنـظـام من مـلكي الى جُـمهـوري . 
    أقـول إخـتـفى رئـيـس الـوزراء نــوري سـعـيـد واُعْـلِـنَ عـن مـقـتـل جـمـيـع أفــــراد الـعـائـلـة
    الـمـلكـيّـة بـضـمـنهم الـمـلك فـيـصل الـثـاني وبـسـماع مـقـتـل الـمـلك حـزن غـالـبـية الـعـراقـيـين
    وخاصةً الـنـسـاء باعـتـبار المـلك الشاب لا دور لـه في سـيـاسـة الـبلـد والـمـسـئـولُ عنها
    هـما الـوصي عـبـد الاله خال الـمـلك ورئيس الوزراء الباشا نـوري سـعـيـد والموضوع 
    سـأتـناولُـهُ في المحـطـات الـقادمة إنْ شــاء الله . 
    خـرجـت الـجـماهـيـر الـحانـقـة عـلى الـنظـام الـمـلكي كالـحـصان الـجامح بـلا قـيادة وقـامت
    بـسـحـل جـثـمان الـوصي عـبـد الاله ومُـثّـلَ بـه بـوحـشـية وعُـلّـقَ ببـاب وزارة الـدفـاع 
    والشيئ بالشيئ يُذكر أن الوصي بعد القبض على العُقداء الاربعة حين فشل انقلابهم 
    أُعــدِمُـوا بالرصاص وعُـلِّــقوا في بـاب وزارة الدفاع الواقعة في باب المعظم  . 
     إسـتـبـشـر الـشـعـب بـجـمـهـوريـتهِ الـفـتـيّـةِ وظـنَّ بـهـا الـخـلاص لـبـناء وطـنٍ حُـرٍّ وشـعـبٍ 
    سـعـيـدٍ حـسـب الـشـعـار الـشــيوعي الـذي كان ســائـدًا وطـاغـيًا آن ذاك والجماهـيـر في 
    نشوةٍ تجـوبُ الـشـوارع في كل الـعراق حاملةً صور جـمال عـبـد الـناصـر باعـتـباره هو 
    الرمـز لكل الاحـرار في الـوطن العـربي وبـرز في الـسـاحـة الـعـراقـيّـة وجـهُ العـقـيـد عـبـد 
    الـسـلام عـارف لأنّـهُ صاحـب الـبـيان الاول ومـا أن اسـتـقـر الـوضـع في بــغـداد حـتى أخـذ 
    بـزيـارات الى الـمـحـافـظـات والـقـاء الـخُـطـب الارتـجـالـيـة  وفـيهـا مـا يـدعـو الى الـسُـخريـة 
    ومـمـا جـاء في كلـمـتـه الـتي ألـقـاها في سـاحة إعـداديـة الكوت في ذلك الـيوم الـمُـترب والـحـرِّ 
    اللاهـب قـولُـهُ إنّ جـمهوريـتَـكم جـمهوريةٌ إلهـيةٌ سـمـاويةٌ خاكيّـةٌ وهـنا عـلا الـتـصفـيق 
    والهـتاف بحـياة الجمهـورية والانقلابيـين ولـه في محـافظـة الـرمـادي كـلـمـة سـمعـتُها من
    الـمـذيـاع  يـقـولُ فـيها : يــا أهـل الـرمـادي يـا مَـنْ ذررتـم الـرمـاد في عـيـون الـمـسـتعـمـرين 
    الى آخـرهـا حـتى أصـبـحـت هــذه الـكـلـمـات مَـثـارًا لـلـسُـخـريّـة والـتـنَـدّرِ بـعـد أن رجـحت
    عـليه كفّة الـزعيم عـبـد الكـريم ثـمّ طُويَّ قـيـدُهُ وتَـمّ اعفاءهُ من مناصبه في الدولة 
    وذلك لـتـآمـرهِ على الـزعيم وهنا أقول أن كل حركة انقلابية من العسكر اذا فشلتْ فهي
    مؤامرة واذا نجحت فهي ثورة كما حصل في 14 / تموز  وعليها تكون المعايير .   
    ومـن الاشـياء الـتي حصلت عـنـد زيـارة الـعـقـيـد عـبـد الـسـلام للـكـوت هـو تـوزيع الـدور 
    الـسـكـنـيـة الـتي إنـتهـى الـعـمـل فيها وهـي مـن مـشـاريـع الـعـهـد الـمـلكي الـتي كانـت جـاهـزةً 
    للـتـوزيـع على العـوائـل الـفـقـيـرة فـأصبـحـت مـكـسـبًـا للانـقـلابيـين وتـم إفـتـتاحها ووسِـمَـت
    بـاسـم عـبـد الـسـلام حـيث سُـمّيَ ذلك الـمجـمع الـسـكني بـحيِّ الـسلام كما قـام بـافـتـتاح
    مـشـاريع أخرى هي من منجزات العهـد الملكي . 
    في عـصـر الـيوم الـثـالـث مـن الانـقـلاب يُــذاع عِـبـر إذاعـة بـغــداد بـيان هـام وهـو القبض
    على رئـيـس الـوزراء نـــوري سـعـيـد مـتـنـكـرًا بِـارتـدائـه عـباءةً نـسـائـيةً في حي الـبـتـاويـيـن
    حـيـث أمـسـكـت بـه الـجـماهـيـر وأخـرجـتـه مـن الـسـيارة التي كان يـتـنـقـل بهـا وسُـحِـلَ 
    جـثـمانُه كـما فُـعِـلَ بالـوصي عـبد الاله وهـذا الـعمل كان مـفـخـرةَ للـشـيـوعـيـيـن حـتى 
    اتـخـذوا مـنـهُ شـعارًا يـرددونـه في كل تـظاهرةٍ مـع الـجـماهـيـر وهـو : 
    مـاكـو مُـؤامره تـصـير والـحـبال مــوجـوده . 
    والـذي أريـد قـوله هـو أنّ الـشـعـب الـعـراقي جـامح في عـواطـفـه ومـتهـور في انـدفاعاتـه
    العاطفية وبـشـكل فـوضوي وما زال هـذا الـشـعـب على وضـعـهِ وكـأنّ الـسـنيـنَ عاجزةٌ
    من تـغـيـير أو صـقـلِ طـبائـعِـهِ وقـولي هـذا عـن السـواد الاعـظـم للشعب . 
    كـما قـامـت الـجـماهـير صبـيـحة الانـقـلاب بـالهـجـوم عـلى الـقـصريـن الـمـلكـيـيـن وهما
    الـرحـاب والـزهـور وسُـرِقَ مـا خَـفَّ نـقـلـهُ وحُـطّـم مـا لـم يـقـدروا على حـملـهِ ولـم
    يُـتـرك في الـقـصرين شــيئٌ  إلّا اُتـلِـفَ . 
    أعـود الى رجـال الانـقـلاب فـقـد بـدأ بـالـظهـور بعـد أسـابـيـع وجـه الـزعـيـم عـبـد الـكـريم 
    قـاسـم عـلى الـسـاحـة الـعـراقـيّـة مـمـا أثّــر عـلى شــعــبـيـة الـعــقـيـد عـبـد الـسـلام عـارف
    وخـاصّـةً في الـمـحافـظات الـشـمالـية والـوسـطى والـجـنوبـية ومـن هـنا بـدأ الـصراع الـخـفي 
    بـين الـزعـيم رئـيـس مـا يُـسـمى بـكـتـلـة الـضـباط الاحـرار وبين صـاحـب الـبـيـان الاول
    الـعـقـيـد عـبـد الـسـلام عــارف  . 
    الـى هـنـا أقـف لأعــود الـى أحـداث حـصـلـت فـي الـعـهـد الـمـلـكي ........  
    فـفي شـهـر شـباط عـــام 1958 قـبـل الانـقـلاب بـخـمـسـة أشـهـر تـــمَّ الاعــلان عن ولادة 
    الاتـحـاد الـعـربي الـهـاشـمي بـيـن الـمـمـلـكة الـعـراقـيـة والـمـمـلـكـة الاردنـيـة مـع أن الـعـراق
    والاردن هـما ضـمـن تـحـالـف إنـكـلـيـزي تـركي إيـراني يُـسـمى بحـلف بـغــداد وهـذا الـحـلف 
    يـضمـن الـدفـاع عـن أي دولـة تـتعـرض الى عـدوان خـارجي أو إضطـرابـات داخـلـيّـة فيها
    وبـالـفـعـل أنـزلـتْ بـرطـانـيـا قـواتها ومعـها قـوّات أردنـيـة في الـيـوم الاول من الانـقـلاب 
    وتحشدت على الحدود وكان عـلى اُهـبـة الـتـدخـل وإجـهـاض الـحـركـة لـولا حـصـول مـا 
     لم يـكُـنْ بـالـحـسـبـان وهـو مـقـتـل جـمـيع أفـراد العـائـلـة الـمـلكـيـة عـلى يـد أحـد التـلامـيـذ
     في الـمـدرسـة العـسـكرية الـمـدعـو عـبـد الـسـتار الـعـبـوسي الـقـريـبـة مـن قـصـر الـزهـور 
    الـذي يـقـع في جـانـب الكرخ أمّا قصـر الـرحاب فـكان بجـانـب الـرصافة / الاعـظمية
    حـيث قـام العبوسي وبـشـكل هـسـتـيري عـنـد خـروج الـعـائـلة الـملكية الى حـديـقة الـقـصر 
    وهم يرفعون الـرايـة البـيضاء مستسلمين ، لكن العبوسي بادرهم بالرمي من بـنـدقـيـتـه 
    ولم يخرج من هـذه الـمجزرة أحــدٌ عــدا زوجـة الـوصي الامـيـرة هـيــام محمد امير
    ربيعه حـيث سـقـطتْ جـريحـةً ونُــقِلَ الجـمـيع الى الـمشـفى الـمـلكي في بـاب الـمـعظـم
    الـذي تـغـير اسـمُـهُ الى المشـفى الجُـمهـوري التعليمي . 
    وعـلى أثـر هـذا الخـبر تـوقـف الـزحـف عـلى بـغـــداد لـيـقـضـي اللهُ أمــرًا كـان مـفـعـولا .
    ويـقـول العـميـد إبـراهيم خـليـل في موسـوعـته ثـورة 14 تـمـوز أن الـتـلمـيـذ الـعـسـكري 
    عـبـد الـسـتار الـعـبـوسي تـصـرف بـدون أمـرٍ صادرٍ إلـيـه بـاطـلاق الـنـار وبـعـد الحادثة 
    بأشـهر اُصيبَ بـمرض نـفـسي حـيث كان يرى الـمـلك والـذين قُـتِـلوا معـه يأتـون له في
    الـنوم يُحاولون قـتـلهُ وقـد اُرسِـلَ الى المَـصحّات النـفـسـية في الاتحاد الـسـوفـيتي قـبل 
    أن يـتـفـكك وبقيَ العبوسي في وضع صحي يتـدهـور حتى انـتهى الى الموت . 
    وفي رواية للضابط في الحرس الملكي المدعو فـاروق عـبـد الرحمن الـياسين يـقـول :
    كان بامكان الحرس الـمـلـكي صبـيـحـة الانـقـلاب والمـسـؤول عـنـه رئـيـس أركـــان 
    الـجـيـش رفـيـق عـارف إفـشـال الانـقــــلاب لأن لـديـه قـوةً وعـتـادًا يـفـــوق ما لـدى 
    الـقـوة الانـقـلابـيـة إلا أنّـه لـم يـتـحرك مُـلَـمِـحًا الى تـواطـئـهِ ، أمّـا آمـر الـحـرس طـه
     الـبامـرني فـيقول عنه كان مُـتـذبـذبًـا أو مُـترددًا وقـد يـكـون فـي قـرارة نـفـسـه متعاطفًا
    وهـذا هو إسـتـنتاجي  الشخصي عن الانقلابـيـيـن . 
    وهنا لابُـدّ من التطرق الى نُبـذةٍ مختصرةٍ عن تأسيس الدولة العراقية حيث 
    كانت الـدولة الـتي أسـسـها الانـكـليز فـي الـعراق بـعـد ثـورة الـعـشـرين دولـةً مـلكـيّـةً 
    على رأسِـها الـملـك فـيـصـل بـن الـشـريـف حُـسـيـن أمـيـر مـنطـقـتي  الـحـرمـيـن في
    الـعـهـد الـعـثـماني وفي الـحـرب الـعالـميـة الاولى تـحـالـفَ مع الانـجـلـيز عـلى وعـدٍ 
    مـنهم بـتـنصـيـبه مَـلكًا عـلى الـشـام والـعـراق والـجـزيـرة الـعـربـية وبـعـد أن تـمكن 
    الـحُـلـفـاء ووضـعـت الـحـربُ أوزارهـــا أصـبـح وضـع الـشـريـف حُـسـيـن مُـزعـجـًا 
    فـالـمُـخـطـط الـبـريـطـاني لـتـقـسـيـم الـكـعـكـة لا يـنـســجـم مـع تـطـلـعـات الـشـريـف حـسـين 
    ولأن الاخـلاق لا اعـتـبــار لـهـا أمـام الـمـصـلحة الـعـلـيـــا لـبـريـطـانـيـا وهـو الـتـقـسـيم فـقـد 
    قَـلَـبـتْ لـهُ ظـهرَ المِجَـنِّ وقـامتْ بـقـطع إمـداداتها عـنـهُ وهي الـسـلاح وعـززتْ مـوقـف
    الـطرف الـمُـنـاوئ والـمُـنـافـس للـشــريـف وهُـــمْ حُـكّــامُ الـيـوم آل ســعـود بـالـسـلاح فـخـســر 
    الـشــريـف الامــارة وخــرج مـن الـمعـمعـة مـنـفـيًّـا الــى جـزيرة قــبـرص مُـصـابًـا بـخـللٍ عـقـلـيٍّ
    وهـو ما دبـروهُ ونـسـبـوه لـه ثم أعـادوهُ الى الاردن لـيـمـوت في 3 حـزيـران 1931 .
     إلّا أن حكومـة بـرطانـيا لـم تـتـنصل عن وعدها بل أبـقـتْ شــيءً مِـنْ الاخـلاق فـنـصّـبتْ
    ولـديـه فـيـصـل ملـكًا على ســوريـه وعـبـد الله على الاردن لكن الـشـعـب الـســوري رفـض 
    الـحُـكم الـمـلـكي وآثـر الـحـكم الـجُـمـهـوري فـلم يـكُن لـبـريـطـانـيا غــيـر تـنـصيـبه مَـلـكًـا عـلى
    الـعــراق فـاســـتـقـبـله الـعـراقـيـون بـالـتـأهـيـل والـترحـيـب وتأسـسـتْ الـحـكـومـة الـعـراقـيـة
     فـي 21 آب 1921 وتُــوّجَ فــيــصـلُ الاول مـلـكًـا . 
    وفي 29 / تشرين أول / 1936 يـحصل انـقـلاب عـسـكري من قِـبَـل بـكِـر صِـدقـي 
    في زمـن الـملك غـازي والـغاية من الانـقلاب هو تغـيـير حـكومـة رئـيس الـوزراء يـاسـيـن
    الـهاشـمي وقـد تـمّ لـه الـتـغـيـير فأصـبح حـكمت سُـلـيـمان رئـيـسًا للـوزراء وقـائـد الانـقـلاب 
    بَـكِـر صِـدقي رئـيـسًا لأركـان الـجـيـش . 
    وبـكـر صِـدقي من عـائـلةٍ كرديـةٍ ولِـدَ عـام 1886 في قـريـةٍ تـابـعـة الى كركـوك وقـد اُغْـتـيـلَ 
    في تُـركـيـا عام 1937 وكان صارمًا في إدارتـهِ وهـو الـمسـؤول عن مجـزرة اللاجـئـين
    الاشــوريـين الـقـادمين من سـوريه عام 1933 في عـهـد وزارة رشــيـد عــالي الـكـيلاني وهو 
    الـمسـؤول عـن قـمـع انـتـفـاضـة الـعـشـائر في منـطـقـة الـفـرات الاوسـط عام 1935 .
    وفـي عام 1941 حَـصَلَت حـركة في الـجـيش العـراقي يـقـودهـا أربـعـة عـسـكريين بـرُتـبة
    عـقـيـد أبرزهـم صـلاح الـدين الـصـباغ مع رئـيـس الـديــوان الـمـلكـي آنَ ذاك رشــيـد عـالي
    الكـلاني وقـد بـاءتْ بـالـفـشـل بـعـد هـروب الـوصي عـبـد الالـه مُـتـنـكـرًا بـزي الـنـسـاء وتـدخـل 
    الـقــوات الـبـريـطانـيـة الـمـتـمـوضعـة في قـاعـدة سِـن الـذبـان وهي الـحـبّـانـيـة الـيـوم وقـد أمـر 
    الـوصي بـاعــــدام الاربـعـة وتـعـلـيـق جـثـثـهم في بـاب وزارة الـدفـاع الـواقـعة في منـطـقـة
    الـمـيـدان والـتي صارت مَـقـرًّا الـى الـزعـيـم عـبد الـكريم قـاسـم بـعـد سـقوط الـنـظام الـمـلكي
    أمّـا عـن رشــيـد عـالي الـكيـلاني فـقـد تَـمـكـن من الـهـروب الى الـسـعـوديـة ونـجـا بـجـلـده من
    الاعـدام ولا أدري لـماذا تـفرق الـعـقـداء الاربـعـة فثلاثة طـلـبـوا اللـجـوء في إيـران زمن
    الـملك رضـا شـاه وقـد اُعــيـدوا الى العراق وأمّـا الرابع فـقـد طـلـب اللجـوء فـي تُـركـيا 
    وهو صلاح الـدين الـصـباغ وتـمّـت اعـادتُه الى الـعراق ولو قـدّروا الموقف الصحيح 
    لاختاروا اللجوء الى السعودية كما فعل شريكهم رشيد عالي الكيلاني لأنها على خـلاف
    قديم وعميق مع الـحكومة الـعـراقـية ويُقال اذا حضر القدر عُميَ البصر .  
    وقـد عـاد رشـيـد عـالي الـكيلاني الى الـعراق بـعـد تـغــيـير الـنـظـام ولأن الـزمّـار لا يترك عادته 
    عـاد لـيـتآمر على الـزعـيم عـبد الكريم وقـد حُـوكِـمَ في محكمـة الـشعب وخـرج بالافـراج
    عـنه لـعـدم ثـبـوت الادلّـة بـعـدها غـادر  العراق الى مصـر ثم لـيـعـودَ للـعراق بـعـد نـجـاح 
    الانـقـلاب على الزعيم في 8 شباط عـام 1963 وغـادر الكلاني الـدنـيا عام 1965 . 
    ولبيان تركيبة الحكومة الملكية فهي تركيبة هرميةٌ تبدأ برأس الدولة وهو الملك 
    فيصل الاول الذي جاء به الانكليز الى العراق بعد أن رفض الشعب السوري الحكم 
    الملكي ثم يأتي من بعد الملك السلطة التشريعية وهي مكونة من مجلسين الاعيان
    والنواب ولا يكون القانون نافذًا الّا بمصادقة مجلس الاعيان ورفعه مصادقًــا عليه 
    من مجلس النواب وينتهي الامر بمصادقة اللائحة من قبل الملك ليصبح قانونًا يُعمل
    به عند مضي المدة القانونية عليه ثم تأتي السلطة التنفيذية التي تتكون من رئيس
    الوزراء والوزراء وتبقى الارادة الملكية فوق كل هذه القوانين .   
    وهنا لا بُدّ من التنويه عن طريقة انتخاب البرلمان فمجلس الاعيان يكون اختياره من 
    قبل الملك والمقربين له وهم وجهاء بغداد والالوية [ المحافظات ] الاخرى  آن ذاك
    وكان العراق الملكي اربعة عشر  لواءً ، أمّا مجلس النواب فلا يختلف عن مجلس
    الاعيان الا بالصورة الشكلية فتكون  الانتخابات محسومةً لأسماء معينةٍ مُسبقًا 
    واتذكر  في عام 1954 فتحت الحكومة الترشيح الى الانتخابات البرلمانية فطرحت
    الاحزاب الوطنية وعلى رأسها الشيوعيون أسماء مرشحيهم وكان عن لواء الكوت
    المحامِ توفيق منير  ولَمّا تبين للحكومة أن الكفة ستكون من صالح القوى الوطنية
    واليسارية المعادية في نظر الحكومة اُلغِيَتْ الانتخابات حتى سقوط الحكم الملكي . 
    ولا بُد لي من الاشارة الى أن حكومة العهد الملكي رغم العيوب التي ورثتها من الدولة 
    العثمانية كالاقطاع إلا انها كانت تعمل على تطوير العراق بمصداقية عالية ففي قطاع 
    الصحة والتعليم والبناء كان لها اثر محسوس وملموس لدى المواطن وعلى سبيل 
    الاستشهاد لا الحصر أن طلاب المدارس الابتدائية تُوزعُ لهم وجبة المواد الغذائية 
    من حليب وفواكه وحبة فيتامين دهن السمك وتوزيع الكتب مجانًا وكذلك توزيع
    الملابس [ سترة وبنطال ] لكل طالب من الطلاب الفقراء من معمل فتاح باشا وكان 
    التعليم مجانًا من بداية المرحلة الابتدائية الى نهاية الدراسة الجامعية والبعثات الى
    خارج العراق كل هذا على حساب الدولة كما كانت العناية الصحية كبيرة في المدارس
    الابتدئية حيث كانت الفرق الصحية تزور المدارس ضمن جداول سنوية للكشف
    الصحي وإجراء الفحوصات والتلقيحات لبعض الامراض واذكر اني هربتُ عندما 
    جاءت فرقة عمل طبي لتلقيح الطلاب بلقاح ضد مرض السل اما في العمران فكما
    ذكرتُ كانت توجد خطط لبناء المساكن الى العوائل الفقيرة وقد ذكرتُ دار السلام
    في مدينتي الكوت على انها منجز ملكي وليس منجزًا للجمهورية وقد اخذ الانحسار
    والتدهور في هذه الخدمات بعد كل انقلاب يحصل في العراق واليوم ونحن نعيش
    في ظل الدمقراطية الامريكية والبرلمان الوطني المنتخب المؤلف من شِلل طائفية
    وقومية همها سرقة الشعب بحيث وصل الشعب الى الدرك الاسفل من الانحطاط
    والتخلف والامية ببركة الحكومة والبرلمان . 
    أعود الى العهد الجمهوري القاسمي  

     

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media