كيف أوجدت الإمبريالية يدا لها في أفريقيا على غرار "داعش" في الشام والعراق
    الخميس 27 فبراير / شباط 2020 - 16:17
    فادي عيد
    باحث ومحلل سياسي مصري بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا
    تردد أسمها كثيرا في السنوات الأخيرة حتى شعر البعض أن نيجيريا باتت محتلة منها، وأن عناصرها يتجولون بكل أريحية في دول غرب أفريقيا من كثرة عملياتهم الإجرامية هناك، وأن ظهورهم جاء مؤخرا كردة فعل لظهور تنظيم "داعش" في سورية والعراق، لكن الحقيقة كانت العكس من حيث توقيت الميلاد، لكن دورها يبقى هو نفس دور "داعش" ومكمل لما يدور في سورية والعراق.

    أنه تنظيم "بوكو حرام" الذي ظن أغلب الرأي العام أنه ولد بعد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بأسم "داعش"، لكن حقيقة الأمر ان "بوكو حرام" عمرها يسبق تنظيم "داعش" بعشر سنوات، وفكريا هم أحد الأبناء الذين خرجوا من العباءة الأوسع لمختلف التنظيمات الأصولية في العالم الا وهو تنظيم "الإخوان المسلمون"، وهم أحدث إمتداد لأفكار سيد قطب وعبد الله عزام وأسامة بن لادن.

    "بوكو حرام" أو جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد المعروفة ب "الهوساوية" أو بأسم "بوكو حرام" ومعناها "التعاليم الغربية حرام" أسست في يناير/ كانون الثاني، عام 2002م على يد شاب نيجيري لم يكمل تعليمه أسمه محمد يوسف.

    وتأثر محمد يوسف وأنجذب بشدة لأفكار تنظيم القاعدة، بشخص اسامة بن لادن وباقة نجوم عالم الإرهاب، حتى أسس "قاعدة الجماعة" أو افغانستان كما سماها في كناما بولاية يوبة بنيجيريا، وفي عام 2004م أنضم إليه ما يقرب 200 شاب من تشاد فاتسعت حركة الجماعة وزاد نشاطها ودخلت في صدامات حادة مع أهالي مدينة باوتشى، وفي يوليو عام 2009م بدأت الشرطة النيجيرية في التحري عن عناصر تلك الجماعة التي باتت تهدد بشكل واضح أمن البلاد وأستقرارها، خصوصا بعد تلقي تقارير تفيد بقيام الجماعة بتسليح نفسها بالعتاد والذخائر.

    بعدها تم القبض على عدد من قادة الجماعة في باوتشي، ما أدى إلى تفجر اشتباكات مميتة بين قوات الأمن النيجيرية وعناصر جماعة محمد يوسف، وقدر عدد الضحايا وقتها بحوالي 150 قتيلا، و في تلك الفترة لم تتوقف الجماعة ساعة واحدة عن العنف، حينما قدمت قناة "الجزيرة" فيلما تسجيليا عن جماعة "بوكو حرام"، فكانت في حينها أول من يتناول أخبار وتقارير مرئية عن تلك الجماعة.

    وكما قدمتهم قناة الجزيرة، فإنها جماعة دعوية خيرية لا علاقة لها بالعنف وأراقة الدماء، حتى جاء سبتمبر/ ايلول عام 2010م لتنفذ جماعة "بوكو حرام" عملية واسعة لتهريب عناصرها المسجونين بمعتقلات ولاية باتوشي، وتهريب أكثر من 700 تكفيري كان يشكلون خطرا شديدا على الأمن والشرطة النيجيرية في ذلك الوقت. وهي عملية تتشابه كثيرا بما فعله عناصر الإخوان وحركة حماس يوم 28 يناير 2011م بمصر.

    وفي شهر أبريل/نيسان عام 2014م قامت "بوكو حرام" بتنفيذ عمليات جديدة في الشكل بعد أختطاف 276 فتاة من مدرسة ثانوية بمدينة غووزا شمال نيجيريا، وأستغلت جماعة بوكو حرام البعد العرقي في نيجيريا وهو الأمر الذي كان له دور كبير في تنامي نفوذ جماعة بوكو حرام، لإن نيجيريا تتشكل من قبيلتين كبيرتين هما الهاوسا في شمال البلاد وأغلبهم من المسلمين وقبيلة الإيبو وغالبيتها من المسيحيين، وكثيرا ما تحدث أشتباكات دينية وعرقية بين القبيلتين وفي هذه الأثناء طرحت جماعة "بوكو حرام" نفسها أمام أبناء عمومتهم من مسلمي قبيلة الهاوسا على أنها مدافعة عن الإسلام، وبعد تطور الأحداث ومرور الزمن وحدوث تغييرى جذر في منطقة الشرق الأوسط وتأثير واضح فى خريطة شمال أفريقيا، يجب أن نسأل أنفسنا لماذا غرب وشمال افريقيا يتم تلغيمهم بتلك التنظيمات القاعدية ؟

    أولا : يراد لنيجيريا أن تكون مصنع تفريغ الإرهاب وتصديره إلى باقي دول غرب أفريقيا وليبيا عبر تشاد والنيجر.

    ثانيا : أدخال غرب أفريقيا بشكل مباشر، وشمال أفريقيا بشكل غير مباشر الى مسرح الأحداث العالمي، فكل دولة كان يظهر بها تنظيم "داعش" الإرهابي كانت تأتي اليها الغربان من كل الأنحاء والأرجاء لنهش الجثث المترامية على أرضها نتيجة الحروب الداخلية بها.

    ثالثا : لو نظرنا للخريطة سنجد حزاما قاعديا ناسفا من غرب أفريقيا وحتى العراق، وهذا يقول لنا أن خريطة التغيرات ومسرح الأحداث لم يعد محصور من ليبيا غربا وحتى العراق شرقا، بل من غرب أفريقيا مرورا بكل دول شمال القارة وصولا إلى حلقة الربط الهامة بين سيناء وقطاع غزة ممتدة الى لبنان وسوريا ثم العراق.

    رابعا : أينما وجد النفط وجدت أثار أقدام واشنطن وحلفائها، فدولة نيجيريا تمثل أكبر أقتصاد فى أفريقيا وأغلب أحتياجات الولايات المتحدة النفطية أصبحت تورد من غرب أفريقيا، فالولايات المتحدة تحصل ثلث أحتيجاتها النفطية من غينيا الأستوائية وحدها، كما أن واشنطن تخطط للإستغناء التام عن الخليج العربي كمورد للنفط لها مستقبلا.

    خامسا : بعد خلع جماعة بوكو حرام زيها القديم، وأرتداء ملابس "داعش" تكون بذلك أكتملت فرق وكتائب الحكومة العالمية بعد فرسان مالطا وبلاك ووتر، ولكي يكون هناك يد للشيطان بغرب القارة الأفريقية.

    حقيقة الأمر أن تنظيم "بوكو حرام" لولا ما يفعله تنظيم "داعش" في العراق وسورية لتحولت هي النجم الأوحد، ولكن دورها وظهورها على خشبة المسرح كنجم أوحد أقترب ولم يعد بعيدا كما يتوقع البعض، وإن كان تنظيم "داعش" هو المكلف من قبل صانعيه بتولي حرق مقدرات شعوب الشام والعراق وتدمير بنيته التحتية وإستنزافه عسكريا، فإن تنظيم "بوكو حرام" هو المكلف بنفس الأمر في غرب أفريقيا، والأسباب تبقى واحدة، فأينما وجد النفط والغاز ظهرت مثل تلك التنظيمات، والمستفيد في النهاية هو نفس الشيطان الذي يدير ويحرك تلك الحروب هنا وهناك.


    "أقلام الثبات"

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media