شيء في اللغة.. القرآن.. واللغة واللسان
    الأربعاء 25 مارس / أذار 2020 - 21:22
    د. هادي حسن حمودي
    باحث وأستاذ جامعي عراقي - لندن
    بحثنا، في الحلقة السابقة، دلالة مصطلح (قومك) في القرآن. وكان ردّا على تساؤلات وردت في رسالة مطولة. وفي تلك الرسالة أيضا، تساؤلات يمكن حزمها في نقطتين:
    1- وصف القرآن نفسَه أنه عربي. والقوم يعرفون أنه عربي فلماذا ذلك الوصف؟
    2- ألا يدل هذا على أن القرآن للعرب خاصة لا لغيرهم، بدلالة الآية: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) والآية: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)؟
    جوابي:
    قبل إجابة تلك التساؤلات، أبين أن كل سؤال مثل: (لماذا قال كذا ولم يقل كيت) في أي نص من النصوص، لا يمكن الوصول به إلى جواب نهائي، إلا من قبل الكاتب ذاته.
    للناقد أن ينقد، وللشارح أن يشرح، ولكن لا يحق لأيٍّ كان أن يعتبر إجابته هي الصواب الذي لا صوابَ غيرُه. ذلك لأن كاتب النص وحده له الحق في الإجابة النهائية.
    هذا مع نص بشريّ كتبه إنسان. فما بالك بنص سماويّ يرسم للناس صراطه المستقيم؟ فمن عجب أن يأخذ الكاتب حريته أمام النص القرآني، فيفتي بما توحيه إليه مكوناته النفسية والثقافية والاجتماعية، بعيدا عن الحقول الدلالية للنص، كلمات وصياغة. ثم يجزم بأنه الحق الذي لا حقّ غيرُه. ويلزمك بما رآه؟
    ونبدأ بإجابة تلك الأسئلة:
    1- نبدأ من عصرنا هذا. فأنت حين تقول: لقد أعربت عن مشاعري تجاه فلان، أو كتب لي فلان رسالة أعرب فيها عن شوقه لي، إنما تعني أنك أوضحت مشاعرك وبيّنتها، وأنّ صاحبك قد بيّن شوقه وأوضحه. وهذا هو المعنى الأصيل للفظة.
    وأرى أن القرآن حين وصف نفسه بأنه عربيّ فلأنه بَيّنٌ واضحٌ يُفترض بالقوم أن يفهموه. ومن هنا جاء مصطلح الإعراب في النحو، فهو بيان معاني النحو، وتوضيح معنى الكلام.
    وأينما جاء هذا التوصيف، في القرآن، فهو دالّ على ذلك المعنى. (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا). أي واضحا بيّنا، وكذلك ما تراه في الآيات الاخرى.
    وفي مقابلها العُجمة. ووُصف بها الشاعر زياد الأعجم، لعجمة في لسانه حيث لم يكن يستطيع نطق بعض حروف اللغة. وفي التنزيل العزيز: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) فهذا واضح ومبين وذاك غير واضح ولا مبين. وانظر الآية 44 من سورة فصلت.
    وكل من (العرب) و(العربية) أصله الوضوح والبيان، سمي به القوم ولغتهم إذ هي واضحة بينة لديهم. ويُفترض بهم أن يفهموا لغة التنزيل حق الفهم، وألاّ يتجاهلوها مبررين ذلك التجاهل بما طاب لهم من تبريرات، على ما فعله المشركون بمزاعمهم كونه شعرا أو سحرا أو أساطير الأولين.
    2- أما عن كون الإسلام للعرب خاصة، فقد سبق أن تطرقت إلى الموضوع في (قصص القرآن من الرمز إلى الواقع) و(حوار الأديان، وحدة المبادئ العامة والقواعد الكلية). فلا أريد، هنا، أن أخرج من إطار (شيء من اللغة) ولكني أشير إلى أن جواب هذا السؤال يعيدنا إلى إخراج آدم من الجنة (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فهذا مستمر منذ البدء إلى الختام.
    لكل دين من الأديان زمنه وقومه، ليكتمل ذلك في القرآن الكريم (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ). وكونه بلغة معينة لا ينفي ذلك. أما كيفية التبشير به والدعوة إليه فليست في شوط هذه السلسلة. والإسلام ليس دينا عنصريا، ولم يفضل قوما على قوم إلا بالتقوى. ولنا أن نمعن النظر في: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). وأيضا (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا). وغيرهما.
    ولله الأمر من قبل ومن بعد.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media