في ذكرى رحيل الشاعر عبد الوهاب البياتي
    الأربعاء 5 أغسطس / آب 2020 - 04:18
    د. ميسون البياتي
    تمر علينا هذه الأيام الذكرى 21 لرحيل الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي وهو واحد من أبرز أعمدة التجديد في الشعر العربي الحديث 

    بصفتي إبنة أخ الشاعر عبد الوهاب البياتي 1926 والدي هو عبد الرزاق أحمد البياتي 1928 رحمهما الله , أرغب الحديث في هذه الذكرى عن جوانب وحكايات من حياة الشاعر غير معلومة لمعظم الناس 
    [[article_title_text]]
    البياتي مع الشاعر أمجد سعيد, مهرجان أبي تمام في الموصل 1971

    جد والدي السيد جمعه البياتي كان رجلاً علمانياً يعمل معلماً قدم الى بغداد من المناطق التي ينتشر فيها قسم من عشيرة البيات في الطوز والحويجه وسليمان بيك . عشيرة البيات من العشائر العربيه الأصيله تنتشر في العراق من منطقة ربيعه وحتى العماره والناصريه , إكتسبت إسمها بيات كون محاربيها كانوا يباتون على ظهور خيلهم لصد هجمات الكرد عن لواء المنتفك , لكنها عشيره متسامحه تعشق الشعر والموسيقى ومن هذا العشق كان مقام البيات , وكان منه 7 مطربين عراقيين حاليين معروفين , وكان منه مصطفى جواد وعبد الوهاب البياتي رحمهما الله 

    تسامح البيات وانتشارهم في أماكن متفرقه جعل قسماً منهم يتحدثون الكرديه أو التركمانيه , وتسامحهم جعل قسماً منهم من أهل السنه في المناطق السنيه والقسم الآخر شيعه حين سكنوا المناطق الشيعيه 

    جدي السيد أحمد البياتي كان تاجراً كثير السفر الى مناطق مختلفه من العالم وله من جدتي 7 أولاد وبنتين تسلسل الشاعر بينهم الثالث ويأتي بعده والدي رابعاً . على الرغم من مشاغل جدي الكثيره إلا أنه كان عاشقاً لأولاده فأدخلهم المدارس وكان يتمنى رؤيتهم جميعاً بأعلى المراتب 

    بمساعدة الحاج أمين الحسيني وأستاذ التاريخ درويش المقدادي وكلاهما فلسطينيان نفتهما بريطانيا من فلسطين الى العراق تم تأسيس نادي المثنى الذي أشرف على عملية الفرهود التي راح ضحيتها عدد كبير من العراقيين اليهود والتي انتهت بإعدام محمد يونس السبعاوي . في تلك الفتره تحول قسم كبير من وجهاء العراق أطباء ومهندسين وعسكر الى نازيين بضمنهم الملك غازي الذي تم التخلص منه في حادث سير مفبرك 

    ضمن هذا الغليان وقع إنقلاب رشيد عالي الكيلاني , وكان من المقرر وصول سلاح ألماني الى قاعدة الحبانيه يستلمه الإنقلابيون لإحكام سيطرتهم على العراق . هرب الوصي عبد الإله بن  علي الى القاعده البريطانيه في البصره وبدأت بريطانيا بقصف بغداد , ووسط معمعة الحرب العالميه الثانيه تصور الجميع أن الحرب العالميه وصلت الى العراق 

    ارتعب جدي على سلامة أولاده وخاف خوفاً شديداً , فقرر قطعهم عن دراستهم والعوده الى ديار أهله في الطوز أو الحويجه أو سليمان بيك . عمي عبد الوهاب كان وقتها بعمر 15 عام , إنتصب كالرمح رافضاً بكل جديه ترك دراسته , بينما بقية أخوته إلتحقوا بوالدهم وغادروا بغداد . قال عمي لوالده : الموت عندي أفضل من البقاء دون تعليم , وبقي عاماً كاملاً يدور بين بيوت أقاربنا في بغداد مواصلاً دراسته الى أن إستتبت الأمور وعادت عائلته الى بغداد

    حين أنهى دراسته الثانويه إنتسب الى الكلية العسكريه وما هي أكثر من أيام حيث سحب إنتسابه إليها لأنها لا تناسبه شكلاً ومضموناً وإنتسب الى دار المعلمين العاليه . وفي الدار كان زملاؤه نازك وعاتكه ولميعه والسياب وعبد الرزاق عبد الواحد . رحم الله عمي منذ طفولتي المبكره تربيت في أجوائه وتعرفت على زملائه , وهم الذين إختاروا إسمي ميسون وتتلمذت على يد بعضهم واستمرت صداقتي مع الكثيرين منهم حتى وفاتهم رحمهم الله .. أذكر منهم خالص عزمي وصفاء خلوصي وحسين أمين وغيرهم كثير 

    كما تمرد عبد الوهاب البياتي على قطع تعليمه كذلك تمرد على أطر الشعر العربي بصيغه المعروفه فكان واحداً من المجددين في الشعر العربي الحديث , وكان له نهجه في الكتابه فهو معني بالقضايا الإنسانية العامه ولا يهتم كثيراً بأحداث ذات طابع خاص , وفي شعره وفي مواقفه الحياتيه لم يمتدح أحداً أو يساوم على قضيه 
    أثناء قصف العراق 1991 وكان وقتها متقاعداً يعيش في بغداد , ماتت إبنته ناديه التي تعيش في الولايات المتحده الأمريكيه بنوبة قلبية مفاجئه حاده فغادر العراق تحت القصف لإكمال مراسيم دفنها وكان موتها واحداً من اكبر فواجعه نشر بعده مجموعة قصائد في معنى الحياة والموت جمعت في ديوان يدعى : ديوان المراثي  

    عام 1993 قام هو والشاعر محمد مهدي الجواهري بحضور مهرجان الجنادريه فسحبت منهما الجنسيه العراقيه وقبل حوالي عام من وفاته تمت متابعتنا لأننا عائلته , أنا بالتحديد التي أعمل منذ 25 عام في الإعلام , حيث أمرت بعدد من المواقف بحقه للنيل منه سببت خروجي هاربة من العراق . كان وقتها يعيش في الأردن

    ذات يوم كنت اتابع نشرة الأخبار من قناة إم بي سي فظهرت صورته يصاحبها تعليق : الشاعر عبد الوهاب البياتي في ذمة الخلود في سوريا . أنا لا أعلم متى إنتقل أبو علي الى سوريا ولا لماذا , عندها أقامت له الحكومه العراقيه مجلس عزاء في جامع الجندي المجهول حضره عدد من الوزراء من بينهم طارق عزيز . لكن الطريقه التي تمت متابعتنا بها , وإختفاء الشخص الذي كان يقوم على خدمته آخر أيامه منذ ساعة وفاته حتى اليوم , وموته المفاجيء دون مرض تجعلني أشكك في كثير من التفاصيل

    اليوم توجد مكتبه وشارع بإسمه في مدريد / إسبانيا , كما يوجد شارع بإسمه في عمّان الأردن , وشارع في دمشق التي دفن فيها الى جانب الجواهري ونزار قباني .. أما في بلده العراق فقد عاش منسياً ومات منسياً يغمر الحسد والغيره الكثيرين من مجرد ذكر اسمه رحمه الله 

    د. ميسون البياتي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media