العراقيّون وخداع النفس العميق!
    الأحد 27 سبتمبر / أيلول 2020 - 18:42
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    يوم 13 ديسمبر 2003  إعتقلت القوّات الأمريكيّة التي حرّرت العراق من قبضة أبشع طاغية دموي عرفه الكوكب الى يومنا (صدّام حسين) , الذي كان مُختبئاً يومها في قبو صغير (حفرة) في مزرعة قريبة من بلدته الأم تكريت .كان أوّل ما طلبه هذا الديكتاتور من مُعتقليه الإبقاء على حياتهِ وعدم تسليمهِ لأيدي العراقيين أنفسهم!
    فهل كان هذا التصرّف طبيعي تلقائي لأجل البقاء والحفاظ على النفس؟
    أم هو نتيجة علمهِ بطبيعة شعبهِ العراقي الذي يميل الى القتل والسحل والتنكيل في مثل هذه الظروف؟
    لماذا فكّر صدّام بأنّ أعداءه الأمريكان أرحم له بكثير ,من الشعب الذي حكمه مايقارب 35 عام بالنار والحديد؟
    ربّما ساعتها إستحضر في ذهنهِ المشوّش مشهد العائلة الملكية في العراق يوم إنقلاب ( أو ثورة لو شئتم ) 14 تموز 1958 .
    وما حصل يومها للثلاثة الكبار ,أقصد الملك الشاب فيصل الثاني و خاله (الوصي السابق على العرش) عبد الإله ,ورئيس الوزراء نوري السعيد بالاخص المصير المشؤوم لهذا الأخير!
    على كلٍ بعد دقائق من إعلان نبأ إعتقال الطاغية صدام ,عمّت شوارع وساحات العراق فرحة شعبية كبرى .اُطلقت حينها الحناجر وأبواق السيارات والأعيرة النارية فرحاً وإبتهاجاً بهذا الحدث الجلل!
    بالطبع وكالعادة ,لم يشكر سياسي أو إعلامي عراقي واحد الأمريكان على هذا الإنجاز ,بل أشاروا بأصابعهم بعلامة النصر كأنّهم هم صانعوه!
    ***
    أحداث من الـتأريخ العراقي القريب!
    خلال الحرب العالمية الأولى ومشاركة الرجل المريض (الدولة العثمانية) بتلك الحرب الى جانب ألمانيا ,وبعد سلسلة معارك طويلة في العراق وإنسحاب الجيش العثماني المهزوم وتركه عشرات الإلوف من الأسرى,
    بالتحديد  يوم 11 مارس 1917  الساعة الرابعة عصراً دخلت القوّات البريطانية (ضمن حملة بلاد الرافدين) بغداد من بابها المُعظّم وسط المدينة ,دون قتال يذكر!
    بعدها بإسبوع أصدر قائد القوات البريطانية (الجنرال مود) بيان بغداد الذي وردت فيه عبارته الشهيرة (جئنا مُحررين لبلادكم لا غُزاة فاتحين)!
    الجدير بالذكر أنّ الجنرال مود توفي بعد عدّة أشهر بمرض الكوليرا ,وقد اُطلق إسمه على الجسر الحديدي الذي أنشئه الإنكليز في بغداد  1918 .
    ثمّ تبدلت تسمية (جسر مود) الى (جسر الملك فيصل الأوّل) عام 1941 بعد تطويره .وفي عام 1958 تغيّرت التسمية الى (جسر الأحرار) !
    المهم في هذه القصة الذي أوّد جلب الإنتباه إليه هو طريقة تفكير وتصرّف القسم الغالب من الشعب العراقي تجاه الأحداث التي تخص حياتهم ومستقبلهم!
    فخلال 400 عام من الحُكم العثماني القذر بكلّ المقاييس للبلاد الناطقة بالعربية يقول الدكتور أشرف مؤنس (رئيس قسم التأريخ بكلية التربية جامعة عين شمس المصرية) ,فإنّ العثمانيين لم يتركوا خلفهم سوى الكوارث .ويضيف أنّ إنتصارهم على المماليك في مصر مثلاً ,لم يكن سوى إنتصار دولة إسلامية عثمانية على دولة إسلامية أخرى كانت قائمة بالفعل .فهذا بالتأكيـد ليس فتحاً مُبيناً ,إنّما هو غزواً وإحتلالاً آثيماً .
    (إنظر الرابط الأول)!
    في العراق بالذات كان العثمانيّون  يقودون البلد نحو الإنقراض جراء الأمراض والتخلّف .كانوا تقريباً يستعبدون الطائفة الشيعية رغم أنّها الطائفة الأكبر ,نظراً لأنّ الأتراك العثمانيين هم من السنّة المتشددين!
    مع ذلك ,بعد حوالي ثلاثة أعوام من تحرير العراق من العثمانيين ,قامت ما سميّ بـ (ثورة العشرين) في شهر مايو 1920 .الغريب في هذا الموضوع أنّ الشيعة كانوا الجزء الأكبر من القائمين بالثورة وأنّ مرجعياتهم الدينية عبر فتاويهم بالجهاد كانوا عصب تلك الثورة!
    فهل هذا تصرّف طبيعي ضدّ مَن حرّرهم من ظلم العثمانيين؟
    ألا يحق لونستون تشرشل (رئيس وزراء بريطانيا الأشهر) ,بعد ذلك عندما يُسأل عن العراق 
    يقول : أواه من العراق يالهُ من بركان ناكر للجميل!
    يقول : العراق وُلِدَ في لحظة من لحظات الغضب!
    (إنظر الرابط الثاني)!
    ***
    الخلاصة :
    يقول د.عبد الخالق حسين في مقاله الموجود رابطه أدناه ما يلي :
    [.. الإحتلال كلمة وشيء مَقيت بغيض بالطبع ,لن نتجادل في ذلك!
    كما أنّ الحرية والسيادة الوطنيّة هي حُلم كلّ شعب حيّ نابض بالحياة!
    لكن أن يفقد الإنسان حصافته وقدرته على التمييز بين الخير والشرّ ,بين ماينفعه أو يضّره ,عندما تختلط لديه المفاهيم وتلتبس الإمور ,ويصبح مُحرّره هو عدّوه الأوّل ,فهذا بالتأكيد شيء آخر ,لن يجلب لذلك الإنسان سوى الشقاء ولبلدهِ البلاء] !
    ثمّ يوّضح د.حسين لاحقاً مستعيناً (بفكرة د.شاكر النابلسي) الفرق بين الإستعمار القديم (الإحتلال) والحديث (الإحلال) ويضرب مثلاً بما حدث من تحرير أمريكا والغرب عموماً لألمانيا وإيطاليا من النازية والفاشية عقب الحرب العالمية الثانية .ثمّ ما حصل في العراق عام 2003 !
    على كلٍ صدّام حسين كان يشتم ويلعن أمريكا طيلة سنيّ حكمهِ لكنّه عندما وقع في أيديهم توّسلهم البقاء أسيراً لديهم .لأنّه يعلم ماينتظره من شعبهِ المظلوم!
    كما أنّ الساسة الجُدّد في العراق لحدّ الساعة يخشون إعلان صداقتهم لأمريكا التي سلّمتهم الحُكم في الواقع على طبق من ذهب ,وأسقطت معظم ديون العراق .بل أنّهم يسموّن قواتها التي مازالت تساعدهم ضدّ الدواعش الاشرار ..قوات إحتلال!
    فمتى سيتصالح العراقيّون مع أنفسهم ويفرّقون بين ماينفعهم ويضرّهم؟
    متى سنتوقف عن نكران الجميل وتكرار نفس الأخطاء لننتظر نتائج أفضل؟
    متى سينتهي زمن الغباء الوطني وأدعياء الوطنيـّة الأنذال والمتاجرين بالدين وشعاراتهم الجوفاء؟
    و لِمَ لا ينبغي علينا أن نحلم ونفكر وننهض مثل شعوب العالَم الحُرّ؟
    [ إنّ أعمال الفضل الكبيرة ,لا توّلد الإعتراف بالجميل ,بل التعطش للإنتقام] ... هكذا تكلّمَ زرادشت ـ فريدريك نيتشه !
    ***
    الروابط

     الثاني / د.عبد الخالق حسين ـ يا له من بركان ناكر للجميل!

    رعـد الحافظ
    27 سبتمبر 2020
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media