السياسة من الشيعة إلى الوهابية حتى الإرهاب «3»
    الخميس 3 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 - 01:17
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    فى السياسة تنشأ أحزاب الوسط فى المنطقة المعتدلة بين الساخن من الأحزاب والبارد منها، هادئة فى خلافاتها، مريحة فى صداماتها، منطقة وسطى تقبل الرافض والمرفوض، وتترك ميادين الصراع لغيرها، لكنها لا تتقدم كثيراً، وكما بدأت تنتهى، على كل الأحوال فى السياسة هى المنطقة الباقية والصامدة، وإليها الملجأ والملاذ حين تشتعل المعارك بينها، وهى فى الأديان أيضا على راحتها، فهى الحرز والحصن لمن أغلقت فى وجهه أبواب الجنة، وفتحت له أبواب النار، وهى لا ترهق العقل فى التفكير، فما جاءها تحت أقدامها أخذت به، وما كان بعيدا عنها أجلته ليومه المعلوم دون جهد أو اجتهاد، فلا تميل ناحية الصواب أو الخطأ إذا كان فيهما شك أو غموض، وهى باقية فى الأديان كما هى باقية فى السياسة، فهما متلازمان ومتحابان فلا صدام بينهما ولا مزاحمة، ويبقى السير فى منتصف الطريق أمانا عن جوانبه. هذا هو الحزب الثالث السياسى فى الإسلام، وهم المرجئة.

    ثالثا: المرجئة، قالوا عنهم: الذين يرجئون الحكم على صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، ولا حكم عليه فى الدنيا، وأمره إلى الله. واستندوا إلى الآية ﴿وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ وقالوا عنهم: يرجئون العمل على النية، فلا حكم بالكفر على من شهد وأسلم، يكفيه القول والنية بلا عمل، وإذا مات الإنسان على نية الإيمان فقط فلن يضره ما ارتكب من معاص (فلا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة). واستندوا إلى الآية (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِى الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) قالت فرقة من المرجئة (لو عفا الله عن عاص يوم القيامة عفا عن كل مؤمن عاص مثله، وكل ما دون الشرك فهو مغفور) وعنهم أيضا: إن المعصية لا تضر صاحب الإيمان ولا تدخله النار لكن تلفحه النار وهو على الصراط، ويتألم قدر المعصية ثم يدخل الجنة.

    هذا عن تعريف المرجئة لكن كيف نشأ هذا الحزب السياسى الدينى؟. عن نشأة هذا الحزب من قال: نشأ بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، حين اختلف الصحابة أربع طوائف، الطائفة الأولى: يقودها طلحة والزبير، وافقا على بيعة على بن أبى طالب شرط الإسراع فى القصاص من قتلة عثمان، وطالبا الخليفة بتجهيز جيش تحت إمرتهما لمطاردتهم. الطائفة الثانية: يقودها معاوية بن أبى سفيان والحزب الأموى واشترطوا للبيعة القصاص من القتلة، وكان أمرا مستحيلا أن يقتص الخليفة من القتلة وهم تحت جناح ثوار مصر والكوفة المنتشرين فى المدينة والمسيطرين عليها، ولما رأى الخليفة أمرا غير أمر الطائفتين، نقض طلحة والزبير بيعتهما وتركاه إلى البصرة ولحقت بهما عائشة أم المؤمنين لقتاله، وانفصل معاوية عن الخليفة بالشام وأقامها لنفسه ولأهله. الطائفة الثالثة: بنو هاشم وأنصارهم، رأوا أن القصاص أمر شرعى واجب النفاذ حين تستقر الأمور وتهدأ البلاد من ثوراتها وفورانها. الطائفة الرابعة: الطرف الذى اعتزل الفتنة، وعبر عنها أَبُوالعَالِيَةِ: «لَمَّا كَانَ زَمَانُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، فَتَجَهَّزْتُ بِجَهَازٍ حَسَنٍ حَتَّى أَتَيْتُهُم، فَإِذَا صَفَّانِ مَا يُرَى طَرَفَاهُمَا، إِذَا كَبَّرَ هَؤُلاَءِ، كَبَّرَ هَؤُلاَءِ، وَإِذَا هَلَّلَ هَؤُلاَءِ، هَلَّلَ هَؤُلاَءِ، فَرَاجَعْتُ نَفْسِى، وقُلْتُ: أَيُّ الفَرِيْقَيْنِ أُنَزِّلُهُ كَافِراً؟ وَمَنْ أَكْرَهَنِى عَلَى هَذَا؟ قَالَ: رَجَعْتُ، وَتَرَكْتهم. وردد حديث النبى الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة». البعض الآخر يرى أن هذا الحزب قد نشأ أثناء الخلاف بين الخوارج وشيعة الإمام على، ويميل قليلا بقلبه ناحية الأمويين. فحين كفّر الخوارج كافة المسلمين من أنصار على ومعاوية، واستحلوا دماء بعضهم بعضا فضّلت هذه الجماعة أن تعتزل هذه الفتنة الكبيرة وأن ترجئ حكمها على أحد بالكفر أو انحيازها لفريق.. واستندوا فى مذهبهم إلى الآية: «إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء»، وإن كنت أميل لهذا الرأى، لأن عقائدهم لاحقة لعقائد الشيعة والخوارج، والتى لم تظهر إلا فى الفتنة الكبرى بين على ومعاوية، لكن لا مانع أن تكون النواة الفكرية قد لقحت فى فترة الفتنة الصغرى فى مقتل الخليفة عثمان.

    عقائد المرجئة: تفارق فى كثير عقائد الخوارج الذين يرون الإيمان لا يكتمل إلا بالعمل، والمرجئة ترى أن الإيمان لا يضر معه معصية، ويكفى الإنسان نية الإيمان دون عمل. الخوارج ترى أن مرتكب الكبيرة خالد فى النار حتى لو عبد الله مائة عام. والمرجئة ترى ما دون الشرك مغفور، والمؤمن فى طريقه إلى الجنة على الصراط تلفحه النار قدر جرمه. لكن أهل السنة يرون أن العفو عن الكبائر سوف يطمع الناس فى عفو الله «فيقررون ارتكابها». ولندلل على ذكاء حزب الوسط الذى يرضى الأطراف السياسية فى حينها، سنأخذ مثالا حول رأى الأحزاب الثلاثة حول الإمامة. ترى الشيعة: إنها ركن من أركان الإسلام وتكون بالنص الصريح أو بالتعيين، وأن يكون الإمام من قريش ومن آل بيت النبى. الخوارج يرون: ليس شرطا أن يكون قرشيا، وأن يكون الاختيار حرا للأفضل والعقل وحده مناط الاختيار. أما المرجئة: وسط بين الاثنين، وتمسك العصا من المنتصف: ترى أنه لا ينبغى أن تكون الإمامة بالنص أو الوراثة، والاختيار بالأفضلية، ولكن الأفضل أن يكون قرشيا. إنها لعبة السياسة وليست بصدق الأديان. إلى أحزاب أخرى الخميس المقبل.

    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم"

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media