السياسة من المعتزلة حتى الوهابية إلى الإرهاب «4»
    الأربعاء 16 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 - 22:26
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    اللافت للنظر أن أهل السُّنة والجماعة يُرجعون نشأتها إلى زمن المعتزلة «ومحنة خلق القرآن»، التى حُبس فيها الإمام أحمد بن حنبل سنتين، وعُذب وضُرب بالسياط لمناهضته ورفضه فكرة خلق القرآن، فى عهد «المأمون»، الخليفة العباسى، ولما خرج من سجنه فى عهد الخليفة المتوكل، الذى حارب المعتزلة وشرَّدهم وأعادهم إلى أصولهم الشيعية، التف الناس حول الإمام وظهر مذهب أهل السُّنة والجماعة، وزاده قوة أبوالحسن الأشعرى حين ترك فكر المعتزلة- بعد أربعين عاما مدافعا عنها وحاملا لواءها- وأسَّس مذهبه الأشعرى «الأشاعرة»، وكان الانقلاب الذى زاد أهل السُّنة والحديث قوة وصلابة. وعلى الرغم من قناعاتى بأن نشأة أهل السُّنة والجماعة تسبق الاثنين (ابن حنبل والأشعرى) إلى عهد معاوية الأموى، وذلك للدفاع عنه فى مواجهة الحزب الشيعى، حين استمال إليه أبا هريرة، راوى الحديث الأول، وضمه إلى بلاطه وولاته، إلا أننى سأسير مسارهم التاريخى وأبدؤه من حيث قالوا، وبالتالى فالمعتزلة يأتون فى التسلسل قبلهم.

    المعتزلة: أهم الفرق التى ظهرت فى تاريخ الإسلام، لأنهم يقدمون العقل على النقل، وهو صراع دائم ومستمر، ويعتمدون على العقل مجردا لفهم العقيدة، ويُخضعون كافة الأحاديث والنصوص للعقل (إذا اختلف النص مع العقل وجب تأويله)، ورد الأحاديث المخالفة للعقل مهما كانت قوة السند، ويُسمون أيضا «القدرية» و«العدلية» و«أهل العدل والتوحيد».

    وحول نشأة المعتزلة رأيان، الأول: سُموا «المعتزلة» حين اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصرى، فى خلافهما حول مرتكب الكبيرة، وكان رأى واصل بن عطاء أنه فى «منزلة بين منزلتين»، وهو خالد فى النار إن لم يَتُبْ ويصلح أمره قبل الموت. والرأى الثانى- وأنا أميل إليه- وهو نشأة المعتزلة حين اعتزل قوم من الشيعة الإمام الحسن بن على، عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان بعد مقتل والده. على العموم سواء هذه أو تلك فالمعتزلة أصلهم من الشيعة، لأنهم قد رجعوا إليها وذابوا فيها بعد تشريدهم وقتلهم فى عهد «المتوكل»، الخليفة العباسى، ولم يجدوا ملاذا لهم سوى البصرة. الفِرَق والمدارس الفكرية فى الإسلام أو فى غيره ليس لها وقت محدد فى نشأتها، فهى تبدأ بإرهاصات فكرية أولاً، ثم مخاض ثانياً، ثم اكتمال المولود وولادته ثالثاً، وأخيراً يُسمى المولود ويشب ويقوى. وكان أول إرهاصات المعتزلة حول خلق الأفعال، وهل هى قدر الله أم هى من خلق الإنسان؟ وقُتل فيها معبد الجهنى على يد الحجاج بن يوسف الثقفى، فى عهد الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان، حين قال: (إن الإنسان خالق أفعاله ومسؤول عنها كلية)، وقُتل فيها غيلان الدمشقى، فى عهد الخليفة الأموى هشام بن عبدالملك. حتى جاء مخاض أخطر قضيتين، الأولى قضية «خلق القرآن» والثانية قضية «نفى الصفات عن الله»، واللتان بدأهما الجهم بن صفوان والجعد بن درهم، وقُتل الأول على يد مسلم بن أحوز، والى خراسان، والثانى قتله خالد القسرى، والى الكوفة. يسير المخاض حتى يولد المولود على يد واصل بن عطاء، إمام المعتزلة، حين اعتزل مجلس الحسن البصرى فى قضية مرتكب الكبيرة وموقعه بين منزلتين.

    أصول مذهب المعتزلة أولاً: التوحيد: وحدانية الله فى صفاته، ونفى الصفات البشرية عن الله، فهو ليس كمثله شىء، ولا يجرى على الله ما يجرى على الإنسان، ومادام الله (لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ) فتستحيل رؤية الله يوم القيامة. «الوهابية» ترى عكس ذلك، وتتهم المعتزلة بالكفر وتعطيل صفات الله «جهمية» نسبة إلى الجهم بن صفوان، فهم يؤمنون بفكرة تجسيم الله.

    ثانيا: العدل: مادام الإنسان سيحاسَب على أفعاله، فتكون أفعاله من خلقه وليست من خالقه، وهو حر بشكل مطلق ويخلق أفعاله بإرادته، فكيف تكون الأفعال من عند الله ويجعلها الله على الفساد الذى لا يحبه، ثم يحاسب الإنسان عليها؟

    ثالثا: الوعد والوعيد: وهو وعيد الله لعباده بعذاب النار عن الكبائر التى يرتكبونها إذا مات المرء ولم يَتُبْ ويصلح أمره، ولا شفاعة له عند الله.

    رابعا: المنزلة بين المنزلتين: عن مرتكب الكبيرة فى الدنيا، فهو فى منزلة بين الإيمان وبين الكفر، فلا هو بمؤمن ولا هو بكافر، فإذا تاب أصبح مؤمنا وإن لم يَتُبْ كان كافرا، خالدا فى النار أبدا وبئس القرار.

    خامسا: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: الأصل فيها الخروج على الحاكم إذا خالف الله، ووجوب الأمر بالمعروف على الجميع، كل فى مجاله.

    مسألة خلق القرآن: ترى المعتزلة أن القرآن محدث ولم يكن فى اللوح المحفوظ قبل الخلق، ويُرجعون الأمر إلى أسباب كثيرة، أهمها: الأول: أن الله قد كلم نوحا، ثم بعده إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم محمدا، وكل هؤلاء قبل نزول القرآن، فكيف كان محفوظا وكلمهم الله بعد حفظه؟ الأمر الثانى: أن هناك قصصا حدثت فى القرآن فى أزمان تلته، فكيف يكون فى اللوح المحفوظ وتأتى قصص بعده (كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا)، قصة يونس ويوسف والخضر وأهل الكهف ومريم وغيرهم. والأمر الثالث: أن هناك أحداثا تلازمت مع نزول القرآن وكان الوحى ينزل تبعا لها، كحادثة الإفك، والآيات المرتبطة بالغزوات، وزواج الرسول من زينب بنت جحش، وغيرها كثير. (رأْى المعتزلة فى عذاب القبر الخميس المقبل).

    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم"

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media