العقيد معمر القذافى  19 حزيران 1942 - 20  اكتوبر 2011 

 حينما تتحكم الانا المضخمة والشعوربالتفوق والنرجسية فى تفكير ونشاط القادة والسياسين, فان النتائج المترتبة عليها ستكون كارثية على المجتمع والدولة. ان عمل السياسى ونشاطة ينطلق اساسا لاشباع وتعزيزهذا الضغط, الحاجه فى وعيه الداخلى((الباطن) ويصوغه بشعارات وايديولوجية سياسية لتحريرالوطن ورفاهية الشعب. ان خطرهؤلاء القادة والسياسين العرب انفرادهم بالسلطة وتصفية اى معارضة وغياب الصحافة الحرة ومنظمات المجتمع المدنى.   

 ولدالعقيد القذافى فى احد قرى مدينة سيرت فى جنوب ليبيا, فى مجتمع قبلى بدوى تحكمه الاعراف والعادات والاحكام القبلية. بدأ القذافى فى عام 1962 بدراسة التاريخ والقانون, ولكنه ترك الدراسة فى عام 1963 والتحق بالكلية العسكرية, وارسل بعد ذلك فى بعثة دراسية الى بريطانيا وفى فترة اقامته استمر على ارتداء الزى الوطنى الليبى, هذا يمثل احد المؤشرات ثقافته البدوية القبلية المتعالية. ان العقيد القذافى الاكثر اثارة للجدل بين الحكام العرب, استمر حكمه لليبيا 42 عاما ويمثل حوالى 80% من الليبين من مواليد فترة حكمه (1969-2011), ويشترك معهم بمعطيات هيكلية, النزوع نحو السلطة والانفراد والاستمرار بها اطول فترة ممكنه ولذلك عمل على تكوين جهاز امنى مخابراتى ذو صلاحيات واسعة ومجهز باحدث ادوات واجهزة العمل وكالعادة يحتل فيه ابناء قبيلته اهم المراكز. لقد تأثير كثيرا بالرئيس جمال عبد الناصر وكون رابطة الضباط الاحرار التى قامت بالانقلاب ضد الملك ادريس السنوسى اثناء اقامته الصيفية فى تركيا. تم الاعلان عن  الجمهورية العربية الليبية بالاهداف (المصرية) المعروفة, الوحدة, الحرية والاشتراكية. فى عام 1977 اصدر "الكتاب الاخضر- النظرية الثالثة"كفلسفة للثورة : ليست ماركسية وليست رأسمالية وتقوم على خليط من الماركسية والفوضوية وقوانين الطبيعة بالاضافة الى الافكار القومية, واصبحت يتدوال مصطلح " الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى" لقد عاش على ترويج النظرية مئات الانتهازيين الذين ادركوا لغز نرجسية القذافى وحصلوا على الملايين من الدولارات. 

 كان القذافى منذ شبابه متاثرا بالرئيس عبد الناصر التى تمثل موقفا معاديا للاستعمار, وجاءت مطالبته بزيادة موارد ليبيا من مبيعات النفط الليبى مؤشرا خطيرا لشركات النفط, ثم قام بترحيل القوات الامريكية والبريطانية من ليبيا, واخيرا قام بتأميم النفط  وسحب رصيد ليبيا الضخم من منطقة الجنيه الاسترلينى. انها تحولات كبيرة فى السياسة الليبية التى تمثل ضربة لمصالح امريكا وبريطانيا. يطور القذافى شحنات كبيرة من الحماس ولكنه يتركها خلفه عندما لا تأتى ثمارها كما كان يتوقع, ولذلك يبدو وكانة غيرناضج للمهمات السياسية, متقلب دائم الحركة والكلام ولا يستطيع التفكير الهادىء والعمل المستمر. اعلنت "الجماهيرية الجماهيرية العربية اللليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" عام 1977 واصبح "قائد الثورة" واعتمد نظام المؤتمرات الشعبية – الديمقراطية المباشرة  حيث كان له دورا رمزيا!! وسبق ان منعت الاحزاب عام 1972.

 فشل مشروع الوحدة المصرية الليبية وحصلت الحرب الحدودية مع مصر بعد ترحيل حوالى 100 الف عامل مصرى تعمل فى ليبيا عام 1977,  وتحول نشاط القذافى نحو افريقيا وحصلت بضعة مشاريع اوخطط لها, اطلاق القمر الصناعى الافريقى والسعى لتشكيل الجيش الافريقى ومشروع الدينار الذهبى الذى كان تحديا للدولار. ان فترة حكم القذافى حافلة بالاحداث الكارثية, فى عام 1978- 1988 الحرب مع تشاد حول الشريط الحدودى وهزيمة ليبيا, الولايات المتحدة الامريكية تسقط طائرتين ليبيتين فى خليج سيرت عام 1982 تقطع علاقتها مع ليبيا وفى عام 1984 تقطع بريطانيا علاقتها على اثر اطلاق حراس السفارة الليبية الرصاص على المتضاهرين وقتل شرطية بريطانية. فى عام 1982 ينصح ريغان الحد من عدد رعاياه العاملين فى ليبيا وتم حظرا على النفط الليبى. على اثر حادث التفجير لمرقص فى برلين يرتاده الجنود الامريكان ووقع ضحيته اثنان من الجنودالامريكان, نفذت سلسلة من الغارات الجوية عام 1986 فى مختلف المناطق العسكرية وعلى "باب العزيزية" مقر القذافى وكان ضحيتها 100 من الليبين بما فيهم ابنته بالتبنى, ان ما يدعو الى التأمل صعود شعبية القذافى كمناضل ضد الامبريالية وكذلك شعبية ريغان رغم الادانة من قبل الامم المتحدة. يجتمع زعماء افريقيا وتمنحه لقب "ملك ملوك افريقيا" ورئيس الاتحاد الاوربى.

ان الازمة القائمة مع امريكا وبريطانيا اخذت ماخذا خطيرا عندما انفجرت طائرة شركة "البان امريكان" فى قرية لوكربى فى اسكتلندة وكان ضحاياها 259 راكبا و11 من السكان. استمرت الازمة سبعة سنوات الى ان تم اعتراف ليبيا بمسؤليتها وقامت بتعويض الضحايا بمبلغ قدره 2,7 مليار دولار وتم تسليم المتهمين للقضاء الاسكتلندى لمحاكمتهم فى لاهاى /هولندة, كما تم اعلان تخليها عن اسلحة الدمار الشامل وتعويض ضحايا انفجار ملهى برلين, هذابالاضافة الى تعويض ضحايا طائرة الركاب الفرنسية الى سقطت فى الصحراء الليبية عام 1989 . بعد هذه الاجراءات اعيدت العلاقات الدبلوماسية وقام تونى بلير بزيارة القذافى عام 2004 وجاء  رفع الحظر الاقتصادى عن ليبيا لاحقا.  

كان القذافى يحكم ليبيا بالنظام القبلى والترغيب والترهيب وبمزيدا من العنف والقوة مع المعارضين, وكانت السجون مليئة بالشباب من مختلف الاتجاهات السياسية التى يغلب عليها الطابع الدينى بمختلف تجلياته. الا ان القذافى قام بخطوات تنموية كبيرة وانجز شبكة شوارع النقل السريع وبناء مئات الالاف من الشقق السكنية التى قام السكان بـ"احتلالها" وفتح مجالات واسعة لنشاط للقطاع الخاص وكانت الاسواق عامرة دائما بالبضاعه اليومية   والمعمرة ونشط قطاع الدولة بتصنيع السلع الكهربائية المعمرة, الثلاجات والتلفزيونات وانواع من الحاسبات( الكومبيوتر), هذا بالاضافة الى ربط ليبيا بنظام الستلايات وشبكة الانترنت. فى هذا المجال كان القذافى اكثر بعدا من صدام حسين الذي حرم العراق ايضا من منجزات التكنلوجيا المعاصرة. كانت البطاقة التموينية عامرة بمختلف انواع المواد الاستهلاكية التى توزع بانتظام على الليبين وكان دخل الفرد الليبى ., خاصة بعد تاميم النفط الاعلى فى افريقيا. ان المجتمع الليبى مجتمع قبلى ومع طيلة السنين والتوسع فى مختلف مجالات التعليم وتطور المدن وخطوط النقل السريع وامتلاك السيارات الخاصة لم تنقطع علاقات سكان المدن عن روابطهم القبلية, حيث يقصد الكثير منهم االى مواطنهم الاصلية فى نهاية الاسبوع او فى الاعياد والمناسبات. ان القذافى لم يحاول الارتقاء بالعلاقات القبلية نحو علاقات اجتماعية فى اطار الانتماء الى الدولة والولاء لها وانما استمرت القبائل كل لوحدها تأخذ ما تستطيع من الدولة وكذلك ما يمكنها فرضه والاحتيال عليه بواسطة ابناء القبيلة العاملين فى الدولة والقوات المسلحة والامن.. كان القذافى دائما مشروع الشارع الليبى الذى يشكل موضوع حديث الليبين سلبا وايجابا, خاصة بمشاريعه وتصوراته وخطاباته المتلاحقة ونزوعه نحو التفرد والتعظيم, فى مجتمع اسلامى مغلق كانت حمايته الشخصية كتيبة من النساء ما يثير كثيرا من التساؤلات. لقد استطاع بمهارة  عالية اشغال الشعب الليبى بشخصة. ان المجابهة اللفضية ضد الامبريالية لم تكن موجعئة بقدر ما كانت ثورة كلمات للاستهلاك المحلى, ولكن تفجير الطائرات, لوكربى واخرها 11/9 فى نيويورك كانت كارثية ليس على شركات النقل العالمية وعلى السكان وانما على جملة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنظرة الى العرب كمجتمعات ودول والاسلام كدين "يشجع, يدعو "على القتل والارهاب. اننا ما زلنا متهمين بالارهاب واصبحت اختصاصات علمية وجامعات عالمية مغلقة امامنا. وكما يبدو فان القذافى كان دائما رائدا فى تفكيره العبثى, احتلاله لـ (تشاد)فى الثمانينات تجدد فى احتلال صدام حسين للكويت. ان النتائح لهذا العقل التامرى ما زالت حاضرة فى عراق 2018. كانت حياة القذافى تتسم بالبساطة كما يشير اليها المترجم الرسمى, فى خيمته الذى يستقبل بها السياسين والسفراء  لا تمثل مقتينات ثمنية جدا او نوعا من الترف الارستقراطى. ان القذافى كان الامر الناهى فى جميع مجالات الحياة, بما فيها حزينه الدولة. فى المؤتمرات الشعبية العامة التى يحضرها ويقدم تصوراته فى مختلف الامور, كان يشجع المواطنين والمندوبين على العمل والاستثمار, وعندما يتطرق البعض الى القروض ومساعدات الدولة, يردهم بقوة, اتركوا موارد النفط جانبا وابحثوا عن سبل اخرى, ولكن مئات الملياردات تبذرت بشكل مساعدات لدول او منظمات وحركات شعبية , ايرلندة وانفصال اقلليم كاتولونيا عن اسبانيا او الرضوخ لابتزاز حسنى مبارك للتوسط له لدى الحكومات الغربية, ودعم الحملة الانتخابية للرئيس نيقولا ساركوزى بـ 20 مليون يورو. ان اسلوب اداردة الحكومة من قبل القذافى يقوم على الاهمال والتسيبب, تماما كما سلك نورى المالكى فى فترة رئاسته للوزارة 8سنوات, القائمة على" هاد الرسن" الكل تعمل او لاتعمل بدوب عقاب او رقيب والذى يؤدى الى فساد الجهاز الادارى وجنوحه نحو الاهمال والرشوة, فى فترة التسعينات كان المغتربين العاملين فى ليبيا يشكون من عدم توفر خدمات نقل النفايات, وكانت اكوام النفايات تجدها فى طرابلس فى كل مكان, وكانت جامعة الفاتح قريبة من احد الاحياء السكنية فى طرابلس وكان السكان يرمون النفايات فى الفضاءات المفتوحة فى الجامعه, الى ان تكونت عدة تلال متوسطة الارتفاع التى تبعث على روائح مزعجة وديدان اخذت طريقها الى داخل الجامعة. الادارة الرشيدة للجامعة قررت حرق النفايات, كالعادة بدون دراسة وتفكير وكانت النتائج مؤذية وبالغة الاضرار, اما عن الرواتب فكانت توزع مرتين فى السنة الدراسية. ان المثير فى الحياة الاجتماعية الليبية كثرة الشاعات, شاعات من كل نوع والتى تعبر عن قلق وعدم ثقة بما هم عليه.

ان قتل وسقوط القذافى الذى لم يكن اكثر سوءا من بقية الحكام العرب جاء بتخطيط من فرنسا وبريطانيا وباركته امريكا وقوات حلف شمال الاطلسى, انها ليس ثورات " الربيع العربى" وانما جاء الوقت المناسب لاعادة تخطيط المنطقة, خاصة والنوعية الممتازة للنفط والغاز الليبى. بعد الاحداث فى تونس  ومصر اخذت خلايا ليبيا المدعومة من قطر والغرب بشكل عام فى التحرك. لقد حصلت اشتباكات بين قوات القذافى وقوات المعارضة واستطاعت قوات القذافى من ايقافها حصرها فى مدينة بنغازى, الا ان الضربات الصاروخية للقوات الفرنسية والانكليزية وقوات حلف شمال الاطلسى بدعم من امريكا, على اثر قرار بحظر الطيران لحماية السكان وتم تجميد الاصول المالية للقذافى وابنه سيف الاسلام وعائلته, واصدرت المحكمة الجنائية والانتربول فى 21 حزيران بمذكرات اعتقال للقذافى وابنه سيف الاسلام ورئيس المخابرات السنوسى بتهمه جرائم ضد الانسانية. اخذت الاحداث تاخذ سرعه كبيرة فقد خسر القذافى فى 11 اب معركة طرابلس و اخذا المجلس الانتقالى مقعده فى الامم المتحدة وكانت قوات القذافى مسيطرة فى معركة سيرت الا ان طيران الغرب وحلف الاطلسى وقوات المجلس الوطنى قد حسمت المعركة وتم اعتقال القذافى بعد ضربات حلف الاطلسى الصاروخية,  فى 20 اكتوبرتم قتله من قبل قوات المجلس الوطنى.  كانت نهاية ماساوية لحكم القذافى الذى استمر لـ42 سنه وكما يبدو فان الحكام العرب لم يدركوا بعد ان متطالبات الحكم والقيادة تحتاج الى افكار واساليب ودما نقية شابه لها القدرة على التفاعل مع مستجدات الحياة ومراكز القوى والصراعات الدولية. ان تنفيذ المؤامرة لم يقتصر كالعادة على الغرب وحلف الاطلسى وانما ايضا على دول عربية وبشكل فعال كدولة قطر. 

د. حامد السهيل  فى 19. 8. 2018