السياسة من المعتزلة حتى الوهابية إلى الإرهاب (٥)
    الأربعاء 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 - 21:50
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    المعتزلة من الفرق الكلامية التى تركت بصماتها بوضوح على خريطة الثقافة الإسلامية، فهى الفرقة الوحيدة التى عظمت دور العقل فى فهم العقيدة،
    وأسندت للعقل وحده مهمة الوصول إلى الحقيقة حتى لو كانت حقيقة غيبية، وكذلك إخضاع الأحاديث لحكم العقل واستبعاد ما يخالفه حتى لو كان حديثا متواترا. ويقدمون أحكام العقل على مفهوم النص «ما فهمه الناس منه» وتأويله إذا اختلف معه، لكن العقل فى الغالب يرفض الغيبيات ولا يقبلها، والأديان مساحات الغيب فيها معتبرة وواسعة، منها ارتبط بفلكلور زمانه، ومنها خرافات وخزعبلات الوضاعيين التى وضعوها خدمة للأديان بحسن نية، ومنها ما وضعه الغير بسوء نية، وبعضها محل قبول من البعض، والآخر محل رفض واستغراب مكتوم من البعض الآخر، وفيها ما لا يتفق مع ما يألفه العقل وما يتسق مع منهجه. المعتزلة ينكرون الكثير من الغيبيات كالجن والشياطين والسحر، والشفاعة، وعذاب القبر والصراط. ونوجز للبعض منها.
    أولا: عذاب القبر.. المعتزلة ينكرون عذاب القبر، وينكرون نعيمه ويستدلون بالآية «يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شىء شهيد» والآية «كل نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فليس هناك فى القرآن يوم للبعث وللحساب، أو يوم يوفى فيه الأجر سوى يوم القيامة. والاستدلال الثانى حديث عن السيدة عائشة لما سألت النبى عن دعاء خادمة يهودية كانت تخدمها وتدعو لها أن يقيها الله عذاب القبر فقال لها «كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة»، أما عن حديث أبوهريرة عن مرور النبى على قبر مسلم وقوله «إنه يعذب ببكاء أهله عليه»، فقد ردته السيدة عائشة، وقالت أو لم يقرأ «ولا تزر وازرة وزر أخرى».
    ثانيا: إنكار الصراط: الصراط الحسى معتمد لدى أهل السنة والجماعة والصحابة «وهو جسر ممتد على متن جهنم يجوز عليه العباد بقدر أعمالهم، وهم يتعاونون فى السرعة والإبطاء على قدر ذلك، وأن المؤمنين سيمرون وحقهم الجنة»، كما قال أبوالحسن الأشعرى، «وهو أدق من الشفرة وأحد من السيف»، كما قال الإمام مسلم، ولهم فى هذا أدلتهم من الأحاديث. الصراط ينكره المعتزلة، لكنهم يؤولون الآية «اهدنا الصراط المستقيم» إلى طلب التوفيق والرشاد من الله للوصول إلى طريق الله المستقيم، ويعتبرون كل الأحاديث فى هذا الأمر أحاديث أحاد لا يؤخذ بها، ولا يعتد بها فى العقائد.
    ثالثا: إنكار السحر: قالوا إن السحر خارق للعادات ومعجز لأفعال البشر، وما يفعله الأنبياء خارق للعادات ومعجز للبشر، لكن الفارق بين معجزة الأنبياء ومعجزة السحرة أن النبى يخرق العادة ويأتى بالمعجزات لنبوته وموافقة ربه لها، والساحر يخرق العادة لكذبه دون نبوة، وهذان خصمان لا يلتقيان ولا يتساويان، وأمر غير مقبول أو معقول، ولو فتحنا الباب لكان إظهار المعجزات على أيدى الدجالين مخالفا للعقل ومناقضا لمعجزات النبوة ومتداخلا ومتساويا معها. وهم فى هذا ينكرون واقعة «سحر النبى» عندما قالت السيدة عائشة عنه «حتى يرى أنه كان يأتى النساء ولا يأتيهن»، واستندوا إلى الآية «والله يعصمك من الناس»، فكيف يسحر النبى من الناس، وهو الذى عصمه ربه من الأذى؟ فلا يعقل أن يكون إصابة النبى بوعكة أو حمى كسائر البشر وما يصاحبها من نسيان أو هذيان يفسر على هذا النحو. «كثير من الأمراض العضوية يفسرها الناس على أنها من السحر فى عصرنا الحالى ويربطون بينها وبين زيارة طرف أو لقاء شخص ما وهى ليست كذلك فما بالكم فى حادث منذ قرون».

    رابعا: الشفاعة، المعتزلة ينكرون الشفاعة على مرتكب الكبيرة والذى مات قبل التوبة فهو مخلد فى النار لا شفاعة له «يتفقون فى هذا مع الخوارج»، واستندوا إلى الآية «بلى مَن كسَبَ سيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»، لكن الشفاعة تجوز على التائبين وفى درجة فى الجنة تقل عن درجة التوابين، ولا ترفع الشفاعة درجة عبد إلى الدرجة الأعلى.
    أما عن قصة خروج أبوالحسن الأشعرى عن فرقة المعتزلة وتكوينه حزبه الأشاعرة، فنبدأها من فرق المعتزلة الستة عشرة وهى: الواصلية، العمرية، الهذيلية، النظامية، الأسوارية، المعمرية، الجعفرية، الإسكافية، البشرية، المزدارية، الحابطية، الثمامية، الخياطية، الجاحظية، الجبائية وهى الأخيرة نسبة إلى محمد بن عبدالوهاب الجبائى، وهو الذى خرج عنه تلميذه أبوالحسن الأشعرى بعد أربعين عاما معتنقا فكر المعتزلة حتى وصل إلى منصب نائب أستاذه الجبائى، ولقد تبرأ الأشعرى من المعتزلة وخلعهم كما خلع رداءه أمام الناس فى صلاة الجمعة وقال «لقد خلعتهم كما خلعت ردائى هذا»، وليس متصورا أن يخلع أبوالحسن الأشعرى الاعتزال لمجرد خلاف فى مسائل مع أستاذه الجبائى، وهو أمر وارد فى هذه المدارس، طالما أنه ليس خلاف حول الأصول الخمسة للمعتزلة وهى: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف، لكنها كانت القشة التى خلعت المعتزلة، والقشة لا حمل ولا وزن لها إلا إذا كان الحمل فوق الطاقة قبل مجيئها، وكان صاحبنا قبلها قد قرر الرحيل. إلى أهل السنة والجماعة الخميس المقبل.
    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم"

    ·  السياسة من المعتزلة حتى الوهابية إلى الإرهاب «4»

    16/11/2016 - 22:26

    ·  السياسة من الشيعة إلى الوهابية حتى الإرهاب «3»

    03/11/2016 - 01:17

    ·  السياسة من الشيعة حتى الوهابية إلى الإرهاب (2)

    26/10/2016 - 21:17

    ·  السياسة من الشيعة حتى الوهابية إلى الإرهاب «1»

    19/10/2016 - 21:24 

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media