السياسة من بن تيمية والوهابية الى الإرهاب (11)
    الأربعاء 11 يناير / كانون الثاني 2017 - 20:18
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    كان تهجير بن تيمية وهو طفل صغير فى السابعة من عمره برفقة أهله من «مدينة حران» شمال نهر الفرات بالعراق، إلى مدينة دمشق، هروبا من غزو جحافل التتار لبلدته، وفراره وأهله أمام أمواج المغول المتلاحقة التى تبيد البلاد والعباد قبل ارتطامها، وهول مارآه وماسمعه عن تدمير كل ماتقع أعينهم عليه، وهمجية وحرق مكتبة بغداد، وردم نهر دجلة بكتبها المحترقة معبرا لجحافلهم، وإبادة البشر على يد بدو التتار، كان لكل هذا الأثر الأكبر فى تكوين عقيدته عن الآخر، والنظر إليهم جميعا من زاوية واحدة وهى زاوية العدوان والظلم، فكان لابد من رد عدوانهم وظلمهم بأقسى وأشد منه، واستباحة أموالهم وأرواحهم كما استباحوا أموال وأرواح المسلمين، وسبى نسائهم وهتك أعراضهم كما استباحوا وهتكوا أعراض المسلمين، وظنى أنه كان يحفز الشعب شرعا لرد العدوان والانتقام مما فعله التتار وشجعه الناصر محمد بن قلاوون سلطان المماليك على ذلك. وكان يظن ابن تيمية أن هذا هو المشهد الوحيد لغير المسلمين فهم أعداء الله كما يتصور، هدفهم القضاء على دين الله، وظن الشيخ أن كل الغرباء على شاكلتهم وشاكلة الصليبيين الذين احتلوا الشام قبل أن تطأ قدمه دمشق الهارب إليها طفلا صغيرا.هكذا كانت تجربته مع الآخر، عدو الله المتآمر على الإسلام والمسلمين، فكان ما وصل إليه من أحكامه حول الكافر للانتقام والقصاص، ولو كان منصفا ونظر إلى الداخل لرأى بعينه شبيها لما يراه بين المسلمين بعضهم بعضا. وقد تناولنا فى مقالين سابقين حكمين له حول الكافر، الأول: الكافر لايملك أمواله شرعا ولايحق له التصرف فيها، بل هى حق للمسلمين. والثانى: وجوب تحقير وإذلال الكافر، والمسلم مأجور عليه ومأمور به. وكان أيضا لعزوف الشيخ عن الزواج السبب الرئيسى لتحامله على المرأة، حتى وضعها فى مصاف البهائم والعبيد، فلم يعاشرها زوجة ليسترها، ولم يألفها رفيقة ليرحمها. ولم يحتضنها ابنة حتى يملأ طفولتها بهجة، وشبابها فرحا، ويشملها بعطفه حين تكبر بين يديه وفى حجره، ويبكى حزنا حين تتركه للعيش فى بيت آخر، حتى يرى فى المرأة غير مايراه فى البهائم والعبيد. ونستكمل أحكام ابن تيمية على الكافر.

    ثالثا: الكافر وأولاده وأمواله مباحة وغنيمة للمسلمين بحق الله: يقسم ابن تيمية وكافة المذاهب والفرق العالم إلى دارين «دار حرب ودار سلام» فإذا دخل المسلمون ديار أهل الحرب والكفر عنوة وقهرا وفتحوها، كانت أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكل مايمتلكونه حقا وغنيمة للمسلمين سواء كان الكافر مقاتلا أو غير مقاتل «ويبيع مايقع فى يده منهم. يقول ابن تيمية فى مجموعة الفتاوى: إذا دخل المسلم دار الحرب بغير أمان دون عهد أو محاربا، فاشترى منهم أولادهم وخرج بهم إلى ديار الإسلام كانوا ملكا له باتفاق الأئمة وله أن يبيعهم، وكذلك لو سرق أنفسهم أو أولادهم أو قهرهم فإن نفوسهم وأولادهم وأموالهم مباحة على أى وجه للمسلمين». وهذا الحكم يجرنا إلى حكم آخر، وهو حكم «قتل الكافر» حتى تكتمل الصورة، عنده هو وتلميذه ابن القيم.

    الأول: كفار محاربون: وهم من اعتنقوا ملة غير ملة الإسلام، وليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا ذمة. هؤلاء هم فى حالة حرب مع المسلمين، ولايحق لهم أن يتمتعوا بأمان المسلمين، فهم حلال الدم والمال، ويجوز للمسلم قتل الكافر منهم وأخذ ماله.

    الثانى: كفار ذميون وأهل ذمة: وهم من اليهود والنصارى الذين يعيشون فى بلاد المسلمين، وأقرهم المسلمون على كفرهم، والتزموا بدفع الجزية، وأقروا على أنفسهم الإقامة بين المسلمين على أحكامهم وعلى مايؤمرون به، فهؤلاء معصومو الدم والمال.

    الثالث: كفار معاهدون: وهم الكفار الذين تصالح معهم المسلمون لمدة معلومة ومحددة، وعهدهم عهد مؤقت، ولايجوز الصلح معهم إلى الأبد، لأن فى هذا الصلح الدائم تعطيلا لأحكام الجهاد!! وهؤلاء يحرم على المسلمين قتلهم، حتى إذا انتهى أوان العهد والميثاق معهم، عندها تسرى عليهم أحكام الكافر المحارب.

    الرابع: كفار مستأمنون: وهم الكفار الذين يدخلون إلى بلاد المسلمين بأمان، كرجال الأعمال والتجار والسياح وهؤلاء معصومو المال والدم..

    وحتى نغلق الدائرة لابد أن نلقى الضوء على «الحكم على المسلم إذا قتل كافرا» أى ماهو الحكم الشرعى الواجب تنفيذه على مسلم قتل كافرا. وماهى حدود الحكم الشرعى المسلم لايقتل بكافر؟ أولا: فى قتل الكافر المحارب.. لايقتل فيه المسلم سواء قتله خطأ أو عمدا فهما فى حالة حرب. ثانيا: فى حالة قتل الكافر الذمى «أيا ماكان وضعه فيما سبق» خطأ أو شبه متعمد.. فلايقتل فيه المسلم باتفاق كل المذاهب. ثالثا: فى حالة قتل الكافر عامدا.. عند الشافعية والحنابلة وبعض المالكية لايقتل المسلم حتى لو قتل الكافر عامدا متعمدا على الإطلاق. وعند الحنفية يقتل المسلم فى قتله العمد وأضاف البعض حين تكراره «البغى» وكان لهذه الفتوى الأصلية، وما أضيف لها من قتال الكافر، وأيضا الإضافة الأخيرة فى الحكم على المسلم إذا قتل الكافر، تكوين المثلث الذهبى الذى أبيدت به الأرواح والأنفس، وخربت به البلاد، ونهبت به الأموال، ليست أموال الكافرين فقط بل أموال المسلمين أيضا فى كل العهود والخلفاء وأشهرهم العهد الوهابى حين فتحوا الجزيرة العربية. ولنا لقاء آخر الخميس المقبل.

    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم"

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media