السياسة من الوهابية إلى إرهاب الدواعش «12»
    الأربعاء 18 يناير / كانون الثاني 2017 - 22:56
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    وأتساءل كيف وجد محمد بن عبدالوهاب ضالته فى فكر ابن تيمية؟ وكيف لحق به وبينهما قرون (ابن تيمية ولد 661 ومات 728 هجرية، ابن عبدالوهاب ولد 1115 ومات 1206هجرية)؟ وكيف استدعاه من سباته رغم غرابة أفكاره التى حبس من أجلها ومات مسجونا بسببها، ليس بحكم سياسى جائر، بل على العكس أيده سلاطين المماليك، بل حبسه مشايخ عصره واتهموه بالزندقة، إلا إذا كان خدمة لأفكاره وطموحاته، وحكم وطموحات آل سعود التى تقاسما بها الحكم والدين؟ ثم كيف طورا معا الفكر السلفى حتى الإرهاب، وأحيا ورثتهما فكرة الخلافة الإسلامية التى انتهت بانتهاء أسوأ عهودها وهو الخلافة العثمانية، فلم تضف ولم تطور ولم ترتق ولم تعلم، وكان همها جمع المال والنساء، فضج الناس منها وضاقوا بها، ولو كانوا وجدوا فيها خيرا أو محمودة لنادوا لها بطول العمر. يتطلب الأمر أولا العودة إلى نشأة محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية الأولى.

    هذا رجل عربى يدعى سليمان بن مشرف من بلد «العينية» من نجد، يرى فيما يراه النائم، أن نارا تخرج من جنباته إلى عنان السماء تحرق فى طريقها الزرع والبيوت والخيام. يسأل المشايخ ومفسرى الأحلام من حوله فقد أقلقته الرؤيا. طمأنه أحدهم وبشره بأن رجلا من صلبه سيخرج على الدنيا بمذهب جديد، يهدى به الحيارى، ويضىء للمسلمين طريق الظلام، ويعيدهم إلى الدين القويم. فيما قاله مفسر الرؤيا: إن مذهبه سينير من البحر الأحمر حتى خليج فارس (ولا أدرى هل كان يعلم أن فى الغد من يحمل نفس الرؤيا لشيخ آخر من شيعة بلاد فارس، فلم تصلها رؤياه!! ولا أدرى أيضا لماذا طالتنا فى مصر هذه الرؤيا ونحن على يسار البحر الأحمر وعلى ضفته الأخرى، إلا إذا كان يقصد البحر من الجانبين!! البعض قالوا: إن سليمان رأى ما رآه عبدالمطلب فى رؤياه فأسرها فى نفسه نبوة جديدة لم يفصح عنها إلا للمقربين. كل مشايخ الجزيرة نتحمل نحن تبعات أحلامهم!! ومما زاد الأمر ثقة أن سليمان الجد، صاحب الرؤيا من قبيلة النجديين، وينتمى إلى قبيلة تميم العربية، ونسبه يرجع إلى النبى محمد، فوجبت له الرؤيا، ووجب علينا تحقيقها!!. أخفق الشيخ عبدالوهاب الابن الأكبر لسليمان فى تحقيق نبوءة والده، قالوا عنه «ذكاؤه محدود وطموحه مغلوب» حتى جاء ابنه «محمد» وكان ذا حيلة وذكاء، فكان الحلم على يديه محققا، وأول دعواه عدم تقديس الأنبياء والأولياء، فليس للمسلمين مقدس إلا الله، وحذف من التراث والأحاديث ما شجع على تقديس النبى أو أعاجيبه ومعجزاته، ولما سمع عن حلم جده كانت ناره وسيفه على المبتدعين من المسلمين، فوجد محمد قبولا عند قبيلته (سنلقى الضوء على فكره لاحقا دعونا أولا فى نشأته وسيطرته) وبدأ رحلة البحث عن سلطان أو أمير، بل قل سيفا يحتمى فى حماه، فلا نفوذ لدين دون السياسة، ولا سلطان لحاكم دون الدين. سافر صاحبنا باحثا عن صفقة أو اتفاق مع أمراء اليمن وسوريا والعراق، لكنه عاد إلى بلاده مخذولا مدحورا، حتى وجد فى استقباله ابن سعود أميرا طموحا يحلم أن يمتد حكمه على الجزيرة العربية، والتقى الحلمان، حلم سلمان جد محمد، وحلم ابن سعود، أمير الدرعية والإحساء، وتعاهدا على القسمة والمشاركة، هذا له الدين لا شريك له، وذاك له الحكم فلا قسيم له. وأعلن الأمير بن سعود الدرعية عاصمة الحكم الوهابى الجديد، واعتبر نفسه إمامهم، واحتفظ محمد بن عبدالوهاب لنفسه بلقب شيخ الوهابية، وكون الأمير الطموح جيشا جرارا من بدو الصحراء الحالمين بالغزو والسبى والغنائم، فهى نعيمهم لا ينعمون إلا فيها، ومهنة لا يجيدون سواها، فكانوا ثلاثة يسعى أولهم للدين والثانى للحكم والثالث للغنائم. إياك أن تقول إن هؤلاء قد جاءوا لحلم الهداية والرسالة، أو محاربة البدع، كيف وغزو وقتل خلق الله هو أسوأ ما ابتدع الإنسان من شر وظلم!! بدأ باستبدال الخيل بالجمال لقدرته على التحمل، وعودهم على مشقة الحياة وأساليب الحرب والخداع والقتل، وأخضع لسلطانه القبائل المجاورة. لما مات بن سعود خلفه ابنه عبدالعزيز وسار على نهج أبيه فأخضع صحراء الجزيرة لسلطانه وسلطان الوهابية، فكرا وحكما، واعتمد الفكر الوهابى فى الجزيرة وحده دون المذاهب الأربعة، ولما مات محمد بن عبدالوهاب خلفه ابنه حسين، وأصبح الحكم مقسما بين حاكم يحكم ومفت وهابى من نسلهم يفتى، يتقدمان معا يسبق بعضهما بعضا أحيانا، لكنهما لا يفترقان لأنهما يعلمان تماما أن الهلكة فى فراقهما.

    من بغداد حدود الخلافة العثمانية يتحرك جيش أميرها سليمان باشا بأوامر من السلطان لوقف زحف عبدالعزيز ووأد طموحاته، يصل جيشه إلى الإحساء وينسحب أمامه جيش الوهابيين، لولا الرشوة التى دفعها إلى أحد قيادات الجيش البغدادى، فيتركه وجنوده فى الصحراء حرا طليقا يستجمع ويلملم شتات قواته، ويعود إلى قبيلته فى الدرعية منتظرا ساعة الانتقام، وكانت (1801) ميلادية فى احتفالات الشيعة بيوم إمامهم على بن أبى طالب فى مدينة النجف، وكانت مدينة كربلاء، مرقد الإمام الحسين، فارغة خاوية إلا من النساء والأطفال والعجزة، فقد تركها الناس إلى النجف احتفالا بأبيه، تدخل قوات عبدالعزيز إلى كربلاء، تبيد فى طريقها ما تطأه القدم، وتقتل ما تراه العين، وتحرق ما يقف فى الطريق وتنتهب كل ما يقع على جنباته، وحولت الأرض والبيوت والعمران إلى خراب، يصلون إلى مرقد الحسين يهدمونه على المقام، ويستولون على قبته الذهبية وكنوزه وأمواله ويدكونه دكا، ويحملون الغنائم ويعودون بها إلى الدرعية.

    غزوة كربلاء نقطة سوداء فى تاريخ شيعة العراق وإيران، لن يمحوها يوما من الذاكرة طول التاريخ أو عرضه، حتى لو مسحوا مداده وأبعدوه عن كتب الأجيال القادمة، فهى مقروءة فى عيون الأجداد ويتناقلها الأحفاد دون كتاب.

    adelnoman52@yahoo.com

    "المصري اليوم"

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media